اطبع هذه الصفحة


الدعوة الى الصوفية ؟!!يماني أنموذجاً ..

عبد الله بن راضي المعيدي الشمري


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وآله وصحبه ، وبعد ..
فقد كتب معالى وزير الإعلام السابق د / محمد عبده يماني مقالاً في جريد الجزيرة يوم السبت 6/ 3/ 1431 هـ حول الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ..
وحيث أن الدكتور – وكعادته – دعا إلى الاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام وكرر ذلك وشدد عليه .. بل أنه دعا إلى أشد من ذلك .. وهو تكرار هذا الاحتفال كل أسبوع ؟!!
ولما كان من الواجب على طلبة العلم الرد عليه وبيان خطئه وشططه .. والرد على الشبه التي أثارها في مقاله ..
أقول مستعيناً بالله – تعالى – وأساله التوفيق والسداد ..
أولا : معالي الدكتور محمد مثقف واعٍ .. وأديب أريب .. ورجلٌ عرف بحب الخير والحرص عليه .. وله جهد مشكور في دعم الأعمال الخيرية .. ولكنه لم يعرف بالعلم الشرعي المؤصل .. وإنما هو قاري وكاتب ومثقف .... فهو ليس من المتخصصين في العلم الشرعي ..
لأن هناك فرق بين أن يكون الإنسان معروفاً بالعلم الشرعي والقدرة العلمية التأصيلة .. والملكة العلمية المشهودة - إي أنه لم يأخذ آتى العلم من بابه - وحصّل العلم بالطريقة العلمية المعروف عند أهل العلم .. وبين إنسان مثقف أو كاتب أو حتى داعية .. فبين هؤلاء والعالم عموم وخصوص مطلق ... فليس من لازم كون الكاتب والمثقف بل حتى الداعية والواعظ أن يكون عالماً .. فالعالم غير هؤلاء جميعاً .. ويصح أن يكون العالم داعيةً وواعظاً وكاتباً .. ولكن ليس من لازم الداعية ولا الكاتب ولا غيره أن يكون عالماً متبحراً في الشريعة ..
جاء في كتاب من كتاب :من هم العلماء؟
تأليف: الشيخ / عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
قال الشيخ:
\" إنّ من يستحق أن يطلق عليه لفظ العالم في هذا الزمن -وأقولها بكل صراحة- قليل جداًًََََّ ، ولا نبالغ إن قلنا نادر، وذلك أنّ للعالم صفات قد لا ينطبق كثيرٌ منها على أكثر من ينتسب إلى العلم اليوم .
فليس العالم من كان فصيحا بليغا، بليغا في خطبه، بليغا في محاضراته، ونحو ذلك، وليس العالم من ألف كتابا، أو نشر مؤلفا، أو حقق مخطوطة أو أخرجها؛ لأن وزْن العالم بهذه الأمور فحسب هو المترسب وللأسف في كثير من أذهان العامة، وبذلك انخدع العامة بالكثير من الفصحاء والكتاب غير العلماء، فأصبحوا محل إعجابهم، فتري العامّي إذا أسمع المتعالم من هؤلاء يُجيش بتعالمه الكذّاب يضرب بيمينه على شماله تعجبا من علمه وطَرَبَه، بينما العالمون يضربون بأيمانهم على شمائلهم حُزنا وأسفا لانفتاح قبح الفتنة. فالعالم حقا من تَوَلَّعَ بالعلم الشرعي، وألَمَّ بمجمل أحكام الكتاب والسنة، عارفا بالناسخ والمنسوخ، بالمطلق والمقيد، بالمجمل والمفسر، واطلع أيضا على أقاويل السلف فيما أجمعوا عليه واختلفوا فيه، فقد عقد ابن عبد البر رحمه الله تعالى في ”جامع بيان العلم وفضله“ 2/43 [ بابا فيمن يستحق أن يسمى فقيها أو عالما، فليرجع إليه في الجزء ] ..
أودت من هذا كله أن أبين نقطة في غاية الأهمية .. وهي أن سبب مانسمعه ونقرأه من الفتاوى الشاذة .. والآراء المنحرفة .. والدعوات الباطلة .. إنما هي بسبب صدورها عن أناس لم يعرفوا بعلم ؟!! فوسكت هؤلاء لقل الخلاف .. كما قال الخليفة الراشد علىٌ -رضي الله عنه - لو سكت الجاهل لقل الخلاف !!
ثانياً : إن كل مسلم يتفق مع معالي الدكتور على أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم ، بل هي من أعظم أصول الإيمان ومسائل العقيدة ، وتأتي في الدرجة الثانية بعد محبة الله تعالى ، وبغض الرسول صلى الله عليه وسلم أو بغض شيء مما جاء به ردَّة عن دين الإسلام .. .
كما نتفق كذلك مع معاليه على أن بيان هذا للناس أمر واجب ...
ولكن لابد وأن يكون ذلك الحب .. موافقاً للطريقة الشرعية .. والأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة .. بفهم السلف الصالح .. على ضوء العقائد المعتبرة عند أهل السنة والجماعة .. وهذا ما لم يقرره – وللأسف – معالي الدكتور .. وهذا هو بيت القصيد .. وهو سبب الخلل والزلل عند الكاتب وكل من يتنكب هذا المنهج العظيم ...
ثالثاً : ما علاقة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بابتداع الاحتفال في اليوم الذي يُـقال : حتى يأتي معالي الدكتور ليقول : \" وهذا اليوم الذي ولد فيه -صلى الله عليه وسلم- دون تحديد وقت محدد، بل يكون طوال العام وفي كل يوم اثنين، كما فعل -صلى الله عليه وسلم- \" .. وحاول في مقاله أن يسوغ هذا الاحتفال .. دون أن يبرز دليلاً صحيحاً واحداً أو استدلالاً صحيحاً على ما قال .. سوى أنه - وكعادته هو وغيره من أرباب هذه البدعة - .. بدأ يثير العاطفة .. وأن هذا الأمر من أشد مظاهر المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم .. وكأن من لم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام ..
فهو لايحبه .. بل ربما أراد أن يقول أن ذلك من الجفاء في حقه .. وأن هذه طريقة الوهابية .. وغير ذلك من الأوصاف التي لم يصرح بها إن كان لمح بها .. غير أنه لايستطيع ذلك كونه في بلد هي راعية السنة .. وصاحبة المنهج السلفي .. وإلا ربما رينا وسمعنا العجب العجاب .. والسم الزعاف .. من الأوصاف والكلمات والتي تدل على حقدٍ شديد على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب [ الوهابية زعموا ] .. تلك الكلمات التي تتصدر مجالس الموالد والتي حضرها ويحضره معاليه .. بل ويدعوا اليها ..
ولست بصدد مناقشة الشبهات والأوصاف التي تكال لدعوة الشيخ ؛ لأن هذا له موضع آخر ، وقد نوقشت والحمد لله في أكثر من كتاب ، وفيها رسائل علمية محكمة فليرجه إليها ..
رابعاً : أستغرب حرص معالي الدكتور على الدعوة إلى هذا الأمر .. فقد كرره في كتابه [ لماذا لم يعبد محمد ؟! ] وكرره في القنوات الفضائية .. وهو يكرره .. ما الهدف من ذلك .. ولماذا يحرص على نشره في هذه البلاد والتي لم تعرف فيها هذه البدعة ؟!
أخشى أن يكون هذا الأمر تمهيداً لنشر مذهب الصوفية المقيت .. ولذا فهو يحرص على كل أمر يحيي البدعة ويميت السنة !! ومن أواخر الطوام الدعوة لترميم مقبرة حواء في جدة .. ولا يشك من له أدنى معرفةٍ بعلم أن ذلك من أعظم أسباب التعلق بالقبور بل وعبادتها .. فالأمر خطير جداً .. ولابد من وقفة صادقة من أهل العلم .. خاصة سماحة المفتي العام حفظه الله .. وقفة في وجه هذه الدعوات الخطيرة من الدكتور وغيره من الدعاة والكتاب الذين يدعون إلى تعظيم الآثار والأماكن الدينية بزعمه ..
أقول هذا لأن هناك أناس أخذوا على عاتقهم الدعوة إلى البدع .. وتجيد التصوف المنحرف .. والاستهزاء بمنهج السلف سواء تلميحاُ أو تصريحاً .. ونشر ذلك عبر وسائل الإعلام خاصة القنوات الفضائية ..
ولذا رأينا كيف قامت قيامتهم .. يوم أن جاءت حلقة وحيدة غريبة في أحد القنوات عن القبورية ؟!! فصاح القوم وضجوا .. وأخذوا يعتذرون لأهل القبور والتصوف خشية جرح مشاعرهم ؟!!
والمصيبة الكبرى أن هؤلاء هم من بني جلدتنا .. ويتكلمون بألسنتنا .. وقد اغتر بهم بعض أهل العلم فضلاَ عن العامة !!!
رابعاً : وقفة مع حكم – الاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام - ..
لقد كتب غير واحدٍ من أهل العلم في بيان بدعية هذا الأمر .. وبينوا فساد قول من دعا إليه وردوا عليهم ..
ولكن حتى لايظنٌ أحدٌ أنا لم نستطع بيان بطلانه .. أو الرد على الشبه التي ذكرها .. نذكر ذلك باختصار .. حتى لايطول المقام ..

فيقال هنا :

إن هذا الاحتفال بالمولد أمر مبتدع .. ويدل على بدعيته أدلة كثيرة منها
:
أولاً : نسأل الدكتور وغيره من الدعاة إلى هذا الأمر .. هل شرع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الاحتفال لأمته أو هو شيء محدث بعده ؟
الجواب هو أمر محدث ..
وقد قال صلى الله عليه وسلم : \" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد \" .
إن النبي صلى الله عليه وسلم يامعالي الدكتور هو صاحب الشأن .. وع ذلك لم يحتفل بمولده في حياته .. بل ولم يأمر بذلك أحدا من الناس .. وهو المبلغ للدين .. ولم يمت صلى الله عليه وسلم حتى أكمل الله به الدين، قال سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا ..
وأول من سنّ وابتدع هذا الاحتفال هم الرافضة ملوك الدولة الفاطمية .. تلك الدولة التي انتسبت كذبًا وزورًا إلى فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم .. ففي القرن الرابع الهجري ابتدع الخليفة الفاطمي المعز العبيدي فكرة الاحتفال بالمولد النبوي .. وأحدث مع المولد النبوي أربعة موالد أخرى: مولدًا لعلي .. وآخر لفاطمة .. وثالثا للحسن والحسين .. ورابعا لمن يحكم من العبيديين .. ثم توسعوا في إحداث الموالد والمناسبات البدعية الأخرى ..
والسؤال لماذا يحرص معالي الدكتور على أحيائه والدعوة إليه ..
ومن العجيب أن بعض زعماء الكفر من قادة الاستعمار كان حريصاً على أقامة هذه الموالد ؟!!
فقد جاء في كتاب [ مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس ] للمؤرخ الجبرتي ص 26 مانصه \" وفي يوم الثلاثاء 21 ربيع الثاني سنة 1213 عمل المولد الحسيني !! وكان العزم على تركه في هذا العام .. فقال بونابرته – يعني نابليون – ولماذا لم يعملوه ؟!! \" ..
فلماذا يهتم الكفار بمثل هذه الموالد ؟!!!
وأما قول الدكتور : [ خاصة وأنه -صلى الله عليه وسلم- قد اهتم بمولده واعتز به وبما كرمه الله فقال للصحابة عندما سألوه عن صيام يوم الاثنين (هذا يوم ولدت فيه).] …
فأقول هذه هي أعظم شبههم ..
والجواب عنها :
أنه لا وجه للاستدلال بذلك على أحياء المولد .. بل هو استدلال باطل من وجوه :
1- أن فهم مراد النبي صلى الله عليه وسلم لايكون إلا بفهم الصحابة لقوله وفعله .. وأصحابه رضوان الله عليهم لم يفهموا من حث على صيام هذا اليوم مافهمه الدعاة إلى الموالد .. ولأن من أراد اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم فليصم الاثنين من كل أسبوع .. أما إقامة احتفال في يوم واحد في العام ثأثرا باتجاهات منحرفة أرادت أن تحصر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاطلاع على سيرته مرة واحدة في العام ..
والإسلام لا يريد هذا من أتباعه .. بل يريد منهم فعل الطاعات دائما والسير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع كل أذان يرفع يشهد فيه أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ..
2- أين الدلالة في الحديث على تخصيص يوم من السنة يحتفل فيه بالمولد، وهل كل يوم فضيل أتى الخبرُ ينصُ عليه يُسن الاحتفال فيه ؟ بل على هذه القاعدة الباطلة سنحتفل بأيام كثيرة .. فهناك أيام فضيلة كثيرة فهل يسن فيها احتفال أيضاً كيوم الخميس .. ويوم النحر و القر مثلاً فقد قال صلى الله عليه وسلم : \" إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر \" .. أو أيام العشر من ذي الحجة أو ليلة القدر أو .......
3- أن يوم الثاني عشر من ربيع الذي يعظمه من يحتفل بالمولد لا يكون دائماً في كل سنة يوم الاثنين، وعليه يكون فعلهم هذا بخلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو والله عين المخالفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على يوم من الأسبوع بعينه هو يوم الاثنين وهم اتخذوا الثاني عشر من ربيع يوماً من السنة الذي يدور من الأسبوع دورته !! كذلك لم يعرف الصيام يوم الثاني عشر من ربيع لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره وهذا معناه أن السبب الداعي للصيام هو يوم الاثنين الذي اجتمعت فيه فضائل منها يوم مولده صلى الله عليه وسلم ومنها : أنه يوم ترفع الأعمال فيه كما جاء في حديث فسر فيه صلى الله عليه وسلم سبب صيامه له دون ذكر فضيلة أخرى فقال: { تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم }

ثانياً :
هل فعله صحابته وخلفاؤه الراشدون الذين لا يساويهم أحد في محبته صلى الله عليه وسلم ؟! وهل كانوا مقصرين في محبته حين لم يفعلوه ؟!
لا ؛ بل إنهم لم يفعلوه .. لأنه بدعة .. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن البدع ، وفعل البدعة معصية له صلى الله عليه وسلم ، يتناقض مع محبته .. ولأن محبته تقتضي متابعته وترك ما نهى عنه .. .
فيا معالي الدكتور ! كيف نعلم أولادنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ندعوهم لمخالفته بفعل البدع ؟ ! أليس هذا تناقضاً ؟ !
ليتك قلت : علموهم متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانهوهم عن مخالفته ، وألزموهم بطاعته ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم :
\" مُروا أولادكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع \" ..

ثالثاً : مما يدل على حرمة هذا الفعل .. أنه بالنظر إلى هذا الفعل وتنزيله على الأحكام التكليفية الخمسة ..
نجد أنه ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة المندوب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون -فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت ..
ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين.
فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً ...
لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملأى بآلات الباطل .. من الدفوف والشبابات واجتماع الرجال مع الشباب المرد .. والنساء الفاتنات .. والرقص بالتثني والانعطاف .. والاستغراق في اللهو والغناء والرقص .. والتطريب في الإنشاد .. والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد ..
وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان ..

رابعاً : مما يدل على بدعية هذا الأمر .. إن أصحاب هذه الموالد البدعية والمحتفلين بهذا اليوم يتشبهون من حيث لا يشعرون بأعداء الله النصارى، حيث كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى كما في الشام ومصر، يحتفل النصارى بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده وميلاد أسرته، فسرت تلك البدعة إلى المسلمين، قال الحافظ السخاوي رحمه الله تعالى: \"كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر\" اهـ. ولقد حذر النبي من التشبه بأعداء الدين فقال صلى الله عليه وسلم : ((من تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وحسنه ابن حجر رحمه الله ..

خامساً :
إن بدعة عيد المولد التي تقام في شهر ربيع الأول في الليلة الثانية عشرة منه ليس لها أساس من التاريخ؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلك الليلة، وقد اضطربت أقوال المؤرخين في ذلك، فبعضهم زعم أن ولادته في اليوم الثاني من الشهر، وبعضهم في الثامن، وبعضهم في التاسع، وبعضهم في العاشر، وبعضهم في الثاني عشر، وبعضهم في السابع عشر، وبعضهم في الثاني والعشرين، فهذه أقوال سبعة ليس لبعضهم ما يدل على رجحانه على الآخر، فيبقى تعيين مولده صلى الله عليه وسلم من الشهر مجهولا إلا أن بعض المعاصرين حقق أنه من اليوم التاسع ...
وهنا كلام مهم .. وتحليل مهم جداً .. للعلامة الشيخ سفر الحوالي شفاه الله :
أنقله بنصه لأهميته : يقول فيه : \" وهذه البدعة التي يسمونها المولد، عندما تتبعت كيف وجدت وكيف نشأت، تأكد لي أن أول من أوجدها هم العبيديون، الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين أتباع الدولة الفاطمية في مصر ، وهذه الدولة دولة يهودية أثبت ذلك علماء الإسلام، وتكلم علماء الإسلام والمؤرخون أنها يهودية ، القدماء منهم والمتأخرون، حتى من كان باطنياً على دينهم، ثم رجع عنه، وكتبهم الآن طبعت وحققت ولله الحمد.
فالذي حيَّرني في هذه المسألة أن هناك سراً، ولعل السر والله أعلم، أن مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير ثابت، ولا ندري في أي يوم ولد، وفي أي شهر، فقيل: إنه في ربيع، وقيل: إنه في رمضان، وقيل: في أول الشهر، وقيل في آخره، وكان العلماء كـابن عبد البر والمالكية يرجحون أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولد في رمضان، بدليل أن القرآن أنزل في رمضان، وهذا ثابت في القرآن، والقرآن أنزل عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تمام الأربعين سنة، ونحو ذلك من الأدلة، فوقت مولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير معروف.
فنحن لا نتكلم عن مناقشتهم بالأدلة، بل نحلل القضية بالتحليل التاريخي والعقلي، وما وراء هذه المسألة، فإذا كان مولده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير ثابت، مع أن وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثابتة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، فما الذي يتوقع من اليهود أن يفعلوه وهم أعداء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟!
فقد جعلوا تاريخ وفاته المؤكد أنه في الثاني عشر من ربيع الأول عيداً لهم، وموهوا على المسلمين؛ لأنهم كانوا يحكمونهم.
وكان المسلمون يعلمون أنهم كفرة، وأنهم زنادقة، وخاصة في مصر والمغرب لأنهم كانوا متضايقين منهم أشد الضيق، ولذلك عندما جاء صلاح الدين وقضى على دولتهم لم يبق في مصر والمغرب رافضي واحد ينتمي لهذه الدولة، من شدة ما كان الناس يكرهونها.
فكيف يستطيعون أن يهدموا ويفعلوا ويموهوا على هؤلاء الشعوب وعلى المسلمين، وأن يفعلوا احتفالاً بالوفاة، قالوا: احتفالاً بالمولد فجعلوه مولداً، يوقدون فيه الشموع، ويبسطون الموائد، وتأتي الخيول، وتقام المهرجانات والاحتفالات، وهناك يظهرون الفرح والابتهاج، لماذا تفرحون؟
قالوا: الناس يفرحون على أنه مولد، واليهود يفرحون على أنه موت.
وإن شئتم بعض الأدلة على ذلك، فإن محمد الفاتح ؛ عندما فتح القسطنطينية ، فإن أوروبا تألمت ألماً شديداً -اليهود والنصارى- وخاصة النصارى، تألموا جداً أن عاصمتهم تفتتح، فماذا عملوا؟
جعلوا يوم وفاة محمد الفاتح عيداً، يقدمون فيه الولائم في كل أوروبا ، ويجمعون الناس، ويذبحون الذبائح، ويبتهجون يوم وفاته.
وهذه من عادة أولئك القوم، فمن عادة اليهود والنصارى وبعض الشعوب أن تجعلوا يوم وفاة أكبر عدو لها عيداً تحتفل به وتبتهج، ومن هنا كان المولد أول من أحدثه: هم هؤلاء الزنادقة اليهود، وجعلوه عيداً واحتفالاً، لأنه يوافق موت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذا هو التحليل التاريخي، بغض النظر عما تعلمونه من أدلة ونصوص، فإن الإنسان لا يجوز له أن يحتفل بأية بدعة، وكفى في ذلك ما صح عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } أي: مردود على صاحبه غير مقبول، بل هو مأزور غير مأجور، وعليه إثم البدعة، وهذه الأحاديث والنصوص الكثيرة التي جعل الله التمسك بالسنة وترك البدعة أمراً.
إحدى وصايا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآيات العشر التي أنزلها عليه الله، قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153] وهي السنة، وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153] وهي البدعة فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] ومع هذا التأكيد إلا أن أهل الضلال والبدع لا يزالون في غيهم يعمهون.
حتى أنهم جعلوا عزاءهم يوم كربلاء ومولد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متشابه الكلام والأناشيد والنغمات، فمع اختلاف موضوعهما وكل منهما في جهة إلا أن أعداء الإسلام يقولون: هدمنا هؤلاء بالتشيع، فلنهدم هؤلاء بالتصوف والبدع، ولا يبقى للإسلام قائمة، هذه عقول تخطط وتعمل ليل نهار، يمكرون ويخططون، ويوحي بعضهم إلى بعضٍ من الجن والإنس، لكي يفسدوا هذا الدين، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يعلم ما يبيتون، وهو الذي يعلم ما يمكرون وما يخططون، ومن أجل ذلك بيَّن لنا الله المحجة البيضاء، وأوجب علينا سلوكها، لنجتنب أولئك ..
 

وكتبه /
عبد الله المعيدي
المدرس بالمعهد العلمي بحائل
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
والمستشار التربوي في برنامج التنمية الأسرية
www.mettleofmuslem.net

 

عبد الله المعيدي
  • مقالات ورسائل
  • بحوث ودراسات
  • الصائم العابد
  • الصفحة الرئيسية