اطبع هذه الصفحة


أعلام وأقزام .. محمد حسنين هيكل (5)

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم

السـابــق

عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرض لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجا)، وأخذت حيزا وزخما كبيرا، فرصد واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئا ماكرا يدبر لهذه الأمة، سواء كان هذا التدبير داخليا أو خارجيا، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصدرت لنا من غثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية.

هيكل وأنظمة الحكم

يجزم الكثيرون ممن تابعوا مسيرة هيكل أنه لا يستطيع إلا أن يكون عقل الحاكم أو عقل معارضيه، فقربه من جمال عبد الناصر مؤسس الاستبداد في العالم العربي وهو ما دفعنا وندفع ثمنه لعقود، مكنه من أن يكتب أول مانفيستو للانقلاب الناصري الذي سعى إلى تزييفه بإطلاق عبارة الثورة عليه كذباً وزوراً بعنوان «فلسفة الثورة» وهو ما يجانب كل المنطق والواقع، ومثلما زوّر الانقلاب ليجعله ثورة، زوّر الثورات العربية ليجعلها مؤامرة وخيانة وعمالة، وحين عجز أن يكون عقل الحاكم الساداتي أو المباركي لجأ إلى المعارضة ليكون عقلها، فكتب ضد الحاكمين ليجعل من نفسه عقلاً للمعارضة.
وما كانت تفعله عصابة عبد الناصر أمثال صلاح نصر وعبد الحكيم عامر وشمس بدران وعلى شفيق وعلي صبري وشعراوي جمعة .. ليس بخاف عن هيكل، ولكننا لم نسمع له صوتا بكلمة واحدة تتحدث عن جرائم هؤلاء المجرمين في حق مصر والمصريين، وعاش هيكل في رغد من العيش مكتفيا بما وصل إليه من مكانة لدي عبد الناصر، ولم يتكلم بكلمة واحدة لا من قريب ولا من بعيد عما كان يجري للمصريين في عهد هؤلاء الطغاة .. ولو تكلم هيكل وقتها عن أي شيء لم يكن أحد ليجرؤ علي المساس به وهو في حماية ومعية عبد الناصر .. ولكنه اكتفي بنصيبه من الغنيمة، ونام مرتاح البال، والشعب يئن تحت ضربات الكرابيج والسجون والتشريد والبهدلة.
ويوم رحيله كشفت وثائق عن انغماسه بالتآمر على ثورة الشام، حين التقى مخبراً للمخابرات السورية بمصر يطلب منه أن يوصل نصائحه لطاغية الشام بأن يجعل من الثورة «إرهاباً» وهو اتهام كاف لينقلب الغرب والشرق عليها.
مشكلة المشاكل –كما يرى الأستاذ مؤمن بسيسو- أن هيكل يُنظّر لسقوط الإسلاميين، ويتمنى لهم دوام السقوط، ويُمعن في الانحياز إلى أعدائهم وخصومهم السياسيين والفكريين، ولا يحفر لنفسه موقعا وسطيا في إطار التعاطي الموضوعي مع الظاهرة الإسلامية بشكل عام، ولا يحسن نقد وتقويم تجربة الإسلام السياسي الحالية من موقع التسديد المنهجي والنصح الموضوعي، في وقت كان يُفترض فيه أن يشكل مرجعية فكرية وسياسية كبرى لكل التيارات والتجارب السياسية والفكرية الراهنة استنادا إلى تجربته الواسعة وتاريخه المعروف.

هيكل وإيران

لم يستطع هيكل أبداً في جميع أحاديثه ومقالاته خلال السنوات الأخيرة، أن يخفي حقيقة كونه جندياً مخلصاً في دولة «ولاية الفقيه» وإيران، وهذا ليس بغريب بعد أن منحه نظام حكم الملالي هناك الجنسية الإيرانية، ففي الوقت الذي هاجم في حواره الأخير مع مجلة «السفير» السعودية ودول الخليج واصفاً إياها بأنها «دول متخلفة»، نجده يكيل المدائح والإطراء لإيران وحزب الله حيث تباهي في حواره بمعرفته بشاه إيران ورئيس الوزراء الإيراني الأسبق د. محمد علي مصدق سنة 1951 وأنه كان من أوائل من حاوروا الخميني بمنطق المتفهم والمساند من موقع عربي، كما يتباهي هيكل ويتفاخر بعلاقاته مع الكثير من القادة الإيرانيين، وأبرزهم رافسنجاني وخاتمي الذي زاره في بيته.
ومن تضليل هيكل قوله: "في إيران هم قادرون علي أن يفهموا ما يجري في العالم ومن حولهم، لقد استطاعت الثورة الإيرانية أن تأخذ ثوابت الثقافة والحضارة الفارسية باستمرار" مضيفاً في تمجيده للحضارة الفارسية بقوله: "هناك أمة كانت تتقدم واستمرت في ذلك وكان الانتقال سلساً، وهذا أمر يمكن أن يحدث في بلدين، عندنا هنا في مصر، وفي إيران، وإلي حد ما تركيا طبعاً، فهذه أوطان حقيقية، والباقي كله يشكل فسيفساء أوطان حقيقية".
يقول أحد المحللين: "أما سر انتماء هيكل لإيران، ودفاعه عنها، فإنه يمكن اكتشافه بسهولة إذا علمنا أنه يحمل الجنسية الإيرانية منذ عام 2013 لمساندته ما يسمي بـ «تيار الممانعة والمقاومة» الذي يقوده حزب الله ونظام الأسد في سوريا، وتكليف إيران لهيكل ببلورة منظومة إعلامية وصحفية لتسويق المشروع الإيراني للرأي العام العربي، وتأسيس جيل جديد من شباب الإعلاميين .. لذلك لم يكن غريباً أن يدافع عن حزب الله ورئيسه حسن نصر الله، والذي قام هيكل بزيارته في معقله بالضاحية الجنوبية في بيروت، فضلاً عن الدفاع عن سياسات إيران وتبرير مشروعاتها التوسعية، ودعوة النظام المصري لتطبيع علاقته مع إيران".
وفي نعي للكاتب المصري قال الباحث الإيراني في شؤون الشرق الأوسط (حسن لاسجردي) في حوار مع وكالة أنباء «ايسنا»: "إن هيكل كان محلل متميز وأيقونة في الإعلام المصري، كما كان معروف بموقفه المؤيد للشأن الإيراني، حيث كان يتبنى فكرة تسمية الخليج بالفارسي بديلا عن العربي، كما كان مؤيدا للموقف الإيراني في قضايا المنطقة، ودائما ما يدعو إلى ضرورة إعادة مستوى العلاقات بين مصر وإيران كما كان سابقا".
هذا هو هيكل سليل القومية العربية الذي انتهى في أحضان القومية الفارسية بعد تأييده لمواقف إيران ومناصرته للرئيس السوري بشار وحزب الله رغم المجازر اليومية التي يرتكبها أولئك بحق الشعب السوري.

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

تـــابــــع

 

د.خالد النجار
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية