اطبع هذه الصفحة


عيد الحب في الإسلام

د . عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
almoaede@hotmail.com


تعتبر الأعياد من شعائر الأديان، فمن دان بدين احتفل بأعياده، ولم يحتفل بأعيادِ سواه، واعلموا أن للانحراف طرقا وللضلال سبلاً، أخصرها موالاة الكفار، فإن كان للموالاة دليل، فدليله تقليدهم، فإن كان للتقليد عنوان، فعنوانه الاحتفال بأعيادهم.

ومن الأعياد المحرمة التي انتشرت في هذا الزمن، وتروّج له وسائل الأعلام ، مايعرف بعيد الحب، عيدٍ سموه بغير اسمه تدليسًا وتلبيسًا، سمّوه باسم شريف، ليروج على التقي النقي العفيف، سموه عيد الحب وهو في الحقيقة عيد الخنا والرذيلة والعهر، ينشرون الرذائل في أثواب الفضائل، وهذه سنة إبليسية قديمة، فضحها الله في كتابه، وكشف أمرها لعباده، فقال عن مكر إبليس بأبينا آدم وأمنا حواء: {
وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين  }

وقصة هذا العيد كما تقول كتب التاريخ : أن الرومان الوثنية كانت تحتفل في يوم 15 فبراير من كل عام، وكان هذا اليوم عندهم يوافق عطلة الربيع، وفي تلك الآونة والنصرانية في بداية دعوتها أصدر الإمبراطور كلايديس الثاني قرارا بمنع الزواج على الجنود، وكان رجل نصراني راهب يدعى فالنتاين تصدى لهذا القرار، فكان يبرم عقود الزواج خُفيةَ، فلما افتضح أمرُه حُكم عليه بالإعدام، وفي السجن وقع في حب ابنة السجّان، وكان هذا سرًّا لأنَّ شريعة النصارى تحرّم على القساوسة والرهبان الزواج وإقامة علاقات عاطفية، ولكن شفع له لديهم ثباتُه على النصرانية، حيث عرض عليه الإمبراطور أن يعفوَ عنه على أن يترك النصرانية ويعبُد آلهة الرومان، ويكون لديه من المقربين ويجعله صهراً له، إلا أنه رفض هذا العرض وآثر النصرانية، فأُعدم يوم 14 فبراير عام 270ميلادي ليلةَ 15 فبراير عيد الرومان، ومن ذلك الحين أطلق عليه لقب القديس. وبعدما انتشرت النصرانية في أوربا أصبح العيد يوم 14 فبراير،
وسمي بعيد القديس فالنتاين، إحياءً لذكراه، لأنه فدى النصرانية بروحه، وقام برعاية المحبين زعموا.

هذه هي قصة هذا العيد،
ومع ذلك وللأسف الشديد غُرِّر بكثير من الشباب والفتيات لضعف إيمانٍ من بعضهم وجهلِ وغفلة من آخرين، ونقص توجيهٍ وإرشادٍ من الدعاة الناصحين، غُرّر بهم فاغترّوا بهذا العيد، وراحوا يحتفلون به ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ومن مظاهر ذلك لبسُ الفساتين الحمراء، وانتشار الورود الحمراء، وتبادل التهاني والتحيات، والهدايا والبرقيات، وتذكر الزوجات والخليلات، بل عَدُّوا ذلك من علامات الإخلاص في الحب، وأن من لم يهنِّئ زوجته في ذلك اليوم، أو لم يهد لها هدية فليس بمخلص لها في حبها، فإلى الله المشتكى.

إنّ الاحتفال بهذا العيد من أعظم البدع الكفرية، وأنه محرّم في دين الإسلام، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم المعتبرين . ومن الإدلة على حرمة الإحتفال :

قوله لما جاء إلى المدينة ووجد أهلها يلعبون في يومين هما من أعياد الجاهلية: ((إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر))، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "استُنبِط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى".
وهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " .

ونحن أهل الإسلام لسنا بحاجة لعيد مثل هذا، ولاغيره؛ لأنّ الحب عند المسلمين معنى عظيمٌ شريف، يقول ابن القيم رحمه الله: " فبالمحبة وللمحبة وجدت الأرض والسموات، وعليها فطرت المخلوقات، ولها تحركت الأفلاك الدائرات، وبها وصلت الحركات إلى غاياتها، واتصلت بداياتها بنهاياتها، وبها ظفرت النفوس بمطالبها، وحصلت على نيل مآربها، وتخلصت من معاطبها، واتخذت إلى ربها سبيلاً، وكان لها دون غيره مأمولاً وسؤلا، وبها نالت الحياةَ الطيبة وذاقت طعم الإيمان لما رضيت بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم
رسولاً". انتهى كلامه رحمه الله.

ولقد ضرب قدوتنا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم
أروع الأمثلة للحب، فهذه الصديقة بنت الصديق تحكي لنا وفاءَه صلى الله عليه وسلم الصادق المستمر لخديجة صلى الله عليه وسلم فتقول: ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، هلكتْ قبل أن يتزوجني بثلاث سنين، لِما كنت أسمعه يذكرها، وفي لفظ: من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها ـ أي صديقاتها ـ منها ما يسعهن، هذا هو الحب الراسخ الذي يدل على صدقه العمل الصالح.

هذا من صور الحب في الإسلام .


أم هؤلاء الكفار فعجباً لهم، فعن أي دين يتحدثون، وأيُّ حبٍّ هذا الذي يحتفل به أعداء الإنسانية بل أعداء أنفسِهم؟ كم أبادوا من قرى، وقهروا من شعوب؟! كم نهبوا من أموال ودمَّروا من ممتلكات؟! اضطهدوا الإنسان باسم حقوق الإنسان، وقتلوا الأنفس باسم الدفاع عن النفس، أين حبُّ من يصنع أسلحة الدمار وعتاد الفساد، ثم يجرِّبها على أضعف العباد وأفقر البلاد؟! متى عرف الحبَّ من سفك دماء الأبرياء، ويتَّم الأطفال ورمَّل النساء، وأخذ البريء بجريرة المشبوه فضلا عن المسيء؟! إنه ما عرف العدل حتى يعرف الحب! كيف يُتَصوَّر حبٌ ممَّن خرق البنود والعقود، ونقض الوعود والعهود، وتجاوز المواثيق والأعراف
، متى علمتم –أيه الفضلاء- الوحشَ استأنس؟! وهل تلد الأفاعي إلا الأفاعي؟!

إنه مهما تكلم الضالون عن الحب فإن إجرامهم يفضحهم، ومهما مجَّدوه وعظَّموه فنحن أولاهم به،

سلوا المرأة في ديار الغرب، سلوها عن حياتها التعيسة، وعيشها المرير، إهانةٌ وإذلال، احتقارٌ واستغلال، لا يرحمها الزوج ولا الصديق، ولا الأخ ولا الرفيق، ولا الابن ولا اللصيق، إذا لم تُطعم نفسها بنفسها لم تَطعم، وإذا لم تؤمِّن لنفسها أسباب العيش وجدت نفسها ملقاة تحت جسر أو على قارعة الطريق، حقوقٌ مهضومة، وقوانين جائرة مشؤومة؟!!

فكيف يريد هؤلاء أن ينتجوا لنا حباً هم لم يجدوه بأنفسهم ؟!!

 

عبد الله المعيدي
  • مقالات ورسائل
  • بحوث ودراسات
  • الصائم العابد
  • الصفحة الرئيسية