اطبع هذه الصفحة


شَخْصِيَّاتٌ لَهَا لَمَسَاتٌ فِي حَيَاتِيْ
( مشاهدات وأحداث ) ( الحلقة الثانية )
معالي مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
فضيلة الشيخ أ.د : محمد بن علي بن فراج العقلا حفظه الله

بقلم : المؤمن كالغيث


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد :
فإني قد عزمت الأمر متوكلا على الله جل جلاله وهو خير معين ...
أن أخط بقلمي المتواضع بعضا من السير العطرة والتي تحلق بالذهن صفاءً ونقاءً .. من عبير سيرتها وجنة أخبارها والتي أثرت في سلوكا وتهذيبا وعلما وتعليما فكونت لي المنهج وأنارت أمامي سبيلا فلما انتفعت بذلك أيما انتفاع رأيت – وفاءً للجميل الكبير – أن أكتب في سيرهم شيئا أبلغ به الناس عل قارئا ينتفع ويتأثر ولعل إنسانا يهتدي ويَتَبَصّر .. فيكون لهم أجر ذلك لأنهم – بعد الله – هم أهل الفضل ومرتع الجميل ..
ومقصدي من هذه الحلقات بإذن الله هو تسليط الضوء على أسماء ليس بالضرورة أن تكون لامعة لكن يقينا أنها مؤثرة وبيان السبب الذي من خلاله ملكوا القلوب وأضاؤوا الدروب من علم وتواضع وأخلاق فعلي سرد المشاهد وعليكم استخراج ما ترونه من دروس خفية .. والله الموفق :
وليس من عادتي إطالة المقدمات .. فباسم الكريم سبحانه الرحمن الرحيم أقول :-
مقالي هذا ليس للعامة – مثلي – وليس للمواطن البسيط هو خاص فقط ( بالطبقة المخملية ) الذين استرعاهم الله رعية من أعلى الهرم إلى أقل رئيس أو مسئول في كل العالم ؛ لا أخص به قطرا ولا وجهة .
الأمير .. و الوزير ... إلى معالي المدير – في أي جهة حكومية أو خاصة –
هي رسالة خاصة من ( عامي ) يدعي أنه لديه شيئا مذهلا سيذهل القراء حتما وسيدهش المطلع يقينا .. فأنا لا أتحدث عن شخصية خيالية بل عن شخصية من أرض الواقع تعيش بيننا ولا تزال على قيد الحياة تستطيع مقابلتها والالتقاء بها وسماع حديثها ليس مَلِكا ولا مَلَكاً .. هكذا أزعم !!
كنت في يوم ما أقلب الجرائد في نهاية عهد الرئيس السابق للجامعة الإسلامية د. صالح العبود وإذا بالجرائد تزف لنا خبر وصول رئيس جديد للجامعة الإسلامية ... أسرعت في فصول الجريدة للحصول على المسمى .. محمد بن علي العقلا لأرى رجلاً مليح الوجه باسم المحيا تبرق عينيه تحدِّ وصمودا وإبداعاً ويتمتع منظره بالأبوة – أنا لا أعرفه حينها ولم أره – فقلت في نفسي : والله وجهه الوجه الذي يجيء بالخير وهذه سمة أب وليس مدير يخشى ظلمه الثقلين .. هكذا كانت فراستي فيه .. لأفاجأ أني أخطأت وهضمته حقه فهو شيء يفوق الوصف في التطوير وشيء يتجاوز الخيال في احترام الطالب – أولا – ثم كل من هو تحت إدارته ..
كانت جامعتنا – وعذرا – أرضا ميتة ليس لها في العالمين أثرا ولا نشاطا ولا خبرا .. فلما حط شيخنا رحاله في أول قدومه ..فوجئ أنها باختصار كانت ( مقبرة للمواهب ومجزرة للعلماء ) .
فلما جاء - أذكره تماما - أقيم مخيم علت فيه أصوات الصيحات والأهازيج ترحيبا و مؤذنة بعيد سيمتد إلى ماشاء الله مما قضاه الله في علمه .. ولم يكن وقتها من سنوات قد أقيم حفل ترفيهي يسعد به الجميع .
لا شك أني سأقفز فصولا كثيرا ومواقف كثيرة وسأبقي على مواقف بسيطة جدا ..
دخل بعض زملائنا على غرفة معاليه في يوم يستقبل فيه شكاوى الطلبة وقد اكتظت المجلس الفسيح بهم .. فوجد رجلا يمد بيده التمر يمر به على الطلاب ، وكرسي معالي المدير خالٍ فسأل الزميل أين المدير ؟؟
فقالوا : ألم تراه !!؟ هو الذي يمر بصحن التمر على الطلاب !!!!!!
لا تتعجب أخي القارئ الوزير الرئيس المسئول فالحديث عن العقلا ...
لا تستغرب إن صليت في جامع الجامعة الكبير لإدراك صلاة الظهر مع الجماعة فتسلم لتجد رجلا يصلي في آخر الصف يلبس ثوبه العادي وشماغه الأحمر – لا يحتمي عن المظلومين بحرس خاص ولا عام – فتسأل عنه بعد الصلاة فيقال لك : هذا معالي مدير الجامعة .. !
قلت في مقال سابق أن لفظة معالي مدير الجامعة : عَلَمٌ على إنسان لا يرى إلا في موطنين : في التلفاز أو في المنام !! غير هذا يستحيل أن تخاطبه وأحيانا كثيرة أن تراه بعينيك ( مجرد رؤية ) فإن كان عميد الكليــة – شريعة آداب دعوة – لا يرى فأمامه في الجامعات الأخرى سكرتير أو اثنين ربما فما بالك بوكيل الجامعة.
فهل سيتوصل عقلي و عقلك البسيط في فكره أن يرى الطالب معالي مدير الجامعة .. فمكتبه أبعد من الجنة عن إبليس .. !
لكن حينما نتحدث عن الشيخ محمد العقلا .. !!
فأنت تتحدث عن رجل بمجرد أن يخطر ببالك فهو مهيأ لأن تراه .. وتخاطبه بدون أي عقبات .. ودونكم مكتب معاليه فعلا رجل أذهل الجميع .. حتى أصبح حديث المدينة خاصة والمملكة عامة في بضعة شهور !

* رسالة عتاب حادة لمعالي المدير أرسلتها له فكيف رد عليها !!

حصل لي إشكال في قبولي في الماجستير من رئيس قسم الفقه – حينها..
قبل رئيسنا الجديد والرائع : أ.د عبد الله الشريف ( الآية في التواضع والخدمة ) – فكان الرئيس القديم غفر الله له معارضا لقبولي لسبب ما (( وهو غير مقنع نظاما ولا عقلا وأزعج الكثير من المسئولين )) ..
مما حطم آمالي حينها واضطررت بعد الله للذهاب – لأول مرة لمكتب معالي الجامعة إبان تمكنه من قيادة الجامعة وأنا أول مرة أدخل ذلكم المبنى لأنه محرم على الطلاب – كما هو المعلوم في عُرف تلك المباني الفارهة قبل مديرنا الجديد – فانتظرته لأخذ موعد فقط فلما خرج من مكتبه وهو حينها غاية في الانشغال وكان كبار المسئولين حوله متوجهين لصالة الاجتماع ، فقمت لأجل الحصول على موعد وكان موعد خطابي معه – غير مناسب – مما دعاه لأن أشار لي من بعيد بالجلوس – فحز ذلك في نفسي لأني جئته وأنا بلغ بي اليأس مبلغه وقد ظلمت ظلما كبيرا .. وغضب لأجلي الكثير من المشائخ و الدكاترة في الجامعة حيث أن سبب إبعادي غير مقنع البتة !! ثم يفعل معي هذا – وله الحق لأني أسأت معه في عدم انتقاء الوقت
فخرجت من عنده كسيرا متألما وجاءني وقتها اتصال من أهلي يفيدني بوفاة قريب عزيز واتصلت على والدتي لأعزيها ففجاءتني ببكاءٍ اهتز له كل كياني فكانت ثالثة الأثافي وقاصمة الظهر فخرجت هائما على وجهي فلم استفق إلا على سريري في الإسكان الجامعي !! والله لا أذكر شخصيا من أين وكيف وصلت للغرفة فقط لم أبصر نفسي إلا على سريري .
فرفعت هاتفي وكتبت هذه العبارة : أنا ( المؤمن كالغيث ) الذي اتصلت عليك الساعة 10 مساءً بخصوص استبعادي من الماجستير المسائي رغم أني من المرشحين وجئتك صباحا( وقسوت علي أمام الناس ) لما أردت أخذ موعد منك فقط بدون إشغالك عن اجتماعك ، ولما اتصلت عليك أمس أحلتني مباشرة على ( رئيس ... ) ! ووعدني خيرا لأنك بجواره والآن لا يرد علي أبدا !! وضاع حقي وتحطمت كل آمالي .. على كل حال صَعُب علي هذا منكم لأنكم تحبون أبناءكم وأنا وزملائي والله نحبكم ونؤمن بمحبتكم لنا كلنا فغفر الله لك يا والد الجميع ابنك : المؤمن كالغيث .
بعدما انتهيت من الرسالة على جوالي ضغطت : خيارات ثم إرسال --- جوال معالي مدير الجامعة ( وهو متاح للجميع ) إرسال ... !!
لو أرسلت الرسالة السابقة لمدير آخر في مكان ما لما عُلم أيهما أسرع وصول الرسالة أم إفادة الفصل والطرد!
ربع ساعة – تقريبا - وإذا برئيس جهة عليا في الجامعة يتصل على هاتفي ( بنفسه ) ليعتذر لي أشد الاعتذار ويبشرني بالقبول النهائي ( لأني مستحق له وليس هضما لحق الناس ) .. وهذا والله من أعجب الانصاف فقد أنصف من نفسه – رغم أنه حقيقة لم يخطئ - وأنتم أكثر علما مني لو وصلت رسالتي السابقة لغيره كيف تكون ردة الفعل وآخر الأمر لا عجب فالحديث عن العقلا .. وأنا الآن في طور إعداد الرسالة الجامعية لمرحلة الماجستير فجزاه الله عنا خير ..

كيف يتعامل مع الطلاب ؟؟

لا أتهم أحدا غير أن المسئولين قد اعتادوا التصنع أمام
عدسات التصوير الابتسامة والحنان وإظهار الإتقان وتقبل
مشاكل كل من هم تحت رعيتهم وبمجرد أن تخبو الأضواء وتنصرف ، لا ترى للمسئول أثرا وثِق يقينا أن بعضهم يهدد – بلسان الحال – أن من أزعجه في مكتبه وعكر صفوه أن سينقم منه ويعاقبه إما بطرده أو طلبه لأوراق وأدلة – يتعذر عليه إحضارها – ليضعه أمام الأمر الواقع ويضربه على أم رأسه بالنظام الذي لا يعرف مداخله ومخارجه هذا الضعيف المسكين موظفا أو مراجعا .. فضلا عن طالب هو في الشريحة (المهانة) في كثير من جامعاتنا للأسف .
غير أن معالي مديرنا الشيخ محمد بن علي العقلا .. أنا أقسم أن هذه الصورة ربما كان الشيخ متحرجا عن إظهار صورته الأصلية خشية من هذه العدسة التي لحقته ، ومن عرفه عن قرب – كمحدثكم – سيقسم أن أموره في الخفاء لا تخطر على بال امرء من تواضع لا يتمالك الطالب إلا أن يطرق رأسه ويحار في وصفها العقل .
أخبرني أحد الزملاء أنه توجه لمطعم داخل الجامعة وأثناء مروره فوجئ بمعالي المدير يتفقد أحوال الرعية بدون خدم ولا حشم بثوبه وشماغه المتواضع فقط .. ويسير بكل تواضع ليتأكد بنفسه على جودة المطعم وكفاءة عمله .
وقد اندهش الزميل من رؤيته ثم سلم عليه لينال شرف ذلك وقال زميلي لمعاليه : يا شيخ تفضل عندنا في السكن نقهويك (( تشرب عندنا القهوة )) ؟؟
فكيف كان رد الوالد المتواضع ؟؟
هل نهره ؟؟ هل امتعض من هذا الطالب ؟ أم احتقر المكان الذي يأنف منه بعض الموظفين فضلا عن أعضاء هيئة التدريس ؟؟ فضلا عن معالي مدير الجامعة ؟؟
الجواب – كما في أذهانكم – أنه رده بإحسان معتذرا لمشاغله وبكل أدب ولم يجرحه ؟؟ أيضا : الجواب خاطئ .. !!!
إذن مالجواب : قال له معالي المدير : كم رقم غرفتك ؟؟
قال الطالب : وهو بين المصدق والمكذب ؟؟ رقمها ( كذا ) في الدور : الرابع !!!
قال له : جهز قهوتك الآن سأزوركم ؟؟ ولك أن تتخيل وجه الطالب ؟
وزاره مباشرة وزميلنا إلى يومنا هذا لم يصدق كأنه حلم !؟
سبحان الله !!
أي تواضع هذا ؟؟ وأي تَنَزُّل ؟ وأي احترام للصغير قبل الكبير ؟
حتى تعلموا لماذا سطرت هذه الأحرف ؟؟ لأني أعايش من هذه العجائب الكثير والكثير الذي أثر في ورسم لي معالم الشخصية الناجحة فرأيت لزاما أن أخبر الناس أن الأمة لا تزال ولودة لعظماء أمثال هذا الرجل وحتى نستفيد ونتعلم ..
وأنا أؤكد أنه لن يصله من هذا المكتوب شيء ولو وصله فأنا أكتبه باسمي المستعار .. فلست من يخطه تزلفا ورغبة ورهبة .. والله يشهد على ذلك ..

قد يزعجكم بعض المنقول من مثل القصة السابقة
فهذه القصة حدثت معي مباشرة .. !!

(( معالي مدير الجامعة الإسلامية في زيارة خاصة للطالب : المؤمن كالغيث )) !!
الصورة التي ترونها بجوار هذه الجزئية تدل على لطافة وعلو شأن هذا الرجل التي تزداد يوما بعد يوم في قلوب الناس فإن رفع المتواضع حقٌّ حفظه الله لكل من حنى غروره وكسر كبرياءه فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبو هريرة : من تواضع لله رفعه . ( رواه أبو نعيم في الحلية وصححه الألباني ) .
من نِعَم الله عليّ أني مخلوق يتعذر عليه تحمل الذل لا على نفسه بل حتى على الآخرين الذين لا يمتون لي بصلة من قريب ولا بعيد ..
وقد رأيت ظلما وقع على أحد الطلاب ، فرأيت لزاما أن لا أهنأ بطعام ولا ألتذ بمنام حتى أُبَلّغ في مظلمته معالي المدير فأرسلت له رسالة على هاتفه أبلغه بعظم الظلم الذي وقع على هذا الطالب المسكين والذي عجز عن معرفة الطريق لرد هذا الظلم وليس هذا مقام التفصيل في قضيته .. ونسأل الله له القبول .
وحينها قد صعب علي البدء في وجبة العشاء تأثراً بقصة زميلنا فلم أبدأ إلا بعد الإرسال ثم بدأت بتاول الطعام وفعلا ..
لم أبدأ في تناول أول لقمة إلا وهاتفي يتصل فنظرت وإذا :
معالي مدير الجامعة يتصل بك !
لم أتخيل شخصية بهذه المكانة تتصل علي حتى إني حاولت بلع اللقمة فعجزت تماما ..
فلم أر – بدا – إلا أن أخاطبه إلا وأنا آكل .. فابتدرني بتحية خاصة بعد السلام : وقال لي يا ( المؤمن كالغيث ) أبشر بكل خير موعدكم أنت وزميلك غدا عند عميد كلية الشريعة وقل له كلمت المدير وأحالني عليك وبشر زميلك بكل خير ... في أمان الله ..
وقد نسيت فرحة شرف هذا الإتصال برجوع حق هذا المسكين وفعلا أخذ حقه كاملا وافيا والله لم يصبح عليه صبحه إلا وحقه عاد له وافيا كاملاً ، وهو حال كل من يتصل على الشيخ محمد العقلا .. ! فبينك وبين أحلامك فقط ؛ اتصال !
وبعدها بوقت اتصل علي شاكرا لي فعلي هذا ( وهو واجب وليس لي فيه فضل ) وقال لي : أرسل لي رقم غرفتك في الإسكان الجامعي أنت وزميلك ؟ سأزوركم قريبا بإذن الله !! .
أما أنا فانعقد لساني .. فزيارة رفيعة المستوى جدا في غرفتي البسيطة ( والفوضوية جدا ) أمر يعتذر على العقل تصوره ..
فأصبت بحالة نفسية مزعجة من الرهبة لفترة ..
ومضى على هذا الوعد قرابة الأسبوعين فعرفت أنه انشغل ونسي هذا الأمر ولاشك أن هذا بالنسبة لي أمر طيب لأني لم أحتمل الاستعداد اليومي والتواصل مع مبنى الإدارة للسؤال عن زيارته لأني فزعت جدا ..

(( فاصل بسيط )) ..
بعد ذلك وفي يوم من الأيام كانت غرفتي تعج بفوضوية لا تتخيلون كيف وصلت حيث أني أُدَرِّس في مدرسة أهلية – حينها – وأصبحت أوراق اختبارات طلابي قد ملأت الغرفة تماما إلى بابها مع بعض أوراق الحلويات أو علب العصائر والتي هي من مسلزمات غرف العزاب – نسأل الله العافية – حتى تعذر علي إزالتها لأني منشغل جدا فتركتها تتراكم حتى بلغت مبلغه .. !! وباختصار : لن تستطيع وقتها أن تمشي خطوتين كاملتين إلا وتحتاج لأن تتخطى شيئا – وهذا ليس على سبيل المبالغة بل على سبيل الحقيقة بل الحقيقة أشد ! .

(( الاتصال المفاجئ ))
بعيد المغرب وإذا بهاتفي يرن و أنا غارق في الفوضوية ..
نظرت إلى الجوال ..
(( معالي مدير الجامعة الإسلامية .. يتصل بك )) !!
قفزت من سريري وأنا مذهول وسنقفز بعض التساؤلات : كيف اتصل بك وكيف عرف جوالك ؟؟ هذه التساؤلات مسلمة عندنا فالشيخ يحفظ هواتف الطلبة مثلهم مثل غيرهم بلا تفرقة ويتصل بهم - إن كان هناك سبب- للتأكد من استقرار الطالب وأن حقه وصل إليه إن كانت هناك مظلمة فلا ينسى أي طالب تواصل معه في يوم من الأيام فإن اتصلت به اليوم ستفاجأ بعد شهر أنك لو اتصلت عليه أنه سيرد باسمك!.
رددت عليه : سلم وقال هلا بالأخ الغالي ( المؤمن كالغيث ) ..
وأنا شبه معقود اللسان لست مصدقا .. وأرد عليه ..
وكانت المفاجأة العاجلة – والمرعبة حينها - : كم رقم غرفتك ؟؟
قلت له : ( كذا ) .. في الدور ( كذا ) ..
قال : إن أذنت لي سأزورك الآن ؟؟ ! أنا أسفل الوحدة !
قلت له : يا هلا وغلا أعز زائر وأكرم حالٍّ وأشرف ضيف .. من أكرم مني اليوم ضيفا رعاكم الله أنا في انتظارك ..
لكن يا شيخ ليتك أخبرتني حتى أستعد أكثر للقياكم رعاك الله ..
فرد بصوته الأبوي : لقاءكم ( غداءنا وعشانا ) . ودعني وانتهى الاتصال .. !
فقمت لأنظر في الغرفة .. !!
لا إله إلا الله .. وقد بلغ بها ما لو جلست فيه الزمن الطويل من التنظيف المتواصل ما ذهب .. !
واستعنت بالله وقد أصبحت روحي تتردد وليس بينك وبين طرقه الباب إلا الصعود للدور الثاني فقط !
فبدأت بترتيبها ولبست ثوبي وبدأت بسرعة هائلة حتى أذكر أني من شدة الهلع جئت لأرفع ( إبريق الشاي) فكأني أثناء الرفع ضربته بشيء في الأرض ورفعته تجاه وجهي فانسكب كله إلا قليلا علي وعلى ثوبي الذي سأستقبل فيه معالي المدير .. !! – والحمد لله أن هناك غيره - .
وليس ثمة وقت حتى لصنع القهوة التي تستغرق وقتا وزيارته ستكون سريعة .. !! والله لم أر في وقتي أصعب من هذا ونسيت تماما الشرف العظيم باتصاله وتخصيصه بهذه الزيارة التي ستبقى وسام شرف لي ما بقيت ..
المقصود – وهذه أظنها كرامة – أن الغرفة تنظفت بشكل كبير .. وكأنها جديدة وعجزت فعلا في تفسير ذلك .. وكان هناك من الطرائف والمواقف المحرجة أثناء الإعداد الكثير ولكن نختصر حتى لا يمل القارئ ..
وفعلا خرجت لاستقباله وكانت كامل الضيافة قد تجهزت بفضل الله من القهوة والتمر وبعض الحلويات والغرفة كانت غاية في النظافة جاهزة للاستقبال أيما جاهزية وهذا من فضل الله وحده .. وقد كانت قبل دقائق كومة مما لا يذكر اسمه مما تعلمون ومما لا تعلمون ..
وقد تأخر قليلا ليمر على مطعم الجامعة ليتأكد من نظافته وجودة وجباته لأن من عادته أن يتفقد ذلك بنفسه – لا حرمنا منه - .
خرجت لأستقبله بجديد الثياب وجديد المشاعر فمن أكرم مني ضيفا وزائرا فهذا معالي المدير الذي يستحق فعلا أن يحب من الأعماق ويكرم من قلب القلب ..
وخرجت أنادي باسمه في ممرات الوحدة (الأسياب) وخشيت وقتها أن يتهمني من يسمعني بالجنون فكيف بالمسكين أن يخرج لينادي باسم معالي المدير في ممرات السكن ..
وإذا بي أجده في الطريق إلي خارجا من مطعم الجامعة ونظر لي من أسفل الوحدة ...
ولا شك أنه كان محفوفا بالخدم والحشم والحرس وقد لبس بشته .. وكانت الكاميرات تلفه لتوثق أعماله الصالحه كما يفعل الكثير .. أمام الكاميرا ..
لا والله ..
خرج لوحده .. كأنه فرد عادي ..
قد انسلخ تماما من بريق الألقاب التي جاءته لباب بيته ..
ولو أرادها لما عاب عليه أحد فهو مكانه الحقيقي .. ولكنه أبى إلا أن يعطيني درسا في التواضع لا يُنسى فأنا أحكي ما باشرته ببصري وبصيرتي .. خرج وأنا لا أزال كأني في حلم نظر إلي بكل تواضع وبدأ في صعود الدرج مؤذنا لي بمقطع يصعب نسيانه في حياتي ..
وفعلا نزلت له .. وذهني لا يصدق ولن يصدق .. فأنا طالب مغترب لست ابن وزير ولا أمير ؛ وإنما شاب ترك أهله وشهواته رغبة فيما عند الله من تعلم العلم الشرعي وحسب .. ! فليس عندي من الدنيا إلا البسيط ونسأل الله أن لا يجعل الدنيا مبلغ الهم ولا منتهى العلم .
اقترب مني وسلم فعلوت لتقبيل رأسه وندمت جدا أني نسيت من هول الموقف أن أقبل يده التي حنت على الغرباء وكفت الفقير وأعزت الضعيف فكم أهين الطالب في زمن مضى ..
فلما تسلم زمام إدارة الجامعة ؛ لم يبق في الجامعة ضعيف إلا وقَوِي ولا مظلوم إلا وانتهت مظالمه فهي نعم اليد ولكني نسيت تقبيلها ولن أنساها في القريب العاجل إن شاء الله .. فلها علي بعد الله أفضال أعجز عن ردها إلا بالدعاء . رحبت به جدا .. وكنت في غاية السعادة ..
فأخذته بيده متوجها غرفتي البسيطة .. وقد أعد فيها كل شيء وكان معي أحد الزملاء الذي ساعدني في إعداد الضيافة جزاه الله خيرا ..
وفعلاً .. دخل غرفتي وجلس بالضبط كأن والدي هو الذي جلس بكامل بساطته وكامل هدوئه وأريحيته فسبحان من حلاه بجميل الصفات .
وتبادل معي وزميلي الطرائف ومشاريع الجامعة بكل أبوية لن تشعر وأن تجلس معه بأي حاجز فهو تماما يجيد إزالتها ويتقن التعامل – سليقة – ليس تصنعا وكما جاء في الحديث الصحيح : ( أكمل المؤمنين أيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ) .
ومن طرائف ذلك المجلس وكان الحديث عن الإسكان ومشاكله و أردت تمليح المجلس فقلت له :يا شيخ آذتنا القطط في السكن ووالله إني لأعرف قطا لازمني منذ البكالريوس وحتى الماجستير منذ أربع سنوات!
فابتسم واعتدل .. وقال تعلمون ؟ كان في عهد الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – شخصا خاصا بقتل الكلاب حيث كانت الجامعة وقتها – ولبعدها – تحل فيها بعض الكلاب والهوام .. وبدأ في سرد بعض الذكريات الرائعة .. وأنا أنظر إليه ولا أزال أفكر أني في رؤيا ولم أستوعب بعد أنها حقيقة !
مجلسا لا ينسى وحديثا لا يمل حكا لنا فيها عن بعض المشاريع الضخمة التي ستكون في المستقبل .. وللأسف قام سريعا حيث أن إقامة صلاة العشاء كانت على وشك .. وكانت مدة المجلس ما يقارب الربع الساعة فقط !
لم أصدق حتى اليوم وقد مضى أربعة أشهر – وقت كتابة هذا المقال - على الشرف العظيم أن هذا الذي كان عندي ولكن حسن ظنه بي وأسأل الله أن يجعلني خير مما يظن ويغفر لا ما يعلم .
تتخيلون هذه القصة .. أنا نفسي حاولت تكذيبها لولا أنها وقعت معي !
فواصل :-
- اتصل عليه أحد زملائي وقال له يا شيخ أنا أدرس في الجامعة في المساء وليس عندي مكافأة ولا وظيفة فما انتهى من اتصاله إلا بوظيفة !!
- أرسل زميلي ( صومالي ) رسالة معايدة على جواله في عيد الفطر فما أصبح إلا وقد أرسل له رسالة
معايده كاتبا في آخرها : شكرا لتهنئتكم الرقيقة ..... أخوكم محمد العقلا .

ما الذي حدث في الجامعة لما جئت من سفري في آخر الليل ووجدت الوحدة السكنية مغلقة !!
قبل هذه الحوادث بفترة ، عدت من بلدتي من إجازة للمدينة - وكان الطلاب لم يأتوا بعد - تقريبا وصلت حوالي الواحدة ليلا للوحدة السكنية المكونة من أربعة أدوار وإذا بها مظلمة تماما لا إنارة ولا مخلوق .. !
وجدت الأبواب العامة مفتوحة لكن حاولت الرجوع لمصادر الإنارة فوجدتها لا تعمل .. وكأن هناك من أغلقها من مولد أكبر على هذه الوحدة فقط لأن باقي الوحدات مضيئة .. فعلمت أن هناك مشكلة .
وخشيت أن تطول المدة وقد ضاقت علي الأرض فإضافة على الغربة تُحرم حتى السكن .. !!
فأرسلت رسالة إلى معالي مدير الجامعة وأنا على علم – لكبر الجامعة – أنه لم يصله خبر بإغلاق الوحدة فأخبرته بأني أمام الوحدة وبحقائبي والوحدة المغلقة .
وفعلت ذلك على أني سأبحث عن شقة لأنام فيها ومن الغد يباشر هو رعاه الله البحث عن السبب ويعيدنا بأمان إلى سكننا الذي ليس لنا سواه .
وركبت سيارتي – وأنا في هم شديد لهذا التصرف الفردي – وذهبت هائما على وجهي أبحث عن شقة لأنام فيها ..
المهم وأنا في الطريق وكانت الساعة حوالي الثانية والنصف ليلاً .. وإذا بهاتفبي يرن !! ظننت اهلي حدث لهم شيء لأنظر وإذا معاليه يتصل !!!
رد .. هلا بالأخ ( المؤمن كالغيث ) ..
ارجع الآن إلى السكن لا تبيت خارجه أبدا الآن عُد .. ستجد كل شيء على ما يرام أنا الآن سأتابع ..
(( أنا بلغ بي الإحراج مبلغه )) ..
معالي المدير : دقيقة انتظر .. أسمع في الهاتف وإذا به يتصل بالمسئولين في الجامعة في آخر الليل ..
قال : ما يردون لكن سأتابع معهم وارجع الآن للوحدة الآن سيصلون قريبا جدا .. سأتابعهم ..
يا شيخ سامحني أزعجتك .. أنا ما كان في ذهني أنك ستستيقظ لأجل رسلتي .
قال : أبدا نحن في الخدمة وأنا أصلا مستيقظ الناس في أيام العيد لا ينامون إلا متأخرا .. !!
أغلق الهاتف .. وأنا : لا تعليق حرجا وخجلا !!
وإذا برقم غريب : السلام عليكم حياكم الله أستاذ ( المؤمن ) .معك ( فلان ) مسئول ( ؟؟ )
ارجع الآن إلى الوحدة سنرسل لك الفني .. وأبشر بكل خير ونأسف لإزعاجك ..
فرددت عليه شكرا أستاذنا وآسف لإزعاجك .. وحاولت تأجيل هذا الأمر للغد فلم يرضى أبدا !
وعدت إلى الوحدة .. ووالله لم أبت تلك الليلة إلا على سريري .. وأرسلت للشيخ رسالة بأني الآن داخل غرفتي .. ودعوت له فيها بما يستحق .. جزاه الله عنا كل خير ..
أنا حرصت أن أذكر لكم قصصي أنا معه حتى تكون أكثر مصداقية لأن الناس يزعجها المنقول وإلا فقصصه مع زملائي أعجب مما تتخيلون وأنا أقلهم مواقفاً وإلا فعجائب قصصه لا تخفى .. ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق .. فكل من كلمني يندر أن يطلبه حاجة ويخرج بخفي حنين .. وأصبحت الجامعة الإسلامية اليوم من ألمع الجامعات وأصبحت عينا بعد أن كانت أثرا ونجما بعد أن كانت نائية عن العين والخبر .. فالمناشط والفعاليات متزايدة وأصبحت تحل مشاكلها ومشاكل المجتمع ..
وتستضيف على مسرحها جميع الشخصيات وعلى مختلف المشارب والاهتمامات وأصبحت هناك الدورات المهارية والفعاليات العلمية وأصبح معرض الكتاب شيئا ضخما .. يقصد من كل مكان ..
وحقق أ.د محمد بن علي العقلا .. للموظفين أمنية لا يتخيلونها وهي فتح باب مواصلة الدراسات العليا
( الماجستير والدكتوراة ) من خلال الفترة المسائية وهو بصدد فتح كلية للبنات ليتيح لطالبات العلم النهل من معين الجامعة الإسلامية وأيضا افتتح عمادة التعليم عن بعد .
والجامعة الآن طافحة بالنشاطات والندوات كما أسلفت وهي عامة الحضور فجزاه الله عنا كل خير
وأنا والله لا أدعو لنفسي إلا ودعوت له .. فقد كان من الشخصيات القلة التي أثرت في تربية وأخلاقا وعلما .. والحمد لله رب العالمين ..

(( لمسة وفاء ))

اللهم يارب نسألك باسمك الأعظم أن تجزيه عنا في الجامعة خير ما جزيت به والدا عن ولده ومعلما عن تلميذه اللهم أعاننا فأعنه وجبر كسرنا فاجبر كسره وسد حاجتنا فسد حاجته ..
اللهم أبلغه ما تمنى واجعل الخير حليفه والسعادة مصيره والجنة منتهاه هو ووالديه وذريته ومن يحب ... آمين

سيرته الذاتية :
http://www.iu.edu.sa/iu_web/content.aspx?id=271

إضاءة :

كان صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويخدم في مهنة أهله ولم يكن متكبراً ولا متجبراً، أشد الناس حياء وأكثرهم تواضعاً، وكان إذا حدث بشيء مما أتاه الله تعالى قال: " ولا فخر "
 

وكتبه ..
المؤمن كالغيث
1/4/1430هــ


حمل الموضوع على ملف

 

المؤمن كالغيث
  • قصص مؤثرة
  • تربويات
  • رسائل دعوية
  • إصدارات إلكترونية
  • Insured like rain
  • الدورات والبحوث العلمية
  • رمضانيات
  • الصفحة الرئيسية