اطبع هذه الصفحة


معالم دعوية

بدر بن نادر المشاري

 
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:

إلى كل من دعا إلى الله :
اعلم أن الناس بلا دعوة أيتاماً، لا يعرفون حلالاً ولا حراماً، ولا صلاة ولا صياماً ، ولا سنناً ولا أحكاماً ، فحاجتهم للدعوة أشد من حاجة البدن للهواء والماء والغذاء؛ ولذلك أرسل الله الأنبياء ، وخط في اللوح ما شاء 0
إن الداعية الناجح والواعظ الصالح، هو من جعل محمداً صلى الله عليه وسلم إمامه، وعرف هديه وكلامه ، فراش بهداه سهامه ، وجّمل بسنته مقامه ومن المعلوم أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأن أحسن القول الدعوة إلى الله { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }.؛ [ فصلت 33]

ولن يفلح الخلف من العلماء و أهل الدعوة والإصلاح إلا إذا ساروا على ما كان عليه أسلافهم وعلى رأسهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه والتابعون ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين .

والدعوة إلى الله تعالى فن له أصوله؛ وفيما يلي إشارات موجزة و إضاءات وثوابت ومعالم في طريق الدعوة إلى الله أضعها بين يدي كل من دعا إلى الله فأعلم يا رعاك الله
أن عليك أن تدعو المسلمين إلى الرجوع في كل شأنهم إلى الكتاب والسنة على نهج السلف الصالح .
اعلم أن أهم ما يدعى إليه التوحيد فإنه حق الله على العبيد ومن أجله بُعثت الرسل ، وكل كتاب من أجله نزل وهو رأس العمل .
الشرك بجميع صوره والبدع والمعاصي أضر على القلوب والشعوب من ضرر السموم على الأبدان ، ولذلك سارع في دعوة الناس إلى الفضيلة وتحذيرهم من الرذيلة .
من طعن في الصحابة فقد طعن في الدين؛ لأنهم نقلته وشهوده ، وإذا سقط الشاهد سقط المشهود عليه ، فعلينا أن نحب الصحابة جميعاً ، وننزلهم منازلهم دون إفراط أو تفريط .
أهل الحديث العاملون به هم الطائفة المنصورة ، والفرقة الناجية ، وهم السلف الصالح ، فنسأل الله أن يجعلنا من أتباعهم ظاهراً وباطناً 0.
الحق وسط بين طرفين ، وهدى بين ضلالتين ، ونور بين ظلمتين ، وأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة ، وبين الروافض والنواصب ، وبين القدرية والجبرية ، وبين أهل التحريف والتكييف ، وبين أهل التعطيل والتمثيل . { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً }
للعلماء العاملين، والدعاة المصلحين ـ منزلة عظيمة ، وهم كالقلب للجسد، والشمس للأرض، وعلى الناس أن يستفيدوا منهم جميعاً؛ بدون جمود على قول أحد بعينه، آخذين بالدليل، ولا يقدم في الدعوة جاهل أو ضال أو مثير فتنة أو لاهث وراء دنيا .
يسعى الداعية للتصفية الشاملة ، والتربية على هذا الصفاء ، وعليه أن يدرك أن الطريق طويل وشاق ، لكن الله لا يخلف الميعاد : { والذين جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا .... } [العنكبوت69]
الدعوة الحقة دعوة قائمة على العلم بالحق والرحمة بالخلق، حاكمهم ومحكومهم ، وعلى الداعية أن يسعى بالنصيحة الصادقة، ويأمر بالصبر والقناعة دون طمع في الدنيا أو طلبها ممـــن لا يملكها ، أو تزلف لأحد ، غير الأحد الصمد .
الدعوة الصادقة لا تقر الحزبية المذمومة، ولا المذهبية الجامدة الحاقدة على الغير ، ولا تقر العصبية الجاهلية .
الدعوة الحقة تسعى لجمع الكلمة والتعاون على البر والتقوى ، ولا تقبل الغثائية وتحذر منها .
الدعوة المحمدية دعوة سنة بلا شماتة ولا تشنيع ، ودعوة اجتماع بلا تمييع .
الداعية الصادق ينظر للحال والمآل ، وتعارض المصالح والمفاسد من خلال فهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، ويطلع على فتاوى الراسخين في العلم، ولا يقدم آراء الرجال على الوحيين الشريفين، أو يعتمد على فاسد الأقوال .
اعلم أن صلاح الأمة إنما هو في العودة إلى الدين الحق الذي ارتضاه الله لخلقه، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها؛ قال صلى الله عليه وسلم :" فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" [رواه أبو داود] .
لا تستوحش من قلة السالكين ، ولا تغتر بكثرة الزائفين والزالقين ، واعلم أن الحق يستمد قوته من صحة برهانه ، لا من علو مكانه أو كثرة القائلين به، واقبل النصيحة ولو من المخالف .
بشارة لمن نصر دين الله في نفسه وأهله وجيرانه وأمته بعز الدنيا ونجاة الآخرة قال تعالى: { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } [الحج: من الآية 40]
يجب أن تكون الدعوة أعز عليك من كل شيء؛ فلا نفرط فيها طمعاً في مال، أو إرضاء لرجال، وأسأل الله البصيرة والثبات .
على الداعية أن يعمل بما يقول ليضع الله له القبول، فكل من ترك الهدى فهو مخذول، وكلامه ساقط مرذول .
ليتمسك الداعية بالواجبات، ويهجر المحرمات، ولتكن له نوافل وأوراد، وحسن خلق مع العباد، وإصلاح نفس وجهاد، ومحاسبة لها قبل يوم التناد .
وليكن له حظ من الأذكار بالعشي والإبكار، وليراقب الواحد القهار، ويقرأ سيرة النبي المختار وصحبه الأبرار، ويزهد في هذه الدار .
ليستفيد الداعية بما شُرٍع، وليحذر البدع ، فإن النفس أمّارة ، والدنيا غرارة .
ليجوِّد الداعية العبارة ، ويحسن الإشارة، وليأت المنابر، بعزم وثاب، وقلب غير هياب ، وأسلوب جذاب، وليعد العدة قبل أن يلقي الخطاب .
ليتذكر الداعية قول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم " لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " [متفق عليه]؛ فإن هذه من أجل النعم وليحمد ربه ، وليشكره حيث جعله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وليعلم أن معلم الخير ، وناصح الغير يستغفر له حتى الطير ، فطوبى لمن كان للرسول خليفة ، وما أجملها من وظيفة ، فهي المنزلة الشريفة ، والدرجة المنيفة ، وهي مهمة الأنبياء ـعليهم الصلاة والسلام ـ وشغل العلماء وقربة الأولياء ، فهنيئاً ـ أخي الداعية ـ لك الأجر، ورفعة الذكر، وجلال القدر ، وصلاح الأمر، إن أحسنت النية والقصد .

وسبحان من اصطفى من عباده دعاةً إلى الجنة، وأعلاماً للسنة، له عليهم أجل نعمة وأعظم
منة؛ فله الحمد كله، والخير كله، والثناء كله .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 

بدر المشاري
  • رسائل ومقالات
  • الصفحة الرئيسية