اطبع هذه الصفحة


مقتطفات من روائع الكتابات السياسية (6)

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم


يملك العديد من مفكرينا السياسيين رؤية جيدة لواقع الحال الذي يمر بأمتنا، هذه الرؤية من الرصانة والعمق ما يجعلها إضاءات نحن في أمس الحاجة لها في ظل هذه الأحداث الهادرة التي تموج بالأوطان الإسلامية خاصة والعالمية عامة، لذلك رأيت أن أقتطف طرفا من هذه الرؤى، وأجمعها في نظم نضيد، لتكون عونا للمسترشد، ونبراسا للمقتدي، لكن لا يفوتني أن أذكر أنها اجتهادات بشرية ربما يعتريها بعض المآخذ، وهذا ما لا ينكره البصير، فأسأل الله أن يعم النفع بها، ويجنبنا الزلل، إنه نعم المولى ونعم النصير.

فإحقاق الحق جزء لا يتجزأ من الثورة ليس على الاستبداد فقط ولكن على كل الرواسب التي قد تبقى عالقة من هذا الماضي الأليم. تحقيق العدالة والمصالحة مع الذات والتاريخ يحتاج إلى المكاشفة. والمكاشفة مع الذات لن تكون كاملة دون مساءلة دور النخب العربية في مختلف مواقعها عن دورها في الانحطاط الفكري والسياسي والسقوط الحضاري الذي تعرض له الوطن العربي طيلة عقود. فالمصالحة مع الذات لا يمكن أن تتحقق دون مساءلة العقول التي لم تبخل أبدا بوضع مواهبها في خدمة الأنظمة الاستبدادية. [إبراهيم الكبلي، عن مقال: النخب العربية في زمن الاستبداد]

مساءلة دور المثقفين العرب في تثبيت أركان الاستبداد جزء لا يتجزأ من هذه المكاشفة التي نرى أنها ضرورية لاستعادة ثقة المجتمع في مثقفيه واستعادة المثقف ثقته في جمهوره. عندما يفقد المثقف احترام الشعب فإن كل المؤسسات والفضاءات الحيوية التي يتحرك فيها من جامعات ومدارس وجمعيات تفقد الاحترام وبالتالي تصاب بالشلل وتتوقف عن لعب دورها في تحرير الفكر من الشعوذة والخوف. ليست الأمية فقط السبب الذي أدى إلى انحطاط الاهتمام بالثقافة في الوطن العربي لفترة طويلة وإنما سلوكات الكثير من المثقفين أيضا. فكيف يمكن لأشخاص فقدت فيهم الثقة أن يقودوا المجتمع ويلعبوا دورهم في تفعيل قوة الثقافة والفكر في تحرير الإنسان. [المصدر السابق]

أضاع العرب فرصة أن يتحدوا ويشكلوا دولة واحدة قوية سياسيا واقتصاديا وكانت الفرصة سانحة لهم بعد تحررهم مباشرة، إلا أنهم لم يستوعــــبوا أن يكونوا في دولة واحــــدة وتمـــسك كل نظام بحدوده وحافظ معها على كراسي الحكم، فتشكلت في الأمة الواحدة خريطة غريبة وعجيــــبة أمة واحدة ذات لغة واحــــدة وديــــن واحد وتاريخ مشترك واصل ومصير واحد تتحول إلى أمة مهلهلة من الممالك والسلطانات والجمهوريات والدويلات القزمية الهشة المهلهلة فلا السلطنة سلطنة ولا الملكية ملكية ولا الجمهورية جمهورية. أشكال وانظمه مضحكة لم يتفقوا على الوحدة ولم يتفقوا على أن يقفوا صفا واحدا مع بعضهم بعضا علاقاتهم مع الآخرين أقوى من علاقاتهم مع أنفسهم وبعضهم البعض، حروبهم مع بعضهم أقوى وأشرس من حروبهم مع الأعداء على الرغم أن عدوهم واحد إلا أن ما قتل في مناوشات بينهم أكثر مما قتل في مواجهة العدو الحقيقي، بل أن البعض اعتبر العدو صديقا، بل وشقيقا واعتبر الأشقاء أعداء اختلط الأمر عليهم فاتفقوا على ألا يتفقوا. [القدس العربي، مقال: العرب الأيتام]

تكدس الثروات يحول الأمر الى ثورات. فالثروات الخيالية لمرتكبي السلطة في أنظمتها صادمة لأي شعور إنساني محتمل لدى الشعوب يتحول معه الإنسان إلى شيء، حيث لا يمكن للذات الإنسانية أن تقبله أو تقبلها، أي الثروة، كأرقام في ظل ما يعايشه الفرد من حطام حوله وبين إرجاء معيشته [عبد العزيز الخاطر]

والحكام العرب بطبعهم يستجيبون للضغط، أو يتخذون الضغط تأويلًا للترك، لا أنهم يحاولون إزالة أسباب الضغط، أو السير في اتجاه معاكس بالضغط على من يضغط علينا لينزع هو يده، (عض الأصابع). وذات المرض في "علماء" الأمة، وهي سمة بارزة لمنظومة المنهزمين. [مشروع سد النهضة: من الفاعل وماذا يريد؟، محمد جلال القصاص]

أصبح "الحرب على الإرهاب" هي الخطر الذي يجب أن يتوحد الشعب من أجل مواجهته، لأنه الخطر الحقيقي، الخطر الراهن الذي إذا نجح تنتهي الدولة. لهذا تجري صياغة الأولويات انطلاقاً من أولوية الحرب على الإرهاب، لا أولوية الجوع والفقر والبطالة والتهميش وانهيار التعليم والصحة والبنية التحتية.. وكل هذه المسائل التي كانت في أساس الثورة. هنا يصبح مطلوباً من الشعب ألا يطرح مطالبه، أو يتحدث بمشكلاته، أو يناضل من أجلها، بالضبط لأن الأولوية هي لمواجهة الإرهاب كي لا يؤدي إلى انهيار الدولة.
بهذا يجري الشغل على قلب أولويات الشعب، وعلى توحيده ضد خطر وهمي لكي يتخلى عن مطالبه الحقيقية، ومن ثم يناضل من أجلها. يصبح على الشعب أن ينسى أنه يحتاج إلى العمل والأجر الذي يسمح له بالعيش، وبالقدرة على التعليم والصحة، وأن يتحفّز من أجل إفشال الإرهاب الذي يمكن أن يؤدي إلى انهيار الدولة، الدولة التي هي ضمان استمرار المجتمع كما يقال. ولقد ظهر واضحاً هذا الهدف، حيث تحت شعار الحرب على الإرهاب جرى رفع الأسعار والتوسع في الخصخصة، وعدم زيادة الأجور، وعدم تحسين البنى التحتية والتعليم والصحة. [سلامة كيلة عن مقاله الحرب على الإرهاب.. لكن أي إرهاب؟ ]

من المغالطات التي تروجها الثورات المضادة في عالمنا العربي مقولة إن الشعوب تريد الأمن وليس الحرية، وإنها غير ناضجة لممارسة الديمقراطية والتمتع بالحرية. تروج هذه المغالطات في ظل وجود ظهير شعبي للنظم التي تقيد الحريات وتجهض المسارات الديمقراطية، وفي ظل عودة أنصار الأنظمة البائدة بأسماء وأشكال جديدة. [عبد الفتاح ماضي عن مقاله: مغالطة الشعب الذي فقد كرامته]

صناعة عدو لتبرير الحكم الفردي والأحكام الاستثنائية وتدخل الأجهزة الأمنية في السياسة، سياسة قديمة قدم الاستبداد. فالحاكم الذي يتجاوز وظيفته الأصلية في "الحكم بما يحقق المصلحة العامة"، لا يمكن له تبرير استبداده بالسلطة واستغلاله للنفوذ بدون زرع الخوف في قلوب الناس عبر الترويج لعدو داخلي أو خارجي.
وهذا ما حدث -كما أشرنا مرارا من قبل- في أميركا اللاتينية تحت اسم محاربة "الإرهاب" والذي كان يتمثل هناك في الحركات اليسارية، وحدث على يد قوى الاستعمار تجاه حركات التحرر الوطني التي وصفت بالإرهاب والتخريب. ويحدث اليوم مع وصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب من قبل دولة الاحتلال ومن يتحالف معها. [عبد الفتاح ماضي عن مقاله: مغالطة الشعب الذي فقد كرامته]

 

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

 

د.خالد النجار
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية