اطبع هذه الصفحة


بيان ضعف الأثر المروي عن الصديق ( اللهم لا تؤاخذني بما يقولون )

عبدالله بن فهد الخليفي

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
فقد اشتهر بين طلبة العلم أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه - كان إذا مدح قال : اللَّهمّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ .
مع تقديم وتأخير ، وقد كنت قمت بجمع الآثار الصحيحة عن الصديق – رضي الله عنه - في أبواب الأدب والزهد والرقائق ، ومن خلال هذا البحث استطعت الوقوف على هذا الأثر وتبين لي عدم صحته .
قال ابن الأثير في أسد الغابة [ 3/221]:
وَأَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا أَبُو السّعُودِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ محمد بن المجلّى، حدثنا محمد ابن مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْعُكْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفِ بْنِ خَاقَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ دُرَيْدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا مُدِحَ قَالَ:
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي، وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ، اللَّهمّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ، وَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ.
ورواه أيضا ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب [ 9/4005 ]
أقول : وهذا معضل فالأصمعي من صغار أتباع التابعين ففي العادة يروي عن أبو بكر الصديق بواسطتين أو ثلاثة وابن دريد طعنوا في عدالته .
قال الذهبي في ميزان الاعتدال : 7405 - محمد بن الحسن بن دريد، أبو بكر صاحب اللغة.
أخذ عن أبي حاتم السجستاني ، وأبي الفضل الرياشي ، وطبقتهما.
وكان رأسا في الآداب ، يضرب المثل بحفظه.
قال الدارقطني: تكلموا فيه.
وقال أبو منصور الأزهري اللغوي: دخلت على ابن دريد، فرأيته سكران.
قيل: مات سنة إحدى وعشرة وثلثمائة . اهـ

وقد روي هذا الأثر عن غير الصديق – رضي الله عنه - :
قال البيهقي في شعب الإيمان 4534 - وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ ، نا أَبُو عُتْبَةَ، نا بَقِيَّةُ، نا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُمْدَحُ فِي وَجْهِهِ ، قَالَ:
التَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: اللهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَاجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَظُنُّونَ
أقول : أبو عتبة هو أحمد بن الفرج : تكلموا في حفظه وعدالته
قال الذهبي سير أعلام النبلاء (12/ 584) :" قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ عِنْدنَا الصِّدْقُ .
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ يُضَعِّفُهُ ، وَيَتَكَلَّمُ فِيْهِ ، وَكَانَ ابْنُ جَوْصَا يُضَعِّفُهُ.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: قَدِ احتملَهُ النَّاسُ ، وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الغَافرِ بنُ سَلاَمَةَ: كَانَ جَارَنَا، وَكَانَ مُؤَذِّنَ الجَامِعِ، وَكَانَ يَخْضِبُ بِالحُمرَةِ، وَكَانَ ابْنُ عَوْفٍ وَعَمِّي وَأَصْحَابُنَا يَقُوْلُوْنَ : إِنَّهُ كَذَّابٌ ، فَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئاً .
قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: هُوَ كَذَّابٌ ، رَأَيْتُهُ فِي سُوقِ الرَّسْتَنِ وَهُوَ يشربُ مَعَ مُردَانٍ ، وَهو يتقيَّأُ ، وَأَنَا مشرِفٌ عَلَيْهِ مِنْ كُوَّةِ بَيْتٍ كَانَتْ لِي فِيْهِ تجَارَةٌ ، سنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ فِي أَيَّامِ أَبِي الهِرْمَاسِ يُسمُّونَهُ الغُدَافَ ، كَانَ لَهُ تُرْسٌ فِيْهِ أَرْبَعَةُ مسَامِيرَ كِبَارٍ، إِذَا أَخذُوا مَنْ يُرِيْدُوْنَ قتلَهُ صَاحُوا: أَيْنَ الغُدَافُ؟ فيَجِيْءُ فيقتلُه، قتلَ غَيْرَ وَاحِدٍ بِتُرْسِهِ .
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: رَأَيْتُ أَبَا الحَسَنِ بنَ جَوْصَا يُضَعِّفُ أَمرَهُ .
قُلْتُ : زَلَقَ ابْنُ مَاكُوْلاَ زلْقَةً فَقَالَ: إِنَّهُ وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِحِمْصَ، سنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ .
وَقَالَ عَبْدُ الغَافرِ بنُ سَلاَمَةَ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَوْفٍ: أَبُو عُتبَةَ الحِجَازِيُّ كَذَّابٌ، كُتُبُهُ الَّتِي عِنْدَهُ لضَمْرَةَ وَابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ مِنْ كُتُبِ أَحْمَدَ بنِ النَّضْرِ، وَقعَتْ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ فِي حَدِيْثِ بَقِيَّةَ أَصْلٌ ، هُوَ أَكذَبُ خَلْقِ اللهِ.
قُلْتُ: غَالِبُ رِوَايَاتِهِ مُسْتَقِيْمَةٌ، وَالقَوْلُ فِيْهِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ، فيُرْوَى لَهُ مَعَ ضَعْفِهِ .اهـ كلام الذهبي

وهذا الأثر مع ضعفه ليس من مرويا عن الصديقً ، ولو كان مروياً لكان منقطعاً
وروي أيضاً نحوه عن مبهم
قال ابن أبي شيبة في المصنف 36853- حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، قَالَ : حدَّثَنَا مُبَارَكٌ بْنُ فَضَالة ، قَالَ : حَدَّثَنَا بَكْرٌ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ رَجُلٍ كَانَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، قَالَ : كَانُوا إذْ أَثْنُوا عَلَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ ، قَالَ : اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذُنِي بِمَا يَقُولُونَ ، وَاغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُونَ.
وقال أحمد في الزهد 1150- حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ أَوْ مُدِحَ فَسَمِعَ قَالَ : اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُونَ.

أقول : عدي بن أرطأة من صغار التابعين وهو شامي ، فروايته عن رجل من صدر الأمة يقرب أن تكون منقطعة ، وخصوصاً إذا كان من أهل المدينة أو العراق ، وليس في روايته ) واجعلني خيراً مما يظنون (
، وليس هذا الأثر عن الصديق ، ولو كان عنه لكان منقطعاً
وأبعد الصلابي النجعة فنسب هذا الأثر إلى علي بن أبي طالب في كتابه الذي ألفه عنه ، وليس هو في كتب أهل السنة عن علي لا صحيحاً ولا ضعيفاً وإنما هو في نهج البلاغة وفي إحياء علوم الدين للغزالي بلا إسناد !

هذا وصل الله اللهم على محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه
 


 

عبدالله الخليفي
  • مقالات
  • كتب
  • الصفحة الرئيسية