اعتقاد أهل السنة والجماعة أن كلام
الله مؤلف من الحروف ، وأنه بصوت يسمع ، وأنه يتكلم بما شاء إذا شاء .
أولا : إثبات أن كلام الله بحرف :
وهذا لا ينازع فيه إلا من يقول : إن
القرآن بألفاظه وحروفه ليس كلام الله على الحقيقة وإنه مخلوق .
أما من اعتقد أنه كلام الله غير مخلوق : فإنه يثبت الحرف ، لاشتمال هذا
القرآن على الحروف .
وفي صحيح مسلم في فضل سورة الفاتحة وخواتيم البقرة " لن تقرأ بحرف منهما إلا
أعطيته ".
وفي الحديث المشهور " لا أقول : الم حرف ، ولكن : الف حرف ولام حرف وميم حرف
.
ثانيا : إثبات أن الله يتكلم ، وكلامه
بصوت يسمع ، سمعه جبريل ، وآدم وموسى ومحمد عليهم السلام ويسمعه أهل الجنة :
وهذا مما يعتقده أهل السنة لثبوته بالكتاب والسنة .
وهذه بعض الأدلة :
1- قال الله تعالى لموسى عليه السلام
: " فاستمع لما يوحى . إنني أنا الله لا اله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة
لذكري " .
فدل على أن موسى سمع كلام الله تعالى ، ولو كان ألقي في قلبه إلهاما لما كان
فرق بين وموسى وغيره ، ولما سمي بالكليم .
2- ألفاظ النداء في القرآن والسنة .
والنداء في لغة العرب لا يكون إلا
بالصوت .
قال شيخ الإسلام (6/35 )
" النداء في لغة العرب هو صوت رفيع ،
لا يطلق النداء على ما ليس بصوت لا حقيقة ولا مجازا "
وقال ابن القيم في ( مختصر الصواعق
465)
" وقد ذكر سبحانه النداء في تسعة
مواضع في القرآن أخبر فيها عن ندائه بنفسه ، ولا حاجة إلى أن يقيد النداء
بالصوت ، فإنه بمعناه وحقيقته باتفاق أهل اللغة ، فإذا انتفى الصوت انتفى
النداء قطعا ، ولهذا جاء إيضاحه في الحديث الصحيح الذي بلغناه الصحابة
والتابعون وتابعوهم ، وسائر الأمة تلقته بالقبول ، وتقييده بالصوت إيضاحا
وتأكيدا ، كما قيد التكليم بالمصدر في قوله تعالى ( وكلم الله موسى تكليما )
قال البخاري في صحيحه ... " .
وذكر حديث : فينادي بصوت .... الآتي قريبا .
وانظر تصديقا لهذا : جمهرة اللغة 3/245 ، الصحاح 6/2505 ، مفردات الراغب 486
، لسان العرب 15 / 315 ، القاموس 1724 ، تاج العروس 363
نقلا عن : ( الماتريدية 3/132 ) للشمس السلفي الأفغاني رحمه الله وأسكنه فسيح
جناته .
فمن ذلك :
قوله تعالى "ونا داهما ربهما ألم
أنهكما عن تلكما الشجرة "
وقوله " ونا ديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا "
وقوله " ونا ديناه من جانب الطور الأيمن "
وقوله " إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى "
وقوله " ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون " وغير ذلك من
الآيات .
وقد بوب البخاري في الصحيح في كتاب
التوحيد :
باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله
الملائكة .
وذكر الحديث : " إن الله تبارك وتعالى إذا احب عبدا نادى جبريل : إني أحب
فلانا فأحبه "الحديث
وانظر هذه الأبواب التي عقدها البخاري
:
باب : قول الله تعالى " ولا تنفع
الشفاعة عنده إلا لمن أذن له
باب : قول الله تعالى " يريدون أن يبدلوا كلام الله " وذكر فيه 17 حديثا فيها
إثبات القول والكلام لله تعالى .
باب : كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم.
باب قوله " وكلم الله موسى تكليما "
باب كلام الرب مع أهل الجنة .
3- التصريح بلفظ الصوت :
قال البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد
، باب : ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له :
حدثنا ...... عن أبى سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "
يقول الله يا آدم . فيقول : لبيك وسعديك . فينادي بصوت : إن الله يأمرك أن
تخرج من ذريتك بعثا إلى النار " .
قال الحافظ في الفتح 13/468
" ووقع ( فينادي ) مضبوطا للأكثر بكسر الدال ، وفي رواية أبي ذر بفتحها على
البناء للمجهول " انتهى .
وقد استدل السلف بهذا على إثبات الصوت فلا عبرة بمن أوله .
قال الإمام الحافظ ابن منده في كتاب التوحيد 3/131
" بيان آخر يدل على أن الله عزوجل إذا تكلم بالوحي سمعه أهل السموات " وساق
الحديث .
4- وقال البخاري في نفس الباب السابق
:
" عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى
الله عليه وسلم قال : إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها
خضعانا لقوله ، كأنه سلسلة على صفوان ... فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ما ذا
قال ربكم ؟ قالوا الحق وهو العلي الكبير ".
وفي رواية أخرجها الطبري في التفسير بسند صحيح :
" ولقوله صوت كصوت السلسلة على الصفوان " .
قال ابن بطال كما في الفتح 13 / 462
" وفيه أنهم إذا ذهب عنهم الفزع قالوا لمن فوقهم : ما ذا قال ربكم ؟ فدل على
أنهم سمعوا قولا لم يفهموا معناه من أجل فزعهم " انتهى .
5- وقال البخاري في نفس الباب المذكور
:
ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس
قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يحشر الله العباد فيناديهم بصوت
يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك الديان " انتهى.
ورواه في الأدب المفرد وفي خلق أفعال العباد واحتج به . وقد ذكر البخاري في
كتاب العلم قصة رحيل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس بصيغة الجزم وهو
أصل هذا الحديث .
ورواه الحكم وصححه ووافقه الذهبي .
قال البخاري في ( خلق أفعال العباد ) ص 149
" وأن الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ، فليس هذا لغير
الله جل ذكره .
وقال : وفي هذا دليل على أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق ؛ لان صوته جل ذكره
يسمع من بعد كما يسمع من قرب وأن الملائكة يصعقون من صوته " انتهى.
6- وقال البخاري في الصحيح في نفس
الباب المذكور :
" وقال مسروق عن ابن مسعود : إذا تكلم
الله بالوحي سمع أهل السموات شيئا ، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه
الحق ، ونادوا : ما ذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق " .
شبهة الاشاعرة والماتريدية في نفي
الصوت وجوابها :
قال الحافظ في الفتح 13 / 469 في شرح
الباب المذكور آنفا :
" وأثبتت الحنابلة أن الله متكلم بحرف وصوت ، أما الحروف فللتصريح بها في
ظاهر القرآن ،
وأما الصوت فمن منع قال : إن الصوت هو الهواء المنقطع المسموع من الحنجرة .
وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر
، وصفات الرب بخلاف ذلك ، فلا يلزم المحذور المذكور مع اعتقاد التنزيه وعدم
التشبيه ، وأنه يجوز أن يكون من غير الحنجرة فلا يلزم التشبيه ، وقد قال عبد
الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة : سألت أبي عن قوم يقولون : لما كلم الله
موسى لم يتكلم بصوت . فقال أبى : بل تكلم بصوت ، هذه الأحاديث تروى كما جاءت
وذكر حديث ابن مسعود وغير ه " انتهى .
قلت :
بل هو مذهب أهل السنة قاطبة وليس الحنابلة
دونهم .
وبعد :
هل يستريب عاقل في إثبات ما دل عليه الكتاب
والسنة الصحيحة ؟
وقد زعم البيهقي أنه لم يصح حديث في إثبات الصوت ، وإنه إن ثبت فهو مؤول .
قال الحافظ معقبا ( الفتح 13/ 466 )
" وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من
الأئمة ، ويلزم منه :
أن الله لم يسمع أحدا من ملائكته ورسله كلامه ، بل ألهمهم إياه .
وحاصل الاحتجاج للنفي : الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي
عهد أنها ذات مخارج .
ولا يخفى ما فيه ؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من
غير اتصال أشعة كما سبق .
سلمنا ، لكن نمنع القياس المذكور . وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق ،
واذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحـــيـــحــة وجب الإيمان به ، ثم إما
التفويض وإما التأويل ، وبالله التوفيق " .
قلت :
غفر الله له . وحسبنا شهادته بصحة الأحاديث .
كلام السلف في إثبات الحرف والصوت :
1- قال شيخ الإسلام 6/ 527
" وليس في الائمة والسلف من قال : إن
الله لا يتكلم بصوت ، بل قد ثبت عن غير واحد من السلف والأئمة : أن الله
يتكلم بصوت ، وجاء في ذلك آثار مشهورة عن السلف والأئمة ، وكان السلف يذكرون
الآثار التي فيها ذكر تكلم الله بالصوت ، ولا ينكرها منهم أحد حتى قال عبد
اله بن أحمد قلت لأبي ... " ويأتي بيقيته .
وقال شيخ الاسلام : " وكما أنه المعروف عند أهل السنة والحديث ، فهو قول
جماهير فرق الأمة ، فإن جماهير الطوائف يقولون : إن الله يتكلم بصوت ، مع
نزاعهم في أن كلامه هل هو مخلوق أو قائم بنفسه ؟ قديم أو حادث ؟ ..... وليس
من طوائف المسلمين من أنكر أن الله يتكلم بصوت إلا ابن كلاب ومن اتبعه ، كما
أنه ليس في طوائف المسلمين من قال : إن الكلام معنى واحد قائم بالمتكلم إلا
هو ومن اتبعه " .
وقال 12/304
" واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله
عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة السنة : أنه سبحانه ينادي
بصوت : نادى موسى ، وينادي عباده يوم القيامة بصوت ، ويتكلم بالوحي بصوت ،
ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال : إن الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف ، ولا
أنه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو حرف " .
من كلام السلف :
1- قول الإمام أحمد :
قال عبد الله بن احمد في السنة 1/281
( 543)
" وقال أبي رحمه الله : حديث ابن مسعود رضي الله عنه " إذا تكلم الله عز وجل
سمع له صوت كجر السلسلة على الصفوان " قال أبى : وهذا الجهمية تنكره .
وقال أبي : هؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس . من زعم أن الله عز وجل
لم يتكلم فهو كافر . إلا أنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت ." .
2- وقال عبد الله بن أحمد :
قلت لأبي : إن ههنا من يقول : إن الله لا يتكلم بصوت ، فقال : يابني هؤلاء
جهمية زنادقة ، إنما يدورون على التعطيل " . الفتاوى 12/368
3- وذكر صالح بن أحمد بن حنبل ، وحنبل
أن أحمد بن حنبل رحمه الله قال :
جبريل سمعه من الله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل ،
والصحابة سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم " .
ذكره قوام السنة الأصفهاني في ( الحجة في بيان المحجة 1/332 ) .
4- وقال الخلال :
وأنبأنا أبو بكر المروزي : سمعت أبا عبد الله وقيل له : إن عبد الوهاب قد
تكلم وقال : من زعم أن الله كلم موسى بلا صوت فهو جهمي عدو الله وعدو الإسلام
، فتبسم أبو عبد الله وقال :
ما أحسن ما قال ، عافاه الله " .
نقله شيخ الإسلام في درء التعارض 2/38
5- تكفير من قال بخلق حروف القرآن !
وليس الكلام النفسي !!
قال شيخ الإسلام 12/ 306
" وقد ذكر الشيخ أبو الحسن محمد بن
عبد الملك الكرخي في كتابه الذي سماه ( الفصول في الأصول ) قال سمعت الامام
ابا منصور محمد بن أحمد يقول :
سمعت أبا حامد الإسفرائيني يقول :
مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار : أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن
قال : مخلوق فهو كافر .
والقرآن حمله جبريل مسموعا من الله ، والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من
جبريل ، والصحابة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا ، وفيما بين الدفتين ، وما في صدورنا : مسموعا
ومكتوبا ومحفوظا ، وكل حرف منه كالباء والتاء : كله كلام الله غير مخلوق .
ومن قال : مخلوق فهو كافر عليه لعائن الله والناس اجمعين " انتهى .
ويأتيك إن شاء الله إعلان الاسفرائيني براءته من مذهب الباقلاني الأشعري كل
جمعة أمام الناس.
براءة الائمة من اعتقاد الأشاعرة
1- الإمام أبوحامد الإسفراييني
قال الشيخ أبو الحسن الكرجي الشافعي
في كتابه " الفصول في الأصول عن الائمة الفحول " وذكر اثني عشر إماما :
الشافعي ومالك والثوري واحمد وابن عيينة وابن المبارك والأوزاعي والليث بن
سعد وإسحاق بن راهوية والبخاري وأبوزرعة وأبوحاتم .
ثم قال : " وكان الشيخ أبوحامد الإسفراييني شديد الإنكار على الباقلاني
وأصحاب الكلام " .
وقال : " ولم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الاشعري ،
ويتبرؤون مما بنى الأشعري مذهبه عليه ، وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم
حواليه ، على ما سمعت عدة من المشايخ والأئمة منهم الحافظ المؤتمن بن أحمد بن
علي الساجي ، يقولون : سمعنا جماعة من المشايخ الثقات قالوا :
كان الشيخ أبو حامد أحمد بن طاهر الإسفراييني إمام الأئمة ، الذي طبق الأرض
علما وأصحابا إذا سعى إلى الجمعة من ( قطعية الكرج ) إلى ( جامع المنصور )
يدخل الرباط المعروف بالزوزى ، المحاذي للجامع ، ويقبل على من حضر ، ويقول:
اشهدوا علي بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، كما قاله الإمام أحمد بن حنبل ،
لا كما يقوله الباقلاني .
وتكرر منه ذلك جمعات ، فقيل له في ذلك ، فقال :
حتى ينتشر في الناس وفي أهل الصلاح ، ويشيع الخبر في أهل البلاد :
أني بريء مما هم عليه - يعني الأشعرية - وبريء من مذهب أبي بكر (بن )
الباقلاني ؛ فإن جماعة من المتفقهة الغرباء يدخلون على الباقلاني خفية
ويقرؤون عليه فيفتنون بمذهبه ، فإذا رجعوا إلى بلادهم أظهروا بدعتهم لا محالة
، فيظن ظان أنهم مني تعلموه قبله ، وأنا ما قلته ، وأنا بريء من مذهب
الباقلاني وعقيدته " .
وقال " .... وذكر قصة قال في آخرها : إن الشيخ أبا حامد قال لي : يا بني قد
بلغني أنك تدخل على هذا الرجل ، يعني الباقلاني فإياك وإياه ، فإنه مبتدع
يدعو الناس إلى الضلالة ، وإلا فلا تحضر مجلسي ، فقلت : أنا عائذ بالله مما
قيل ، وتائب إليه ، واشهدوا علي أني لا أدخل إليه " .
انتهى ، من نقل شيخ الإسلام ابن تيمية ( درء تعارض العقل والنقل 2/95-97 )
تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم .
وأبلغ من ذلك :
" كان أبو بكر الباقلاني يخرج إلى
الحمام متبرقعا ، خوفا من الشيخ أبي حامد الإسفراييني " . درء التعارض 2/98
الشيخ الإمام أبو إسحاق الشيرازي :
قال أبو الحسن الكرجي : " ومعروف شدة
الشيخ أبي حامد على أهل الكلام ، حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري ،
وعلقه عنه أبو بكر الزاذقاني ، وهو عندي ،
وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه : اللمع و التبصرة ، حتى لو
وافق قول الأشعري ةوجها لأصحابنا ميزه وقال : هو قول بعض أصحابنا ، وبه قالت
الأشعرية ، ولم يعدهم من أصحاب الشافعي ، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول
الفقه ، فضلا عن أصول الدين " درء التعارض2/98
وانظره ففيه مزيد من بيان براءة الأئمة وتشنيعهم على من أخذ بقول الأشعري في
مسألة الكلام.
فائدة من كلام شيخ الإسلام
قال شيخ الإسلام 12/243
" ويتبين هذا الجواب بالكلام على
المسألة الثانية ، وهي قوله :
إن كلام الله هل هو حرف وصوت أم لا ؟
فإن إطلاق الجواب في هذه المسألة نفيا وإثباتا خطأ ، وهي من البدع الحادثة
بعد المائة الثالثة ، لما قال قوم من متكلمة الصفاتية : إن كلام الله الذي
أنزله على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والقرآن ، والذي لم ينزله والكلمات التي
كون بها الكائنات ، .... لسيت إلا مجرد معنى واحد ... إن عبر عنها بالعبرانية
كانت التوراة ، وإن عبر عنها بالعربية كانت القرآن ..... وإن حروف القرآن
مخلوقة خلقها الله ولم يتكلم بها وليست من كلامه ؛ إذ كلامه لا يكون بحرف
وصوت .
عارضهم آخرون من المثبتة فقالوا : بل القرآن هو الحرف والأصوات.
وتوهم قوم أنهم يعنون بالحروف المداد ، وبالأصوات أصوات العباد ، وهذا لم
يقله عالم [ قلت : انظر نسبة كبار الأشاعرة هذا الباطل إلى الحنابلة ].
والصواب الذي عليه سلف الأمة كالإمام
أحمد والبخاري صاحب الصحيح في كتاب خلق أفعال العباد وغيره ، وسائر الأئمة
قبلهم وبعدهم : اتباع النصوص الثابتة
وإجماع سلف الأمة ، وهو أن القرآن جميعه كلام الله ، حروفه ومعانيه ، ليس شيء
من ذلك كلاما لغيره ، ولكن أنزله على رسوله ، وليس القرآن اسما للمعنى المجرد
، ولا لمجرد الحرف ، بل لمجموعهما .
وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط ولا المعاني فقط ... وأن الله تعالى
يتكلم بصوت ، كما جاءت به الأحاديث الصحاح ،
وليس ذلك كأصوات العباد ، لا صوت القارئ ولا غيره .
وأن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .
فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته :
فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق ، ولا معانيه تشبه معانيه ، ولا حروفه يشبه
حروفه ، ولا صوت الباري يشبه صوت العبد .
فمن شبه الله بخلقه فقد ألحد في أسمائه وآياته ، ومن جحد ما وصف به نفسه فقد
ألحد في أسمائه وآياته ." انتهى.
[ نشر هذا المقال بتاريخ
31/8/1999 بشبكة سحاب ].