اطبع هذه الصفحة


لبيـــك يا فلسطين
تاريخ الخطبة 14/ 4 / 1427 هـ

عامر بن عيسى اللهو

 
الخطبة الأولى :

أيها الإخوة المؤمنون :
إن سنة التدافع بين الحق والباطل سنة جارية ماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرنَّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) ؛ لكن مما يعزينا ويسلينا أن العاقبة للمتقين قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ، وقال سبحانه ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) .

والحق ممتحن ومنصور فلا ### تعجب فهذي سنة الرحمن
وبذاك يظهر حزبُه من حزبه ### ولأجل ذاك الناس طائفتان
ولأجل ذاك الحرب بين الرسل ### والكفار مذ قام الورى سجلان
فالباطل مهما انتفخ وانتفش إلا أنه إلى زوال وانحطاط .
وإذا تكاثرت الخصوم وصيّحوا ### فاثبت فصيحتهم كمثل دخان
يرقى إلى الأوج الرفيع وإنه ### يهوي إلى قعر الحضيض الداني

عباد الله :
وصور معاداة أهل الباطل للحق كثيرة جدا منها ما هو معنوي كالتكذيب والسخرية والصد عن سبيل الله ، ومنها ما هو حسي كالتعذيب والقتل وفرض الحصار على المسلمين ، فأسلوب الحصار ليس جديدا على أهل الكفر بل هو قديم قدم الرسالة المحمدية ، فالمشركون وكفار قريش لما أعيتهم الحيل في صد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعوته لجأوا إلى أسلوب الحصار الاقتصادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقومه الذين وقفوا معه وهم بنو هاشم وبنو المطلب ، فحُبسوا في شعب أبي طالب واشتد عليهم الحصار ، وقُـطعت عنهم الميرة والمادة فلم يكن المشركون يتركون طعاما يدخل مكة ولا بيعا إلا أخذوه ، فاشتد الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه وبلغهم الجهد والتجأوا إلى أكل أوراق الشجر والجلود ، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع ، واستمر الأمر على هذا الحال ثلاثة أعوام حتى نقضت الصحيفة الجائرة التي فيها التعاهد على الحصار والتي كانت معلقة في جوف الكعبة .
عباد الله :
وفي زماننا هذا تمارس الأمم الكافرة نفس الأدوار التي مارسها كفار قريش من فرض الحصار الاقتصادي على المسلمين ، ولعل ما حدث أخيرا من الحصار الأمريكي الإسرائيلي على إخواننا هناك خير دليل على ذلك ، فإخواننا هناك يواجهون ظروفا صعبة وحصارا محكما قد بلغ بهم الجهد كل مبلغ ، فقد بلغت خسائر فلسطين في الفترة الأخيرة بالنسبة للزراعة أكثر من مليار دولار ، ووزارة الصحة هي الأخرى أصبحت خاوية على عروشها لا تملك حتى الأدوية لمعالجة المرضى ، وشحت الأموال والرواتب والموارد والأغذية فإلى الله المشتكى إلى الله المشتكى .
وإن المتأمل في سبب هذا الحصار ليدرك وبجلاء زيف القيم الغربية ، وكذب الادعاءات الأمريكية لسياسة الديمقراطية فهي ادعاءات مزيفة مبطنة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب إذ إن المقصود بالديمقراطية في مصطلح الغربيين هو اختيار ما تختاره أمريكا التي فرضت وصايتها على العالم أما إذا اختارت الشعوب ما يخالف ذلك ، فالويل كل الويل لها ولا ديمقراطية حينئذ ، فإن حرب التجويع والحصار الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني يهدف إلى أمرين :
1 ) الانتقام من الشعب الفلسطيني الذي انتخب باختياره من يمثله في الحكومة .
2 ) عامل ضغط على الحكومة وإشعال فتيل الخلافات والصدامات بين الشعب .
إن الإسلام عند هؤلاء الغربيين خصوصا عند عصابة الإجرام في البيت الأسود يمثل هاجسا مخيفا ، وبالأخص إذا وصل إلى مقام السلطة أو المشروع السياسي .
إن من المحزن حقا والذي يشعل القلب حقدا أن هذا الحصار الجائر يمارس على الشعب الفلسطيني في الوقت الذي يواصل فيه اليهود احتلالهم للأراضي الفلسطينية وقتلهم للأبرياء وهدمهم للمنازل ، فأي قلب يتحمل هذا الظلم ؟!!
كما أن من العجيب – والعجائب جمة في السياسة الأمريكية – أنه في الوقت الذي تحارب فيه الحكومة الجديدة المنتخبة على أنها متشددة أصولية يباركون اتجاه الأحزاب اليهودية الإرهابية المتطرفة إلى السياسة والسلطة ، فشارون - أهلكه الله وكرّم أسماعكم – هو زعيم حزب الليكود ، وما هو حزب الليكود ؟ هو حزب يعتبر من أشد الأحزاب المتشددة تعصبا لأفكار الصهيونية وإليكم بعض مبادئ هذا الحزب :
1 ) حق الصهاينة في كامل أرض إسرائيل أي فلسطين وشرق الأردن .
2 ) لا تفاوض بشأن القدس .
3 ) استمرار عملية الاستيطان واسعة النطاق في كل أرض إسرائيل .
فمن كان يحمل هذه الأفكار والمبادئ هل يفكر في سلام عادل ؟! أو تعايش سلمي ؟! أو يقال إنه معتدل ؟! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم . لكن العجب يبطل يا عباد الله إذا علمنا أن الغربيين يتعاملون مع الواقع الفلسطيني تعاملا دينيا بحتاً ، فإنهم يتحالفون مع اليهود لأنهم يزعمون أن المسيح سوف يعود إلى القدس فلا بد من السعي لتهيئة ذلك عن طريق تمكين اليهود فيها .
فنسأل الله أن يُبطل مكرهم وأن يرد كيدهم في نحورهم وأن يكفي إخواننا الفلسطينيين شرورهم ...
بارك الله لي ولكم في القــرآن العظيم .

الخطبة الثانية :

أيها الإخوة المؤمنون :
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) متفق عليه .
فالواجب على الأمة الإسلامية حكومات وشعوب دعم الشعب الفلسطيني ، فلا يجوز أن تتخلى الأمة عن قضيتها الأولى ، وإن هذا الدعم يعتبر واجبا شرعيا لأن الفلسطينيين لا يقاتلون من أجل أرض وإنما من أجل مقدسات يشاركهم كل المسلمون بتعظيمها وتقديسها ، ، وقد أثبتت الأمة الإسلامية بعد قضية المقاطعة الدنمركية أن لديها إرادة قوية وعزيمة صلبة ، ولكن بشرط إيمانها العميق بقضيتها ووحدتها حول علمائها المخلصين ، فلا بد من التفاف الدول الإسلامية وتوحيد كلمتها ضد اليهود ومن وراائها أمريكا ، وأن لا يتركوا الفلسطينيين وحدهم يواجهون هؤلاء الطواغيت حتى لا تتكرر المآسي كما حصل في مأساة الحصار على الشعب العراقي .
كما أننا نوجه النداء إلى أبناء الشعب الفلسطيني أنفسهم أن ينبذوا الخلاف والفرقة والتنازع ؛ فإن هذا ما يريده الأعداء وإنه مؤذن بالفشل وذهاب القوة ، وعليهم بالصبر وطاعة الله ورسوله قال تعالى ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ).
كما أن على الإعلام دور عظيم في نصرة القضية الفلسطينية ، وذلك من خلال نقل الصورة الحقيقية للواقع الداخلي وربط الأمة الإسلامية بقضيتها الكبرى مسرى رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وتنظيم الحملات الإعلامية لمناصرة إخواننا في العقيدة هناك ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
 

عامر بن عيسى اللهو
  • مقالات دعوية
  • كتب ورسائل
  • خطب
  • تأملات قرآنية
  • الصفحة الرئيسية