اطبع هذه الصفحة


تفعيل النساء1

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

تفعيل النساء1


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه،:-
ليس لك أن تجلس بين قومٍ ولا ترقب أفعالهم وتسمع لحديثهم، ربما أصبت ما ينفعك أو أصابك ما قد يضرك. وقد أمرنا بالنظر في أنفسنا، وما حولنا، ومن سبقونا طائعين أو عاصين، وما سيؤول إليه أمرنا بعد وفاتنا، أسال الله العظيم حسن الخاتمة؛ فمن أبرز ما يعرض في كتاب الله الحثُّ على التدبر والتفكير؛ جاء الحث عليه وجاء الأمر به في عديد من الآيات فلا تقرأ وردًا قلَّ وردك أو كثر إلا وتجد ما يحدو بك للتدبر والتفكير.
فهمت هذا الأمر من كلماتٍ قرأتها شابًا دون العشرين للأستاذ محمد قطب، فكنت أحاول أن أُعمل الفكر في كل من حولي وما حولي وأطرح أسئلة استوضح بها ما أستشكله، ومن أبرز ما استشكلتُ: عدم انتظام بعض أبناء الإسلاميين على خطى آبائهم، وخاصة السلفيين، واستقر عندي أن السبب الأهم – واتضح عدم دقة هذه الملاحظة بعد ذلك - هو المرأة (الزوجة)؛ أقول: الرجل شيخ ويعمل في الدعوة إلى الله، فلابد أن الخلل جاء من ناحية الزوجة؛ ربما تزوجها قبل أن يلتزم وتلتزم فالتزم وأبت، وربما كسولة نامت عن عيالها، أو خفيفة انشغلت بغير بيتها، وأجد تصديقًا من بعض الحالات!!

ولذا استقر عندي أن أتزوج متعلمةً ذات هَمٍ وهمة. وعمدت إلى حلق العلم ويسر الله لي من بين فتياتها فتاة، تَقْدِمُهم همةً وعقلًا.

كانت زوجتي تنتظم في حلق العلم عند الشيخ مصطفى العدوي، تطلب الحديث، وكنت في فترة الخطوبة(بعد العقد وقبل البناء) أذهب معها لدرسٍ يوم السبت بعد صلاة الظهر يدرِّسهم الشيخ كتاب العلل للدارقطني، وكعادتي أنظر فيمن حولي، وما حولي، وأطرح أسئلة أحاول بالإجابة عليها فهم ما يستوقفني؛ ومما استوقفني يومها أن الرجال والنساء سواء!!، والله يقول: "وليس الذكر كالأنثى". استوقفني أن السلفيين – وأنا أحدهم من ثمان سنوات يومها- لا يفرقون بين الذكر والأنثى إلا في الثياب والمجلس. تحتجب المرأة فقط بثيابها، وكذا لا تخالط الرجال في مجلس، وهو أمر حسن، أمرنا به، ولكن الأولى لها أن تحتجب بجدران بيتها ولا تخرج إلا مكرهةً كارهةً، أو راغبةً في أجر بآداء ما يجب عليها. والعزلة عن الرجال محمودة وهي –أيضًا- مما أمرنا به، ولكن خير لها أن ترى من يعلمها، فما يصل من آداب حال التعلم تزيد أهميته عن النص المنقول من المعلم للمتعلم، وقد كان السلف رضوان الله عليهم يسمون المعلم مؤدبًا. وبدهي أن الحل ليس في أن تجلس بين يدي الشيخ وهو غير محرم لها، ولا أن تصطف خلف الذكور ممن لا تحل لهم يرونها وتراهم.

بدا أن السلفيين لم يفكروا في التمايز (وليس التفاضل) الجسدي والنفسي، فـليس الذكر كالأنثى كما أخبر العليم الخبير، سبحانه وتعالى، فالمرأة مخلوق له ما يميزه بدنيًا ونفسيًا عن الرجل، وبالتالي تصلح لآداء شيء لا يصلح له الرجل، فدائمًا وأبدًا: ليس الذكر كالأنثى!!
ولم يفكر السلفيون في أن عملية التعليم يجمل فيها أن يرى المتعلم من يعلمه، إذ أن ما يصاحب عملية التعليم من آداب تزيد أهميته عن النص المنقول من المعلم للمتعلم؛ وليس الحل أن تأتي المرأة بين يدي الشيخ ولا أن تصطف خلف الذكور.

لم أجد إجابة شافية، ولم أرض بما رأيت، مع كثرة ترددي على المسجد وقتها، واحتفظت بصمتي المطبق، وكنت يومها بالكاد أتكلم، ثم مشيت.

رحلتُ والعزم على أن أنزع صاحبتي من هذا الوسط، ولم أجد من الرشد أن أحدثها بما في نفسي، فترتاب كما أرتاب، وبدأت من بعيد، بالإحسان إليها ومن تحب، وبسط اللسان خير من بسط اليدان، وإن اجتمعا فهذا فضل الرحمن، وخاصة إن صادف إحسانك كريما يعرف المعروف؛ بدأت بحسن الكلام والفعال حتى صارت إلى حيث أحب، ويسر الله لي إخراجها ووضعها حيث أحب وتحب، وما أحسب أنه إلى الله أحب.

المشهد السلفي متكرر، رأيته في مسجد التوحيد، في دروس الشيخ فوزي السعيد ودروس الشيخ محمد عبد المقصود، ودروس الشيخ سيد العربي، وغيرهم، ولم يلفت نظري لعدم انشغالي بالنساء وقتها. والسؤال: كيف تكوَّن هذا المشهد؟!، وهل يثمر ثمرة مرجوة؟!، وهل يفكرون في تغييره أو تطويره، بمعنى هل تمتلك السلفية آلية نقد ذاتي هدفها التغيير أو التطوير؟، أم أنها ثابتة مطردة على ما استحسنته دون تفكير؟!
من هنا كانت البداية.

رحلت بصاحبتي، وفي خاطري أن الأسرة كيان "مقدس" تعمل كلها ككتلة واحدة وأفرادها مختلفون، متخصصون، كل له دوره. والقيادة في يد الرجل، ولا تعني القيادة أكثر من رسم الخطوط الرئيسية وإقناع الأفراد بها، ودعمهم في تنفيذها، وكلٌ في عمله تحت مظلةٍ من المحبة والتراحم.

ولما كنت ممن لا يرضى أبدًا أن يرى ظلَّ زوجته غريب؛ فضلًا عن أن يسمع صوتها، أو يتحدث إليها بأي وسيلة، وترخص الرقاب دون ذلك؛ فنعم: أنا من هذه النماذج المضيئة في ربوع تاريخنا، ولا يحمي الدين من لا يحمي العرض، ولن أرحل إن شاء الله وبحوله وقوته. لـمَّا كنت هكذا بدأت أبني أسرتي على مبدأ التخصصية وأن الذكر ليس كالأنثى، فكل له ما يناسبه.والقيادة مسؤولية فكرية وبدنية، وليست صوتًا عاليًا ومواقف قاسية، القيادة رؤية وقوة مادية يسير بها من تقود إلى حيث تشاء راضًا أو كارهًا.

يتبع إن شاء الله.
محمد جلال القصاص
 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية