اطبع هذه الصفحة


والتقيت الدكتورة هبة رؤوف

محمد جلال القصاص


بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

والتقيت الدكتورة هبة رؤوف


بعد يومٍ طويل انتهى بي المطاف في ندوة تجمع ممثلين عن كل الفاعلين في الساحة الإسلامية من شتى التيارات، وفي الندوة سيدتان تقودان الركب: الدكتورة نادية مصطفى، والدكتورة هبة رؤوف عزت ، ولم أكن أعرف واحدةً منهن، لوجودي خارج مصر وانحساري في دائرة الرد على شبهات النصارى وقبلها المحيط السلفي!!

تحدثت الدكتورة هبة رؤوف عن الوطنية والمواطنة- وأوراقها في يدي الآن أعيد قراءتها-هالني ما سمعت، ولم أصبر، فرددت، وتحدثت، وكدت أفسد المجلس!!

ثم دارت الأيام والتقيت شيوخًا كرامًا فأثنوا على الثلاثة خيرًا. فكتبت اعتذرًا، لم أستنكف عن الاعتذار. ولكن:
دار برأسي سؤال: أين الخلل؟، لم لا يأخذ هؤلاء بمذهب السلف (السلفية الحالية)؟
لم زهدوا في بضاعتنا؟!
وتبادر للذهن أنهم أصحاب هوى، وجهلاء يظنون بأنفسهم الخير. لم أطمئن لتلك الإجابة، وانصرفت صامتًا بعد أن أعدت النظر عدت مرات في هذا التجمع من الإسلاميين.

بقيت حول السؤال أفتش عن إجابته الحقيقية لا تلك الخفيفة التي سارعت للذهن إرضاءً للنفس.
دارت عيني وجدَّ عقلي ولم أهتدِ لمرضية. ثم جاءت الإجابة المرضية من الشيخ الدكتور هشام حبلص، ومفادها: أن السلفية جزء من ظاهرة واحدة في المجتمع ، وهي الظاهرة الدينية، ولا حضور للسلفية في السياسة، أو الاقتصاد، أو الجيش أو غير ذلك.. فالسلفية منحصرة في زاوية من غرفةٍ ببيتٍ كبير؛ وعظمتها عند أبنائها فقط.
وفي هذا المشهد الحافل بتمثيل لكل ما هو إسلامي قيادةُ الجموع من غير الإسلاميين، والإسلاميون لا يملكون مبادرة؛ وهؤلاء (الدكتور سيف والدكتورة نادية والدكتورة هبة)، في أيديهم بضاعة يقدمونها؛ أرفضها شيء، ويقدمونها من موضع قيادة بأدوات فعلية شيء آخر.
وبعد قليل تأسس حزب الفضيلة وكنت في اللجنة الرباعية التي ترأسته حال تأسيسه، واتصل برنامج "صباحك يا مصر" بي يقول: نريد لقاء تتحدثون فيه عن برامجكم السياسية والاقتصادية ... . وطبعًا لا أعرف شيء، ولا يعرفون. بيد أنهم يدعون، وأوقاتهم .. وجهدهم .. وأوقات غيرهم... وجهد غيرهم يضيعون. إنهم تائهون.. غافلون.. متعجلون.

بضاعتنا كلها مسائل نظرية في باب واحد (الإيمان والكفر وقليل من أبواب المعاملات لبعضنا وليس كلنا)، وماذا عن السياسة، وماذا عن الاقتصاد؟، وماذا عن المجتمع .. فهمه وإدارته؟!
تأتيك إجابة واحدة، وهي الدين شامل وكامل، ثم : كيف يستخدم الدين في توصيف التحديدات والتصدي لها، وخاصة أننا -باعتراف الجميع - في سياق غيرنا.. مغلوبون في كل شيء.
رزقني الله بالدكتور هشام حبلص، نصحني بأن أتوجه لدراسة السياسة، فذهبت من فوري، واعتكفت لأكثر من عامين لا أفعل شيء غير دارسة السياسة عند أساتذتها ممن لم يخطر ببالي يومًا أني سألتقيهم وأسمع منهم وأتحدث إليهم، وجلست بجوار من لم يخطر ببالي أني سأجالسهم. وأبرز ما ظهر في هذين العامين:
أن حب الدين والرغبة فيما عند الله لا يقتصر على الإسلاميين (سلفيين وإخوان)، كثيرون يحبون الدين، ويكرهون السلفية والإخوان، أو لا يرون مسلكهم، أو لا يصلهم خطابهم كما ينبغي، والحالة السلفية تعيش عزلة حقيقية، تستقطب من المجتمع بعضًا إلى جُحرها، وبعد استقطابه تغلق عليه.
والمواجهة حضارية، قوم (الأروبيون)بهم كبر وغرور ويشعرون بالتميز، ويريد البقاء، فراحوا يبحثون عن قوة تمكنهم من الهيمنة على غيرهم، وليس فقط بل وتغييرهم ليصبحوا جزءًا منهم؛ فأحاطوا بنا بالكشوفات والدراسات الاستشراقية.. قدموا علماءهم يدرسون الواقع قبل أن يتعاملوا معه، ثم قسمونا جغرافيًا، ثم بغوا علينا بجنودهم فاحتلوا أرضنا ونهبوا ثرواتنا واستعبدوا آباءنا، ثم غرسوا فينا آليات تعليمية ومجتمعية، وقبل ذلك نخبة، تعمل على تغيير المجتمع وقطعه عن ماضيه. فاستباحوا حضارتنا..طعنوها، وركلوها وأهانوا كل عزيز فيها... وأخذوا فصيلها بعيدًا عنها ... فربوها في أحضانهم، فلم يعد يراهم عدوًا، ولم يعد يرى رسالته الحضارية القائمة على التوحيد ونشره بين العالمين كقاعدة نظرية، والأخذ بأسباب القوة إعدادًا لفرض نموذج حضاري يتطابق مع منهج الله، يراه الناس فيحبونه ويدخلون فيه.
أن الإسلاميين يرفعون شعارات لا يوجد تحتها أي تفاصيل، وقد أظهرت الممارسة السياسية حالهم بوضوح، فهي حالة من المحبة غالبًا، وحالة من البحث عن الذات حينًا، ولكنها في كل أحوالها بعيدة بشكل كبير عن حقيقة الصراع الدائر. وإن شئت أن تستيقن فتش في أحاديثهم، فكلهم قد تكلم، ستجد أنهم هناك، تائهون. ودعك من الأشخاص، ودعك من إخلاصهم وعدم إخلاصهم، فالسرائر لربك. الأمر جلل.

كأني في كابوس ... أدخلتني دراسة السياسة في كابوس...

تغيرت النظرة للسلفية، وخاصة قيادتها: تجلس في غير مكانها .. في السبل ويحسبون أنهم مهتدون. يبحثون عن الماء فوق التل!!
من تدافع؟، ومع من تدافع؟
اختلط الخارج بالداخل، وأدمجتنا الحضارة الغربية في مكوناتها، وخاصة بعد النظام الدولي الأمم المتحدة ثم أحادي القطبية.

يسر الله لي الحصول على تقدير ممتاز (أعلى من 90%) في دبلومة العلوم السياسية، وتبعًا للوائح يحق لي تسجيل ماجستير، وسجلت في الفكر السياسي، مع أستاذة علوم سياسية من جامعة القاهرة، وفي بداية دخولي لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ذهبت لزيارة الدكتورة هبة رؤوف وجدتها تعلم طلابها فحضرت محاضرة وسلمت عليها، وطلبتُ أن ابقى قريبًا أعرف ما يدور برأسها، وتفضلت بالقبول.

ماذا أريد؟

لم تعد الساحة السلفية هي وحدها الساحة، ولم يعد سوء الظن في كل ما ليس بسلفي هو الأساس، يحتاج الأمر أن نسمع لمن لهم دراية بما لمن نتعلمه من قبل.

إن ما قد ينقذ الله به الأمة شيء من كل هذا المعروض على المشهد المصري والعربي والإسلامي، ولا يعني هذا الخلط الميكانيكي، بمعنى أن نأخذ من كلٍ جزءًا لنخرج شيئًا جديدًا يحمل من الأجزاء جميعها؛ وإنما علينا أن نتفاعل، أن نتحاور.. أن نتقارب، أن نعيد صياغة الأسئلة، ونعدل في أدوات التفكير ومجالاته، نصرةً للدين، طلبًا لما عند الكريم ..الغفور الرحيم.. القريب المجيب.

محمد جلال القصاص
3 يناير 2014

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية