اطبع هذه الصفحة


من يمسك زمامها ؟

محمد جلال القصاص
mgalkassas@hotmail.com

 
من الثوابت التاريخية أن الجماهير لا تُسطر التاريخ ، ولا تَصنع الحدث ، وإنما يُصنع بها الحدث ، وتُساق الجماهير ـ بالنخبة ـ لأمر قد لا تريده هي ، ويكون عكس ما تحركت إليه ، وسَرقة مجهود الجماهير صناعة يُتقنها كثير من الـمُغرضين . وقد مرَّ التاريخ بأمثلة كثيرة على ذلك ، وجُلّها من واقعنا المعاصر .

في ثورة 1919م عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى ، لم تحصل الأمة المصرية على استقلالها ـ كما وعدهم الإنجليز ـ فهبت الثورة واشتعلت أياما ، وكان محركو الثورة هم شيوخ الأزهر وطلبة العلم فيه ، فقد كانت صبغتها دينية ، وكانت ثورة عارمة ، ثم جاء المحترفون من المغرضين وسرقوا الثمرة !!
ولم يحدث شي ... أي شيء مما قامت من أجله الثورة ، اللهم أنها أخمدت ، وأخرجت للأمة أبطالا مزيفين !!
وُضع زمام الأمة في يدّ سعد زغلول ـ وهو عربيد لا يصلي ولا يصوم ـ فمشى بالأمة في دروب المحتل . ومشت خلفه الأمة ( الثائرة ) ( الغاضبة ) على المحتل ، مشت وهي فرحه مسرورة تهتف ( للزعيم ) . !! [ وللأستاذ محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر حديث شيق عن هذا الحدث ]

وتكرر ( الفيلم ) مرات على مسافات تاريخية قريبة جدا ، ولم يستطع أحد أن ( يحرقه ) ، ثارت الجماهير في الجزائر ، وكان ( جهاد ) انتهى بـ ( بن بلا ) ورفاقه .
وشبّ العمل الجهادي ضد اليهود في بيت المقدس وأجوار بيت المقدس ، وانتهى الأمر بـ ( منظمة فتح ) ثم منظمة ( التحرير الفلسطينة ) ثم ياسر عرفات الذي دخل فلسطين في منتصف العقد الماضي واستقبلته الجماهير استقبال الفاتحين . !!

والمقصود أن الجماهير أصبحت لعبة ( للنخبة ) . هكذا حقيقة ، يُلجأ إليهم لتمرير المشاريع عن طريق ما يسمى بـ ( الديمقراطية ) ، ويُلجأ إليهم لتحريك قضايا معينة من خلال ما يعرف بالمظاهرات .

واليوم في حادث سبّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصحف الدينماركية والأوربية ، الجماهير هي الفاعل الحقيقي ، ولكن من يأخذ بزمامها ؟

هناك حالة صحية ظهرت في هذه الأحداث ، ويجب ـ من وجهة نظري ـ الالتفات إليها وترشيدها ، وهي أن الجماهير أصبحت على درجة من الوعي أكثر مما كان ، وسبب ذلك ـ من وجهة نظري ـ انتشار عامة طلبة العلم والمثقفين ثقافة دينية صحوية ـ إن صح التعبير ـ بين الجماهير، وأن تأثير الصحافة الورقية في الحدث أقل من تأثير مواقع الإنترنت .

والمطلوب هو ترشيد هذه الظاهرة أو الاهتمام بها ، بمعنى إعطاء أهمية للخطاب الشرعي الذي يتناول فقه الواقع ، فلا شك أن خطابا دعويا رزينا عاقلا في العقد الماضي ( كَشَفَ الغمة عن علماء الأمة ) ودعاتها وعامة المهتمين بأمرها فيما يتعلق بأطماع الكفر في الجزيرة العربية ، وأن النداء بتَعَلُّم ( فقه الواقع ) ، ومخاطبة ( الغرباء ) بـ ( وسائل دفع الغربة ) ومتى تكون ( العزلة والخلطة ) كل ذلك أثمر نوعا من الثقافة العامة لدى نوعية من عامة المهتمين ـ كالذين يكتبون في المنتديات اليوم ـ لا يمكن تجاهلها ، ولا بد من مد العون إليهم ، والآن قبل أن يضيق فضاء الشبكة العنكبوتية ـ ولا قدر الله ـ على دعاة الصحوة .

ـ عامة المثقفين من شباب الصحوة هم القنوات الفرعية التي يتغذى منها جسد الأمة ( الجماهير ) ، أو قل هم دعامات البناء ، وهم يضبطون الركب خلف العلماء ليسير في وئده واطمئنان . وهذا يعكس ولا شك أهمية ( المقال ) و ( التحليل الشرعي للحدث ) ، وأهمية الخطاب الديني الذي يتكلم عن فقه الواقع من منطلق شرعي ، ويعكس أيضا أهمية الاستكثار من هؤلاء .

أقول وبكل صراحة : ولا بد من تنصيب زعامات فكرية صحوية للأمة الإسلامية ، فها هي الجماهير يقظة ثائرة ، منصته لخطاب ( الشيوخ ) . فمن لها ؟
نريد أصحاب التفكير العميق ، نريد أن يفسح الوعاظ الساحة قليلا ، ليتقدم المربون . وأصحاب النظرة البعيدة . أولئك الذين يخطون التاريخ حقيقة .

أظن أننا نضجنا و ( لسنا أغبياء لدرجة كافية ) أن يأتي لص مجرم لا يرجو لله وقارا ويمد يده في كيسنا ويأخذ ما ادخرناه في سنين غربتنا . ونعود ثانية للغربة كي نجمع من جديد .

إن لليوم حديثا لن يسمع غدا ، وإن السوق قد نصبت ، وعما قريب يعود الحضور بين رابح مسرور ، وخاسر مغبون .
 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية