صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
تاريخ الخطبة : 11 / 1 / 1427 هـ

عامر بن عيسى اللهو

 
الخطبة الأولى :

أيها الإخوة المؤمنون :
إن من المعلوم عند جميع المسلمين قاطبة أن النبوة تفضّـل واختيار من الله تعالى ، فهي ليست كسبا يناله العبد بالجد والاجتهاد ، وتكلف أنواع العبادات والطاعات .
قال الله تعالى ( الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) فالنبوة والرسالة اصطفاء من الله تعالى حسب حكمته سبحانه وعلمه بمن يصلح لها .
كما أن من المعلوم أن الرسل وإن كانوا مفضلين على غيرهم إلا أنهم يتفاضلون فيما بينهم كما قال تعالى ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله ورفع بعضهم درجات.. ) ، وأفضل الرسل أولو العزم وهم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ، وأفضل أولي العزم الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام وأفضل الخليلين محمد صلى الله عليه وسلم
والحديث عن محمد صلى الله عليه وسلم حديث ممتع شيّق لا تمل النفوس المؤمنة من سماعه وتنجذب له الأرواح .
محاسنه هَـيُولى كلِّ حسنٍ ومغناطيس أفئدة الرجال
فما تعبّد المتعبدون بأفضل من معرفة محمد وتعلّم ما جاء به من الوحي المبين والسنة المطهرة ، فإنّ هذا من توقيره ونصرته ومحبته صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيّم رحمه الله : وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلّقة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيجب على كل من نصح نفسه وأحب نجاتها وسعادتها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه ، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
عباد الله :
ولعلّنا في هذا الخطبة نتناول جانبا واحدا من جوانب سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم جانبا مدحه به ربه وجعله سببا في إرساله للخلق أجمعين ألا وهو جانب
( الرحمة ) قال تعالى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فالشريعة كلها مبنيّة على الرحمة في أصولها وفروعها ، ومحمد صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بالناس بل تعدت رحمته الناس إلى الحيوانات ، ولا ينكر جانب الرحمة في شخصية محمد صلى الله عليه وسلم إلا جاهل معلوم الجهل أو حاقد مكابر يزعحه ويقلقه انتشار دين محمد صلى الله عليه وسلم في الأرض شرقا وغربا ، وهذا حال المتنفذين من الكفرة من أصحاب الزعامات ورؤساء الصحف والمجلات .
إن المتأمل يا عباد الله في الآية السابقة يلحظ أن الله تعالى وصف رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه رحمة للعالمين فلم يقل : رحمة للمؤمنين ، مما يدل على أن إرساله رحمة ٌلغير المسلمين أيضا فكيف يكون ذلك ؟
قال ابن عباس رضي الله عنه : من تبعه كان له رحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يتبعه عوفي مما كان يُبتلى به سائر الأمم من الخسف والمسخ والقذف .
وأما رحمته بالمؤمنين صلى الله عليه وسلم فأكثر من أن تحصر فقد فطر الله في قلبه الرحمة كما في قوله تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم ) ، لذلك حض على الرحمة وربطها برحمة الله فقال صلى الله عليه وسلم ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمْكم من في السماء ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح ، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُفع له ابن بنته وهو صبي صغير ونفسه تتقعقع من الموت ففاضت عيناه عليه الصلاة والسلام فقال سعد بن عبادة : ماهذا يا رسول الله ؟ فقال : ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) ، وكم نسمع من الأحاديث التي فيها قوله صلى الله عليه وسلم ( لولا أن أشق على أمتي ) مما يدل على أنه بأبي هو وأمي قد يترك الأمر أحيانا رحمة بأمته ألا تطيق ذلك .
ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالصغار ، فقد كان يقبل الصغار ويداعبهم بل ويكنّيهم ، روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ثم يضمهما ثم يقول : ( اللهم ارحمهما فإني أرحمهما ) .
وروى البخاري أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : يا أبا عمير ما فعل النغير والنغير تصغير نغر وهو طائر يلعب به ذلك الصبي فمات .
إن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجاوزت حدود البشر حتى وصلت إلى البهائم والحيوانات سابقة قبل قرون طويلة ما يسمى بجمعيات الرفق بالحيوان ، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حُمّرة ( طائرا صغيرا ) معها فرخان ، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمّرة فجعلت تُفرّش ( أي ترفرف ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من فجع هذه بولدها ؟ ردّوا ولدها إليها. رواه أبو داود، بل إن رحمته بالحيوان بلغت مبلغا أشد من ذلك حتى عند الذبح ، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه مسلم . إنها رحمة ما عرف التاريخ مثلها أبدا .
فآمـنوا بنـبي لا أبـــــــا لـكم ذي خاتم صاغه الرحمن مختومِ
رأْف رحيمٍ بأهل البر يرحمهم مقرّب عند ذي الكرسي مرحومِ
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .

الخطبة الثانية :
أيها الإخوة المؤمنون :
إن من صور الرحمة في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة المجتمع بأكمله وذلك بتوفير الأمن والطمأنينة في أرجائه ، وإنما يكون ذلك بردع من يعبث بأمن الأمة ، ومن هنا شرعت الحدود والتعزيزات من قتل القاتل وقطع يد السارق وحد الزاني وغيرها ، فهذه الحدود عند التحقيق مظهر من مظاهر الرحمة في المجتمع المسلم بعكس ما يصوره أعداء الإسلام من أنه وحشية أو همجية ولكم يا عباد الله أن تتأملوا في قول الله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون )
فالحدود وإن كانت في ظاهرها قسوة على شخص أو شخصين إلا أنها في الحقيقة رحمة للمجتمع بأسره ، والقاعدة الشرعية أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة .
عباد الله :
ومن صور الرحمة في دين محمد صلى الله عليه وسلم رحمته بأهل الأرض كلهم فالأرض كلها لله والدين الذي يرضاه الله لأهل الأرض هو الإسلام ، ولذلك كان من رحمة الله التي أرسل بها رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعم الإسلام الأرض كلها ، فمن وقف ضد دخول الإسلام إلى بلد من البلاد فإنه يقاتل ومن هنا نعرف أن الجهاد في سبيل لله أيضا من مظاهر الرحمة في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولعل هذه القضية من أشد القضايا التي تثار من قِبل الكفار لتشويه صورة الإسلام ودعوة محمد صلى الله عليه وسلم .
وللإجابة عن ذلك نقول : إنه لا بد من النظر في الحكمة من الجهاد في سبيل ، وطريقة هذا الجهاد ، فالحكمة كما تقدم أن يعم الإسلام جميع الأرض ، وهل من شرط الجهاد أن يدخل الناس جميعا في الإسلام ؟ الجواب : لا لقول الله تعالى ( لا إكراه في الدين ) فمن أراد أن يبقى على دينه فله ذلك بشرط أن يدفع الجزية إن كان رجلا بالغا عاقلا على أن يكون تحت حكم الإسلام وهؤلاء يعرفون بأهل الذمة ،
فهذه هي الحكمة من الجهاد ، وأما طريقة الجهاد فهي من أرقى وأجل الطرق
ولعل مما يلخصها قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بريدة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّـر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال : ( اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم .. ) الحديث رواه مسلم . بمثل هذه الوصية نعرف سمو الجهاد في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأهدافه النبيلة ، فأين هذا من الذين ينتقدون الجهاد في الإسلام في حين تسمح لهم نفوسهم بصناعة قنابل هيدروجينية أو جرثومية تقتل في ثوانٍ معدودة مئات الآلاف من البشر ؟!!
عباد الله :
وختاما نقول : إن أحكام الإسلام هي الحكم على الناس وليست أفعال الناس هي الحكم على الإسلام ،فقد يتصرف بعض المسلمين تصرفات ليست من الإسلام في شيء ، فلا يجوز من باب الإنصاف أن يُعمم هذا التصرف على الإسلام أو على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عامر بن عيسى اللهو
  • مقالات دعوية
  • كتب ورسائل
  • خطب
  • تأملات قرآنية
  • الصفحة الرئيسية