اطبع هذه الصفحة


يزيد وهشام ابنا عبد الملك

د. خالد سعد النجار

 
بسم الله الرحمن الرحيم   

    

يزيد بن عبد الملك

ما ينقضي حكم عمر بن عبد العزيز ويستولي يزيد بن عبد الملك سنة 101هـ، حتى يواجه العراق ثورة يخيل أنها تكاد تهد كيان الدولة الأموية.

فلقد قضت سياسة الحجاج بعزل يزيد بن المهلب بن أبي صفرة عن خراسان، وكان عامله عليها، وحاول الحجاج نكبة هذا العامل المعزول، فهرب إلى الشام والتجأ إلى سليمان بن عبد الملك ليشفع له عند الوليد بن عبد الملك، وتجاوز الخليفة عنه بإلحاح من سليمان، بل وصل الإلحاح إلى حد أنه قيد ابنه داود مع يزيد بن المهلب وأسلمهما إلى الخليفة ليقتص من كليهما، إن ليس من سبيل للعفو عن يزيد بن المهلب.

ثم إن يزيد بن المهلب أقام في حاشية سليمان، فلما بويع سليمان خليفة عينه على العراق أولا ثم خراسان ثانيا، فقام بفتوح تباهى بها وبما أعطته من غنائم، فلما مات سليمان طالب عمر بن عبد العزيز بتقديم الغنائم التي ادعاها، فلم يستطع تقديمها، فحبسه عمر على عدم الوفاء بها، وكان يزيد بن المهلب قد تقاسى أثناء حكمه في العراق على رجال الحجاج وآله، فهدده يزيد بن عبد الملك بقطع عضو من جسمه إن ولي شيئا من الأمر، فأجاب ابن المهلب أن دون ذلك مائة ألف سيف.

ولما سمع يزيد بن المهلب وهو في السجن بمرض عمر بن عبد العزيز أو بوفاته هرب من السجن، وسار إلى البصرة حيث إخوته وبعض أهله وكان على البصرة عدي بن أرطأة، فاجتمع أتباع يزيد عليه وخلعوه وسجنوه.

ومما ساعد على استفحال ثورته أن أهل العراق ارتاحوا خلال خلافة سليمان وعمر بن عبد العزيز من الحجاج وظلمه وسياسته، وكانوا يخشون عودة تلك السياسة ويزيد بن عبد الملك كان حريا بالعودة إليها، فهو كان متزوجا من بنت أخت الحجاج، وكان متعصبا لآل الحجاج.

فترسخت قناعة أن يزيد بن عبد الملك الملقب بيزيد الثاني حري بأن يفعل كما فعل جده من أمه يزيد بن معاوية (يزيد الأول) الذي هتك حرمة المدينة.

لكن الثورة باءت بالفشل، فما كاد مسلمة بن عبد الملك وعثمان بن الوليد اللذان أرسلهما يزيد بن عبد الملك لإخماد الثورة يلتقيان بجيش يزيد بن المهلب في عقر داره حتى تخاذل جيش الثوار ولم يحارب منه إلا شيعة المهلب المخلصون وهم قلائل.

** كان يزيد بن عبد الملك يشبه جده من أمه يزيد الأول ابن معاوية بن أبي سفيان في كسله واستهتاره، بل هو يتفوق عليه في ذلك،

كان فتى يحب العبث وينطلق إلى اللهو، وقد غادر دمشق إلى البادية، فقعد في قصر فيها، ويقال إنه ترك أموره إلى جارية كان يعشقها اسمها «حبابة» فكان من يريد أن يحصل على شيء منه حصل عليه بواسطتها.

** ولقد خالف سياسة عمر في التقشف، وعاد بنو أميه إلى طمعهم في المال والعطاء، فكان يزيد حريا أن يرضيهم في طمعهم، وعمد إلى إرضاء نفسه وإرضاء من حوله، وسار مع تفاهة طبعه، وشره من حوله، فقضى غير قاصد على الإصلاح الذي قام به سلفه العظيم.

** وما مضى أمد يسير حتى أخذ  بعض عماله يقسون على الموالي، ويطلبون الجزية ممن أسلموا جديدا، فعلت الشكوى ثانية، بل اتخذت في المغرب شكل الثورة على عامله يزيد بن أبي مسلم، فقتله البربر وأعلنوا أنهم لا يقصدون الخروج على الخليفة بذلك، فسكت الخليفة على ثورتهم وظهر بمظهر المقر لها، وعاد الخوارج إلى الثورة في العراق، ولقي عمال بني أمية الأمرين من شوذب الخارجي.

** أما الفتوح فلم تكن موفقة في عهده، فقد هزم المسلمون في بلاد القوقاز أولا، ولولا مهارة الجراح بن عبد الله الحكمي وحسن قيادته لغلبوا مرة أخرى، واستمرت خلافة يزيد حتى سنة 105هـ، , ومات حزنا على جاريته حبابة

هشام بن عبد الملك

** كانت خلافته عشرين عاما.

** كان هشام رجلا منظما واضح الرأي والفكر، يدرس المسائل دراسة طويلة، وكان حازما ذا سيطرة وقوة، على أنه لم يكن من الجبابرة والمتكبرين والمتعجرفين، لكن هشام لم يكن رجلا عبقريا، فهو لم يحاول أن يحدث شيئا جديدا في الدولة ينسب إليه، ولم تكن له سياسة مخططة عميقة، يحققها على سير الأيام، كان همه الإدارة والمال، ومج الفتوح وضبط الأمور، لا الخلق والإبداع.

** لم يكن هشام دون عمر بن عبد العزيز كثيرا في التدين، بل كان تقيا متعبدا حريصا على الإسلام والسنة، يحارب البدعة أشد حرب، لكنه ليس كعمر بن عبد العزيز يعتبر التدين مسئولية نحو الناس،  كان دينه عبادة عبادة وتقى لكنه أمرا شخصيا، ولم يكن تدينه خلقيا اجتماعيا، فهو في علاقته بالأفراد ليس ورعا، وهو في علاقته بالمادة خاصة قليل الورع. فالحكم عنده سياسة أكثر منه دين، وهو عنده سياسة مالية بالأخص، فعمر ما كان يهتم بالمال ولا بإغناء بيت المال، أما هو فهمه منصب إلى بيت المال، يود أن يكون مكتظا غنيا. 

 ** نقل مقر إقامته من دمشق إلى الرصافة على نهر الفرات، خوفا من الطاعون الذي كان يغزو دمشق من حين إلى آخر، واهتم بتنظيم دواوينه فكانت في غاية الإتقان، وكان قليل الاستقبال للناس ورؤيتهم، يعتمد على دواوينه في تسير سياسته، ومستشاره المعتمد الأبرش الكلبي وهو الذي يتعامل مع الناس، واهتم هشام بالعلم وأكرم العلماء كالزهري وأبي الزناد وغيرهما.

** كان واليه على العراق خالد بن عبد الله القسري، وهو الذي كان بعثه الوليد بن عبد الملك مكان عمر بن عبد العزيز عاملا على مكة والمدينة مستجيبا إلى طلب الحجاج في منع الفارين من الالتجاء إلى الحجاز والتواري عن ناظريه، ولقد قام خالد حق القيام بما عهد إليه من ذلك، فجعل أصحاب المنازل مسئولين عمن يلجأ إليهم من الفارين، فاستتب الأمر للحجاج، واطمأن باله، وكان إداري نشيط عمراني، جلب الماء لمكة، وأحدث إصلاحات في مدن أخرى، وظهر دهاؤه، فوجد فيه هشام ضالته، وهو من بجيلة، وهي قبيلة لا عصبية لها، وقد أضاعت مجدها في الجاهلية وتردت في النسيان.

كان خالد حريا أن ينجح في العراق، وأن يلم الشعث، وبدهائه وحسن خطابه أسهم في جعل العراق ينعم بفترة راحة وأمان مدة استغرقت 15 سنة

** انكب خالد على إصلاح الأراضي والزراعة بالعراق، ووفق في عمله خير توفيق، وضم قسما من الأرض البوار التي أحياها لنفسه إلا أنه ما كان يدخر من غلتها الكثير فقد كان يوزع المال على أتباعه وحواشيه والناس، فيلقى الداعين له والراضين عنه، وكان يوافي هشام في كل عام بخراج كبير ومال وفير.

** لكن خالد كان له نقطة ضعف، فقد كانت والدته نصرانية، فصار خالد يعطف على النصارى، ويعينهم في المناصب الإدارية، ويأذن لهم ببناء الكنائس، واستفاد خصومه من هذا، فادعوا أنه لا يحترم الإسلام، ورووا عنه أقوالا فيها استخفاف بالدين، فاوغروا صدر الخليفة عليه، حتى استبد خالد بالعراق، فصار يستخدم سلطانه لاستغلال الناس، فكان يؤخر بيع محصوله من الغلال، فتعلو الأسعار فيضج الناس، وكان المهندس الذي كان يشرف على عمليات الإصلاح حيان النبطي، واستطاع خصوم خالد أن يجروا حيان إلى طرفهم، فكان لهم في ذلك كسب كبير، إذ إن حيان كان في يده حساب غلات خالد، وكان يعرف تصرفاته، فلما نمت تلك الأخبار لهشام عزله وولي مكانه رجلا قويا هو ابن الوالي السابق يوسف بن عمر بن هبيرة وكان والي هشام على اليمن، فجاء إلى العراق متسللا، وضم إليه خصوم خالد، وألقى القبض عليه وأخذ يحاكمه ليستخرج الأموال التي جمعها، لكنه لم يجد معه إلا الشيء اليسير فأطلق سراحه، فسار خالد إلى الشام ليستعيد مكانته عند الخليفة لكن الخليفة أهمله.

لكن العراق الذي هدأ مع خالد القسري ثار في ولاية يوسف بن عمر بن هبيرة، وقد يعزى هذا إلى دهاء خالد وحماقة ابن هبيرة.

** وتولى بعد هشام الوليد بن يزيد وكان مستهترا مقبلا على اللذات خاصة الخمر والنساء، حتى بدد أموال الدولة، وأدت حاجته إلى الماء إلى الوقوع في أخطاء سياسية كبيرة منها تسليم خالد بن عبد الله القسري لخصمه اللدود عامل العراق يوسف بن عمر بن هبيرة نظير مبلغ كبير من المال فعذبه ثم قتله.

** ثم تولى يزيد بن الوليد (يزيد الثالث) وأرسل منصور بن جمهور عاملا له على العراق بدلا من يوسف بن عمر بن هبيرة الذي ألقي القبض عليه وهزئ به وعذب، لكن لم تدم خلافة يزيد الثالث سوى ستة أشهر ومات.


جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

 

 
 

 
  • تربية الأبناء
  • المقالات
  • بين زوجين
  • موسميات
  • مع المصطفى
  • تراجم وشخصيات
  • إدارة الذات
  • زهد ورقائق
  • مع الأحداث
  • قضايا معاصرة
  • القرآن الكريم وعلومه
  • التاريخ والحضارة
  • من بطون الكتب
  • الصفحة الرئيسية