اطبع هذه الصفحة


إنك لا تفعلين شيئا !!

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم


عندما يخرج الرجل من بيته فكأنما يخرج إلى ميدان معركة ونزال، فالحياة أصبحت صعبة ومعقدة، والنجاح الحقيقي لا يُنال إلا على أسنة الرماح، ومع اشتداد المنافسة بين الرجال، يزداد بذلهم وتضحياتهم، وكل هذا من أجل تأمين حاضر الأسرة ومستقبلها.

فالزوج الطموح يحب النجاح في عمله، بل إنه دائماً يصرح بأن عمله عالمه الخاص، وزوجته الأولى التي تحظي بغالب اهتماماته، وما يقوم به من مهام صعبة خارج المنزل هي سر تميزه ومنبع تفوقه .. لكن المشكلة أن كثيرا من هذا الصنف من الرجال لا يرون إلا ما يفعلونه فقط، وكلما ازداد نجاحهم ازداد اعتدادهم بما يقومون به، وبالمقابل يحتقرون ما تقوم به الزوجة في المنزل، فالسهر طوال ليال متواصلة بجوار طفل مريض لا يعادل عند الزوج ربع معاناته مع زبائن عمله مثلا، بل إن كل ما تقوم به الزوجة من عمل متواصل طوال النهار والليل لا يساوي ساعة عمل يعملها الزوج خارج المنزل!!

هذا مع الاستخفاف الدائم بتعبها وعدم تقدير مهامها الزوجية أدنى تقدير، وربما لا يحتمل الأخطاء ولا يقبل الأعذار، بل إنه لا يستطيع أن يجد لها عذراً إذا حدث منها أدنى خطأ ولو كان غير مقصود، وعلى العكس يجد لنفسه قائمة طويلة من الأعذار لا يسمح للزوجة باستخدامها، واختفت من قاموس هذا النوع من الأزواج كلمات الشكر والثناء والتقدير، وتزداد المعاناة معه في أوقات الإجازة عندما يتفرغ لاصطياد أخطاء الزوجة المكدودة، وينهال عليها بالتوجيهات، مذكرا لها بين ثنايا الكلام بعجز النساء وضعف عقولهن.

وربما تعود تلك المشكلة إلى أن بعض الأزواج يحبون فكرة «الزواج» أكثر مما يحبون «معناه» وما يشتمل عليه من حقوق وواجبات وسَكَن ومودة وإحساس بالطرف الآخر، أو يكون الزواج طُموحاً بالنسبة لمثل هذا النوع من الرجال يسعى إليه بكل شوق، فإذا تحقق ذلك الطموح ملَّه ورغب عنه، وعاد كما لو أنه ما زال يعيش فرداً وحيداً، أو ربما لأن العمل يشعره بالرضا عن نفسه، ويولّد عنده الثقة بالنفس والاستقرار الداخلي أكثر مما يولّدهُ عنده السَّكن العاطفي بوجود رابطة الزوجية، وربما لأن عمله يسبب شعوره بالاقتدار والسيطرة أكثر مما يشعر بذلك عندما يرتبط بزوجة عاطفياً، فإن كثيراً من الرجال لا يدركون أن التعلق العاطفي لا يبدأ إلا بمعزل عن السيطرة، فالسيطرة إنما تكون في عالم الأشياء، والتعلق العاطفي والمودة إنما تكون في عالم الأشخاص، والخلط بين العالمين يسبب مشاكل كبيرة.

وقد تكون الزوجة هي سبب المشكلة عندما تبالغ في ارتباطها وتعلقها بزوجها أكثر من اللازم، فبعض الزوجات تحب زوجها فترة الخطوبة وتعجب بنجاحه العملي وذكائه الاجتماعي، لكنها بعد الزواج يدفعها هذا الإعجاب إلى أن تعتمد عليه في كل شيء تقريبا إلي درجة تصل إلي الاتصال به تليفونيا في العمل لتسأله عن أشياء بسيطة في البيت، وفي البداية يحس الزوج بالاهتمام وبالمسؤولية ولذة رعاية زوجته، لكنه ومع مرور الوقت ينتابه الضيق والاختناق نتيجة انجذابه إلى أمور لا تناسب رجولته تماما، فينصرف عن مشاكل ومعاناة الزوجة كليا لتصوره أن عالم الزوجات لا يحوي إلا التفاهات.

وأيضا لا يمكن تجاهل طبيعة إيقاع الحياة الزوجية المعاصرة، والمتمثلة في النمط التقليدي للزوج الذي يعمل طوال اليوم، ويعود للبيت منهكا، أما الزوجة فقد تكون عاملة نصف أو ثلاثة أرباع يوم وقد تكون ربة منزل، ولكنها تقضى الوقت في ترتيب البيت وتنظيفه ثم تهيئ الوجبة الرئيسية -غالبا ما تكون العشاء- وبعدها يبدأ الزوج في مراجعة أوراقه والتحضير لما سيقوم به في الغد، كما تنشغل الزوجة تماما مع الأولاد في المذاكرة، وقد يشترك معها الزوج، وقد يلتزمان الصمت وإعلان حالة الطوارئ لوجود الأستاذ المدرس أو المدرسة في البيت.

وبعد أن يخرج المدرس ويذهب الأولاد إلي أسرتهم، ينهار الزوجان علي مقعديهما أمام التلفاز حتى يغلبهما النعاس ولا يحسان إلا بديك الصباح يوقظهما لتبدأ دورة الروتين من جديد.

وأخطر ما في هذه الأسباب أنها تقتل الحوار الأسري، وغياب الحوار بين الزوجين ـ الذي يعتبر أهم وسيلة لاستمرارية الحياة الزوجية السعيدة ـ يفرض على الزوج أن يهتم بـ «الأنا» وينخرط مع نفسه بمنأى عن أسرته وبالتحديد زوجته التي لا يرتبط معها لا لغويا وفكريا ولا عاطفيا، ويتعامل معها باعتبارها آلة للمُتعة، أو وسيلة للخِدمة، فيعاملها بطريقة إصدار الأوامر، مع تجاهل المشاعر الذي يؤذي الزوجة كثيرا، فالزوج يخفف عن نفسه بالخروج والسهر مع أصدقائه، بينما هي «تعلق» بين الأولاد ومشاكلهم ومسؤوليات البيت والنتيجة الاحتجاج النسائي اليومي الذي يرتطم صداه على جدران وحوائط بيت الزوجية دون أن يجد إجابة شافية.

إن الصمت بين الزوجين أخطر مشكلة تعاني منها العديد من الأسر، وهي مؤشر على أن العلاقة بين الزوجين تقترب من الجمود والجفاف، لذا فهي تمثل خطرا يهدد الحياة الزوجية؛ إذ يعقبها انفجار أو انهيار وأحيانا انفصال، فالاتصال يجب أن يكون ذا اتجاهين، وعلى الزوجين توفير مساحة زمنية لتحقيق هذه الغرض سواء فيما بينهما أو بين الأولاد، لأن الاتصال والكلام يجعلان كل طرف ملماً بمشكلات وظروف الطرف الآخر ومعايشا لواقعه الداخلي والخارجي على السواء، وبالتالي يستطيع أن يقدرها ويتفهمها.

ويجب تجاوز أي مشكلة في الحياة الزوجية بحيث لا يتعطل الاتصال .. وإذا حدث أي اختناق فلا بد من التغلب عليه في أقصر وقت ممكن. كما أنه من الضروري أن يحدث الكلام بين الطرفين ليحقق التفاعل بينهما حتى لو كان الكلام من قبيل اللغو اللفظي، ولا يعني ذلك أننا ندعو إلى الثرثرة الفارغة بين الطرفين، ولكننا نؤكد أهمية الحوار، لأن الإنسان بحكم تركيبه النفسي يحتاج لذلك، والكلام أولى درجات الوصال، ومن ثم فإن الصمت يمزق هذا الوصال.

كما ينبغي أن تعتمد الزوجة علي نفسها بعض الشيء، وأن تستقل بتصرفاتها وتعلم أن الزواج الصحي والصحيح يكمن في ثنائية لا في أن يذوب أي منهما في الآخر، ربما خافت الزوجة من استقلالها ومن هذا العالم الواسع الذي ستخوضه بمفردها لكنها ستجد مع مرور الوقت أنها قادرة علي الحياة بمفردها بعض الوقت.
 

د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

 

د.خالد النجار
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية