اطبع هذه الصفحة


المؤمن كالغيث ؛ و زيارة للعناية المركزة !!

المؤمن كالغيث


أحبابنا الكرام ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أسأل الله لكم السعادة في الدارين .. وأن يكتب لي ولكم سعادة لا نشقى بعدها أبدا ..

قرائي الأفاضل ..
اتصال عاجل .. الاسم ( أعرفه ) زميل شاركت أنا وهو في عمل ما لفترة وجيزة ..

لطيف المعشر سمين الجسد وابتسامته لا تتوقف في أحلك الظروف
دعاباته لاذعة غير أنه من النوع الذي يعسر أن تغضب عليه .. لبياض قلبه ..

شخصية طيبة القلب ونادرة في عالم الأحقاد لا يغضب ولا يُغضب ..
السلام عليكم
وعليكم السلام ..

رحبت به كما يليق .. بصديق بمكانه من القلب ..
ثم فاجأني بطلبه ..

أخي أبا أسامة ..
تفضل .. يا غالي ..

أطلب منك طلبا فلا تردني خائبا ..
مثلك يا غالي لا يترجى وإنما يأمر أمرا ولك الإجابة وأنا رهن الإشارة ..

والدي يا ( المؤمن كالغيث )
ما به .. ؟!

قال : أصابته عين ولا نشك في ذلك وهو الآن حي في ثوب الموتى في المستشفى ..
ليتك تأتي معي وترقيه والشافي هو الله ..

صاعقة حلت ببدني وانتفض فؤادي
زميلي صاحب الضحكات أصبح صوته حزينا ولم أعرف عنه الحزن مرة واحدة ..

لكنها الدنيا .. التي تكسر البسمة مهما قويت ..
ولا بد أن تغرق قلبك وعينك بالدموع الحارة مهما قاومت ..

(( لقد خلقنا الإنسان في كبد ))

ضحكة ماتعة يقابلها سيل من الدموع .. حتى تفقدك رائحة المقارنة بين قلة السعادة وكثافة الألم ..
لكن المؤمن يفرح بالبلاء ولا يتمناه لأنه كفارة ودليل محبة ..

التقينا عند المستشفى .. !
ظننته والده مريض مرضا بسيطا .. وكما أخبرني في الهاتف أن الأمر كان متعلقا بأقدامه .. !

دخلت المستشفى شممت رائحته المزرية
زحام الناس .. رجالا و نساءا ...
سرير عليه رجل بلباس المستشفى الأخضر ومعه أهله اغرورقت أعينهم بالدموع .. !
رائحة المطهرات والأدوية الفواحة ..
الأطباء والطبيبات .. الربكة الدائمة .. الحركة التي لا تنتهي ..
مكان سيء عموما بكامل ذكرياته ..
ومنها زيارتي البئيسة له
قبل سنتين حينما جئتهم راكعا لألم في كليتي ( المغص الكلوي ) ..

ورأيت منهم بشاعة في الاستقبال وبلادة في التعامل ..
ويقيني أن الكلب – أجلكم الله –
في الغرب أحسن حالا من ملايين في البشر في كثير من دولنا الإسلامية والعربية ..!

فعلا أمام الصحة تنحني كل الأماني ولا تصبح للنعم قيمة ..
إذا فقدت الصحة !!
فالمال الوفير ( ألم ) لأنك لن تأكل ما تشاء .. وتركب ما تشاء ..
إذا فقدت العافية ..!
فأين مذاق الحلوى الشهي والطعام الدسم والشراب الحلو !!
إذا فقدت العافية .!
فأين الركض والتباهي بالقوة وصعود الجبال وخوض البحار .. ؟!


انتقلت مع الزميل بين أدوار المستشفى ..
وصعدت معه .. إلى ..
(( العناية المركزة )) !!

العناية المركزة !!
نعم .. إذن الحالة خطرة .. !

للأسف .. وقدر الله وما شاء فعل ..
هدوء يعم المكان فقط رنات الأجهزة ..
دخلت الغرفة أشار لي الزميل إلى يساره .. أنه والده يرقد على هذا السرير ..

التفت ببصري ..
لأجد ميتا في ثوب حي .. !

غيبوبة لمدة أسبوع لا يدري أهو ميت فيُنعى أم حي فيُرجى !!
قد امتلأ جسده الضعيف بأنابيب الأجهزة ..

وتكالبت الأنابيب خصوصا في فمه .. !!
عينه شاخصة ..

وأنابيب التنفس الصناعي .. تساهم معه مساهمة متواضعة في جلب شيء من النفس ..
تساقطت مع هذا المرض بعض أصابع قدمه .. !!

منظر اقشعر منه البدن ..
ولا تسألوا عن حال زميلي الضاحك ..
وشهقته وزفرته الأليمة .. وهو يرى والده النشيط ..
لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر .. ولو ذبابه .. !

آه .. ما أعظم الصحة ..
فيامن بلي بالفقر .. ما ألذ الفقر مع العافية ..
وما أبشع الغنى مع الأمراض ..
هذا ما استقر بذهني .. من خلال تلك الزيارة ..
الصحة تاج .. لكن لا يراه الأصحاء .. وإنما يعرفه من لازم تلك الأسرة البيضاء ..
لا أرانا الله وإياكم تلك الأماكن ..

اقتربت منه وبقيت دقيقة صمت ..
أتفكر فيها .. حينما يمن الله بنعمة الصحة .. ويبتليني ببعض البلايا البسيطة ..
ويحصل من الإنسان الضجر ..
هل يُسعدك أن تكون مكان هذا الرجل ولو لساعة واحد أو نصفها أو حتى دقيقة !
ما البلاء إذا أعطي الإنسان العافية .. !

همست بالبسملة وبدأت أرقي الجثة الهامدة ..
بآيات الشافي سبحانه مفتتحا إياها بأم الكتاب وأعظم سورة الفاتحة فما زلت أقرأها على هذا الميت .. !
وإذا به ينتفض !!

تتحرك رجلاه .. ويتحرك كل بدنه .. !!
وهكذا آيات العزيز ..
( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله )
إنه كلام الله ..

يرمش بعينيه .. مع كل آية ..
يتفاعل جسده من ترتيل الآيات ..

رقيته ودعوت له ... وقمت ..
التفت لأجد أربعة أسرة كل واحد منها يحتضن ضحية ..

وحسب كلام الزميل ..
فكل يوم أو يومين لا بد وأن يفقد هذا القسم
حالة وحالتين ليضيفها في عداد الأموات .. !

أخي الكريم أختي الكريمة ..
كم نحتاج في خضم آلامنا .. لزيارة هؤلاء لتعلم أن الله رحيم بك .. !
حليم عليك .. متجاوز عنك ..

فكم إنسان أنهك جسده في المعاصي ..
ولا بد أن سيأتي يوم سيفقد فيها هذه النعم لأنه ليس أهلا لها وحينها لا دنيا ..
وربما : لا آخرة .. !

احفظ عينك .. احفظ سمعك .. احفظ جوارحك ..
قبل أن تذهب عنك بمعصية فيعمى البصر وتتلف الجوارح ..بمرض عضال ..
وحينها سيعض ابن آدم أصابع الندم .. لأنه لم يستعملها في طاعة من أنشأها ..

اللهم اشف والد الزميل وجميع مرضى المسلمين ..
اللهم اشفهم شفاءا لا يغادر سقما ..

لفتة .. من مريض لصحيح ..
علها أن تحيى بها البصائر قبل الأبصار ..
والله وحده المستعان ..

المؤمن كالغيث
www.saaid.net/Doat/almomen 
ade2006@hotmail.com 

 

المؤمن كالغيث
  • قصص مؤثرة
  • تربويات
  • رسائل دعوية
  • إصدارات إلكترونية
  • Insured like rain
  • الدورات والبحوث العلمية
  • رمضانيات
  • الصفحة الرئيسية