اطبع هذه الصفحة


عموم الشريعة وخصوصية الدعاة

محمد جلال القصاص
mgalkassas@hotmail.com


لا أحد يجادل في شمولية الشريعة الإسلامية ، وأن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تركنا على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها ، وأن ما من خير إلا ودلنا عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما من شر إلا ونهانا عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالدين كامل ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام : من الآية38 ) ، ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل : 89 ) .
لا أحد من المسلمين يجادل في هذا مطلقا .
ولكن .

من بديهيات العقل أن شمولية الشريعة وكمالها وتمام حِكمة أحكامها ، لا يعني أبدا أن تنتقل هذه الشمولية وهذه الحِكمة المطلقة إلى المنتسبين إليها ، بمعنى :
هناك عموم الشريعة وخصوصية المنتسبين إليه ، وخاصة الدعاة .
فقد كان من الصحابة ـ رضوان الله عليه ـ خالد بن الوليد ، وكان منهم زيد بن ثابت ، و كان منهم أبو ذر . كل شخصية لها ما تتميز فيه . فما سمعنا أن خالدا تكلم في الفرائض ، أو أن أبا ذر طلب الإمارة .

وقبل أن أُسقط على الواقع لأعالج ما أراه ، أريد أن أستحضر أمرا يدركه كل من له ولع بقراءة العقول وفهم الدوافع والخلفيات .
هو أن كثيرا يتخصصون في أمر ما ثم اعتمادا على رجاحة عقلهم ، وكثرة جلسائهم وبما أن الشريعة كاملة يتكلمون في كل شيء .

الجهم بن صفوان كان ذكيا ألمعيا يعمل كاتبا للحارث بن سراج ، بعيدا كل البعد عن مجالس العلماء بل وعن التعبد فقد قيل أنه لم يحج قط ولم يُعرف بصلاة ولا بصيام ، ثم أخذه الفضول وراح يحاور فلاسفة الهند ودارت الأيام وخرج بقوله في الصفات ، ثم وجه وجهه شطر علماء الإسلام ووضع رأسه برأس من لو أنصف نفسه من نفسه لجلس بين أيديهم يسأل ويتعلم ، وراح يدلي بدلوه فيما يتكلمون فيه منصبا نفسه مفتيا ومفكرا ومصلحا ، ثم ركب رأسه ، وتعصب لرأيه ، واستأنس بجلسائه ـ وكثرة الأتباع من قلة المؤنة وخفة البضاعة ـ .
وقريب منه واصل بن عطاء ، وبن سيناء ، وبن رشد الحفيد .

ولا أريد أن أوجه كلامي لأحد فما قصدت ذلك أبدا وليس لأحد أن يتقول كلامي على أحد ، فقط أشخص الداء وأعرض الدواء .

واقع الصحوة اليوم يشهد بكثرة الإمكانات وقلة النتاج ، وأن كثيرين منَّا قد وقعوا في شراك الحزبية ، والأمر يتردى فها نحن نخرج من الابتلاء على الأحزاب والجماعات إلى الابتلاء على الأفراد ، وتحركاتنا كلها ـ أو تكاد ـ تحت ردود الأفعال .
ولا بد من الخروج من هذه الحالة . وليس لها إلا أولي العزم والحزم من علماء الأمة ومفكريها . أعني شيوخنا الأفاضل الراسخين في العلم ، مَن يثق به أهل الحل والعقد .
تكون هناك قيادة علمية واعية تثبت للجميع أنها فوق الحزبية والمصلحة الشخصية ، توظف هي الإمكانات وتخاطب كل فرد بأن يلزم غرزه ، وأن ينشغل بما يحسن ، وأن لا ينزل أرضا ليست له معتمدا على كثرة أتباعه ويافته التي يرفها على رأسه ( داعية إلى الله ) ، وإن اقتضى الأمر تأديبه !! . نعم تأديبه .. أعي ما أقول تماما .

وإن تعذر الأمر فليجلس شيوخنا في بيوتهم ويعمدوا إلى ثلة من أولي العزم والحزم والعقل . . . ممن احترقت قلوبهم على مصاب أمتهم ، ويفضوا إليهم بعلمهم ، ويكسوهم من أدبهم ، علَّهم أن يكونوا مِشعل هدى للأمة وحصونا يأوي إليها المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، قلاعا تقف في وجه أعداء الدين ، فإني أرى القوم قد أمَّروا حاقدهم ، واستشاروا سفيههم ، وركبوا خيلهم ، ، ورفعوا صليبهم ، واشتد حاديهم ، وأقبلوا من كل حدب ينسلون ، وقد كبرت أفراخهم في أرضنا وباضت وفقس بيضها وشبَّ وليدها. وأرانا قد أحيط بنا وعما قريب ينزلون بساحتنا فالآن الآن ، وفي التاريخ عبره . . صلاح الدين ويوسف بن تاشفين . فمن يجيب ؟

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية