اطبع هذه الصفحة


ومضات تربوية وسلوكية (13)

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم


تذخر بطون الكتب بالعديد من الأفكار الذهبية والعبارات المحورية الجديرة برصدها وتدوينها للوقوف على كنوز مفكرينا وكُتابنا العظام، وللانتفاع بالفائدة المرجوة منها، ولذلك حرصت خلال جولتي بين دفوف الكتب أن أرصد هذه الثروات الفكرية والتربوية والتحليلية، وأنقلها بنصها كما وردت فيها أو باختصار طفيف في بعض الأحيان، هذا كي يستفيد منها القاسي والداني، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجر والمثوبة إنه نعم المولى ونعم النصير.

(الصبر)

الصبر من أهم منطلقات الدعوة إلى الله تعالى، وهو من أعظم العبادات القلبية التي أمر الله بها في مواضع كثيرة من كتابه، والعبادات القلبية التي هي أعمال القلوب هي الأصل المراد المقصود وأعمال الجوارح تبع ومكملة ومتممة وأن النية بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح إذ هي أصلها وأحكام الجوارح متفرعة عليها.
ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما وهل يمكن أحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت.[منطلقات الدعوة إلى الله، وبدائع الفوائد لابن القيم، ياسر برهامي، دار الفتح الإسلامي ص 307]

(التميز)

التفرّد داخل المجموعة، لا يكون إلاّ بالإبداع وتقديم الإضافة غير المألوفة. ولعلّ أقصر طريق ليكون للمرء موقع الامتياز في المجتمع، أن يوظّف مواهبه بالقدر الذي يتيح له انتزاع احترام الآخرين، وهذا يقتضي جهدا كبيرا، وصبرا على الظلم والمماحكات والغيرة، لأنّ أعداء النجاح ينتشرون كالفطريات في أرض الله. [عز الدين ميهوبي، شاعر جزائري]

(التربية بالقدوة)

قال الإمام ابن النحاس: فالعالم إذا خالف علمه عمله، وكذب فعله قوله، كان ممقوتا في الأرض والسماء، مضلة لمن رام به الاقتداء، وإذا أمر بغير ما يعمل، مجت الأسماع كلامه، وقلت في الأعين مهابته، وزالت من القلوب مكانته، كما قال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه تزل موعظته من القلوب كما يزل القطر من الصفا. (تنبيه الغافلين)
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إذا كنت آمرا بالمعروف فكن من آخذا الناس به وإلا هلكت، وإذا كنت ممن ينهى عن المنكر فكن من أنكر الناس له وإلا هلكت.
وقال سفيان بن عيينة رحمه الله: أشد الناس حسرة يوم القيامة ثلاثة: رجل كان له عبد فجاء يوم القيامة أفضل عملا منه، ورجل له مال فلم يتصدق منه فورثه غيره فتصدق منه، ورجل عالم لم ينتفع بعلمه فعلمه غيره فانتفع به.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: تفقهوا في الدين فإنه ربيع القلوب واستشفعوا بنوره فإنه شفاء لما في الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أحسن القصص وإذا قرئ عليكم عليكم فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وإذا هديتم بعلمه فاعملوا بما علمتم به لعلكم تهتدون فإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستقيم على جهله، بل قد رأيت أن الحجة أعظم والحسرة أدوم على هذا العالم المنسلخ من علمه من هذا الجاهل المتحير في جهله وكلاهما مضلل مثبور.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ليس العلم عن كثرة الحديث، إنما العلم عن كثرة الخشية.
وكانت أم سفيان الثوري رحمه الله تقول له: يا بني إذا كتبت عشرة أحرف بيدك فانظر هل زادت في حلمك ووقارك وخشيتك، فإن لم تر ذلك فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس «هلموا» قالت أفعالهم: «لا تسمعوا منهم» فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطاع الطرق. الفوائد1/61

ويكفي في مذمة الجهل أن جعله الله تعالى من صفات الكفرة والمنافقين، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} [التوبة:6] وقال تعالى عن المنافقين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}[المنافقون:3]، وقال تعالى: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:7] وقال تعالى: {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8]
فبين أن انعدام الفقه وانعدام العلم من علامات الكفر والنفاق وكما قال سبحانه وتعالى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة:97]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت ولا فقه في الدين» الترمذي وصحيح الجامع 3229
وانظر إلى هذا المثل الذي يضربه لنا زيد بن صوحان رحمه الله وهو أحد فضلاء التابعين عندما كان في المسجد مرة يذكر الناس –وكانت يده الشمال قد قطعت في أحد الغزوات- فقال أعرابي في المجلس: إن كلامك يعجبني وإن يدك تريبني. فقال: وما يريبك منها؟! إنها الشمال. فقال: والله ما أدري أتقطع اليمين أم الشمال؟! فقال زيد: صدق الله {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[منطلقات الدعوة إلى الله، ياسر برهامي، دار الفتح الإسلامي، ص 148-149]

جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com

 

د.خالد النجار
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية