اطبع هذه الصفحة


رصد الحدقة (7)

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم


أحداث تموج بالعالم، نظريات تسقط وأخرى تولد، وهذا يقيم التاريخ وذاك يفلسف الأحداث، تجد الحكمة أحيانا والتهور أحايين أخرى.. ومن بين هذا الحراك الضخم تبرز تحليلات راقية وأفكار جوهرية آثرت أن أجمعها في عقد فريد، حباته أشبه بمحطات نحتاج أن نقف عندها كثيرا لنستقي منها العبرة ويتولد عندها الهدف .. إنه العالم الغريب الذي أتعب البشر وأتعبوه معهم، فهل من معتبر، وهل من مستفيد.

• الزعيم السوري

هذا الوزير السوري النصيري ( حافظ الأسد ) الذي شارك في جر الأمة إلى نكبة يونيو 1967، يغدر برئيس الجمهورية السورية ( نور الدين الأتاسي ) ويصل إلى سدة الحكم ( رئاسة الجمهورية )، فالنصيريون ومنهم هذا الوزير يغدرون بشركائهم من الناصريين والدليل أنهم نصبوا لهم المشانق في 18/7/1963 وغدروا بشركائهم البعثيين فقتلوا واعتقلوا وشردوا جناح ميشيل عفلق والبيطار، ثم أيمن حافظ ثم الرزاز ونور الدين الأتاسي، وغدروا بالسادات وغدروا بجنبلاط وأبي عمار، ويعملون من أجل إقامة دولة مجوسية باطنية تضم البلاد العربية كلها، هذا الزعيم السوري هو الذي طارد الدعوة الإسلامية ( الإخوان المسلمين وغيرهم ) ورجالاتها ونساءها وأطفالها وشردهم وقتلهم ومثل ببعضهم … هو الذي قتل مروان حديد وإخوانه … وهو الذي فتح السجون للنساء والرجال، وفي سجن تدمر انتهكت أعراض النساء المسلمات وحملن سفاحا من جند حافظ الأسد … وهو الذي أصدر الأوامر بتسوية مدينة حماة بالأرض بعد تدميرها وقتل كل من فيها من المسلمين، بل إنه أمر بمطاردة وتصفية الإخوان المسلمين خارج سورية، فهو المسئول عن مقتل الأخت بنان طنطاوي زوجة الشيخ عصام العطار
وهو الذي أرسل وفدا عسكريا إلى جنيف ليوقع الاتفاقية الأولى للفصل بين القوات السورية واليهودية، وهو الذي فتح ذراعية لهنري كيسنجر اليهودي الأمريكي لتوقيع وثيقة الفصل الثانية
مجلة المجتمع الكويتية العدد 306 لسنة 1396 ص 29

• كأنما كل الجروح مسلمة وكل المسلمين جروح

إذ يخط يراعي هذا الكتاب يا قراء مع الحرب الصليبية الجديدة – وما الصليب فيها إلا قناعا يستتر الشيطان خلفه – تداعي الألم كأنما استدعى تداعيات آلام أخرى تمت بصلة القربي إليه، ضياع فلسطين، 1956 وكيف لم نستوعب الدرس، 67 والهزيمة الساحقة الماحقة، 73 والنصر العسكري والهزيمة السياسية، 77 وزيارة السادات للقدس، 82 غزو لبنان، حربي الخليج الأولى والثانية، كوسوفا والبوسنة والهرسك وكشمير والفلبين وبورما …و…و … وأفغانستان، فكأنما تاريخنا جرح هائل، وكأنما كل الجروح مسلمة وكل المسلمين جروح
من مقدمة كتاب بل هي حرب على الإسلام
د. محمد عباس
نشر مكتبة مدبولي بالقاهرة ص 9

• أهمية التاريخ

لا يستفيد من التاريخ من لا يقدر أهمية التاريخ فالأمم التي لا تقرأ تاريخها معرضة لإعادة إنتاجه لغير صالحها، يقول الشيخ رشيد رضا معاتبا المسلم لعدم اهتمامه بهذا الموضوع: " فما لك لا تعد من هذا الدين معرفة تواريخ الأمم الغابرة، واختبار أحوال الأمم الحاضرة، ومعرفة الأقطار والبقاع، والعلم بشئون الاجتماع، أليس هذا من إقامة القرآن، واستعمال الفرقان والميزان … " وقد سبقه العلامة ابن خلدون في التنويه بشأن هذا العلم، يقول: " إذ هو ( التاريخ ) في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأولى، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ( الحوادث ) ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها … "
ولأهمية التاريخ اشتغل به أمثال الطبري وابن إسحاق وابن سعد وقيل عن الشافعي: كان عالما بأيام الناس، وكان الصحابة على علم بتاريخ وجغرافية البلدان المفتوحة ولم يزالوا والتابعون من بعدهم يتفاوضون في حديث من مضى، ويتذاكرون ما سبقهم من الأخبار وانقضى
إن الأمة التي تعيش بدون تاريخ تعيش بدون ذاكرة … إن تاريخنا الإسلامي تاريخ عميق الجذور، لأنه مرتبط بسير الأنبياء، وبعد الرسول صلى الله عليه وسلم أصبح تاريخ علماء، فالأمة الإسلامية ارتفعت بفكرها إلى أن جعلت أقوال العلماء وأفعالهم هي الجديرة بالتسجيل، وهذا اتجاه أصيل لم تسبق إليه. وفي هذا الجانب ظهرت كتب الطبقات التي تؤرخ وتترجم للأشخاص حسب الأجيال وهو فن إسلامي بحت …. طبقات الصحابة، طبقات التابعين، طبقات الفقهاء والمحدثين …. فالتاريخ الحضاري عندنا تفوق على التاريخ السياسي، وبسبب العناية به ظهر آلاف من المؤرخين، وظهر ما يزيد على عشرة آلاف كتاب في التاريخ
وما ضعف الاهتمام بالتاريخ إلا في العصور المتأخرة، حين ابتعدت الأمة عن القيادة والسياسة، وأهمية التاريخ وأثره في تربية الشعوب لا ينكره إلا مغرض، أو ليس عنده إحاطة بهذا العلم
تأملات في الفكر والدعوة
محمد العبدة ، دار الجوهري للنشر والتوزيع عمان – الأردن
ص 33-35

• التاريخ مخزن العبر

ومن غرائب ما قرأت وسمعت: موقف قيادة الجماعة التي سموها «جماعة التكفير والهجرة» من التاريخ كما شهد بذلك شاهد من أهلها، فقد سجل الأستاذ عبد الرحمن أبو الخير في ذكرياته عن «جماعة المسلمين» - وهذا اسمها عند أصحابها وأتباعها- هذا الموقف باعتباره أحد أوجه الخلاف بينه وبين الشيخ شكري مؤسس الجماعة، إذ كان الوجه الرابع منها هو «عدم الاعتداد بالتاريخ الإسلامي»، فقد كان شكري يعتبره وقائع غير ثابتة الصحة، وأن التاريخ عنده هو أحسن القصص في القرآن الكريم، ولذا يحرم دراسة عصور الخلافة الإسلامية، أو الاهتمام بها.
فانظر يا رعاك الله إلى هذه النظرة السطحية الضيقة الأفق، التي تجعل دراسة تاريخ المسلمين حراما دينيا! مع أن التاريخ هو مخزن العبر، ومعلم الأمم، فكما أن الفرد يتعلم من أحداث أمسه لغده، فإن الأمة أيضا تأخذ من ماضيها لحاضرها، وتستفيد من صوابها وخطئها معا، ومن انتصاراتها وهزائمها جميعا.
والتاريخ إنما هو في الواقع ذاكرة الأمة الحافظة الواعية، والأمة التي تهمل تاريخها أشبه بالفرد يفقد ذاكرته، ويعيش ليومه وحده، بلا ماض يعرفه ويبني عليه، إنه إنسان مبتلى مقطوع الجذور، يرثى لحاله، وهو أحوج ما يكون إلى العلاج، فكيف ترضى جماعة أن تجعل هذا الوضع المرضي الشاذ أساسا لحياتها؟
والتاريخ هو المرآة التي تتجلى فيها سنن الله تعالى في الكون عامة، وفي الاجتماع البشري خاصة، ولهذا عني القرآن عناية بالغة بلفت الأنظار وتنبيه العقول إلى هذه السنن للانتفاع بها، وتلقي الدروس العلمية منها.
على أننا لا نعني بالتاريخ تاريخ المسلمين فحسب، بل تاريخ البشرية حيثما عرف، وتاريخ الأمم في أي أرض كانت، وفي أي عصر كانت، وعلى أي ملة كانت، مسلمة أو غير مسلمة، فالعبرة لا تؤخذ من سير المؤمنين وحدهم، بل تؤخذ من المؤمن والكافر، ومن البر والفاجر، لأن الفريقين تجري عليهما سنن الله بالتساوي، ولا تحابي هذه السنن أحدا شأنها شأن السنن والقوانين الطبيعية، فقوانين الحرارة والبرودة والغليان والانصهار والضغط والانفجار قوانين عامة تتعامل مع الموحدين تعاملها مع الوثنيين.
الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف
د. يوسف القرضاوي، كتاب الأمة، ص 100-102 بتصرف
 

جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com



 

د.خالد النجار
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية