اطبع هذه الصفحة


تأملا ت في سورة النساء ج2

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

الشيخ صالح بن عواد المغامسي

 
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خلق فسوى وقدر فهدى ، وأخرج المرعى ،فجعله غثاءً أحوى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته فجزاه الله بأفضل ما جزا به نبياً عن أمته اللهم صلي عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من أقتفى أثره واتبع منهجه بإحسانٍ إلى يوم الدين .

أما بعد . أيها الأخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

حديثنا اليوم إكمال لما فسرناه من كتاب ربنا في الدرس الماضي من سورة النساء , ووقفنا عند قول الله عز وجل : (( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً{163} وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً{164} رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً{165} )) .
هذه الثلاث الآيات هي التي سيدور عنها الحديث في هذا اللقاء المبارك إن شاء الله تعالى .

ومبدئياً نقول :
إن الإنسان وهو يسير إلى ربه لابد له منهج يسير عليه ولابد له من نفس الوقت من أئمة يقتدي بهم , وحتى يكون المسير إلى الله جل وعلا حقاً على بينةٍ وعلى صراط مستقيم لا بد أن يكون المنهج مِن مَن ؟
مادمنا نعبد الله لا بد أن يكون المنهج الذي نسير به إلى ربنا يكون من لدن ربنا وإلا لن نستقيم في السير على صراطه ولا في الطريق إليه .
الأمر الثاني : ينبغي أن يكون القدوة والإمام الذي نضعه نصب أعيننا لابد أن يكون معصوماً حتى لا تختلف علينا الأهواء والزيغ . ولا معصوم إلا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
ولذلك عندما يكون الإنسان وهو يتحدث وهو يعمل وهو يقول وهو يفعل يحتج بفعل الأنبياء والمرسلين لا تجد لأحد طريقاً عليه لأن الله جل وعلا عصم الأنبياء والمرسلين من الزيغ ومن الضلال فهم عليه الصلاة والسلام لا يصدرون من آرائهم إنما يصدرون من وحي الله جل وعلا إليهم , فإذا اجتهدوا في أمر ليس فيه وحي لا يقرهم الله جل وعلا على خطأ إذا أخطؤا .
كما أن نبينا عليه الصلاة والسلام أعرض عن عبد الله بن مكتوم رضي الله عنه نزل القران يعاتبه : ((عَبَسَ وَتَوَلَّى{1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى{2})) . أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له أسرى يوم بدر واستشار أصحابه أنزل الله جل وعلا : (( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ )) الأنفال 67. إلى غير ذلك من الدلائل التي لا تحتاج إلى كثير شواهد ،وعظيم قرائن .
المقصود قص الله جل وعلا في كتابه الكريم بعض من أخبار رسله وبعضا طواه عن نبينا صلى الله عليه وسلم وعنا .
وفي الآيات التي تلوناها التي بين أيدينا التي هي موضوع درس اليوم يتكلم الله جل وعلا عن جملة من أنبياء الله ورسله ممن اصطفاهم الله وأنبأهم , وكل المذكورين في هذه الآية هم رسل وليسوا أنبياء فقط . بمعنى بعثوا إلى أقوام ودعوا إلى الله جل وعلا بشرع جديد .

هؤلاء الرسل أوحى الله جل وعلا إليهم قال سبحانه : )) إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ )) .
الوحي : هو الفارق الأعظم بين الأنبياء وبين المصلحين من البشر . نحن نعترف أن البشرية شهدت علماء ومصلحين وقادة عبر تاريخها الطويل في كل الأمم ولكن هؤلاء القادة والمصلحين والأئمة في أي ملة لن يسلموا من خطأ لأنهم غير موحى إليهم وليسوا بمعصومين , لكن أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الوحي كفل لهم العصمة فهذا هو الفارق العظيم بين أنبياء الله ورسله وبين من شهدتهم البشرية عبر تاريخنا الطويل .
نسمع بسقراط وأرسطو وغيرهم وأفلاطون في الحضارة اليونانية وغيرهم , نعم كان كثير منهم أجلاء فيهم عقل فيهم حكمه أسسوا حضارة لكنها لم تسلم ولن تسلم من زلل ما دامت جهداً بشرياً . أما جهد أنبياء الله ورسله فهو فرقان ووحي ينزل من الله لا يقبل أنصاف الحلول لأنه (( مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ )) هود 1, قال الله جل وعلا في حق نبيه صلى الله عليه وسلم : (( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} )) النجم .

نأتي لهؤلاء الأنبياء سنقف على مجمل سيرتهم عبر ما سردهم الله جل وعلا , منهم من مر معنا ومن مر معنا في دروس لاحقة لا حاجة للتكرار ومن لم يمر معنا سنقف عنده لنتبين بعض سيرة حياته وكيف نقتدي به , مع البيان الشافي أنهم جملة بعثوا بدين واحد وهذه أهم قضية ولذلك قال الله : (( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )) البقرة 285.
(( إِنَّا أَوْحَيْنَا )) " إن " هذا كلام رب العزة . والنون للتعظيم " نا " الدالة على الفاعلين لتعظيم الرب جل جلاله , تسمع في الأوامر الملكية في السعودية مثلا : " نحن فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية " ثم يأتي الأمر هذه " نحن " للجماعة لكنها تقال في السياق اللغوي للتعظيم . ويجوز إطلاقها على البشر ويجوز إطلاقها على الله , لكنها في حق الله بلا شك أعظم منها في حق البشر كما تقال فلان حكيم والله جل وعلا حكيم , لكن فرق ما بين حكمة العباد وحكمة رب العباد جل جلاله , إن اتفقا في المسمى لا يتفقان في دقائق الوصف .
(( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )) وأوحينا الفعل" أوحى " كذلك أسند إلى " نا " الدالة على الفاعلين لبيان العظمة الإلهية .
(( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )) المخاطب هنا النبي صلى الله عليه وسلم نبينا محمد مع اليقين أنه عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء لكنه قدم هاهنا لعلو شرفه وجليل منزلته وعلى أنه أفضل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بلا شك .

وحتى يستفيد الإنسان فالإنسان إذا خطب أو ألقى محاضرة أو أرد أن يقول درساً كطالب علم مثلا يحاضر أو شيء من هذا يقول : " وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأولهم يوم القيامة شأنا وذكرا " .
يقول : " وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله آخر الأنبياء في الدنيا عصرا ـ من حيث الزمن هو آخر الأنبياء ( أنا آخر النبيين وأنتم آخر الأمم ) ـ آخر الأنبياء في الدنيا عصرا وأولهم يوم القيامة وأرفعهم شأنا وذكرا صلوات الله وسلامه عليه .

(( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ )) ثم جاء الله بكاف التشبيه " كما " أي كالذي (( كَمَا أَوْحَيْنَا )) ثم ذكر الله جملة من الأنبياء على ما سيأتي بيانهم على التفصيل . (( كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ )) نوح عليه الصلاة والسلام أول رسل الله جل وعلا إلى الأرض , وقد أثنى الله جل وعلا عليه في القرآن وأسماه ((عَبْداً شَكُوراً )) الإسراء 3 . والأصل أن الله خلق الناس على فطرة واحدة منذ أن كان أبوهم آدم عليه السلام , مكثوا على هذا الحال كما يقول ابن عباس وجمهرة المؤرخين عشرة قرون ثم اجتالتهم الشياطين صرفتهم عن طاعة الله فبعث الله جل وعلا وأرسل أول ما أرسل أرسل إليهم مَن ؟
نوح عليه الصلاة والسلام والدليل على أنه أول الرسل ثابت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر قيام الناس وحديث الشفاعة قال : ( إن الناس يأتون نوحاً ويقولون يا نوح أنت أول رسل الله إلى الأرض وسماك الله في كتابه عبدا شكورا ) . فهو أول رسل الله إلى الأرض بالاتفاق , وهو أطول الأنبياء عمراً عاش ألفا وتزيد قيل إنها ألف ومائه وخمسين , وما ذكره الله جل وعلا في كتابه أن الله قال : (( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً )) العنكبوت 14 . هذا العمر الدعوي وليس عمر حياته كلها قول الله جل وعلا : (( فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً )) يدعو إلى الله بدليل أن الله قال بعدها : (( فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ )) . (( فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ )) و (( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ )) هذه كلها دلالة على أن نوحاً عاش بعد هذه المدة ويحسب معها المدة التي كانت قبل أن ينبأ صلوات الله وسلامه عليه , والمقصود أنه شيخ المرسلين وهو الأب الثاني للبشر بعد آدم والأب الأول للأنبياء صلوات الله وسلامه عليه .

(( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ )) ولم يذكر الله جل وعلا من النبيين الذين بعد نوح عليه الصلاة والسلام .

ثم قال سبحانه : (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ))
بيان هؤلاء على النحو التالي :
ذكر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد مرت معنا سيرته وهو الأب الثاني للأنبياء ويطلق عليه أبو الأنبياء من باب التجوز إذا أطلقت أبو الأنبياء يراد بها إبراهيم وإذا قيل شيخ الأنبياء يراد بها نوح عليهم الصلاة والسلام , وإذا قيل كليم الله يراد بها موسى مع أن الله كلم محمداً وكلم آدم لكن إذا قيل كليم الله تنصرف إلى موسى عليهم الصلاة والسلام , وإذا قيل شيخ المرسلين تنصرف إلى نوح لأنه الأبُ الأول للأنبياء ولأنه أطولهم عمراً , وإذا قيل أبو الأنبياء تنصرف إلى إبراهيم لأن إبراهيم ما بعده جميع الأنبياء كانوا من ذريته قال الله تعالى : (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب )) هذا يفيد الحصر إلا أنه يشكل أن لوطاً ابن أخي إبراهيم عليهم الصلاة والسلام .

(( وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ )) إسماعيل الابن الأكبر لمن؟ لإبراهيم من زوجته هاجر وهاجر كانت جارية عند من ؟ عند سارة فجارية أمه وسارة حرة . لما لم تنجب سارة أهدت إبراهيم هاجر فلما ولدت إسماعيل أصابها ما يصيب النساء من الغيرة فما طاقت أن تمكث هي وسارة في مكان واحد , فهاجر إبراهيم بزوجته هاجر وابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع أي إلى مكة ووضعها في مكة بأمر الله في القصة المشهورة ومضى عنهما , رجع إلى أين ؟ رجع إلى مصر إلى زوجته سارة . لما رجع إلى سارة أنجبت له سارة إسحاق وجاء في الآية : (( إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ )) . فصار إسحاق الابن الثاني لمن ؟ لإبراهيم .
لما ترك إبراهيم إسماعيل في واد غير ذي زرع التي هي مكة اليوم تركه ولم يترك معهم إلا شيئا يسيراً من زاد وماء ثم فني الإثنان فلما فني الإثنان والقصة المشهورة أن بعثت ماء زمزم من تحت قدمي إسماعيل . وجود الماء يجلب القبائل جاءت قبيلة جرهم وهي قبيلة قحطانية من العرب العاربة تزوج منهم إسماعيل بعدما شب وبلغ مبلغ الرجال تزوج منهم , بعدما تزوج منهم ماتت أمه قبل أن يأتي أبوه ماتت أمه هاجر بعد أن تزوج من قبيلة جرهم ثم مكث ما شاء الله ,جاء إبراهيم يبحث عن زوجته وابنه , لما جاء عرف أن الوالدة توفيت أي والدة إسماعيل , فسأل عن ابنه كان إسماعيل وقتها في الصيد فلما دخل على المرأة الجرهمية التي تزوجها إسماعيل في أول الأمر سألها عن إسماعيل قالت : " خرج يصطاد لنا " فسألها عن حالهم فذكرت شيئا عسيراً ولم تحسن الخطاب وقالت : " نحن في ضيق وشدة كرب ولم تذكر شيئا حسنا " فقال لها إذا جاء إسماعيل فأقرئيه مني السلام وقولي له : " غير عتبة بابك " . جاء إسماعيل من الصيد كأنه آنس شيئا , قال لزوجته : " هل من خبر ؟ " أخبرته القصة رجل كبير أخذت تصف إبراهيم وهي لا تدري أنه والد إسماعيل . هل قال شيئاً أخبرك بشيء ؟ أخبرته بالقصة , قال : " ذاك أبي وقد أمرني أن أطلقك فالحقي بأهلك فطلقها " , ثم تزوج امرأة أخرى من نفس جرهم لأنه ما كان فيه قبيلة إلا جرهم , فلما تزوج وافق أن جاء إبراهيم بعدها بفترة وكان إسماعيل في الصيد فقابل المرأة الزوجة الجديدة سألها عن حالهم أين إسماعيل قالت : " في الصيد " سألها عن حالهم أخبرته بأنهم : " بأحسن حال " فدعا لهم بالبركة وقال : " إذ جاء زوجك فأقرئيه مني السلام وقولي له ثبت عتبت بابك " , لما جاء إسماعيل سأل زوجته وأخبرته الخبر قال : " ذاك أبي وقد أمرني أن أبقي عليك " , ثم جاء في المرة الثالثة وحصل ما حصل من بناء الكعبة .
هذا من؟ هذا إسماعيل عليه الصلاة والسلام .

حث الأبناء على الصلاة من هدي الأنبياء
نعته الله جل وعلا في القرآن بأنه : (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً{54} وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً{55} )) مريم . المقصود أن إسماعيل كان يحث أهله على الصلاة وهذا أعظم الفوائد في هدي الأنبياء .
حث الأبناء على الصلاة من هدي مَن؟ من هدي الأنبياء هذه الغاية من ذكر الأنبياء . نأخذ من كل نبي الفائدة المرجوة . حث الأبناء على الصلاة من هدي الأنبياء . فالإنسان وهو يعمل يوقظ أهل بيته يتذكر هذه الآية يتلوها : (( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ )) ويأمر أهله بالصلاة وينادي علَّ الملكين أن يكتباها له .
إسحاق عليه الصلاة والسلام تكلمنا عنه وقلنا إنه والد يعقوب ويعقوب هو مَن ؟ هو إسرائيل .

(( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ )) الأسباط أبناء يعقوب على الأظهر . اختلف فيهم : جمع سبط والأظهر أنهم أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام , إذا قلنا إنهم أولاد يعقوب فهم إخوة مَن ؟ إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام وقيل إن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب هذا أظهر ما قيل في أن الأسباط وهم أخوة يوسف تاب الله جلا وعلا عليهم وهناك أقوال غير ذلك .

(( وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى )) الأصل أن عيسى عليه الصلاة والسلام في الترتيب ليس بعد يعقوب والأسباط وإنما عيسى آخر الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم وفي هذا فائدتان :

الفائدة الأولى : أن الله ذكر عيسى مقدماً هنا لأن الخطاب هنا أصلا موجه للنبي عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب بني إسرائيل لأن مر معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجادل من ؟ نصارى نجران قلنا إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجادل نصارى نجران والآيات قريبة مما قبلها تتكلم عن النصارى فتقديم عيسى هنا لمناسبة الآية بما قبلها هذا واحد .

الفائدة الثانية : بما أن عيسى ليس الأول فهذا دليل على أن " الواو العاطفة " لا تفيد الترتيب . وإن كان في المسألة أقوال للعلماء لكن " الواو العاطفة " لا تفيد الترتيب .

ثم قال الله جل وعلا : (( وَعِيسَى وَأَيُّوبَ )) أيوب عليه الصلاة والسلام من ذرية يعقوب أي من بني إسرائيل . وقد جعله الله جل وعلا قدوة ومثالاً وموعظة للصابرين . وهو عبد صالح ونبي مرسل بنص القرآن كما في هذه الآية , هذا النبي ابتلاه الله جل وعلا بعد أن كان حسن الخلقة ابتلاه الله بمرض في الظاهر والباطن , ومكث في المرض عليه الصلاة والسلام ثمانية عشر عاماً وهو صابر محتسب حتى كان ذات يوم فقد أبناءه طبعاً في الفترة هذه فقد بعض أهله تخلى الناس عنه لم يبقى له إلا صاحبان وزوجته . وكانت بارة فيه وغضب عليها مرة فحلف بالله أن يضربها إن شفاه الله مائة جلدة , إذ أن الإنسان مع المرض يحدث منه أشياء عاجلة , بقي له صاحبان خرجا من عنده ذات يوم وأخذا يتحدثان فيه , رواه أبو يعلى والحاكم في مستدركه بسند صحيح وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة , خرجا من عنده ثم أخذا يتحدثان عنه فقال أحدهما للأخر : " ألا ترى أن أيوب قد أذنب ذنباً عظيما وإلا يمكث ثمانية عشر عاماً ولم يشفه الله ؟ ـ حتى تعلم أن الناس في تقبلها للآخرين يبقى مهما بقي تصورها ماذا ؟ تصور ضيق والأمور مردها إلى الله تنظر حسب ما ترى , ولا يمكن أن يعطى إنسان العلم كله , هذان صاحبان حميمان ومع ذلك يقولان عنه هذا القول وهو نبي مرسل ـ لما رجعا إليه ما صبرا أخبراه قالوا : " إننا تحدثنا في شأنك وقلنا إنك أذنبت ذنباً عظيماً وإلا لا يعقل أن تمكث في البلاء ثمانية عشر عاما لا يشفيك الله " , فقال عليه السلام : ( لا أدري ما تقولان إلا أنني أمر على الرجلين ـ وهنا تأمل كيف يعظم أنبياء الله ربهم ـ أمر على الرجلين يتنازعان فيحلفان الإثنان بالله فأعلم أن أحدهما كاذب ـ لأنه لا يعقل أن يصدق الاثنان وهما متنازعان ـ فأذهب إلى بيتي فأكفر عن أحدهما كراهية أن يذكر الله إلا بحق ) , فخرجا من عنده , وكان عندما يقضي حاجته تذهب معه زوجته , أخذته ليقضي الحاجة وأوصلته إلى منتهى المكان الذي تريد أن يقضي فيه الحاجة وتركته يتكئ عليها لضعفه , ثم انتظرته كالعادة , وهو في الطريق أصابه ما أصابه من الهم فسأل الله جل وعلا كما قال الله جل وعلا عنه : (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )) الأنبياء 83 , وفي الآية التي في سورة " ص" : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )) 41. ففجر الله من تحته عيناً وقال له اشرب واغتسل (( ارْكُضْ بِرِجْلِكَ )) فركض (( هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ )) فشرب فبرئ باطنه كل وجع داخلي انتهى , واغتسل فبرئ ظاهره . فأصبح تام الخلقة حسن الوجه فرجع معافى إلى من ؟ إلى زوجته , لكنها لم تعرفه , فقالت : " يا فلان أمر معك هذا النبي المبتلى فوالله إنه عندما كان غير مريض من أشبه الناس بك " فقال لها : ( أنا نبي الله أيوب ) . رجع معها صلوات الله وسلامه عليه .
مكثه ثمانية عشر عاما من أعظم وأجل أنواع الصبر ولذلك لما نعته الله جل وعلا في القرآن قال : (( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) .

قال العلماء الربانيون :
" إن نِعم الثناء من الله ليس بالأمر الهين " . أن يقول الرب الجليل جل جلاله عن أحد عباده (( نِعْمَ الْعَبْدُ )) إلا لعلم الله بسريرة ذلك العبد وأنه أهل لهذا الثناء والمدح الإلهي . وقد من الله على أيوب عليه الصلاة والسلام بهذا العطاء .
زيادة في الخير كان له أندران يعني بيادر كبيرة فيها قمح وشعير , فجاءت سحابتان ـ وهذا حديث صحيح ـ فأفرغت إحداهما على مكان القمح ذهبا وعلى مكان الشعير فضة فضلاً من الله جل وعلا عليه وإكراما لصبره صلوات الله وسلامه عليه . من مات من ذريته وأولاده وأهله أحياهم الله جل وعلا إكراماً له .

فالله جل وعلا إذا أعطى لا يسأله أحد عما يفعل تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا .

قال سبحانه : (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{83} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا )) هذه لأيوب (( وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ{84} )) أي لمن صنع في صبره صنيع من ؟ صنيع أيوب . هذا أيوب عليه الصلاة والسلام .

قال الله جل وعلا : (( وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ )) أما يونس عليه الصلاة والسلام فهو يونس ابن متى عليه الصلاة والسلام بعثه الله جل وعلا إلى أرض نينوى من أهل الموصل من بلاد الموصل في أرض العراق حالياً . هذا النبي خرج مغاضباً في قصة مشهورة مرت معنا مراراً لا حاجة لذكرها لكن الذي يعنينا أنه عليه الصلاة والسلام قال الله جل وعلا عنه : (( وَذَا النُّونِ )) أي وصاحب الحوت (( إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )) الأنبياء 87 .
وجاء في السنة كما في البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقل أحدكم أنا خير من يونس ابن متى ) هذا الحديث مشكل لأن له مفهومين :

المفهوم الأول : أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام لا يقل أحدكم ( أنا خير ) " أنا " هذه عائده على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قلنا بها يصبح المعنى لا يفضل أحد بيني أي النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الأنبياء . وهذا بعيد في ظني لأن النبي عليه الصلاة والسلام أفضل من كل الأنبياء ولا حاجة لتأكيد يونس لوحده وإن قال به فريق من العلماء .

أما المفهوم الثاني : وهو الأرجح معناه لا يقل أحد من الناس عن نفسه يرى صلاحه وتقواه وصلاته و صيامه أنه أفضل من يونس . طيب ما لذي يدفع الناس لأن يقول أحدهم أنا أفضل من يونس . ما ذكره الله جل وعلا عن يونس من نوع عتاب فإن الله قال في كتابه : (( وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ )) القلم 48 , فقالوا هذه الآية تشعر أن يونس ليس بذلك الكمال , فيأتي إنسان يرى في نفسه الكمال العظيم فيظن أنه خير من يونس . فقال عليه الصلاة والسلام حسماً للباب : ( لا يقل أحدكم أنا خير من يونس ابن متى ) . فيونس عليه الصلاة والسلام نبي مرسل قلنا أرسله الله إلى أرض نينوى من أرض الموصل من أرض العراق حالياً .

(( وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ )) أما يونس بيناه أما هارون فهو الأخ الأكبر لموسى عليهم الصلاة والسلام وكان فرعون لما اشتكاه الأقباط أنه إذا أفنى بني إسرائيل لا يبقى لهم خدم أصبح يقتل عاماً ويبقي عاماً , فولد هارون في العام الذي لا قتل فيه وولد موسى في العام الذي فيه قتل .
هارون كان أكبر من موسى وجعله الله جل وعلا رسولاً نبياً بشفاعة موسى قال الله جل وعلا : (( وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً{53} )) مريم . وقال الله عن موسى (( وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً )) الأحزاب 69.
جاء في حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه رأى في السماء الخامسة : ( ورأيت رجلاً تكاد تلامس لحيته سرته قلت من هذا يا جبرائيل قال : هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران ) .
كان هارون سمحاً ليناً ولذلك كان محبباً في بني إسرائيل .
وافترقت بني إسرائيل على ولايته لمّا ذهب موسى يكلمه ربه كما سيأتي . هذا هارون ابن عمران عليه الصلاة والسلام .

ثم قال الله : (( وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ )) سليمان ابن داوود وسيأتي بيان داوود عليهم الصلاة والسلام ، أما سليمان قلنا إنه ابن داوود وقد منّ الله جل وعلا عليه بأن استجاب دعائه عندما قال : ((رب اغفرلي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أنك أنت الوهاب )) إذا جئت تسأل الله فلا تسأل الله على قدر ما تظنه في الناس ولكن اسأل الله على قدر ما تظنه في ربك . الله جل وعلا أعظم مسؤول .هذا سليمان يفقه هذه جيداً فلما سأل ربه سأل ربه على قدر ما يعلمه عن ربه لا ما قدر ما يستحقه , فنحن لا نستحق شيئا لكننا نسأل الله على قدر علمنا بعظمة ربنا وجلال قدرته وأن خزائنه لا تنفد سبحانه وتعالى .
فهذا النبي الصالح قال : (( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )) ص 53 , فمن الله جل وعلا عليه وأعطاه ما سأل فسخر الله تعالى له بعدها (( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ )) ص 36 .
حتى أصبح في الأمثال يقال : " ملك سليمان " كناية عن الملك العظيم الذي لا يعطى لأي أحد وهذا فضل من الله جل وعلا له .

ثم قال سبحانه : (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) داوود والد من ؟ والد سليمان وهذا دلالة كذلك على أن الواو لا تعني الترتيب وإن كانت هذه : (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) ممكن أن تكون واو استئنافيه .
داوود عليه الصلاة والسلام أحد أنبياء بني إسرائيل وهو الذي يسمى عند النصارى اليوم : " ديفيد " . وكلمة " كامب ديفيد " معناها مخيم داوود . داوود عليه الصلاة والسلام أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل وعلى يديه قتل جالوت (( وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ )) البقرة 251 , كما قال جل وعلا .
هذا النبي لما مسح الله جل وعلا كما عند الترمذي بسند صحيح على ظهر آدم وخرج من ظهر آدم ذريته رأى آدم كل نسمة كائنة من ذريته إلى يوم القيامة . فرأى فيما رأى منهم غلاما أزهر فيه " وبيص " نور بين عينيه , قال : ( يا رب من هذا ؟ ) ـ طبعاً هو أبو البشر لكن لا يعرفهم هذا عالم الأرواح الأول ـ قال له ربه : (( هذا رجل من ذريتك يكون في آخر الزمان يقال له داوود )) ، قال : ( كم جعلت عمره ) قال : (( ستين عاماً )) فقال : ( يا رب زده أربعين ) فقال الله : (( إلا أن يكون من عمرك )) فوافق آدم , وكان الله قد أعطى آدم ألف عام , فلما جاء ملك الموت ليقبض آدم نسي آدم أنه أعطى ابنه داوود أربعين عام . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته ) فأتم الله الألف لآدم والمائة لداوود عليهم الصلاة والسلام .
هذا النبي قال الله عنه : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) ص 17 , كلمة (( ذَا الْأَيْدِ )) جمع الله له قوة القلب وقوة البدن في الطاعة .

الإنسان أحيانا يكون عنده رغبة في الطاعة لكن الكسل يكون بدني مثلاً مهدود ، رجل كبير، شاب مريض ،قادم من عمل مضني متعب فالرغبة لا يطيقها البدن , وأحيانا يكون في الإنسان عافية وقدرة لكنه نائم يعني ما كان وراءه تعب لكن ما عنده قلب يريد أن يقوم الليل , فاجتمع في داوود قوة القلب على الطاعة وقوة البدن . وهذا من أفضال الله جل وعلا على عباده .

لو أراد شخص في يوم واحد أن يطبق سنة داوود عليه الصلاة والسلام ما لذي يلزمه ؟
(( ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) منّ الله عليه بخصلتين حسن الصلاة وحسن الصيام قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : ( أحب الصلاة إلى الله صلاة داوود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ) . الآن آذان المغرب يؤذن الساعة السابعة وصلاة الفجر تكون الساعة الرابعة أي أن الليل تسع ساعات بالضبط ، لو أراد شخص في يوم واحد أن يطبق سنة داوود عليه الصلاة والسلام ما لذي يلزمه ؟
ينام بعد صلاة العشاء إذا اعتبرنا الليل من بعد صلاة العشاء تصبح سبع ساعات لأنه ما فيه قيام ليل إلا بعد صلاة العشاء فكان ينام نصف الليل،هذه السبع ساعات ثلاث ساعات ونصف فإذا نام الساعة التاسعة يقوم الساعة الثانية عشر والنصف ويصلي إلى كم يبقى من السدس؟ الآن إذا وصل إلى الساعة الثانية عشر والنصف هذا نصف الليل في أيامنا هذه إذا اعتبرناه من اثنا عشر ونصف إلى أربعه كم ساعة ؟ ثلاث ساعات ونصف إذا قسمت على ستة ثلاثة في ستين مائة وثمانين ونصف ثلاثين مائتان وعشره ، مائتان وعشره دقيقه لو قسمت على ستة يصبح فيها حوالي أربعين أو خمسه وثلاثين دقيقه فتبقى الخمسة وثلاثين دقيقه قبل أربعه يصبح يبدأ يقوم اثنا عشر ونصف وينتهي الساعة الثالثة وخمسه وعشرين دقيقه . هذه قل ما يطيقها أو يفعلها أحد في عصرنا مرة في العمر هذا النبي كان يصنعها كل ليلة وقال صلى الله عليه وسلم : (وأحب الصيام إلى الله صيام داوود كان يصوم يوما ويفطر يوما ) وتمام الحديث وهو في الصحيحين : ( وكان لا يفر إذا لاق ) لأنه كان يجاهد في سبيل الله ولا يفر صلوات الله وسلامه عليه .

أعطاه الله جل وعلا حسن الصوت ولذلك لما سمع النبي عليه الصلاة والسلام أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال : ( أعطي مزمارا من مزامير آل داوود ) . كان إذا قرأ الزبور , والزبور هو الكتاب الذي أعطاه الله داوود عليه السلام والزبور كله مواعظ , وقال بعض العلماء ليس فيه أي حكم شرعي وإنما كله رقائق ومواعظ تذكر بالله ، كان يتلوها بصوت حسن فتجتمع الطير تنجذب إلى صوته وقراءته للزبور فتمكث إذا طال بعضها يموت جوعا ينسى الأكل وهو مؤتلف منسجم مع ترتيل داوود .
قال الله: (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) والزبر في اللغة : الكتاب المجموع بعضه إلى بعض . (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) الزبور الكتاب الذي أنزله الله جل وعلا على داوود عليه السلام وقلنا إنه مواعظ كله وحكم . الآن أنظر إلى التفكير ما بين أهل الدنيا وأهل الآخرة .

سنأتي بفائدة أدبية حتى أريك الفرق بين الناس :
تسمعون بالفرزدق أبو فراس شاعر أموي كان من أهل الفسق جاء ذات يوم على كلمة زبور ، جاء ذات يوم عند مسجد يقال له مسجد بني زريق في الكوفة هذا المسجد يجلس عنده شعراء ينشدون شعر , فذكر رجل ينشد شعراً ذكر شعر للبيد بن ربيعه ، لبيد له معلقه :
عفت الديار محلها فمقامها
بمنٍ تأبد غولها فرجامها
*فيها بيت يقول:
وجل السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها أقلامها
يتكلم عن السيل عندما يأتي يمسح الوادي كأنه يعيد كتابتها من جديد , هذا الشاعر واقف يتكلم والفرزدق عابر فقال :
وجل السيول عن الطلول كأنها
زبر تجد متونها أقلامها
سجد هذا الفرزدق , فلما سجد ورفع رأسه قالوا : ما هذا يا أبا فراس ؟ قال : أنتم تعرفون جَيِّد القرآن فتسجدون وأنا أعرف جيد الشعر فأسجد له . الآن هذا يبين لك أن عقلية الناس تختلف من شخص إلى شخص . الفرزدق لا ينقصه ذكاء وإلا ما يقول هذا الشعر لكن لا يوجد قلب يتعلق بماذا ؟ يتعلق بالآخرة . الناس كلها ترى منظر واحد لكن كيف ترى هذا المنظر ؟ كلما كان قلبك أخروياً ربطته بالآخرة . سليمان بن عبد الملك خرج ومعه عمر بن عبد العزيز وهما واضع يده بيد بعض أمير المؤمنون سليمان ومعه عمر ماشين في الطائف , والطائف معروف البرق والرعد فيها , جاء رعد وبرق انتفض سليمان ـ والذي يعرف جبال الهدا والشفا يعرف هذا ـ فلما رأى البرق والرعد قال عمر : " يا أمير المؤمنين هذا صوت رحمته فكيف إذاً بصوت عذابه ؟ " هذا الذي أنت خائف منه صوت رحمه يأتي منه مطر فكيف إذاً بصوت عذابه . فربطها رحمه الله بالآخرة مباشرة وإلا المنظر يبقى واحد لكن الناس الذي يرونه تلقي المنظر، تلقي الكلام ، تلقي الخطاب ، يختلف من زيد إلى عمرو لأن الناس يتفاوتون في إدراك الأشياء بحسب قلوبهم .
قال الله جل وعلا : (( وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً )) ثم قال سبحانه : (( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )) . الله هنا يقول لنبيه هؤلاء رسل قصصناهم عليك . ممن قصه الله جل وعلا صالح ، وشعيب ، وهود ،وهم غير مذكورين في هذه الآية (( وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ )) طبعا لا نعرفهم لأن الله لم يقصصهم على نبيه (( وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )) إفراد موسى عليه السلام هنا بالذكر تشريف له صلوات الله وسلامه عليه .

موسى أعظم أنبياء بني إسرائيل .
وهو كليم الله وصفيه قال الله عنه : (( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي )) الأعراف 144 .
فيه شيء في اللغة يسمى مفعول مطلق يأتي على ثلاثة أنواع :
إما يأتي مبيناً للعدد تقول مثلا : " ضربت فلان ستاً " أي ست ضربات .
وإما مبيناً للنوع تقول : " أكرمت زيداً إكراماً كثيراً " أي كثير الإكرام .
وإما أن يأتي مؤكداً يؤكد حدوث الفعل كما في هذه الآية : (( وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )) هذا تأكيد أن الله كلم موسى أما كيف كلمه لا ندري . لكن كلمه بلا شك . لأنه فيه فرق حادت عن الصواب وقالت إن الله لم يكلم موسى .

متى كلم الله موسى ؟
كلم الله موسى في بدء النبوة عندما خرج من أرض مدين وأظنه مر علينا هذا كلمه الله عند جبل الطور وكان لا يدري أنه نبي ولا يدري أنه رسول فكلمه ربه .

الحالة الثانية : كلمه الله جل وعلا عندما وعده تبارك وتعالى قال تعالى : (( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ{142} وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي )) الأعراف .

هذه (( لَن تَرَانِي )) نذكر منها فوائد مهمة إن صح الخطاب :
هذه " لن " للنفي وقد مرت معنا ، ظهرت فرقه يقال لها المعتزلة سأخصص الحديث عنها الآن . تقول إن الله جل وعلا لا يُرى في الآخرة ومن حججهم هذه الآية يقولون إن الله قال لموسى (( لَن تَرَانِي )) بمعنى لن تراني أبداً , فقالوا يستحيل أن يُرى الله في الآخرة . ونحن معشر أهل السنة نؤمن أن الله جل وعلا يُرى في الآخرة لدلالة الكتاب ودلالة السنة قال الله جل وعلا : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{23})) القيامة , وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ) في حديث الصحيحين وفي غيرهما .

نأتي لقضية المعتزلة وهذا من باب الفوائد .
المعتزلة فرقة ظهرت في أواخر القرن الأموي وازدهر قولها وسلطانها في عصر بني العباس أيام المأمون والمعتصم أخو المأمون .
تقوم أركان المعتزلة على خمسة بنود :
أولاً : التوحيد . الثاني : الوعد والوعيد . الثالث : العدل . الرابع : المنزلة بين المنزلتين . الخامس : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . طبعاً حسب فهمهم هم .

لماذا سموا المعتزلة ؟
قالوا من أسباب تسميتهم أن الحسن البصري رحمه الله وهذا مر معنا كثيرا كان يدرس في الحلقة وجاءه رجل سأله يا أبا سعيد ما تقول في مرتكب الكبيرة ؟ كان في أيامها فيه جدال صراع بين الناس هل مرتكب الكبيرة يكفر أولا يكفر؟
كان الخوارج يقولون : إن مرتكب الكبيرة يكفر كفراً أكبر مخرج من الملة فيستبيحون قتله . وأهل السنة يقولون إن مرتكب الكبيرة فاسق لكن الكبيرة لا تخرجه من الملة وبالتالي لا يستبيحون قتله .
فجاء رجل يسأل الحسن البصري رحمه الله وكان من أعلام الناس , فبينما الحسن يريد أن يجيب ظهر رجل في الحلقة اسمه واصل بن عطاء من أعظم من أسس مذهب الاعتزال فقام وقال هو في منزلة بين المنزلتين .
سنرد عليهم عقلاً هم جاؤوا بها عقلاً سنرد عليهم عقلاً , فقال : هو في منزلة بين المنزلتين ، ما معنى منزلة بين المنزلتين ؟ قام وجلس تحت سارية ثانية يشرح : ما معنى منزلة بين المنزلتين ؟ ـ طبعاً إي إنسان يقوم يشرح الآن حتى لو إي واحد الآن زعل علي في الدرس وجلس هناك يتكلم لا بد واحد أو اثنين يروحوا وراه يشوفوا ماذا يقول ـ لما ذهبوا ناس معاه قال الحسن رحمه الله : " اعتزلنا واصل " فسموا بالمعتزلة .
قرر واصل مذهب الاعتزال . واصل هذا من أفصح خلق الله رغم أنه كان فيه لظغه ما يعرف ينطق حرف الراء ما تجيء على لسانه هذا شيء ليس في يده من الله , يجلس يتكلم بالساعات ولا أحد يعرف أن فيه لظغه في الراء لا يأتي ولا بكلمة فيها راء , هذا إنسان يعرف في اللغة أشياء لا تعقل يتكلم بالساعات يقول الحمد لله القديم بلا ابتداء الباقي بلا انتهاء يذكر يعظ بالله ويصف ويشرح ويتكلم ويخرج وأنت لا تدري أنه ما يأتي بالراء لأنه ما قال ولا كلمة بالراء لقوة بلاغته , ومع ذلك أضله عقله ، لأنه حكم على الناس بأن الفاسق ترد شهادته وأنه منزلة بين المنزلتين .

من أعظم ضلاله أنه قال وبئس ما قال : " إن علياً رضي الله عنه والحسن والحسين وعمار حاربوا عائشة وطلحة والزبير " . ورد هو كل النصوص التي جاءت في فضل هؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم , وقال : " بالعقل واحد فيهم فاسق وواحد ظالم وواحد مظلوم ". قال : " وأنا ما أدري من الظالم ومن المظلوم إذاً لا أدري من الفاسق ؟ فقال : " لو شهد عندي عليٌ والحسن والحسين وعائشة وطلحة والزبير وعمار لما قبلت شهادتهم ولا في حتى في بقل ولا بصل لأنهم فساق ترد شهادتهم " . هل يقول هذا عاقل ؟ وهو يزعم أن مذهبه قام على العقل .

الآن سنبين بالعقل أن مذهبه باطل .
قالوا له : اشرح ما معنى منزلة بين المنزلتين ؟ قال : بسيطة أنا ما أقول مثل الخوارج إنهم كفار يقتلون في الدنيا ولا أقول مثل ما تقولوا أنتم أهل السنة أنهم مؤمنين مسلمين أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم , قال : " في الدنيا تجري عليهم أحكام أهل الإسلام فهم مسلمون وفي الآخرة كفار مخلدون في النار تجري عليهم أحكام أهل الكفر لأنهم لم يتوبوا ـ وهذا معنى الوعد والوعيد عندهم يقول الله ملزم على أن يعذبهم لأن الله عدل ما يترك واحد ما يعذبه وهو قد عصاه ـ هذا معنى منزلة بين منزلتين معناها : تجري عليه في الدنيا أحكام أهل الإسلام ما يقول مثل الخوارج نقتله وفي الآخرة قال مستحيل كافر مباشرة إلى جهنم ويخلد فيها ولا يدخل الجنة أبدا " . الآن بالعقل بلاش يا آية و بلاش يا حديث , عندما نجري عليه أحكام الدنيا وهذا سيموت طب الميت المسلم كيف تجري عليه أحكام الدنيا يغسل ويكفن ويصلي عليه هذه أحكام الدنيا على المسلم , صلينا عليه وهو مرتكب الكبيرة على مذهب واصل ماذا نقول في الدعاء اللهم اغفر له وارحمه وعافه ونحن عارفين إنه كافر داخل النار ما صار دعاء , فصار هو يدعوا على المسلمين دعاء يعلم أنه باطل وأنه عبث وهذا أكبر دلالة على أن المذهب كله باطل . هذه جابت دليل أن الزمخشري أحد أئمة الاعتزال يقول : " إن الله لن يرى في الآخرة " وله تفسير اسمه تفسير " الكشاف " يباع موجود في المكتبات هذا التفسير آية في البيان الرجل كان فصيحاً لكنه ضيعه بما فيه من مذهب الاعتزال والدعوة إليهم , هذا المذهب قلنا كان في عصر بني أميه ثم انتشر في عهد بني العباس تبناه المأمون ومات ثم كتب لأخيه المعتصم أن يتبنى المذهب فتبناه المعتصم وبسببه أوذي وعذب الإمام أحمد رحمه الله حتى جاء الواثق أو المتوكل أحدهما اختلط علي فألغى مذهب الإعتزال وتبرأ منه وأعاد مذهب أهل السنة بعد أربعة عشر عاماً من انتصار المذهب ثم بعد ذلك ظهر المذهب كرة أخرى في دولة بني بويه دوله شيعية عام 334 هـ وجعلوا القاضي عبد الجبار أحد أئمة المعتزلة جعلوه قاضي القضاة في ذلك العصر , هذا إجمالاً على مذهب الإعتزال .

قال الله سبحانه : (( وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً )) ثم قال الله : (( رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )) أي هؤلاء الرسل يبشرون الناس بالجنة وينذرونهم من النار وهذه الغاية الأساسية لمن ؟ للأنبياء والرسل . لماذا ؟ (( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )) إذا موضع الشاهد أن الله لا يعذب من لم تقم الحجة عليه لأن الله جل وعلا قال : (( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً )) .

هذا مجمل ما أردنا بيانه ونسأل الله أن يبارك فيما قلناه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

 صالح المغامسي
  • تأملات قرآنية
  • السيرة النبوية
  • مجمع البحرين
  • آيات وعظات
  • مشاركات إعلامية
  • خطب
  • رمضانيات
  • فوائد ودرر
  • صوتيات
  • الصفحة الرئيسية