اطبع هذه الصفحة


وجاءت الفاجعة الجديدة وفاة جدتي الثانية استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه

المؤمن كالغيث


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله لي ولكم العون والسداد وأن ينفع بكم البلاد والعباد ...
اللهم ارحم جدتي وتجاوز عنها اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة وألحقها بالأنبياء والصالحين

تتبعت المنتديات لأجد أن مقال جدتي الأولى – رحمها الله وهي خالة الوالدة – قد انتشر انتشارا كبيرا ..
لما كتب فيه من مسيرتها المؤثرة رحمها الله ..

منذ ذلك اليوم الحزين ... الذي كنت فيه آخر من ودعها في مقبرة المعلاة بمكة بعد أن صلينا عليها في المسجد الحرام ..

لم تزل جدتي – أم والدتي – تتحسر على وداعها وفراقها وقد عافت الدنيا من بعدها .. فكانت لها الأخت والأنيس و الونيس فلا يمر يوم حتى يتصل أحدهما بالآخر

ويتراسلان الوجبات فالصلة بينهما كانت عالية ..
رحمهما الله ..
-------------------------
عدت من جامعتي إلى سكني الجديد والذي سعدت به
حيث وفرت الجامعة الإسلامية وحدات جديدة سكنية فرجعت من بعض الإجراءات في الجامعة إلى الإسكان الجديد في الحادية عشر صباحا وكالعادة الحمد لله اليومية اتصلت بالوالدة ليبارك الله يومي بسماع صوتها وصوت جدتي

حيث كانت والدتي حفظها تفرغت في الفترة الأخيرة لخدمة أمها حتى أنها انصرفت عن أبنائها وتركت أبنائها رغبة منها في بر أمها حيث كانت تعاني من بعض الأمراض وتحتاج لشيء من الرعاية ووالدتي حفظها الله آثرت أن تتفرغ فقط لخدمة أمها حيث تباشر إعداد الطعام والشراب لها اتصلت – لأبشرها بالسكن الجديد ولسماع الدعوات الطيبة منها ومن جدتي فقد كنت مشتاقا لسماع صوتهما ..

السلام عليكم .. أي أمي ؟
موجودة انتظر ثواني ...
والابتسامة قد علت محياي مستبشرا وإذا بصوت والدتي متحشرج ..
فظننت أن مكروها أصابها .. فاستشطت غضبا مباشرة دون أن أعرف السبب فسألتها خيرا؟؟ هل أصابك مكروه ؟؟ هل آذاك أحد ؟ أمي ؟؟ أمي ؟؟ فبكت بكاءا مرا بكاء صابر لا جازع ..
يا ولدي .. جدتك ..
خير ما بها ؟؟
قالت : ماتت ، ماتت قبل قليل ..
استرجعت والحمد لله أني لم أهلك وقتها ..
أغلقت الهاتف بعد أن صبرت والدتي واسترجعت ..
أغلقت الهاتف ..
جدتي ماتت ؟
جدتي هي هي ؟
التي أعطتنا من حبها وحنانها .. التي دعمتنا بمالها وكل ما تملك .
جدتي ..
التي قبل يومين فقط تجاذبت معها أطراف الحديث .. ودعت لي أجمل الدعوات ..
جدتي الصوامة القوامة التي ما توقف لسانها عن ذكر الله .
صوتها يرن في أذني وهي تقول :
يا ولدي .. الله يعينك على حياتك ..
الله يا ولدي يغنيك عمن أغناه الله عنك ..
الله يا ولدي يكتب لك سعادة ما تشقون بعدها أبداً..
يا ولدي يلين لك كل قلب قاسي ..
آه .. كم أضحكتني وأدخلت علي الابتسامة بداعبتها اللطيفة .
آه .. كم جعلتني أشرف بالجلوس معها على سريرها لتناولني بيدها الشريفة تمرا وقهوة ..
تستمتع بحرارتها ..
هي أم أمنا وأمنا .. قلب كبير ويد حانية ..
تحبني حبا جما .. وكثيرا ما تدعو لي ..
من عُشاق الصدقة فهي تنفق وهي الوحيدة التي إذا أعطتنا لا نستطيع ردها ..
فعلى كبرنا ربما رمت في يدي مبلغا من المال فأخبرها أني لست بحاجة وأني في خير وسعة ..
فلربما دعت على نفسها .. إن لم نأخذها ..
ليلها ليل الصالحين ونهارها نهار الذاكرين حجت كثيرا وصامت كثيرا ..
إن وجدت في نفسها صحة قامت لله في ليل أو نهار ..
وإن أنست من روحها قوة ذكرت الله ذكرا كثيرا جميلا لا أعرف كيف أنشأتها ويعجز لساني عن الإتيان بمثله ..
---------------

رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة بأوصافه الواردة ..
فيكفيها شرفاً أنها عرفت وجه نبينا صلى الله عليه وسلم وهي تمشي على الأرض ..
أسأل الله أن تلقاه صلى الله عليه وسلم تعرفه ويعرفها حتى يدخلها معه الجنة .. يارب .

وكانت رؤى الأنبياء دائما تتعاقب على خاطرها الشريف في نومها .. رحمها الله ..
فقد بشرها حين حملت بوالدتي ، إبراهيم عليه السلام بل وسماها هو .
كما رأت في المنام ..

----------------------------------------
اشتدت عليها الآلام وآذتها الأسقام مما عثرها في العبادة ..
فلربما وجدت شيئا من الصحة فبادرت رحمها الله للصلاة و لربما نامت في الصلاة من شدت الإعياء ..

تحركت سريعا وسافرت بسرعة هائلة وقد قدروا الصلاة عليها ..
عصر يوم الأحد ..
وصلت وقد صلوا عليها وهم في الدفن فجريت ..
فهل يعقل أن تفارقني وأفارقها ولا أحظى بصورتها ورؤيتها .. والسلام عليها ..
استغرب الناس نظروا مندهشين لهذا الداخل بسرعة .. حتى رأيت اجتماعهم على المنزل الجديد والتي حلت

أغلى امرأة فيه ضيفة واشترته لتبيت فيه وتنام نومة طويلة ..
صبحها عرصات يوم القيامة ..
وقفت على القبر .. لأجد شقيق قد صعد .. وفي أثناء صعوده وهو آخر موجود ..
فوجئوا بي بسرعة هائلة وإذا بي أهبط هبوطا سريعا في البيت الفاخر .. والمكيف ..
الذي تأمن فيه فعلا على أغلى إنسانة ستعلم يقينا أنها مرتاحة وقد وجدت فراشا وثيرا وطعاما فاخرا وأهم أمر وهو الأنس والإضاءة الكافية والتهوية الجيدة ..
آه ..
أصعب ما يكون ..
أن تلقي بأحب مخلوق في أبشع مكان يعجز الكثير عن رؤيته فضلا عن دخوله ..!!
ثم تلقي التراب عليه .. !!

لولا أنها سنة الحياة لما رضيت لها إلا داري . ولكنها سنة الحياة ..
وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

---------------------------------------------
نظرت .. في القبر لأجدها مكفنة ..
والله أن هذا الأمر حتى وقت كتابتي المقال أني عجزت فعلا عن تصديقه أو على الأقل نسيانه ..
لا يزال ذهني يقر بأنها حية .. وعجز قلبي أن يؤمن بموتها ..
وهذه ما يعرف بقوة الصدمة ..

كشفت عن وجهها سريعا والناس ينادوني .. قل لا إله إلا الله ..
وما علموا أني لقيتها لقاء الصابر الراضي ..
وظفرت أخيرا منها بقبلة واحتضنتها آخر احتضان .. رحمها الله كما احتضنت أختها رحمها الله في مكة ..
خرجت سريعا .. وقد برد القلب قليلا ..

دفناها وودعناها وما غاب عني طيفها وذكرها ..
وقد عجبت لصبر والدتي حيث أنها شاهدت تفاصيل الوفاة كاملة ..
فقد صنعت لها في صباح يوم الوفاة .. عصيرا جمعت فيها بعض الفواكه بيدها ..
حيث اشتهته جدتي رحمها الها ..
ثم تطهرت وتوضأت وبقيت تذكر ربها .. ثم وضعت رأسها على وسادتها وبدأت تئن رحمها الله ..
وكما تقول والدتي : كأنها شعلة وانطفأت في لحظات ..

اللهم أمست في يومنا هذا ضيفتك .. وأنت أكرم الأكرمين ..
وقد طلبت عفوك وأنت أرحم مالك ..

اللهم فاجعل ما هي مقبلة عليه خير مما مضى اللهم بشرها بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض ..
اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة واجمعها واختها مع الأنبياء والصالحين ..

يارب دعوناك .. ومن الإجابة ..
ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

استودعتك الله يا جدتي ... الذي لا تضيع ودائعه ..

كتبها بدم القلب ودمع العين
المؤمن كالغيث
ade2006@hotmail.com
www.saaid.net/Doat/almomen

 

المؤمن كالغيث
  • قصص مؤثرة
  • تربويات
  • رسائل دعوية
  • إصدارات إلكترونية
  • Insured like rain
  • الدورات والبحوث العلمية
  • رمضانيات
  • الصفحة الرئيسية