اطبع هذه الصفحة


إيمانٌ وأمان
{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } [ الأنعام: 83]

بدر بن نادر المشاري

 
قدّم له صاحب الفضيلة:
الشيخ العلامة: عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
من العبد الفقير إلى ربه وعفوه بدر بن نادر المشاري
                                                إلى من يراه من عموم المسلمين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ، ، ،
فمما لا يخفى على أحد أن أهل العلم والناصحين والعقلاء أصدروا وبينّوا ما يوضح موقف الشارع الكريم من هذه الأحداث والفتن التي ابْتلي بها المسلمون عموماً وفي بلاد الحرمين على وجه الخصوص، ومن المعلوم أيضاً أن كبار الصحابة كانوا يتدافعون الفتيا والكلام فيما يتعلق بثوابت الأمة ومصيرها؛ فالصحابة يسألون كبارهم، وكبارهم يسألون رسولهم محمداً صلى الله عليه وسلم،ورسولهم يسأل جبريل، وجبريل يسأل ربه؛ فيأتي الأمر من السماء "قل" بعد "ويسألونك" ولعل ما قاله علماؤنا ودعاتنا وعقلاؤنا المنصفون بشتَّى منطلقاتهم من موقف حول الأحداث الأخيرة في بلاد الحرمين حماها الله مجمعين ومجتمعين على إدانة الأحداث واستنكارها مقدِّمين من الأدلَّة والحجج ما يكفي، ولكثرة من سألني وطلب رأيي وموقفي من هذه الأحداث؛ فقد بينته في حين سؤاله بالاستنكار والإدانة وعدم قبوله، وأشار عليَّ بعض أهل العلم والفضل أن أكتب موقفي مبيناً مكانة الأمن، واحترت بين أمرين:
الأول/ أن أكتفي بما صدر وبينه العلماء وقوفاً عند قوله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل } [النساء: 83]
والثاني/ التبيين والتصريح فأكون عالةً على من سبقني علماً وسنًّا وقدراً وفهماً، وبعد نظرٍ وبعد الاستخارة والاستشارة كتبت هذا البيان إبراءً للذمة ونصحاً للأمة ورفعاً للحرج والغمة، وسيراً على ما كان عليه علماء الأمة راجياً أن يكون وفقاً لما في الكتاب والسنة، فقلت مستعيناً بالله، سائله أن يلهمني السداد والصواب والإخلاص في القول والعمل :

أولاً: على الجميع تقوى الله، فمن اتَّقى ربَّه رشد، ومن أعرض عن مولاه؛ عاش في كمد.

ثانياً: ليعلم الجميع أن شريعة الإسلام جمعت المحاسن كلَّها فصانت الدين، وحفظت العقول، وطهرت الأموال، وصانت الأعراض، وأمنت النفوس؛ فأمرت المسلم بإلقاء كلمة السلام والأمن والرحمة والاطمئنان على أخيه المسلم إشارة منها لنشر الأمن بين الناس.
وأوجبت حفظ النفس حتى في مظنة أمنها في أحب البقاع إلى الله كما قال عليه الصلاة والسلام: "إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها أو قال فليقبض بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء [متفق عليه]
وحذَّرت من إظهار أسباب الرَّوع بين صفوف المسلمين كما قال محمداً صلى الله عليه وسلم: "لا يُشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزعَُ في يده فيقع في حفرة من النار"0
وحرمت على المسلم الإشارة على أخيه المسلم بالسلاح ولو مازحاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أشار إلى أخيه بحديدةٍ؛ فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه" ـ [رواه مسلم]، قال النووي رحمه الله: "هذا مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواءً من اتهم فيه ومن لا يتهم، وسواءً كان هذا هزلاً ولعباً أم لا " انتهى كلامه رحمه الله؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال.

ثالثاً: لقد دعا الإسلام إلى كل عمل يبعث على الأمن والاطمئنان بين صفوف أفراده، وأمر بإخفاء أسباب الفزع في المجتمع فقال عليه الصلاة والسلام: " لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً" [رواه أحمد] .

رابعاً: لقد فرض الله الفرائض، وحرم المحرمات، وأوجب الحقوق رعاية لمصالح العباد وجعل الشريعة غذاءً لحفظ حياتهم ودواءً لرفع أدوائهم، وجاءت دعوة الرسل لإخلاص العبادة لله بخضوع وخشوع وطمأنينة ومقتت ما يصرف القلوب عن خالقها.
فكانت أول تضرعات الخليل عليه الصلاة والسلام لربه جلَّ وعلا أن يبسط الأمن على مهوى أفئدة المؤمنين0 فقال: { رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنً }، فاستجاب الله دعاءه فقال سبحانه: { وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنً }.
وفضَّل الله البيت الحرام بما أحلَّ فيه من الأمن والاستقرار { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } [البقرة:125].
وامتن الله على ثمود قوم صالح نحتهم بيوتهم من غير خوف ولا فزع فقال عنهم: { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ } [الحجر:82].
وأنعم الله على سبأ وأغدق عليهم الألآء المتتابعة، وأسكنهم الديار الآمنة، فقال جلَّ وعلا: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ } [سبأ:18].
ويوسف عليه السلام يخاطب والديه وأهله ممتنًّا بنعم الله عليهم لدخولهم بلدًا آمنًا مطمئنًا مستقرًّا تطمئن فيه نفوسهم فقال سبحانه وتعالى: { وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ } [يوسف:99].
وحبس الله عن مكة الفيل وجعل كيد أصحاب الفيل في تضليل؛ لتبقى كعبة الله حرماً آمناً عبر التاريخ.

خامساً: ومن المعلوم أن العرب كانت تعيش قبل الإسلام حالة من التمزق والفوضى والضياع تدور بينهم حروب طاحنة، ومعارك ضارية، وما علت مكانة قريش من بينهم إلا لاحتضانها بلداً آمناً { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [الروم:67]. بل وأقسم الله بذلك البلد المستقر الآمن فقال: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ {2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ {3} } [التين:1، 3].
ووعد الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأداء النسك على صفة تتشوق لها نفوسهم وهي الأمن والاطمئنان قال تعالى: { لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ } [الفتح:27].
ومما اختص الله به مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم أمنها حين فزع القُرى من المسيح الدجال قال صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يؤمئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان" [رواه البخاري].
ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح منح أهل مكة ما تتوق إليه نفوسهم فأعطى الأمان لهم فقال: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن " [رواه مسلم].
وما شرعت الحدود العادلة الحازمة في الإسلام على تنوعها إلا لتحقيق الأمن في المجتمعات، ومن نعيم أهل الجنة في الجنة أمن المكان فلا خوف ولا فزع ولا تحول { ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ } [سورة الحجر: 46] وقال سبحانه وتعالى: { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }[سورة سبأ:37] وقال تعالى:{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } [سورة الدخان:51]

سادساً: وليعلم الجميع أن بالأمن والإيمان تتوحَّد النفوس، وتزدهر الحياة، وتغدق الأرزاق، ويتعارف الناس وتتلقى العلوم من منابعها الصافية، ويزداد الحبل الوثيق بين الأمة وعلمائها وتتوثق الروابط بين أفراد المجتمع، وتتوحَّد الكلمة، ويأنس الجميع، ويتبادل الناس المنافع، وتقام الشعائر بطمأنينة، وتقام حدود الله في أرض الله على عباد الله.
وإذا اختل الأمن يتبدل الحال ولم يهنأ أحد براحة بال، فيلحق الناس الفزع في عبادتهم فتهجر المساجد ويمنع المسلم في إظهار شعائر دينه فقال تعالى: { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [يونس :83].
باختلال الأمن تعاق سبل الدعوة، وينضب وصول الخير إلى الآخرين، وينقطع تحصيل العلم وملازمة العلماء، ولا توصل الأرحام، و يئنُ المريض فلا دواء، ولا طبيب، فتختل المعايش، وتهجر الديار، وتفارق الأوطان، وتتفرق الأُسر، وتنقض عهود ومواثيق، وتبور التجارة، ويتعسر طلب الرزق، وتتبدل طباع الخلق، فيظهر الكذب، ويلقى الشح، ويبادر إلى تصديق الخبر المخوف، وتكذيب خبر الأمن،
باختلال الأمن تقتل نفوس بريئة، وترمل نساء، وييتم أطفال.
إذا سلبت نعمة الأمن؛ فشا الجهل، وشاع الظلم، وسلبت الممتلكات.
إذا حلَّ الخوف أُذيق المجتمع لباس الجوع والخوف كما قال تعالى: { فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل:112]، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ " سمى الله الجوع والخوف لباساً؛ لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس".
والخوف يجلب الغم وهو قرين الحزن قال جلَّ وعلا: { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } [ التوبة : 40] .
يقول معاوية رضي الله عنه: " إياكم والفتنة فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستئصال".
ولو قلَّبت البصر في الآفاق؛ لوجدت الأمن ضرورة في كل شأن ولن تصل إلى غاية كمال أمر إلا بالأمن؛ بل لن تجد مجتمعاً ناهضاً وحبال الخوف تهز كيانه.
نعمة الأمن من نعم الله حقًّا حقيق بأن تُذكر ويذكَّرَ بها وأن يُحافظ عليها، قال سبحانه وتعالى: { وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[ الأنفال : 26].
ونعمة الأمن تقابل بالذِّكْر والشكر { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 239]
وأمر الله قريشاً بشكر نعمة الأمن والرخاء بالإكثار من طاعته قال جلَّ وعلا { فلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 3، 4]
ثم لنعلم جمعياً حاكماً ومحكوماً، وعالماً ومتعلماً، وذكراً وأنثى، وصغيراً وكبيراً، أن المعاصي والأمن لا يجتمعان فالذنوب مزيلة للنعم وبها تحل النقم { ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ الأنفال: 53 ].
وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، والطاعة هي حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين، وبالخوف من الله ومراقبته يتحقق الأمن والأمان، فهابيل امتنع عن قتل قابيل لخوفه من ربه جلَّ وعلا قال تعالى: { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 28].
والعناية بالعلم والتمسك بالكتاب والسنة شريعة وقيماً وأصولاً عصمة من الفتن وسبب للأمن والتعليم الشرعي أساس في رسوخ الأمن والاطمئنان قال ابن القيم رحمه الله: " وإذا ظهر العلم في بلد أو محلةٍ؛ قلَّ الشر في أهلها، وإذا خفي العلم هناك؛ ظهر الشر والفساد".
والعلماء الربانيون هم ورثة الأنبياء وفي ملازمتهم وزيارتهم وسؤالهم والاستنارة بآرائهم وخصوصاً وقت الفتن سدادٌ في الرأي وتوفيق للصواب ودرءٌ للمفاسد؛ لأن الفتنة إذا أقبلت علمها العلماء وإذا أدبرت علمها العلماء والعامة .
وببركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ على أن نأمر بالمعروف بالمعروف، وننهى عن المنكر بالمعروف ـ تمنع الشرور والآفات عن المجتمعات.
وحفظ العبد نفسه من شهوات النفس وشبهات القلب أصل في صيانة المجتمع من المخاوف والمكاره.
وتأويل نصوص الشريعة على غير وجهها سبب انحراف الفهوم ومنها ينطلق من قلَّ حظه لتلويث عقول الناشئة ويزداد الأثر حين يضعف التحصن بعلوم الدين.
وبعد فحفظ الأمن في بلاد الحرمين ألزم فعلى ثراها تنزل الوحـــــــي، ومن بين لا بتي طابة شع النور في الآفاق فيها بيت الله قائم، وفيها مسجد رسول الله عامر، ويجب أن ينهل الجميع من نبع الكتاب والسنة من غير تحويل أو تأويل لنصوصهما ومعرفة ضوابط الولاء والبراء من غير إفراط فيها أو مجافاة عنها.
وبالتمسك بالشريعة يسعد الجميع بالأمن والرخاء قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ النور : 55]
فالأمن مطلب في الحياة لا يستغني عنه الخلق لقضاء مصالحهم الدينية والدنيوية وما من عبد إلا ويبحث لنفسه عن أسباب أمنها ويتوقى جهد طاقته أسباب الخوف التي قد تحدق به في طريق حياته، ومهما أوتي الإنسان من سلامة بدن ووفرة رزق؛ فإنه لا يشعر بقيمتها إلا بالأمن والاستقرار.
والخوف من الله ومراقبته مفتاح الأمن للمسلم في دنياه وأخراه.
وعقد القلب على أركان الإيمان وتوفير مقتضياته في عمل الجوارح هو المصدر الحقيقي لحصول الأمن في الدنيا والآخرة.
والأمن التام هو في طاعة الله ولزوم ذكره { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28]
وإذا استقام الفرد في نفسه وألزم من تحت يده من زوجةٍ وأبناء على السير وفق كتاب الله، حقق الأمن لنفسه وانتظم الأمن في المجتمع، فعلى الجميع حاكماً ومحكوماً، صغيراً وكبيراً، ذكراً وأنثى، أن يتقوا الله سبحانه 0
وليعلم الجميع أن من أسباب الأمن وما يعين عليه إقامة الحق والعدل ونبذ البدعة والشرك ونشر التوحيد { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } [ المائدة : 82].
ونصرة المجاهدين والجهاد في سبيل الله على وجهه الصحيح في مواقعه الحقيقية في ثغور الجهاد ورباطاته حيث إنه ذروة سنام الدين وخير وسيلة لقمع الظالمين وطرد الغزاة والمحتلين، وعدم تمييع هذا الركن العظيم بشروطه وأركانه وضوابطه وأصوله لإعلاء كلمة الله ونشر دينه لأنه باقٍ وماضٍ إلى قيام الساعة وهذا من دواعي وأسباب الأمن على أن لا نخلط بين الجهاد في سبيل الله والإفساد في أرض الله والدعاء للمجاهدين الصادقين بالنصرة والتمكين وأن يدحر الله عدوهم وهذا اقل ما ينصرون به.
ويحذر من أهلِ البدع ومروجي الفتن ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وبين صفوف ومجتمعات المسلمين الذين يسبون الله ورسوله وصحابة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم رضي الله عن أصحابه أجمعين، والذين نالوا من أحكام الدين كالحجاب وغيره والذين أفسدوا إعلام وتعليم المسلمين حيث توسع المنافقون توسعاً مخيفاً في موضوع المرأة والمناداة باختلاطها وفتح باب الشر لها في كل ميدان تارة بالنداء بقيادتها وتارة بنزع حجابها وتارة بمزاحمتها الرجال في ميدانهم واتهام المصلحين باتهامات باطلة واستغلال الأحداث وتسخيرها وتجييرها لصالح الأعداء في الداخل أوفي الخارج كل هذا سيسهم في إحلال وضياع الأمــــــن { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران:165]. والرد على شبه الأعداء واتهاماتهم لديننا وعدم قبولها مع بيان أن دين الله هو دين الحق والعدل والرحمة والوسط الذي كفل لكلِّ ذي حق حقه دون ظلم أو هضم أو تعدٍّ على أحد.
وليعلم الجميع أن الله { هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ } [الأنعام :65].
ولنعلم أن من علامات آخر الزمان كثرة الفتن كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتقارب الزمان، ويقل العمل، ويلقى الشح، وتكثرـ أو قال تظهرـ الفتن"،وذلك لأن الفتن إذا ظهرت سيكون معها من الفساد ما يكون قريباً بقيام الساعة فمنها ما يكون يحرق الدين ويحرق العقل ويحرق البدن ويحرق كل خير حيث حذرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الفتن كلها.
وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/ 343): " والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء فصار الأكابر عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها وهذا شأن الفتن كما قال تعالى :{ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [ الأنفال: 25].
واحذر أخي المسلم من مواطن الفتن والخوض فيها فإنها إذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله،{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الذاريات :50].

هذا ما يسَّر الله لي كتابته، فهي كلمات كتبت باختصار وعلى عَجَلٍ لمسيس الحاجة إليها إيضاحًا للسبيل ودفعاً للدخيل، كتبت والمصائب على أشدها وعقد أهل الحق قد انحصر، ومباعدة أهل البدع قد وهن، فهي دعوة لأهل العلم والعقل إلى توضيح الحق ودفع الشبه عن العوام بالدليل والحجة والإقناع، وهي شمعة على هذا الطريق لا تكفي لإضاءته فهل من إجابة إلى هذه الدعوة من أهل العلم والعقل والمنصفين؟! عصمنا الله وإياكم من الفتن، وأرشدنا للحق واتباع السنن، وحفظ علينا وعلى المسلمين أمننا وإيماننا وأعاننا على الفعل والقول الذي يرضيه ، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بقلم
بدر بن نادر المشاري
1/4/1425هـ
 

بدر المشاري
  • رسائل ومقالات
  • الصفحة الرئيسية