اطبع هذه الصفحة


بعد الأمريكان : سلاح المقاومة في وجه من ؟!

محمد جلال القصاص

 
الأيام دول ، والدول تزول ، والجيل الواحد يشهد ثلاث دول كما يقول بن خلدون في مقدمته ، وقد رأينا الاتحاد السوفيتي ومن يكتب الله له البقاء لا بد أنه سيحكى عن أمريكا بصيغة الماضي .
وفي مقالي هذا افترضت أن أمريكا رحلت عن العراق ، وأتساءل : من سيقاتل المقاومون بعد رحيل الأمريكان ؟ إلى من ستتجه أسلحتهم بعد الأمريكان؟
أحاول درء الشر قبل وقوعه والله أسأل أن يبارك لي في كلماتي وأن ينفع بها من كتب ومن قرأ ومن نشر بفضله وكرمه ومنته .

ـــ ( المقاومة العراقية ) في العراق شتات وليست نسيج واحد ، منهم وطنيون يقاتلون من أجل تحرير العراق الأرض ــ بمفهومها القُطري ــ ، ومنهم إسلاميون كل منهم يرفع راية تحمل اسما خاصا به ، ولستُ هنا معنيا بمناقشة الأهداف والمنطلقات الخاصة بكل فصيل من فصائل المقاومة ، وإنما فقط أردت القول أن كَوْن المقاومة فرق مستقلة الآن مع أن هدفهم واحد كما كان حال الأفغان يوم قتال الاتحاد السوفيتي ، فإنه بعد رحيل الأمريكان لن يتم التفاهم والتنازل سلميا بين فصائل المقاومة ، وإلا لفعلوا الآن ، وهذا من شأنه أن يعيد الذكريات الأليمة لقتال رفقاء السلاح الأفغان من قبل .

ـــ لن تبقى أمريكا إلى آخر جندي كما يظن بعض المحللين ، وإنما حين يشتد الوطيس وتبدوا بشائر الهزيمة الأمريكية ، أو حين تضعف أمريكا داخليا وتعجز عن السيطرة على أماكن نفوذها خارج وطنها ــ وهذا السيناريو هو الأقرب إلى الواقع ـــ فإنها ولا بد سترحل وتترك بديلا لا يرحل خلفها ويطالبها بكفارةٍ عن جرائمها ، ويتكرر ما حدث مع الإمبراطورية الإنجليزية حين سلمت للأمريكان ، وحين ساندت الحركات ( الثورية ) وعملت على إقصاء الحركات الإسلامية ، ويمكننا القول بأن هذا الأمر قاب قوسين أو أدني ، ويمكن التيقن من هذا بمتابعة تحركات اليهود فهم الآن يمدون حبالهم مع الصين ، والأخبار في هذا الشأن متواترة .
والمراد أن المقاومة في هذا الوضع ستكون خصما لطرف آخر ( وطني ) مسنود من أمريكا ـ الدولة المستعمرة سابقا ــ يحمل سلاحها ويتمتع بدعم أصدقائها في المنطقة الذين يرى المقاومون أن لهم ثارات معهم ، وفي هذه الحالة ستنجر المقاومة إلى قتال داخلي وقد يعبئ ضدها الشعب تحت دعوى ( الوطنية ) .
وقد يلتحق بالصف كوادر ممن يقاتلون اليوم في صف العدو تحت دعوى ( التوبة ) و ( حب ) الوطن ، ويتكرر ما حدث في الجزائر في منتصف القرن الماضي ، وهنا أيضا سيكون القتال داخلي يستهلك قوى المقاومة ، بل قد يستأصل كوادرها ويجني ثمرتها . وتعود العراق ثانية وطنية كما كانت . ونرجع إلى ذات النقطة التي بدأنا منها .

وهناك أمر أخطر من هذا وهو أن المقاومة العراقية اليوم ـــ وأعني الإسلامية منها على وجه الخصوص ــ ذاتية الحركة ، بمعنى أنها هي التي تحدد أهدافها والوسائل التي تسلكها في تحقيق هذه الأهداف ، وصَفُهُم خال من العلماء بل وطلبة العلم الشرعي تقريبا ، ولا يستقيم الأمر هكذا ففي التنزيل " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم " وأولي الأمر هم العلماء والأمراء ،وليس للمجاهدين في العراق أن يستقلوا عن العلماء ،وليس لهم ــ مهما كانت تبريراتهم ــ أن يقفزوا على خطاب أهل العلم من شيوخنا الكرام .
وأشد من هذا أن من يرفعون راية الجهاد العالمي ضد عباد الصليب واليهود يصنفون كثيرا من علماءنا ضمن ( من خالفهم أو من خذلهم ) ، ولا أقول أن أهل الجهاد سينقلبون على العلماء ويرفعون عليهم السلاح ، هذا أمر لا يمكن الجزم به الآن على ، ولكن الأمر له بعد آخر أهم من ذلك .
ودعني أبدأ من الخلف قليلا لتستبينَ قولي .

أقول : الخطاب الإسلامي عموما ــ السياسي منه والسلفي والجهادي ــ مازال نخبويا . . . حزبيا ، ينحسر عن عوام الناس ــ اللهم الوعظ منه فقط ــ ويتسم بالحزبية .
ومن يظن أن الناس مع الخيار الإسلامي مستندا إلى نتائج الانتخابات في بعض الأقطار العربية فهو واهم .
الحقيقة التي لا مراء فيها أن الناس الآن ليسوا على مستوى الوعي المطلوب لتقبل المشروع الإسلامي ، وما يحدث من تفاعل مع التيارات السياسية والجهادية هو بغضا في زيد وليس حبا في عمرو .
الناس تبحث عن لقمة عيشها وعن عيشة آمنة ، وإن وجدوا هذا من غير الإسلاميين فهم معه بذات الحماسة . وتدبروا حالهم قبل ثورة يوليو 1953م في مصر وبعدها ، فقبلها كانوا مع الخيار الإسلامي وبعدها رفعوا عبد الناصر على أكتافهم وهم بعد لم ينالوا منه إلا معسول الكلمات .
لا أعول على الشعوب وخاصة في هذه المراحل ، وأعرف أن الشعوب لا تسابق وإنما هي ميدان للسباق ، ولكن أنادي بنوع من نشر الوعي الديني عند الشعوب ، والتحدث إليهم من منطلقات إيمانية وليست سياسية ، وجعل الغاية هي رضى الله وليس إصلاح الدنيا . ليفهموا المراد ويعرفوا طبيعة الصراع بيننا وبين أعدائنا .
والمقصود أنه لا بد من العلماء والمجاهدين وعوام الناس ،أعني العلماء الربانيين ، هم رأس الأمر يبينون للمجاهدين ما أراد الله منهم ، وهم الذين يخاطبون الأمة ويصلحون حالها لتتقبل المشروع الإسلامي كونه إسلامي وليس لأنه يحقق أغراضا دنيوية . وهذه هي غاية الجهاد ... تعبيد الناس لله .
فإن عادَ المجاهدون العلماءَ اليوم أو استقلوا عنهم ، واستأنسوا بحماسة الجماهير فغدا لن يجدوا شيئا من هذا . بل قد ينقلب السحر على الساحر .

وحتى لا يحدث شيء من هذا لا بد من نبذ الحزبية ، والاتصال بأهل العلم والوقوف عند رأيهم ، ولابد من تبني خطابا دعويا ــ لا أقول سياسي ـــ وليس قتالي تخاطب به الجماهير التي لا تبحث إلا عن لقمة عيشها . ولابد من اعتبار المآلات فيمن يستهدفهم المجاهدون في العراق .

إن المواجهة ليس فقط مسلحة ، بل مواجهة إعلامية وفكرية وتمتد لتطال كل من يهمه الأمر هنا وهناك ، ولذا ينبغي أن لا يستأثر فريق ــ أيا كان ــ بالأمر ويتحرك بمفرده حتى لا نتواجه مستقبلا .
 
 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية