اطبع هذه الصفحة


 بروتوكولات الفريسيين
داخل الديانة اليهودية

محمد بن حسن المبارك

 
 
مقدمة عن تاريخ بني اسرائيل :
يبدأ تاريخ بني إسرائيل بأبيهم يعقوب "اسرائيل "بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، و قد رزق اثنا عشر من الولد، فكانت ذرية كل منهم أمة تسمى بسبط ، ينسب لأحد أبناء يعقوب الإثني عشر .

هاجر يعقوب عليه السلام و أبناؤه واحفاده ـ كما يقص علينا القران الكريم ـ من بلاد كنعان الى مصر ، حيث نزلوا على يوسف عليه السلام مكرمين . فقد كان يوسف آنذاك أمين فرعون على مصر ، و قيل أن عددهم حين ذلك كان ستين شخصاً ، وتكاثر ابناء يعقوب حتى بلغوا عند عبورهم البحر مع موسى عليه السلام ستمائة ألفً .
وقد دخل يعقوب وأبناؤه مصر إبان سيطرة الهكسوس عليها، فعملوا فيها، ولما أخرج الهكسوس من مصر، أذل بنو إسرائيل فيها.

و في عهد الفرعون الطاغية رمسيس ـ و الذي ادعى الالوهية ـ كان بنو اسرائيل قد توزعوا على اقاليم مصر يعملون ويكدحون ، ويلاقون ـ كما ـ من العذاب والتنكيل ، صنوفاً والواناً .

ظهور اليهودية:
اشتد الأذى وتضاعف على بني اسرائيل ، فكان أن أرسل الله عز و جل موسى في بني اسرائيل يخلصهم به من عذاب فرعون و تنكيله بهم .ثم بعث الله فيهم موسى عليه السلام في القرن الثالث عشر قبل الميلاد فاستنقذهم من أسر فرعون واذلاله لهم ، و عبر ببني إسرائيل اليم (الماء) وأغرق الله فرعون وجنوده لمّا حاولوا اللحاق بهم ، وقادهم باتجاه الأرض المقدسة فجبنوا عن دخولها، وبقوا في التيه في سيناء أربعين سنة توفي فيها موسى وهارون عليهما السلام .
ثم قاد يوشع عليه السلام بني إسرائيل فأدخلهم الأرض المقدسة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وبعد وفاته تفرق بنو إسرائيل إلى مجموعات متفرقة يحكمها عدد من القضاة، واستمر ذلك زهاء قرن ونصف.

ثم اختار لهم النبي صموئيل شاول "طالوت" ملكاً فحكمهم عشر سنين ثم ملك بعده داود ثم ابنه سليمان الذي توفي عام 922 ق. م وولي بعده ابنه رحبعام، وثار عليه يربعام بن ناباط، وتبعه عشرة من الأسباط، وكونوا دولة شمالية سميت: مملكة إسرائيل، وعاصمتها شكيم ( نابلس ) وبقيت حتى عام 722 ق. م حيث قضى عليها الآشوريون، وحكموا تلك البلاد.

وأما المملكة الجنوبية : يهوذا.وعاصمتها أورشليم، فبقي المُلك فيها في ذرية سليمان.
وفي عام 586 ق.م غزا بختنصر الكلداني بيت المقدس و قتل ملكها صدقيا وقام بسبي اليهود و أخذهم معه إلى مملكته ، وأحرق أورشليم وهيكلها، وسبى سكانها إلى بابل، فبقوا هناك حتى أعادهم الملك الفارسي قورش سنة 538 ق. م، ثم بقوا في فلسطين في ظل اليونان ثم الرومان الذين دخلوا أورشليم عام 64 ق. م واستمرت سيطرتهم على فلسطين حتى ظهور الإسلام.

و عندما رجع اليهود من السبي البابلي على يد الملك كورش عام 538 ق.م كانوا قد فقدوا كثيرا من الكتب و الأصول ، بل لم يعد لديهم شيءٌ يذكر من ذلك.

ظهور الطائفة الفريسية :
في عام 200 ق م تقريباً تشكلت الطائفة الفريسية التي أرادت في أول أمرها الرجوع باليهودية إلى أول عهدها، و لذلك فقد تلقى الفريسيون من المجتمع في بادئ الأمر كثيرا من الإكبار و التقديس.
و في عام 78 قبل الميلاد تقريبا قوي نفوذهم وأصبحوا قادة اليهود في الأمور الدينية .

نكوص الفريسيين ؟؟ :


الفريسية: هي إحدى الفئات الدينية اليهودية الرئيسية الثلاث التي كانت معروفة عند اليهود عند مجيء المسيح عليه السلام ، وهذه الفئات الثلاث، هي:
الصدوقيون، والأسينيون والفريسيون.

وكلمة فريسي بحدّ ذاتها، كلمة آرامية ومعناها "المنشق أو المنعزل" فالفريسيون هم "المنعزلون"، ( بإعتبار أنهم إنعزلوا عن الطائفة اليهودية المادِّية التى تسمّى "الصادوقيّة"، و التي كانت لا تؤمن بالبعث و لا بالقيامة) ، و لذلك فقد اتجهوا الى الاعتزال عن المجتمع الاسرائيلي الذي كانت قد فسدت كثير من قيمه و سلوكايته .
والمعروف عن الفريسيين أنهم أضيق الفئات الدينية اليهودية من ناحية التعليم .

ولا شك أن الفريسيين في أول عهدهم كانوا على شيءٍ من التديّن و النزاهة بالنسبة إلى سائر الطوائف الاسرائيلية ، إلاَّ أنه وعلى مرّ الزمن، دخل حزب الفريسيين كثير من المنتفعين ، إلى أن فسد جهازهم واشتهر معظمهم بالرياء، حتى أن الطائفة اليهودية المادِّية ـالتى تسمّى "الصادوقيّة" ـ والتي كانت لا تؤمن بالبعث و لا بالقيامة كانت أول من ثار على فساد الفريسيين (الذين يتبعون أهواءهم.

ما هو موقف المسيح عليه السلام من الفريسيين؟
الفريسيون ورد ذمُّهم في كثيراً "الانجيل" ، حيث كوَّن الفريسيون مجموعة كبيرة من التعاليم المناقضة لشريع موسى عليه السلام ، بل و للشرائع أجمع ، منها أن اليهود لا يعذبون يوم القيامة ، و أن لهم النعيم الأبدي لكونهم من ذرية ابراهيم و اسرائيل عليهما السلام ، و كثيرا ما يشير الانجيل إلى أن الفريسيين كانوا ألدّ أعداء المسيح .

ـ بل إن يحيى بن زكريا عليهما السلام "يوحنا المعمدان" حاول من قبل عيسى عليه السلام أن يبيّن للفريسيين أنه لا يمكن لهم أن يعيشوا على ذكريات الماضي ، وأن الجيل الفاسد لا تخلّصه حسنات أجداده ،و أن كونهم من ذرية إبراهيم و اسرائيل عليهما السلام لا يعفيهم من مغبة أعمالهم الفاسدة ، و لذلك فقد صوّر لهم حقيقة الجزاء بعد البعث بالفأس التي توضع على أصل الشجرة فكل شجرة لا تصنع أثماراً جيدة تُقطع وتلقى في النار، بل و سمَّاهم عليه السلام ـ كما في الانجيل ـ "أولاد الأفاعي".
و عندما كان النبي يحيى "يكرز" اليهود قائلاً لهم : "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (متى2:3) .

جاء إليه جماعة من الفريسيين والصدوقيين ـ كما في الإنجيل ـ بقصد الاستهزاء به وبرسالته، فقال لهم ـ مبينا لهم أن مجرّد الاعتماد بالماء ليس كافياً إذا لم يقترن بالتوبةـ :
( فلما رأى كثيرين من الفريسييين والصدوقيين يأتون إلى معموديته قال لهم: يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا ثماراً تليق بالتوبة، ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً. لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تُقطع وتلقى في النار) (متى 7:3-10) .

ـ أمَّا عيسى عليه السلام فقد وبَّخهم بشدة من أجل ريائهم وادّعائهم القداسة والبرّ مع انصرافهم التام للدنيا ، و انتقد على الفريسيين تمسكهم بأساطير و خرافات بالية معظمها من التراث البابلي الوثني و التراث الآرامي ، وإهمالهم لجوهر الدين و هو التوحيد ، ثم كذلك تحريفهم و تشويههم لشريعة التوراة فضلا عن عدم العمل بها .
ففي الانجيل على لسان عيسى عليه السلام محذراً لهم :
(ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلّة تطيلون صلواتكم، لذلك تأخذون دينونة أعظم ) (متى14:23) .

ـ وكذلك في الانجيل على لسان عيسى عليه السلام:
(لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون ، لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدّام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلة تطيلون صلواتكم.
لذلك تأخذون دينونة أعظم. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر لتكسبوا دخيلاً واحداً. ومتى حصل تصنعونه ابناً لجهنم أكثر منكم مضاعفاً..
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تعشّرون النعنع والشبث والكمون وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعلموا هذه ولا تتركوا تلك.
أيها القادة العميان الذين يصفعون عن البعوضة ويبلعون الجمل... ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبوراً مبيّضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضاً من خارج تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحوون رياءً وإثماً. أيها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم) (متى 23) .

ـ وقد لقّبهم المسيح بالجهّال والعميان وشبّههم بالقبور المبيّضة التي تظهر من الخارج جميلة ومن الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة، وأنهم يظهرون للناس أبراراً ولكنهم من الداخل مشحونون رياءً وإثماً .

ـ كما لقّبهم المسيح بأولاد الأفاعي وأولاد إبليس (متى 33:33)
و وبخ بني اسرائيل بقوله :
(فإني أقول لكم إنكم إن لم يزد برّكم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السماوات) . (متى20:5)

ـ وكذلك حذرهم من اتباعهم بقوله :
(وقال لهم يسوع انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين" (متى6:16). "كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين. حينئذ فهموا أنه لم يقل أن يتحرزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين) . (متى 11:16و12).

ـ كما بين لهم كيف يتعاملون مع الفريسيين و مع من كان مثلهم :
( على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون. فإنهم يحزمون أحمالاً ثقبلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحرّكوها بإصبعهم. وكل أعمالهم يعملونها لكي ينظرهم الناس. فيعرضون عصائبهم ويعظّمون أهداب ثيابهم. ويجبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع. والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي) .

ـ ويشير إليهم الإنجيل الذي يقول:
( فخرج الفريسيون للوقت مع الهيرودسيين وتشاوروا عليه لكي يهلكوه) (مرقس6:3).

ـ ويذكر الإنجيل المقدس آيات كثيرة عن معارضة الفريسيين ليسوع نذكر منها ما يلي:
(وأما قوم منهم (اليهود) فمضوا إلى الفريسيين وقالوا لهم عما فعل يسوع. فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا ماذانصنع فإن هذا إنسان يعمل آيات كثيرة. إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأمتنا. فقال لهم واحد منهم. وهو قيافا: كان رئيساً للكهنة في تلك السنة. أنتم لستم تعرفون شيئاً. ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها) (يوحنا 46:11-50)

ما هو التلمود :
كلمة التلمود كلمة عبرية تعني الشريعة الشفوية و التعاليم ، و اليهود يطلقون اسم "التلمود" على مجموعة قواعد ووصايا وشرائع دينية وأدبية ومدنية وشروح وتفاسير وتعاليم وروايات تتناقلها الألسن، فوصلت شفاهاً وسماعاً إلى الناس، ثم دوّنها الحاخاميون خوفاً من النسيان والضياع، وحفظاً للأقوال والنصوص في فترات متباعدة ، وقبلت إلى جانب الشرائع المدوّنة في أسفار موسى .

ـ و للتلمود داخل الديانة اليهودية مكانةً هامة ، حيث يعتبر الركن الأساسي فيها، فهو كتاب بنى إسرائيل الأقدس ، وهو فى قداسته يعلو و يفوق و يَجُبُّ التوراة و سائر الأسفار اليهوديّة.
وما يعرف باليهودية الربانية ليس سوى تلك اليهودية التلمودية التي تدين إلى الرباي يهوذا بن سيميون بن جامليل 135-217م.

و يدعي اليهود أن موسى عليه السلام ألقى التلمود على بني إسرائيل فوق طور سيناء ،وحفظه عند هارون ، ثم تلقاه "يوشع" من هارون ،ثم( إليعازر) وهلم جرا …حتى وصل الحاخام يهوذا حيث وضع التلمود بصورته الحالية في القرن الثاني قبل الميلاد وذلك على ما يزعمون، والحقيقة أن التلمود هو موسوعة تضم كل شئ عن هواجس و خرافات بني إسرائيل مما يكون لديهم شروحات مختلفة للتوراة ، بل هو مستودع رموز و شطحات ومجازفات الديانة اليهودية.

ويعطي اليهود التلمود أهمية كبرى لدرجة أنهم يعتبرونه الكتاب الثاني ، والمصدر الثاني للتشريع ، حتي أنهم يقولون : "إنَّ من يقرأ التوراة بدون المشنا و الجمارة فليس له إله ، والمشناة و الجمارة هما جزءا التلمود..

ومن المفيد الإشارة إلى أن هذه الشريعة الشفوية لم تصبح بمنـزلة الشريعة المكتوبة إلا بعد خراب الهيكل الثاني، أي منذ عام 70م وحتى مطلع القرن السادس، وذلك بيد المعلمين المعروفين بـ"التنائيم" .

التلمود و الشخصية اليهودية :

إن التلمود لم يكن إلا إنعكاسا ثقافياً للشخصية اليهوديّة العنصريّة التى أفرزته ، فمن المهم معرفة أن التلمود كتب في فترة السبي البابلي المملوءة بالذلة و المسكنة بالنسبة لليهود ، ولذلك ففى التلمود تتجلّى دفائن و خبايا و مكنونات النفسيّة اليهوديّة الغائرة.

لقد إبتدع التلمود شيوخ إسرائيل تحت أثقال الأسر و القهر و التشرّد ، وتحت وطأة معاناة الشتات و الإغتراب و ، و تلك الأثقال من المعاناة و الهوان و المذلّة قد ملأت نفوسهم وفجّرت فيهم كل مخزونات و طاقات الحقد و الحسد و الكراهية و البغض , والرغبة المحمومة المقيتة فى الإنتقام من كل الأمم ، و التجبّر على غير اليهود أجمعين.

لقد جاء التلمود إنعكاسا للنفسيّة الإسرائيليّة اليهوديّة العنصريّة ، , ليعطي نوعا من الشرعية و القداسة لجميع الرذائل اليهودية ، من القسوة و الحقد و الحسد و الإستعلاء , و لتغرق فى الجبن و المسكنة و الفساد و التحريف و الخيانة و الإجرام.

و قد وظَّف الفريسيون كل تلك النقائص السابقة الذكر في استغلال و استعباد بقية الشعب الاسرائيلي ، حتى انتقل بنو اسرائيل أو جلَّهم من اليهودية إلى الفريسية .

دراسة التلمود :
توجد نسختان من التلمود: التلمود الفلسطيني والتلمود البابلي، وقد كتبتا في أوقات متباعدة، واختلفتا في المضمون وأسلوب العرض واللغة.

أما التلمود الفلسطيني فيرجع تاريخه إلى منتصف القرن الرابع للميلاد، وكتب على يد الرباني يوحنان بن نبحة مؤسس أكاديمية طبرية، وهو يكتفي بالشرح أو التحاليل لنص "المشنا" مع سرد مناقشة غير مطوّلة بين الأحبار، ويعتبر المرجع الفصل في كلِّ نظرية فقهية ومعاملة تشريعية. وهو يتميز بالاقتضاب.

أما التلمود البابلي فإنه يفتح باب النقاش واسعاً، فلا تنتهي إلى قول مرجّح، وهو نتاج الأكاديميات اليهودية في العراق، وتبلغ حجم مادته ثلاثة أضعاف التلمود الفلسطيني، مما جعله يحتل منـزلةً رفيعةً ويغدو مرجعاً هاماً لا غنى عنه.

نشأة التلمود وتكوينه:
اشترك في كتابة التلمود أقلام كثيرة، وتعددت مراحل كتابته، فاختلفت في كل مرحلة أساليب جمعه وتصنيفه وتبويبه وتدوينه.

المرحلة الأولى: تبدأ بعد مجيء عزرا الكاتب "النبي عزيز" من بابل، وتمتد حتى عصر المكابين 450-100ق.م.
خلال هذه الفترة، جرى جمع القسم الأكبر من الكتابات وتمّ إضافتها إلى التوراة لتغطية الأوضاع والنواحي الجديدة وتكييف بعض الشرائع التوراتية وفقاً لمتطلبات الحياة، ويطلق على هذه المرحلة مرحلة الكتبة الذين انحصر نشاطهم الرئيسي في حقل نشر التعليم الديني إلى جانب بعض التشريعات والمراسيم التي كان لها أثر في ترتيب التوراة وإثبات نصّها المعياري.

المرحلة الثانية: تبدأ فيما بين "المكابي والهيرودي"، وخلال هذه الفترة ظهر ما يعرف بالمعلمين الكبار الذين أطلقت عليهم تسمية "الأزواج" "زوجوت"، وقد غطّى هؤلاء خمسة أجيال، ويمثّل كل زوج منهم المنصبين التاليين: رئيس السنهدرين أو الأمير ولقبه النّاسي، ونائب الريس أو رئيس بيت الدين، وهم حسب التسلسل:

- جوزية بن يوعزر جوزية بن يوحنان
- يشوع بن فراحيا نطّاي الأربيلي
- يهوذا بن طباي سمعان بن شطاح
- شماعيـا أتباليـون
- هيـلّل شـمّاي.

أثر الفريسيين داخل الديانة اليهودية :


لما دخل االمنتفعون في الطائفة الفريسية التي كان يعظمها بنواسرائيل أرادوا بذلك أمرين :
الأول: إفساد الطائفة الفريسية .
و الثاني: التحكم بسائر الشعب الاسرائيلي من خلال تلك الطائفة .

فلذلك فقد وضعوا بروتوكولات غاية في الخبث و المكر ، و منها :

1 دعواهم تقديس الحاخامات ، بل و تأليههم أيضا قاتلهم الله .
2ـ وهم الذين إبتدعوا قصّة أصل القانون الشفوى الذى أفرز التلمود (أي أن هناك أصولا شفوية للتلمودكانت ترويها الحاخامات منذ أيام السبي البابلي بعد أن ضاعت الأصول المكتوبة في السبي .
3ـ وهم الذين إدّعوا أنهم أتباع النبي عزرا "عزير" عليه السلام
(المتوفى عام 444 قبل الميلاد) الذي أعاد لليهود التوراة ، و كان قد مات ثم بعثه الله عز و جل بعد مائة سنة كما ورد في القرآن الكريم ، فلما أفاق من نومه وجد اليهود قد نسوا التوراة فتلاها عليهم من حفظه ..
4ـ كما ادعوا أن "عزيراً" عليه السلام إبن الله- وذلك بعد وفاته بأكثر من 200 عام ، بل و اعتبروا عزيرا - المعلّم الأكبر ليس فقط بعد موسى ، ولكنهم ساووه بموسى - بل و رفع البعض مرتبته فوق موسى بإدعائهم أنه إبن الله- .
5ـ وقالوا بوجود تقليد سماعي عن موسى تناقله الخلف عن السلف، زعموا أنه معادل للشريعة المكتوبة أوأهم منها مما نتج عنه التلمود و شروحه .
وبعد أن تغلّب الفريسيين على الصادوقيين و أخذوا فى نفث سمومهم فى العقيدة اليهوديّة ظهر من بين الفريسيين أنفسهم حركة تسمى "جماعة القرّائين" ثارت على أفكار و عقيدة الفريسيين الفاسدة و نادوا ببطلان ما يدعو الفريسيين إليه , و رفضوا التلمود , و رفضوا الإنصياع الكامل لما يقوله الحاخامات , و رفضوا تأليه الحاخامات لأنفسهم , و إعتبروا التلمود كتابا لابد من الخلاص منه ( فمعنى القرّائين هو المتمسّكين بقراءة الكتاب وحده - أى أسفار العهد القديم وحدها و رفض ما عداها)
ولكن..... كانت شوكة الفريسيين قد قويت طوال حقب التاريخ اليهودى،فقاموا بإضطهاد و تشريد و طرد و ملاحقة الصادوقيين و القرّائين (لازال هناك بقايا منهم اليوم , وهم الذين يكوّنون ما يصطلح بتسميته اليهود الإصلاحيين Reform Jews و الذين يرفضون التلمود , ولكنّهم يعانون من الهجوم الشديد عليهم من غالبية المجتمع اليهودى داخل إسرائيل و حول العالم , إذ تعتبرهم اليهوديّة الأرثوذكسيّة - الغالبة على جميع المجتمعات اليهودية- ضالّين و يشكّلون خطرا على اليهوديّة.
من حيث العقيدة النظرية ، كان الفريسيون يؤمنون بالعهد القديم من الكتاب المقدس ويعتقدون بالقدر، كما أنهم كانوا يؤمنون ( بخلود النفس وقيامة الجسد ووجود الملائكة والأرواح) عمال8:23). والثواب والعقاب في الآخرة، بحسب صلاح الحياة الأرضية أو فسادها. كانت عقائدهم ظاهرية وليست قلبية .

أقسام التلمود:
و يقسم التلمود إلى قسمين رئيسيين هما " المشنا والجمارا":
أـ ( المشنا) : مجموعة قوانين اليهود السياسية والحقوقية والمدنية والدينية التي تتضّمن القواعد والأحكام بغير نقاش غالباً، والمشنا أشبه ما تكون بالكتاب القانوني أو مصّنف الأحكام الشرعية والفقهية التي تدعى " هالاغا"، أي المذهب أو المسلك أو الطريق الذي يذكّر بالأحكام والفرائض والتشريعات الواردة في أسفار " الخروج واللاويين والتثنية والاشتراع".
ويبقى الحلال والحرام والطهارة والنجاسة وغيرها ممّا ورد ذكره في التوراة وفسّره الفقهاء اليهود ووضعوا له حدوداً وقيوداً تلائم حاجة العصر الذي كانوا يعيشون فيه.
و"المشنا" تتألف من ستة أقسام رئيسية تدعى " سداريم" جمع سدر. وكل سدر يضمّ عدداً من الأسفار أو المقالات أو الكتب تضمّ عدداً من الإصحاحات أو الفصول تسمى "برقيم"، وتكوّن بمجموعها 63 مقالة.
1ـ الزراعة: وتعرف باسم البذور Seeds، وفي العبرية Zeraim. يتحدث هذا القسم عن النظم والقوانين المتعلقة بالزراعة في شيء من الإفاضة والتفصيل، فيبحث في الريّ والحرث والحصاد، ويتناول مختلف أنواع زراعة المزروعات والحقول والحدائق والعناية بها، سواء كانت مثمرة أو غير مثمرة، ويربط هذه الأعمال بالعبادة اليومية، ويبين حق الفقراء في الحصاد، ويتحدث مع ذلك عن حمد الله بعد الطعام، وصيغ التبرك التي تتلى في أوقات مختلفة.
2ـ الفصول أو المواعيد :وهي تتحدث عن تبجيل يوم السبت والعبادة فيه، وعن مواعيد الصيام، والأعياد والاحتفالات، كما يتناول التقويم اليهودي.
3ـ النساء (ناشيم)، ويعرض فيه قوانين الزواج والطلاق، والجوانب الجنسية عامة، ويفصّل العلاقة بين الزوجين وحق كل منهما على الآخر، وقوانين العيش والطلاق، والنذور... إلخ.
4ـ ( الجروح والجنايات ) (نازكين)، ويتناول فيه باستفاضة الشؤون المدنية والمسلكيات والتصرفات في الحياة العامة، من التعامل والاعتداءات، وجزاءات كل عدوان، ويتحدث فيه عن الآداب والأخلاق، مثل حسن التعامل ورعاية الحقوق، وحقوق الوالدين، وما إلى ذلك، كما إنه يعرض الوصايا والتفسيرات الشفوية من عهد موسى إلى عهد هليل وشماي، فضلاً عن نظم التقاضي، وقوانين القضاء، مما يجب أن يفعله القاضي والمتقاضون، ونظم التجارة والإبحار والسياسة والاجتماع...
5ـ المقدسات (كادا شيم)، وهو مخصص لأعمال الضحايا والهيكل ومرافقه، وتنصيب القسس وواجباتهم، كما يتحدث عن الذبائح والأطعمة.
6ـ قسم الطهارات «توهوروت»، ويتطرق فيه إلى الحديث عن التطهر والنجاسة والطاهر والنجس في الإنسان والحيوان، والحيوانات الطاهرة والنجسة، والأشياء التي تستعمل، وما يجوز أكله من الحيوان وما لا يجوز.
هذه بإيجاز أهم أقسام المشنا، وقد أضاف "الربانيون» و«الأحبار» إليها زيادات عرفت باسم «التصافوت» _ أي الإضافات، ومع هذه الإضافات لم تحو المشنا كل المأثورات.
ويرى بعض الباحثين المحدثين أن بعض أخبار المشنا مأخوذ من مصادر إسلامية في وقت متأخر، كما فعل موسى بن ميمون، والمشنا ظل بابها مفتوحاً للنمو والزيادة حتى العصر الحديث .
وفي قسم المواعيد والمواسم، نجد أحاديث عن إبراهيم وسارة لم ترد في التوراة، وقد بالغ الباب في وصف سارة بالجمال البالغ إلى الحد الذي لم يستطع فيه إبراهيم طوال الفترة التي قضاها معها أن يملأ عينيه منها، ويذكر لهذا الجمال أعاجيب ونوادر هي ولا ريب من الخرافات، وجاء في بعض نسخ المشنا أن إبراهيم يشفع لليهود يوم القيامة، ويذودهم عن النار.
ويوجد في أقسام المشنا تضارب في الروايات، لذلك قال بعض الباحثين بأن أشياء أضيفت في وقت متأخر لم تكن متسقة مع ما سبق، حيث تكونت من مقالات عديدة متفرقة. وقد كان من تساهل الفريسيين أنهم قبلوا الشروح والروايات الكثيرة التي لم تسلم من التضارب رغم ما بذل في تمحيصها.
ومهما يكن من أمر هذه الروايات الشفوية والكتابات، فقد اتخذت مكانةً تلي التوراة في قداستها، ومنذ عهد الرباي يهوذا بن سيميون، كان لها المكانة الأولى في المدارس اليهودية، سواء في فلسطين أو في بابل.

ب ـ الجمارا _ Josefto
الجمارا _ أو الإضافات _ مجموعة أخرى ضمت إلى المشنا واستقلت بهذا الاسم. وأصلها من عمل المعلمين الذين كانوا في عصر الرباي يهوذا ولم يكونوا أعضاء في مجلسه، فقد عملوا من جانبهم على جمع روايات أقل شهرة، كما جمعوا الروايات التي استبعدها يهوذا من مشناه، ولكن هذه لم تكن قليلة الأهمية، ولا مما يليق التخلي عنه، ومنها أقوال وروايات نجمت عن مدرسة عقيبا وإسماعيل ونسجت حولها شروح وتفاسير في أقوال المعلمين Amoraim، فرأى الدارسون أن يجمعوا ذلك كله مع بعض الأحكام الشرعية Halachath، والإجابات عن المشاكل التي عرضت، كل ذلك جمع أخيراً فكوَّن الجمارا، وهي بمعنى الإنهاء والإنجاز، وهي كما هو واضح وسعت المشنا، لأنها تحوي أحكاماً ومواد ليست في المشنا، منها القديم الذي لم يأخذه يهوذا، ومنها المستحدث .
لم تجمع الجمارا إلا بعد 300 عام من اكتمال المشنا، وقد ثار جدال طويل بين المفسرين حول المواد التي تكوّنت منها الجمارا، وبالرغم من كونها مجمّعة من الروايات الشفوية والمشنا، كان يراد لها أن تكون معتمدة على نصوص التوراة. وقد كتبت باللغة الآرامية.

من المشنا والجمارا معاً يتألف التلمود الذي هو نتيجة تفاعل الشريعة المكتوبة مع أوضاع الحياة المتغيرة والحاجات الطارئة، فهو يعتبر بمثابة سجل حافل يبين خلال المناقشات والشروحات والأمثلة والردود والروايات، كيف كان اليهود يحاولون تطبيق الوصايا والفرائض التوراتية في حياتهم اليومية، وحين يصطدم التطبيق العملي بالنصوص المقدسة تبدأ المشكلة بالظهور وتكثر الاجتهادات، بينما يتصاعد البحث عن الحلول والمخارج.

 

محمد آل مبارك
  • مقالات
  • تحقيقات ومؤلفات
  • فرق ومذاهب
  • تراجم
  • أدبيات
  • الصفحة الرئيسية