( تعظيم قدر الصلاة 2/713)
( فقد كان يحق عليهم أن ينزلوا المؤمن
بهذه المنزلة فيشهدوا له بالإيمان إذ أتى بإقرار القلب واللسان ، ويشهدوا له
بالزيادة كلما ازداد عملا من الأعمال التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم
شعبا للإيمان ، وكان كلما ضيع منها شعبة علموا أنه من الكمال أنقص من غيره
ممن قام بها
فلا يزيلوا عنه اسم الإيمان حتى يزول
الأصل ) .
والجواب :
أن هذا داخل في قولي : (الثالث
: أن يكون قولا نتفق نحن والمخالف على خطئه ، فلا يجوز له الاحتجاج به .)
فالمخالف يصرح بأن في زوال عمل القلب ذهاب الإيمان .
وكلام المروزي هنا مصرح بأنه لا يزول اسم الإيمان حتى يزول الأصل الذي هو
الإقرار بالقلب واللسان كما ذكر في مواضع من كتابه.
وأقول : لقد اضطررت لقراءة كتاب المروزي كله للوقوف على مراده بأصل الإيمان ،
وعلى منزلة عمل القلب عنده ، وأحب أن أسجل هنا :
أنه ليس من موضع يمكن أن يحتج به على إسلام تارك عمل الجوارح ، إلا ويحتج به
أيضا على نجاة تارك عمل القلب .
وقد سبقت الإشارة إلى أن المروزي رحمه الله يرى كفر تارك الصلاة ، فلا يمكن
أن ينسب له نجاة تارك عمل الجوارح بالكلية ، وينبغي أن يفهم في ضوء هذا
تعبيره بالأصل والفرع .
وقد قال في مناقشته للمرجئة حول الإقرار والمعرفة : 2/778
( وقيل لهم : إبليس إنما كفر بترك الفرع ، ولم تنفعه المعرفة ، وليس القول من
المعرفة في شيئ ، لأنه فرع مضاف إليها بالاسم ، لا من جنسها ، وإنما الإقرار
باللسان يكون عنها ، وليس هو بها ، ولا من جنسها ؛ لأن الأصوات والحروف
والحركات ليست من جنس الضمير في شيء .
وإن كان الإيمان لا يتم إلا بفرع عن المعرفة ، وليس من جنسها ، فما أنكرتم
على من زعم أن الإيمان لا يتم إلا بالصلاة ، وليست هي من جنس المعرفة ، ولكن
عنها يكون).
وتكفير المروزي لتارك الصلاة ، انظره في ( 1/132، 133 ، 2/925 ، 1002 ، 1009
) وغيرها ، وانظر مقدمة الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله.
فإن قيل :
سلمنا بأن المروزي لا يقول بما ذهبنا إليه من نجاة تارك عمل الجوارح بالكلية
، لمنافاته لمذهبه في ترك الصلاة ، لكنا نقول : إن هذا مذهب طائفة من أهل
الحديث على ما نقله المروزي عنهم .
فالجواب :
أن المروزي نقل عن طائفة من أهل الحديث ما يؤيد مذهبكم ، لكن اتفقنا وإياكم
على بطلان كلامهم لتضمنه الحكم بنجاة تارك عمل القلب أيضا ، كما سبق.
وقد نقل المروزي عن طائفة أخرى أن العمل تحقيق للتصديق ، وأن من تركه كان كمن
جحده معنى .
قال المروزي حكاية لقولهم : ( 2/516)
( والإيمان أصله التصديق والإقرار ، يُنتظر به حقائق الأداء لما أقر والتحقيق
لما صدق.
ومثل ذلك كمثل رجلين عليهما حق لرجل ، فسأل أحدهما حقه ، فقال : ليس لك عندي
حق ، فأنكر وجحد ، فلم تبق له منزلة يحقق بها ما قال إذ جحد وأنر [ وأنكر]
وسأل الآخر حقه فقال : نعم لك علي كذا وكذا
فليس إقراره بالذي يصل إليه بذلك حقه دون أن يوفيه ، وهو منتظر له أن يحقق ما
قال إلا بأدائه ، ويصدق إقراره بالوفاء.
ولو أقر ثم لم يؤد إليه حقه كان كمن
جحده في المعنى ؛ إذ استويا في الترك
للأداء ، فتحقيق ما قال أن يؤدي إليه حقه ، فإن أدى جزءا منه حقق بعض ما قال
ووفى ببعض ما أقر به . وكلما أدى جزءا ازداد تحقيقا لما أقر به ، وعلى المؤمن
الأداء أبدا لما أقر به حتى يموت ، فمن ثم قلنا : مؤمن إن شاء الله ، ولم يقل
: كافر إن شاء الله).
ونقل عن جماعة من أهل السنة قولهم : ( 2/696 )
( فشهد على قلوبهم [ بعض اليهود ] بأنها عارفة عالمة بالنبي صلى الله عليه
وسلم ، قال : وما أنزل إليه أنه الحق من عند الله ثم أكفرهم مع ذلك ، ولم
يوجب لهم اسم الإيمان بمعرفتهم وعلمهم بالحق إذ لم يقارن معرفتهم التصديق
والخضوع لله ولرسوله بالتصديق له ، والطاعة ،
لأن من صدق قلبه ، ومن خضع قلبه أقر ، وصدق
بلسانه وأطاع بجوارحه ).
والله أعلم