اطبع هذه الصفحة


مقتطفات من روائع الكتابات السياسية (13)

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم


يملك العديد من مفكرينا السياسيين رؤية جيدة لواقع الحال الذي يمر بأمتنا، هذه الرؤية من الرصانة والعمق ما يجعلها إضاءات نحن في أمس الحاجة لها في ظل هذه الأحداث الهادرة التي تموج بالأوطان الإسلامية خاصة والعالمية عامة، لذلك رأيت أن أقتطف طرفا من هذه الرؤى، وأجمعها في نظم نضيد، لتكون عونا للمسترشد، ونبراسا للمقتدي، لكن لا يفوتني أن أذكر أنها اجتهادات بشرية ربما يعتريها بعض المآخذ، وهذا ما لا ينكره البصير، فأسأل الله أن يعم النفع بها، ويجنبنا الزلل، إنه نعم المولى ونعم النصير.

بما أن الأنظمة العربية بما فيها تلك التي جــــاءت على عربة الربيع العربي حريصة دوما على تقديم أوراق اعــتمادها ضمن منظومة شرق أوسط يضع أمن إسرائيل في أعلى سلم أولوياتها وكذلك على أن تستمد شرعيتها الإقليمية والدولية من المعين عينه، فإن إرادتها السياسية تظـــل منقوصة ومعاندة لطبيعة الأمور ومعطيات الواقع، ولذلك فإنها مدعــوة في ظل هذا العجز المطلق إلى إعادة النظــــر في الأسس الذي قام عليه ذلك الخطـــاب ببعده الرسمي الوحيد والسعي إلى رفـــده بمعطـــى موضوعي جديد استمدت منه شرعيتها في الوصول إلى سدة الحكم، معطى الحالة الجماهيرية ومزاج الناس، الذين ضـــاقوا ذرعا بتوالد أجيال وموت أخرى وهم يسمعون الخطاب عينه وكأن نهاية التاريخ قد حلت ولم يعد بالإمكان فعل شيء حيال مستقبل أبنائهم. [باسل أبو حمدة]

ثمة فرصة تلوح في الأفق وفرتها الحشود التي خرجت إلى الشوارع وقلبت أنظمة بائدة لقلب المعادلة أو تحسين شروطها على الأقل من خلال عدم الوقوف في وجه هذا الزخم والحد من فعاليته من خلال إظهاره على حقيقته التي تشي بترابط الداخل بالخارج وتكامل االقطري بالإقليمي أو القومي، وهي حقيقة تحرص كل أطراف الصراع العربي الإسرائيلي بما في ذلك الغرب على التعامل معها بجدية بحيث لم تخل أي تحركات منها بما فيها اتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو، التي يجب ألا تبقى في المشهد السياسي بوصفها مسلمات وخطوطا حمراء لا تمس، بل يجب أن تستخدم كأوراق سياسية يمكن استخدامها في هذا الصراع طويل الأمد، فإذا كانت إسرائيل تشن حروبا للحصول في نهايتها على تهدئة مثل «عامود السحاب»، فإن الرعب سيدب بكل تأكيد في أوصالها إن لوحت الدول العربية الموقعة على تلك الاتفاقات بمراجعتها وطرحها للنقاش على مستوى الشارع ومؤسساته التمثيليلة، التي اكتسبت شرعيتها من دم الشهداء وأنين الجرحى ودموع الثكالى، الذين شكلوا وقود ذلك التغيير التاريخي. [باسل أبو حمدة]

إن الإيمان بمبادئ الحرية ونشرها لا تعرف الاستثناءات وهي حق لكل إنسان، ولكن الحقيقة التي تتبعها أميركا منافية لهذه المبادئ من خلال استثناء الشعب الفلسطيني من هذه الحرية لصالح دولة محتلة لأراضي الآخرين ومصادرة حريتهم [ أوباما ولورنس العرب الجديد، جريدة القدس العربي اللندنية]

يبدو أن حالة التصلب التي تعرفها الرسمية العربية اعقد من أن تفسر بمجرد رفض ذاتي من قبل الحكام للإصلاح أو حتى مجرد الخضوع لإملاءات خارجية (وهي موجودة بكل تأكيد) وإنما يتعلق الأمر بخلل بنيوي كامن في جوهر النظام الرسمي العربــي والذي يمكن أن نتلمس بعض ملامحه في النقاط التالية:
ـ إن بنية النظام العربي والتي تشكلت اثر الاستقلال عن الاستعمار الاوروبي حملت في جيناتها الوراثية نمطا من التعامل كان الغربيون يتعاملون به مع السكان الأصليين حيث ظل الحكام العرب يراكمون فكرة أن الشعب ليس إلا مجرد غبار أو بقايا غير ذات قيمة وهي الفكرة ذاتها التي روج لها الغربيون تحت مسمى 'رسالة الرجل الأبيض التمدينية' لتبرير غزوهم الاستعماري للشعوب الأخرى ولعلنا نجد بذورا لذات هذا المنطق على الأقل من حيث المماثلة البنيوية بين خطاب الزعماء وخطاب المستعمر ألم يقل بورقيبة يوما إني صنعت من التونسيين شعبا بعدما كان مجرد غبار من الأفراد (poussi're dindividu) ،ألم يقل عبد الناصر للمصريين لقد زرعت فيكم العزة والكرامة، ألم يكن زعماء البعث في سورية والعراق يمنحون أنفسهم صفات ترقى بهم إلى مرتبة الآلهة وكذلك كان القذافي وحكام الخليج يفعلون، انه نمط من التفكير القائم على منطق سقيم ينص على أن الحاكم صاحب فضل على شعبه وان على الرعية السمع والطاعة للراعي بينما الوقائع تقول 'أننا سمعنا بشعوب تعيل حكامها ولم نسمع أبدا بحكام يعيلون شعوبهم' كما يقول روسو .
ـ الأمر الثاني أن أزمة الأنظمة تكمن في التزاوج العجيب بين السلطة والمال والتضامن القرابي (اعني حكم الأسرة أو العشيرة أو الطائفة) وهذه أمور تتجلى في طبيعة الممارسة السلطوية في البلاد العربية فإذا كانت السلطة بحسب تعريف فوكو علائقية وتتوزع بحسب نقاط لا حصر من حيث هي ممارسة تقوم على علاقة تراتبية فان الأنظمة العربية تحتكر كل أشكال النفوذ وتختصرها في سلطة الحاكم المطلقة الذي يجعل من ذاته مصدرا لكل السلطات المطلقة التي يستفيد منها قرابته وبأشكال مختلفة إلى الحد الذي تصبح معه الدولة مختصرة في مجموعات النفوذ العائلي أو الطائفي مما يفقد الإنسان إحساسه بالمواطنة ويجعله يشعر أن حقوقه الطبيعية مجرد هبات وأعطيات تكرم بها عليه صاحب السلطان وآله، ألا يتصرف بعض الحكام العرب في إمكانيات الدولة وكأنها ملك شخصي له؟ ألم تقم بعض العائلات الحاكمة بنسبة بلدان بأكملها إلى ألقابها العشائرية؟ أليس الاهتمام بالشأن العام في بعض البلدان شكلا من أشكال الترف بحيث يكتفي الحاكم بمنح الوزارات لأهله وقرابته بحيث يمكن أن نسمي ودون حرج مجلس الوزراء بمجلس العائلة؟ ألم يعاصر أحد وزراء الخارجية العرب ثلاثة عشر وزير أمريكي ولازال؟ وبعد هذا يتساءل البعض لمَ تندلع الثورات العربية؟ ولماذا يضطر البعض إلى تبرير الاستنجاد بالأجنبي في سبيل التحرر من حكم الأسرة أو العشيرة أو الحزب؟
إن الأنظمة العربية تعاني بالفعل أزمة هيكلية خانقة وإن أي محاولة للتمديد في عمرها الافتراضي ستكون غير مجدية ولهذا فان المحاولات التي تبذلها الجامعة العربية لحل الأزمة السورية ستبوء بالفشل مثلها في ذلك مثل المشكلة اليمنية والسبب لا يكمن في الشعوب المنتفضة بلا ريب وإنما في عجز هذا النظام الرسمي العربي عن التجدد .
إن هذه الأنظمة تلفظ أنفاسها الأخيرة ولن تنفع معها محاولات الإنعاش لأنها استنفذت أغراضها وتحولت إلى مجرد جثة تنتظر الدفن غير أنها قبل ذلك ستثير الكثير من المشكلات على عادة كل جسم خبيث أو ورم خطير عندما يتم استئصاله ودائما يبقي السؤال لماذا لا يتعظ الحكام العرب من سقوط نظرائهم وإصرارهم على تكرار نفس الأخطاء بل الخطايا؟ .. إنها حيلة التاريخ ومكـــــره بلغة هيجل التي تجعل هذه الأنظمة تراكم خطاياها لتحفر قبرها بأيديها وان أي محاولة لإيجاد فرصة إنقاذ لها ستكون خارج سياق التاريخ، وان الأكيد عندي أن الأنظمة العربية جميعا آيلة إلى السقوط وان البعض الباقي وان حاول أن يبدو في مظهر متماسك سينهار ككل بنيان ورقي متهالك وتلك هي حكمة التاريخ التي ترفض الأنظمة العربية فهمها والتعلم منها وان تعلمت فبعد فوات الأوان ..[ سمير حمدي، عن مقال: الأنظمة العربية والحكمة المفقودة، بتصرف]

 

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

 

د.خالد النجار
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية