اطبع هذه الصفحة


معضلة مثقف وليست معضلة شيعة

محمد جلال القصاص
mgalkassas@hotmail.com


ـ يريد بعضهم أن يجعل الأمة على قلب رجل واحد ، أو تسير في اتجاه واحد نحو هدف واحد . وهي غاية ساذجة ، تجهل التاريخ ، وتعمى عن الواقع ، ولا تفقه حال النفوس  ومكر أعداء الأمة بها . لأمور :
ــ التحزب الداخلي ، أعني الفرق والمذاهب ، بعضه ـ أو كله ـ من مكر الأعداء ، فجميع المذاهب  المبتدعة في أصل الدين  جميعها منشأها من الكافرين ، ويزكي نارها الكافرون.!
 الشيعة بدأت بابن السوداء ، والجعد بن درهم تعلم من يهودي ، ومعبد الجهني وسْوَسَ له بالقدر سَوْسَنْ النصراني[1] ، والنصرانية لعب في أصلها بولس اليهودي وفلاسفةُ اليونان  فحرفوها وجعلوها مسخا من الوثنية مشوبا بشيء من التعاليم السماوية ، وجاءت يهود ثانية فشقتها بدعوى الإصلاح وأخرجت منها المحتجين على جمود الكنيسة ، وهم ما عرفوا بالبروتوستانت لاحقا .
والعداوة بين أبناء الملة الواحدة ممن يُكَفِّرُ بعضهم بعضا  تكون شديدة أشد من عداوتهم لمن يكفر بدينهم كليةً . ربما قرب المكان يكون له دور  . وهذا واقع مشاهد ، يُحكى عن كل بني الإنسان ، فاليهود يقتلون أنفسهم ويخرجون فريقا منهم من ديارهم  يظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ، والنصارى أمرهم أشهر من أن نتكلم عنه . وكذا ( المسلمون ) ، الشيعةُ والعلمانيون في صف الكافرين في كل حال بالأمس واليوم . وهم  أشد عداوة للذين آمنوا ـ أعني أهل السنة والجماعة ـ من الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومن عباد الشجر والحجر والبقر والبشر .
وسل الواقع والتاريخ هل  نزل الكفر بساحتنا  إلا على ظهر المنافقين ، أو المخالفين من أبناء الأمة ؟ .
وسل الواقع والتاريخ حين تتراص الصفوف للقتال مع من يكون المخالفون ؟ ... شيعة ومنافقون خاصة .. مع الكافرين أم مع المؤمنين ؟
تخبرك بغداد مرتين بالأمس حين دخلها التتار واليوم حين دخلها الأمريكان ، ومصر ( الفاطمية ) وقد استدعت عباد الصليب لغزو بلاد المسلمين ، وتركيا العثمانية وقد وقف الشيعة الصفويون كالشوكة في ظهرها مرات عديدة كلما خرجوا لجهاد الكافرين في أوروبا ، والشام النصيرية ، وغيرهم من بلاد المسلمين . 
فدعوى توحيد أبناء الملة الواحدة وخاصة من يُكَفِّر بعضهم بعضا ، دعوة ساذجة لم تقرأ تاريخا ولم تفقه واقعا .
ونسأل كل ذي عقل :
 العِلْمانيون مع من ؟ وهم منتسبون للإسلام . وصرح من يشيدون ؟
والشيعة حين تمتاز الصفوف في صف من يقاتلون ؟
والخوارج حين تكون لهم شوكة على من يشتدون ؟
وليس الأمر  إحن تاريخية ومشدات كلامية ، وإنما هو واقع ، وهي ثقافة تمثل الشخصيات ، ونفسيات يرث بعضها بعضا .
ومن قلة الوعي أن يحسب المثقف أن نفرا أو نفرين ممن يتظاهرون بالعدل والإحسان ضمن المنحرفين من أبناء الملة  أو المنحرفين كلية عن الملة قد يغيرون مجرى الأحداث فإن هذا لم يكن ، ولا نرى له تأثيرا على واقع قومهم ، بل ما نفهمه أنه هذا الفصيل من ( المعتدلين ) يستعمله إخوانه المجرمون في تهدئة الأوضاع حين يحتاج ذلك ، وخداع بعض الساذجين وتحقيق بعض الأغراض . فهم إذا في فلكهم ، وجهدهم يصب في إناءهم .
الناس هذا حالهم ، لا ينفكون من هذا الأمر أبد الدهر ، وهي مشيئة الله يضل  الفاسقين ويهدي  المؤمنين .
 
ـ ومثقف اليوم  يجعل من الوقوف في وجه الحضارة الغربية وبناء صرح إسلامي في مواجهة صرح غربي هدف يجب على الجميع التحرك نحوه والعمل من أجله ، وهو يعمى عن أن كثيرا من أبناء  الأمة هواهم مع الغرب ، يحبون صَرْحَهُ ويرجون وصله . 
ـ ثم أي صرح نبنيه ؟
نحن أمة أخرجت للناس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأعرف معروف هو توحيد الله ، وأنكر منكر  هو الكفر بالله ورسوله  وتحريف الكلم عن مواضعه . وعمارة الدنيا إحدى ثمار الاستقامة على طاعة الله . والتمكين في الأرض شرطه الإيمان وعمل الصالحات . { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }[ النور : 55 ]
فالسبب المباشر للتمكين هو الإيمان بالله واليوم الآخر ـ ويدخل في ذلك الأخذ بأسباب النصر  التي تحدثت عنها الشريعة ـ والهدف من التمكين ( يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) . وهي الغاية الوحيدة التي من أجلها خلقنا .
ـ ودعوى الحوار والتقارب ، دعوى عوراء عرجاء كلحاء لا يرضى بها بصير ، ولا يقربها نزيه . !!
ما نعرفه هو دعوة إلى الله ، والحوار دعوة مشبوهة ، كانت ولا زالت ، وثقافة نادى بها وقام عليها أدعياء الوسطية ممن لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وخدعة عصرية  ، وشجرة خبيثة ، أيسر ما جنيناه منها ، أن توقفت الدعوة  ، بعد أن أعطى المتحاورون  رسالة للكافرين و ( المرتدين ) بأنكم على صواب وأن الأمر شطط من بعض رجالنا.
ومثقف اليوم عقليته من جنس عقلية الخوارج ، تتجه للداخل ولا نرى لها بأسا مع الخارج ... سهامه إلى نحور علماء الأمة تنتقصهم وتستنزلهم من علياءهم ، وتشكك في قدراتهم ، وتقلب عليهم العامة ، وترسم لهم صورة الأرمد الذي  يرتاح للظلماء ويخاف  النور .
ولا أدري على من ينطبق هذا الكلام من شيوخ صحوتنا ، على أصحاب ( فقه الواقع ) أم على من ( كشفَ الغمة عن علماء الأمة ) أم على أصحاب ( واقعنا المعاصر ) ؟
كلهم فوق مثقف اليوم !! ، علما شرعيا ودراية بالواقع .

ـ ومثقف اليوم يحسب أن العدل مع الأقليات كفيل بأن يذهب بما في صدرها  ، والعدل واجب شرعي مع كل الناس ، ولكنه لا يذهب بما في صدر من يخالفك العقيدة فإن الأقليات لا ترضى حتى تكون أكثرية ، يدين الناس بدينها ، يحلون حلالها ويحرمون حرامها ، لذا تتواطأ مع الغريب ، وتنقلب حين تتمكن .  وتظهر هذ الإحن التي في الصدور ، وسل شيعة العراق ماذا جنى الصغار والنساء حتى ينشرون ويحرقون وفي القمامة يرمون .
ـ إن المشكلة الكبرى التي نعاني منها هو ضعف الإيمان ، وقلة الصادقين  ، فإن وجدت فئة مؤمنة صابرة محتسبة فكل ذلك ليس بشيء . ما أغنت عنا أموال كالجبال  . وأعداد كالرمال . وأسلحة في كل مكان ، حتى نذهب نستكثر من العدد ونطلب من الشيعة المدد . لا نبحث إلا عن الصادقين الباذلين للغالي قبل الرخيص ، أولئك رجال المرحلة ،  يأخذون بزمام الأمة ويخرجوها من السبل إلى الصراط المستقيم ، من هذا المستنقع الآسن والظلام البهيم إلى المرتع الزكي والنور الوضيء . 
 
-----------------------------
[1] كان هذا الرجل نصراني وأسلم ، ثم ارتد للنصرانية ، وقد التقى مَعبد الجهني في العراق ، وهو الذي أوحى إليه ببدعة القدر . ذكر ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة معبد الجهني .

 

محمد القصاص
  • مقالات شرعية
  • في نصرة النبي
  • مقالات في فقه الواقع
  • مقالات أدبية
  • تقارير وتحليلات
  • رسائل ومحاضرات
  • مع العقلانيين
  • صوتيات
  • مقالات تعريفية بالنصرانية
  • رد الكذاب اللئيم
  • اخترت لكم
  • بريد الكاتب
  • الصفحة الرئيسية