اطبع هذه الصفحة


بعض الليبراليين بلحى . . . لماذا؟!

محمد جلال القصاص
mgalkassas@hotmail.com


انبهر رفاعة الطهطاوي بالفرنسيين ، وعاد يُحدث قومه بأنهم أهل حضارة ورُقي ، ولم يرى حرجا في أن تقلد مصر المسلمة العربية الفرنسيين وتسير على دربهم . كان يحبهم ولم يخفي حبه لهم ، وصنف في ذلك أشياء ، ولكنه كان في ظاهره ( شيخا ) ، يرتدي ملابس الشيوخ ... لم يخلع عمّته ولا ( قُفْطانَهُ ) ولم يحلق لحيته .!!

ومثله ( محمد عبده ) وصف الأزهر ـ وهو شعار العلم وقتها ــ بألفاظ منحطة : ( الإسطبل ) و ( المخروب ) ، واشتهر بعداوته لشيوخه ، وكان يجالس اللورد كرومر وينادي كلاهما الآخر بالصداقة ( صديقي كرومر ، صديقي محمد عبده ) ويجلس في صالون ( نيازك هانم ) مع أصحاب ( الطرابيش ) ، ولكنه لم يخلع عمته ولا ( قفطانه ) ولم يحلق لحيته مثلهم .!!
ومثله جمال الدين الإيراني ( الأفغاني ) .

والسؤال : لماذا ؟

إن بين الانحلال العَقَدِي والانحلال الخُلقي مسافة زمنية . تُمسك الرجل عاداتُه وتقاليده ، فليس كل من أحب لبس البنطال يستطيع أن يلبسه ، ولا كل من أحبت كشف وجهها تستطيعه . كلام الناس ونظراتهم لها حسابها .
والمؤسف في هذه المرحلة أن القوم بهذه الحالة تكون أفعالهم وأقوالهم متوافقة جملة مع المتحررين ، ولكنهم ظاهرا مع ( الملتزمين ) ، وهذا من شأنه أن يُلبِّس على عوام الناس . . . يُغبِّش الصورة فلا تتضح لهم الأمور ، ويظهر لعامة الناس الذين ــ يقيّمون الناس بشكلهم الظاهر ـــ أن القرناء يتكلمون بكلام مختلف . . . يبدو الأمر وكأنه كله كلام ( مطاوعة ) !!

لذا لا بد من المفارقة ، ولذا لا بد من إسقاط الرايات الكاذبة ، وتعرية الباطل . كلٌ بما يستطيع .

والصورة العكسية صحيحة ، بين المعرفة الخبرية والاستقامة على الدين مسافة زمنية ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ) ، فأخبار الوحي ( ترغيب وترهيب ) تتفاعل مع ما في القلب من شبهات وشهوات وتكون معركة في الضمير تستمر فترة من الزمن ولا تنحسم حين تبدأ غالبا ، ثم بعد ذلك تتبع الأعضاء مَن غلب .
وتدبر هذا المثل :
{أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ } [ الرعد : 17]
المطر على الأودية ، يأخذ كل منها بِقَدرِه فواسع وضيق ، والسيل ــ مع قوته ــ يحتمل ــ وليس يحمل ــ ما استقر في بطن الوادي من أوساخ ، ثم تطفو هذه القاذورات وكأنها وحدها ، وبعد أن يستقر الماء في الخبت يذهب الزبد جفاء ويصفو الماء ، فتسر به العين ، وينتفع الناس .
فالوحي يتنزل والقلوب تتلقى ، ويتفاعل الوحي مع ما في القلوب ، ويترقى السالكين في منازلهم حتي تخبت قلوبهم لذكر الله ، وتستقيم جوارحهم على طاعة الله . كالماء في الخبت ـ الأرض المنخفضة ــ .

فعلى من يدعو ومن يعامل نفسه أن يراعي التدرج هنا ، وأن لا يتعجل ، وأن يراعي التدرج هناك ــ مع الليبراليين ــ ولا ينخدع .

مساء الاثنين
15/ 6 /1427
الموافق‏10‏/07‏/2006

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية