روى مسلم في صحيحه : عن أبي سعيد
الخدري أن ناسا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل
نرى ربنا يوم القيامة؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم . قال : هل تضارون في رؤية الشمس
بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس
فيها سحاب ؟
قالوا : لا يا رسول الله.
قال : ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في
رؤية أحدهما .
إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان
يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ،
حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر
وفاجر وغبر أهل الكتاب فيدعى اليهود
فيقال لهم: ما كنتم تعبدون ؟
قالوا : كنا نعبد عزير ابن الله . فيقال : كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا
ولد فماذا تبغون؟ قالوا : عطشنا يا ربنا فاسقنا . فيشار إليهم ألا تردون
فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار .
ثم يدعى النصارى فيقال لهم : ما كنتم تعبدون ؟
قالوا : كنا نعبد المسيح ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة
ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون ؟
فيقولون : عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم
كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار.
حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى
من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه
وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال : فما تنتظرون تتبع كل أمة ما
كانت تعبد .
قالوا : يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم .
فيقول : أنا ربكم .
فيقولون : نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم
ليكاد أن ينقلب .
فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها ؟
فيقولون : نعم . فيكشف عن ساق ،
فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء
نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا
يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن
يسجد خر على قفاه .
ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال : أنا ربكم
فيقولون : أنت ربنا .
ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم .
قيل يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون
بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح
وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم .
حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة
لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار
يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون
ويحجون فيقال لهم أخرجوا من
عرفتم
فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى
ركبتيه . ثم يقولون : ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به
فيقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقا
كثيرا . ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا .
ثم يقول : ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون
خلقا كثيرا . ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا .
ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا
كثيرا . ثم يقولون : ربنا لم نذر فيها خيرا .
وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم "إن
الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما"
فيقول الله عز وجل :
شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض
قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط
قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما
تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون
إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض .
فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية .
قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة
هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة
بغير عمل عملوه ولا خير قدموه
ثم يقول : ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم .
فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين .
فيقول : لكم عندي أفضل من هذا .
فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا
فيقول : رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا ).
_____________
والحديث رواه البخاري ، وليس فيه
(فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط) .
ولفظه :
( ... فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد
تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون :
ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا فيقول الله تعالى :
اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ويحرم الله صورهم على
النار فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من
عرفوا
ثم يعودون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه فيخرجون
من عرفوا
ثم يعودون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه
فيخرجون من عرفوا قال أبو سعيد فإن لم تصدقوني فاقرءوا " إن الله لا يظلم
مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها"
فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون.
فيقول الجبار : بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا
فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت
الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة فما كان
إلى الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم
اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة
هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل
عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما
رأيتم ومثله معه ).
وجه الدلالة :
هذا الحديث استدل به الزهرني
في ضبط الضوابط ص 64 ، والعنبري في أصل كتابه ص 210 ، وعدنان عبد القادر في
حقيقة الإيمان ص 61، وقد سبقهم إلى ذلك الشيخ الألباني رحمه الله .
قال عندنان عبد القادر في كتابه ص 74 ( الحديث قطعي الدلالة على كونهم لم
يعملوا أي عمل بالجوارح ).
ونقل العنبري عن الشيخ الألباني قوله : ( وعلى ذلك فالحديث دليل قاطع على أن
تارك الصلاة – قال العنبري في الهامش : وغيرها من مباني الإسلام العملية
بطريق الأولى – إذا مات مسلما يشهد أن لا إله إلا الله أنه لا يخلد في النار
مع المشركين ، ففيه دليل قوي جدا أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله " إن
الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". فهذا نص قاطع في
المسألة ينبغي أن يزول به النزاع في هذه المسألة بين أهل العلم الذين تجمعهم
العقيدة الواحدة التي منها عدم تكفير أهل الكبائر من الأمة المحمدية ) نقله
العنبري عن حكم تارك الصلاة 27- 37 باختصار.
وقال الزهراني ص 65
( فانظر إلى هذه الصورة المشرقة لرحمة الله تعالى ، وإلى التدرج في إخراج
العصاة من النار ابتداء بأهل العمل الظاهر من صلاة وصوم وحج ، حتى من ليس
معهم إلا كلمة التوحيد دون عمل عملوه .
وهذا التدرج يجعل من الحديث نصا في
محل النزاع ، فإن هذا التنويع
والتقسيم في درجات المؤمنين يمتنع معه أن يكون المراد من قوله " بغير عمل
عملوه " أي غير الصلاة كما يقول البعض .
أولا : لأن أهل الصلاة ذكروا ضمن الفوج الأول.
وثانيا : لأنه لا يليق أن يطلق على من معه هذه الشعيرة العظيمة تعبير : لم
يعمل خيرا قط ، ولا أن يكون المراد به أنهم ما عملوا إلا أعمالا يسيرة ، لأن
التقسيم كما قلنا يمنعه ، ولأن هذا يكفي في الدلالة عليه التعابير التي قبله
كقوله " مثقال ذرة من خير") انتهى كلام الزهراني.
والجواب على استدلالهم من سبعة أوجه :
الوجه الأول :
أن هذا الحديث لا يمكن الأخذ بظاهره
والاكتفاء به دون تقييده بالأدلة الأخرى .
وبيان ذلك : أن التدرج المذكور في الحديث :
فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه
فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه
فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه
ثم قول الملائكة بعد ذلك : ربنا لم نذر فيها خيرا .
ثم قول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا
أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط
هذا التدرج يدل بظاهره على أن هؤلاء ليسوا من أهل التوحيد .
فليس معهم شيء من إيمان القلب ، ولا مثقال ذرة من خير.
ولم يعملوا خيرا قط ، لا من أعمال الجوارح ولا من أعمال القلوب ، كما يفيده
هذا النفي.
ولم يذكر في الحديث أنهم قالوا : لا إله إلا الله .
ولهذا احتج به بعض أهل البدع في تجويز إخراج غير المؤمنين من النار.
قال الحافظ في الفتح ( 13/438) :
( تنبيه : قرأت في تنقيح الزركشي : وقع هنا في حديث أبي سعيد بعد شفاعة
الأنبياء ، فيقول الله : بقيت شفاعتي فيخرج من النار من لم يعمل خيرا.
وتمسك به بعضهم في تجويز إخراج غير
المؤمنين من النار .
ورد بوجهين : أحدهما : أن هذه الزيادة
ضعيفة لأنها غير متصلة كما قال عبد الحق في الجمع .
والثاني : أن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين ، كما
تدل عليه بقية الأحاديث .
هكذا قال ، والوجه الأول غلط منه فإن الرواية متصلة هنا ، وأما نسبة ذلك لعبد
الحق فغلط على غلط لأنه لم يقله إلا في طريق أخرى وقع فيها : أخرجوا من كان
في قلبه مثقال حبة من خردل من خير ... ) . انتهى كلام الحافظ .
وقد نسب الشيخ الالباني رحمه الله هذا ( الوجه الثاني ) إلى الحافظ ابن حجر ،
ولم ينبه على أنه كلام الزركشي .
وارتضى هذا الجواب ، ومثل للأحاديث المشار إليها في كلام الزركشي بحديث أنس
الطويل في الشفاعة . ويأتي .
وقولهم : إن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين .
قد يفهم منه اشتراط التصديق وعمل القلب ، وقد ينازع في هذا الفهم
ولهذا كان أجود منه قول الطيبي : ( هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار
شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة ، غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق
والإقرار ، بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان ،
وهو على وجهين : أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس ، لأن تضافر الأدلة
أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه.
والثاني : أن يراد العمل ، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل ، وينصر هذا الوجه
قوله في حديث أبي سعيد " لم يعملوا خيرا قط " ) انتهى كلام الطيبي .
والحاصل أن ظاهر الحديث مشكل ، وأنه لا يمكن القول به إلا مع مراعاة الأدلة
الأخرى . وهذا هو الوجه الثاني .
الوجه الثاني :
أن المخالف إن قال : بل هؤلاء الذين
لم يعملوا خيرا قط ، معهم الإقرار والتصديق وعمل القلب .
قيل له : من أين لك هذا ، ولا وجود له في الحديث ، لا سيما مع " التدرج "
الذي تحتج به ؟
فإن قال : أثبت هذا من النصوص الأخرى التي تشترط – للنجاة – قول لا إله إلا
الله ، بصدق ويقين وإخلاص .
قيل له : ونحن نثبت وجود عمل الجوارح ، لا سيما الصلاة ، من النصوص الأخرى ،
كما يأتي بيانه .
وحسبك أن تعلم - مما قدمت- مقدار ((الدعوى)) بأن الحديث " دليل قاطع " و " نص
في محل النزاع " و " قطعي الدلالة على كونهم لم يعملوا أي عمل بالجوارح " !!!
الوجه الثالث :
أنا نقول : قد دلت النصوص الأخرى على
أن هؤلاء القوم من أهل الصلاة . وبيان ذلك بأمور :
أولا :
أن هذا الحديث – حديث أبي سعيد – دل على أنه
لا نجاة إلا لأهل السجود والصلاة .
فإذا تساقط في النار عباد الاشجار والأحجار والطواغيت ، بقي من كان يعبد الله
من بر وفاجر ، وغبر أهل الكتاب .
وحين يساق اليهود والنصارى إلى النار ، لا يبقى إلا من كان يسجد لله ، إخلاصا
أو نفاقا ورياء .
" . فيكشف عن ساق ، فلا يبقى من كان
يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء
ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه"
.
فقد آل أمر الناس كلهم إلى هذين الفريقين .
ثم تنطفيء أنوار المنافقين ، ويضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب ، باطنه
في الرحمة وظاهره من قبله العذاب .
فيهلك المنافقون ، ويبقى المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله في الدنيا من تلقاء
أنفسهم .
فلا أعجب ممن يستدل بآخر الحديث وينسى أوله !
ثانيا :
قد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن آخر فئة تخرج من النار ، بعد أن
يفرغ الله من القضاء بين العباد ، تعرفهم الملائكة بآثار السجود .
عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن ناسا قالوا لرسول الله صلى
الله عليه وسلم يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
وفيه :
حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل
النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا
ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا
إله إلا الله فيعرفونهم في النار
يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على
النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء
الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله تعالى من
القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولا
الجنة فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار ..." الحديث .
قال عطاء بن يزيد : وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا
حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك الرجل ومثله معه قال أبو سعيد وعشرة
أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه
قال أبو سعيد أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ذلك لك
وعشرة أمثاله قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة ).
وقد جاء هذا الحديث عن ابي هريرة من طريق : عطاء بن يزيد اليثي وسعيد بن
المسيب .
وعطاء هو الراوي عن أبي سعيد حديث " لم يعملوا خيرا قط " .
والذي يدل على أن هؤلاء الذين تعرفهم الملائكة بآثار السجود ، هم الجهنميون :
قوله (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد
من أهل النار ).
وهذا مثل قوله في حديث جابر عند أحمد : ( ثم يقول الله عز وجل :
أنا الآن أخرج بعلمي ورحمتي قال فيخرج أضعاف ما أخرجوا وأضعافه فيكتب في
رقابهم عتقاء الله عز وجل ثم يدخلون الجنة فيسمون فيها الجهنميين).
فهؤلاء الجهنميون يخرجهم الله تعالى ( برحمته ) كما في حديث أبي هريرة .
و ( بعلمه ورحمته ) كما في حديث جابر ، وليس بشفاعة أحد .
ويدل على ذلك أيضا : اتفاق صفتهم
وحالهم .
ففي حديث ابي سعيد : عند مسلم (فيخرج
منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة
يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون
إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى
الظل يكون أبيض ).
وعند البخاري : (النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة
يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد
رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة فما كان إلى الشمس منها كان أخضر
وما كان منها إلى الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ فيجعل في رقابهم
الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة
بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ).
وهي نفس الصفة الواردة في حديث أبي هريرة : (أمر الملائكة أن يخرجوا من النار
من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد
الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله
فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود
تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود
فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت
الحبة في حميل السيل).
الوجه الرابع :
أن قوله " لم يعملوا خيرا قط " ليس
المراد منه نفي جميع العمل ، بل جاء إطلاق هذه العبارة في النصوص مع إثبات
العمل ، وقد وقع هذا في حديث الشفاعة وفي غيره .
1-
ففي رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق لحديث
الرؤية والشفاعة:
(ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون .
ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي و معه العصابة و النبي معه الخمسة و
الستة و النبي ليس معه أحد.
ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال فإذا فعلت الشهداء ذلك قال:
فيقول الله عز و جل أنا ارحم الراحمين
ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا
قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز و جل:
انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد
عمل خيرا قط ؟
قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له : هل عملت خيرا قط ؟
فيقول: لا غير إني كنت أسامح الناس في
البيع .
فيقول الله عز و جل اسمحوا لعبدي بسماحته إلى عبيدي
ثم يخرجون من النار رجلا يقول له هل
عملت خيرا قط ؟
فيقول: لا غير إني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني في النار ثم اطحنوني حتى إذا
كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر على رب
العالمين أبدا .
فقال الله عز و جل له لم فعلت ذلك؟
قال من مخافتك.
قال فيقول الله عز و جل: انظر إلى ملك اعظم ملك فان لك مثله و عشرة أمثاله
قال فيقول أتسخربي و أنت الملك).
الحديث رواه أحمد وابن أبي عاصم في السنة برقم 751 ، 812 وحسن إسناده الشيخ
الألباني ، وقال : وأخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة وابن حبان من طرق أخرى عن
النضر به . وقال ابن حبان :
قال إسحاق ( هو ابن راهوية الإمام) : هذا من أشرف الحديث".
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/374-375 : رواه أحمد وأبو يعلى والبزار
ورجالهم ثقات ) انتهى كلام الألباني.
وقال محقق معرج القبول 1/308 ( وقد صحح الحديث جماعة منهم : إسحاق بن راهوية
وابن حبان والهيثمي وأحمد شاكر وناصر الألباني ).
2-
أنه جاء في رواية أنس ، عند أحمد وابن مندة أن هؤلاء الجهنميين كانوا يعبدون
الله ولا يشركون به شيئا في الدنيا :
قال الإمام أحمد :
حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد يعني ابن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي
يوم القيامة ولا فخر وأعطى لواء الحمد ولا فخر وأنا سيد الناس يوم القيامة
ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر وإني آتي باب الجنة فآخذ
بحلقتها فيقولون من هذا فيقول أنا محمد فيفتحون لي فأدخل فإذا الجبار عز وجل
مستقبلي فأسجد له فيقول ارفع رأسك يا محمد وتكلم يسمع منك وقل يقبل منك واشفع
تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي أمتي يا رب فيقول اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه
مثقال حبة من شعير من الإيمان
فأدخله الجنة فأقبل فمن وجدت في قلبه ذلك فأدخله الجنة فإذا الجبار عز وجل
مستقبلي فأسجد له فيقول ارفع رأسك يا محمد وتكلم يسمع منك وقل يقبل منك واشفع
تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي أمتي أي رب فيقول اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه
نصف حبة من شعير من الإيمان
فأدخلهم الجنة فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلهم الجنة فإذا الجبار عز
وجل مستقبلي فأسجد له فيقول ارفع رأسك يا محمد وتكلم يسمع منك وقل يقبل منك
واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي أمتي فيقول اذهب إلى أمتك فمن وجدت في قلبه
مثقال حبة من خردل من الإيمان
فأدخله الجنة فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة .
وفرغ الله من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار
فيقول أهل النار ما أغنى عنكم أنكم
كنتم تعبدون الله عز وجل لا تشركون به شيئا
فيقول الجبار عز وجل فبعزتي لأعتقنهم
من النار، فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون
فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل ويكتب بين أعينهم
هؤلاء عتقاء الله عز وجل
فيذهب بهم فيدخلون الجنة فيقول لهم أهل الجنة هؤلاء
الجهنميون
فيقول الجبار بل هؤلاء عتقاء الجبار عز وجل ).
قال الإمام ابن مندة في الإيمان 3/826
( هذا حديث صحيح مشهور عن ابن الهاد ).
وقال الشيخ الأباني في تحقيق السنة لابن أبي عاصم ص 393
( أخرجه أحمد والدارمي وابن خزيمة في التوحيد . قلت : وسندهم صحيح على شرط
الشيخين ، وله طريق أخرى عن انس بنحوه رواه الطبراني كما في تفسير ابن كثير
).
وقال الحافظ في الفتح 11/463
(ووقع في رواية عمرو بن أبي عمرو عن أنس عند النسائي ذكر سبب آخر لإخراج
الموحدين من النار ولفظه " وفرغ من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع
أهل النار , فيقول أهل النار : ما أغنى عنكم أنكم كنتم
تعبدون الله
لا تشركون به شيئا , فيقول الجبار : فبعزتي
لأعتقنهم من النار , فيرسل إليهم فيخرجون " .
وفي حديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم
والبزار رفعه " وإذا اجتمع أهل النار
في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار : ألم تكونوا
مسلمين ؟ قالوا : بلى . قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في
النار ؟ فقالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها , فيأمر الله من كان من أهل
القبلة فأخرجوا . فقال الكفار : يا ليتنا كنا مسلمين " وفي الباب عن جابر وقد
تقدم في الباب الذي قبله . وعن أبي سعيد الخدري عند ابن مردويه).
قلت : وحديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم صححه الشيخ الألباني ( رقم 843).
فهؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن : يعبدون الله ، ومن أهل القبلة . فكيف يظن
أنهم لم يعملوا شيئا من أعمال الجوارح ؟!
3-
ومن ذلك أيضا – أي إطلاق عبارة : لم يعملوا
خيرا قط ، على أناس ثبت لهم العمل - :
ما رواه أحمد و النسائي :
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( إن رجلا لم يعمل خيرا قط
وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله
تعالى أن يتجاوز عنا فلما هلك قال الله عز وجل له : هل عملت خيرا قط ؟ قال لا
إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس
فإذا بعثته ليتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز
عنا قال الله تعالى قد تجاوزت عنك ).
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يعمل خيرا قط ، ثم أثبت له عملا
صالحا هو تجاوزه عن المعسرين ، وأمره لغلامه بذلك .
وهذا يؤكد ما سيأتي عن ابن خزيمة في معنى قول العرب : لم يعمل خيرا قط.
4-
حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا : وهو في الصحيحين .
وقد جاء فيه – كما في رواية مسلم – أن
ملائكة العذاب تقول : إنه لم يعمل خيرا قط .
وأن ملائكة الرحمة تقول : جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله.
والملائكة جميعهم صادقون في وصفهم للرجل ، فهم لا يكذبون ولا يعصون .
فعلم بهذا أنه قد يقال عن رجل : لم يعمل خيرا قط ، مع تلبسه ببعض الأعمال
الصالحة . ويكون المراد بالنفي أنه لم يأت بكمال العمل الواجب .
(ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون
الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء
فانطلق حتى إذا نصف الطريق
أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة
جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله
وقالت ملائكة العذاب
إنه لم يعمل خيرا قط
فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما
كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة
الرحمة. قال قتادة فقال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت
نأى بصدره
).
فهذا السير والانطلاق ، ثم النأي بالصدر أليس عملا صالحا من أعمال الجوارح ؟!
5 -
ولهذا قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في كتاب التوحيد 2/732
( هذه اللفظة " لم يعملوا خيراً قط "
من الجنس الذي تقول العرب: ينفى الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام،
فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل : لم يعملوا خيراً قط على التمام والكمال، لا
على ما أوجب عليه وأمر به ، وقد بينت هذا المعنى في مواضع من كتبي ".
الوجه الخامس :
أني قدمت في الجواب الإجمالي – نقلا
عن الدكتور عبد الله القرني - :
(ضرورة أن يكون القول في أي مسألة مبنيا على النظر في جميع النصوص الواردة
فيها ، والنظر في مجموع تلك النصوص وفق القواعد المقررة في أصول الفقه ، بحيث
يتميز المطلق من المقيد والعام من الخاص ونحو ذلك ، مع الجزم بأن ما ذهب إليه
السلف في فهم تلك النصوص والجمع بينها هو الحق.
فلا يصح مثلا الحكم بأن حديث الشفاعة الوارد في الجهنميين نص في أن العمل
كمالي للإيمان ، لما ورد فيه من أنهم دخلوا الجنة مع أنهم لم يعملوا خيرا قط
، مع أن السلف قد أجمعوا على أن العمل من الإيمان ، وأنه شرط للنجاة من عذاب
الكفار ، ولم يشكل هذا الحديث على ما ذهبوا إليه ، بل فهموه بما يتفق مع ذلك
الأصل ).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل هناك تعارض بين أدلة تكفير تارك الصلاة ، وحديث " لم يعملوا خيرا قط " ؟
فأجاب : لا تعارض بينهما ، فهذا عام ، يخصص بأدلة تكفير تارك الصلاة . ( لقاء
مسجل مع وزارة الأوقاف القطرية عبر الهاتف ) . وسأنقل لفظه عند ذكري أقوال
العلماء المعاصرين إن شاء الله [ وهو موجود في مجموع فتاوى الشيخ أيضا ].
وهذا القول من الشيخ رحمه الله يؤكد صحة ما أثبته آنفا من كون هؤلاء
الجهنميين من أهل الصلاة .
فإن قال الزهراني أو غيره : إنه لا يليق أن يطلق على من معه هذه الشعيرة
العظيمة : لم يعمل خيرا قط .
قيل له : وهل يليق أن يطلق على من معه عمل القلب ( من الإخلاص واليقين والصدق
والخشية ) لم يعمل خيرا قط ؟!
الوجه السادس :
أن من أهل العلم من رأى حمل هذا
الحديث على حالة خاصة تلائم النصوص المحكمة وما أجمع عليه السلف الصالح من أن
الإيمان قول وعمل .
وهذا ما ذهبت إليه اللجنة الدائمة في فتواها المفصلة عن الإرجاء ( فتوى رقم
21436 وتاريخ 8/4/1421 ه
حيث جاء فيها : ( وأما ما جاء في الحديث إن قوما يدخلون الجنة لم يعملوا خيرا
قط ، فليس هو عاما لكل من ترك العمل
وهو يقدر عليه ، وإنما هو خاص بأولئك
لعذر منعهم من العمل ، أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة ،
وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب ).
الوجه السابع والأخير :
أن من أهل العلم من قال : إن هذا
الحديث من المشتبه الذي يتعين رده إلى المحكم.
ولعل ما يؤيد هذا القول مخالفة حديث أبي سعيد لغيره من الأحاديث الصحيحة
الثابتة المبينة للشفاعة ،
ومنها حديث أبي هريرة في الصحيحين ، الذي يرويه عنه عطاء بن يزيد و سعيد بن
المسيب . وعطاء – كما سبق – هو الراوي عن أبي سعيد أيضا ، وقد أخبر أن أبا
سعيد " لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة أن الله قال لذلك
الرجل ومثله معه قال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة ".
وأهم ما وقعت فيه المخالفة – غير قوله " لم يعملوا خيرا قط " – أمران :
الأول :
أن حديث أبي سعيد يصرح بأن الجهنميين
يخرجون بقبضة الله عز وجل
(فيقبض قبضة من النار).
وهذا مخالف لرواية أبي بكر الصديق وأنس وأبي موسى وأبي هريرة .
ففي رواية أبي بكر الصديق : أدخلوا جنتي
وفي رواية أنس : ، فيرسل إليهم فيخرجون
وفي رواية أبي موسى : فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا
وفي رواية أبي هريرة : أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله
شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله.
ورواية أبي بكر وانس وأبي موسى لا شك أنها في الجهنميين .
والمخالف قد ينازع في رواية أبي هريرة لأن فيها التصريح بأن الملائكة تعرفهم
بآثار السجود .
وقد يتكيء المخالف على أن حديث أبي هريرة لم يذكر القبضة ، وإنما ذكر إخراج
الملائكة لهم ، وحينئذ يقال له : ما كان جوابا لك على حديث أبي بكر وأنس وأبي
موسى ، فهو جوابنا على حديث أبي هريرة .
وهذه ألفاظ الروايات ، وقد سبقت أثناء
البحث :
1-
رواية حذيفة عن أبي بكر الصديق ( ... ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون .
ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي و معه العصابة و النبي معه الخمسة و
الستة و النبي ليس معه أحد. ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال
فإذا فعلت الشهداء ذلك قال:
فيقول الله عز و جل أنا ارحم الراحمين أدخلوا
جنتي من كان لا يشرك بي شيئا
قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز و جل:
انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط ؟
قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له : هل عملت خيرا قط ؟ ) الحديث.
2-
وفي حديث أنس عند أحمد وابن مندة:
(فيقول الجبار عز وجل فبعزتي لأعتقنهم من النار،
فيرسل إليهم فيخرجون
وقد امتحشوا فيدخلون في نهر الحياة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل
ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله عز
وجل فيذهب بهم فيدخلون الجنة فيقول
لهم أهل الجنة هؤلاء الجهنميون
فيقول الجبار بل هؤلاء عتقاء الجبار عز وجل ).
3-
وفي حديث أبي موسى عند ابن أبي عاصم – وهو صحيح كما سبق –
فيأمر الله من كان من أهل القبلة
فأخرجوا . فقال الكفار : يا ليتنا كنا
مسلمين).
4-
وفي حديث أبي هريرة : ( أمر الملائكة
أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك
بالله شيئا ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم
في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود حرم
الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم
ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل).
الأمر الثاني :
أن ظاهر حديث أبي سعيد أن الجهنميين ،
يخرجون برحمة الله تعالى لا بشفاعة أحد من الأنبياء أو الملائكة :
(فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون.
فيقول الجبار : بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا...)
الحديث .
وهذا موافق لرواية الحسن البصري عن أنس لحديث الشفاعة وهو في الصحيحين : وهذا
لفظ مسلم :
وفيه أن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : (انطلق فمن كان في قلبه
مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه ...
فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها...
فيقال لي انطلق فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من
إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل )
( ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لي
يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع
فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله
إلا الله . قال ليس ذاك لك أو قال ليس ذاك إليك
ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن
من قال لا إله إلا الله قال فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن
مالك أراه قال قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع).
فظاهر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع في الجهنميين .
قال النووي : (. وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ائذن لي فيمن قال لا إله إلا
الله , قال : ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن
من قال لا إله إلا الله ) معناه :
لأتفضلن عليهم بإخراجهم من غير شفاعة , كما تقدم في الحديث السابق ( شفعت
الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين
) ) انتهى.
لكن هذا يشكل عليه ما جاء في صحيح البخاري وسنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة
وأحمد من أن الجهنميين يخرجون بشفاعة
النبي صلى الله عليه وسلم :
فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يخرج
قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيدخلون الجنة ، يُسمون
الجهنميين). ( البخاري حديث رقم 6566).
قال الحافظ في الفتح ( 11/437) :
( قوله ( فيسميهم أهل الجنة الجهنميين ) سيأتي في الثامن عشر من هذا الباب من
حديث عمران بن حصين بلفظ " يخرج قوم
من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة ويسمون الجهنميين
, وثبتت هذه الزيادة في رواية حميد عن أنس عند المصنف في التوحيد ,
وزاد جابر في حديثه " فيكتب في رقابهم : عتقاء الله , فيسمون فيها الجهنميين
"
أخرجه ابن حبان والبيهقي وأصله في مسلم .
وللنسائي من رواية عمرو بن عمرو عن أنس " فيقول لهم أهل الجنة : هؤلاء
الجهنميون , فيقول الله هؤلاء عتقاء الله " وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي
سعيد وزاد " فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم ").
وقال الحافظ قال الحافظ في الفتح ( 11/436) :
( وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل
الجنة ...
وشفاعة أخرى هي شفاعته فيمن قال : لا
إله إلا الله ولم يعمل خيرا قط ،
ومستندها رواية الحسن عن أنس كما سيأتي بيانه في شرح الباب الذي يليه ، ولا
يمنع من عدها قول الله تعالى له " ليس ذلك إليك "
لأن المنفي يتعلق بمباشرة الإخراج ، وإلا فنفس الشفاعة منه قد صدرت ، وقبولها
قد وقع وترتب عليها أثرها ). انتهى .
وقال الحافظ في ( 11/464) :
( قال البيضاوي : وقوله " ليس ذلك لك " أي أنا أفعل ذلك تعظيما لاسمي وإجلالا
لتوحيدي ، وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة الآتي " أسعد الناس بشفاعتي من قال
لا إله إلا الله مخلصا . قال : ويحتمل أن يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام
آخر.
قال الطيبي : إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة ، وما يختص
برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع.
قلت [ ابن حجر ] : ويحتمل وجها آخر ، وهو أن المراد بقوله " ليس ذلك لك "
مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة ،
وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في المذكورين
، فأجيب إلى أصل الإخراج ، ومنع من مباشرته ، فنسبت إلى شفاعته في حديث "
أسعد الناس " لكونه ابتدأ بطلب ذلك ، والعلم عند الله تعالى ). انتهى كلام
الحافظ.
وبعد .. فهذه سبعة أوجه في الجواب عن
استدلالهم بهذا الحديث ، وحاصلها يرجع إلى ثلاثة أمور:
1-
أن هذا الحديث لا يفهم إلا في ضوء الأحاديث الأخرى المقيدة والمبينة له .
2-
إثبات أن هؤلاء من أهل الصلاة ، فيكون الحديث خارجا عن محل النزاع الذي هو
ترك عمل الجوارح بالكلية .
3-
أو حمل هذا الحديث على حالة خاصة لا تعارض ما أجمع عليه السلف من أن الإيمان
قول وعمل ، وأنه لا يجزئ قول بلا عمل . والله أعلم .