صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ظاهرة التسول

د.محمد بن إبراهيم النعيم -رحمه الله-

 
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمن المعاصي التي لها عواقب في الدنيا ويجب الحذر منها: سؤال الناس تكثرا وعند المرء ما يغنيه. فما عاقبة من فعل ذلك في الدنيا؟ وما عاقبته في الآخرة؟ ومتى تجوز المسالة؟ وما موقفنا من ظاهرة التسول؟

لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سؤال الناس أموالهم من غير حاجة ماسة، وهُدد بالافتقار في الدنيا كل من سأل الناس تكثرا وعنده ما يغنيه، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً إِلاَّ زَادَهُ الله تَعَالَى بِهَا قِلَّةً) رواه البيهقي، قال المناوي رحمه الله تعالى: (وما فتح رجل باب مسألة) أي طلب من الناس يريد بها كثرة في معاشه (إلا زاده الله تعالى بها قلة) بأن يمحق البركة منه ويحوجه حقيقة اهـ.
وروى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: مَا نَقَصَ مالٌ قَطُّ مِنْ صَدَقَةٍ فَتَصَدَّقُوا وَلَا عَفا رَجُلٌ عَن مَظْلِمَة ظُلِمَها إلاّ زَادَهُ الله تَعَالَى بِها عزًّا فاعْفُوا يَزِدْكُمْ الله عِزًّا وَلَا فَتَحَ رَجُلٌ على نَفْسِهِ بابَ مَسألَةٍ يَسْأَلُ النَّاسَ إِلَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِ بابَ فَقْرٍ) رواه ابن أبي الدنيا.
فهذه عاقبة من سأل الناس أموالهم وعنده ما يغنيه أن يفقره في الدنيا ولا يبارك في رزقه.
أما عاقبة سؤال الناس تكثرا يوم القيامة؛ فهي أنه لن يكون في وجهه مزعة لحم، وبعضهم سيكون في وجهه خدوش كعلامة تميزه بذنبه أمام الخلائق، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تعالى وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) متفق عليه.
أما عقابه بعد الحساب فهو أكل الجمر، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّراً فإنَّمَا يَسْألُ جَمْراً؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ» رواه مسلم.
لقد طلب رسول الله أن يبايعه بعض أصحابه على عدم سؤال الناس شيئا، حيث روى عوف بن مالك الأشجعي قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ
بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا – وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً – وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا» فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ. رواه مسلم.

متى تجوز المسألة؟


ينبغي للمسلم أن يتعفف ويستغني عن سؤال الناس؛ لأن المسألة في الأصل حرام، وإنما أبيحَت للحاجة والضرورة، ولا يحل سؤال الناس أموالهم إلا في ثلاث حالات جاءت في حديث رواه قبيصة بن المخارق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ” يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ – وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ – فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا ” رواه مسلم.

ومعنى تحمّل حمالة: هو الرجل الغني الذي يحاول أن يصلح بين قوم تشاجروا في الدماء والأموال فيتوسط بينهم ويضمن لهم ما يرضيهم من دية أو غرامة، فهذا الرجل يجوز له أن يسأل الناس كي يسدد ما ضمنه؛ لأنه فاعل خير.

وروى سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا» رواه أحمد وأبو داود.
والتسول ظاهرة لا يخلو أي مجتمع منها، بل أصبح التسول شبكات وشركات شبه منظمة، وتكثر في المواسم، وللتسول صور عديدة، منها التسول في المساجد وعند إشارات المرور، وفي الأسواق، يستخدمون أساليب في استعطاف الناس من ارتداء ملابس بالية أو حمل الأطفال، وإنّ هذا النوع من التسول قد يدفع الأطفال إلى التسرب من المدرسة ويعرضهم إلى مظاهر الاستغلال، بل إلى مخاطر الانحراف والإجرام، خصوصا إذا كان المتسول فتاة أو امرأة.

ونوع آخر من التسول الآثم يظهر في بعض الفقراء الذين اعتادوا أخذ الزكاة كل سنة في رمضان من بعض الأغنياء، وترى بعضهم يتحسن وضعه المادي، ولكنه يستمر في أخذ الزكاة.

ونوع ثالث من التسول الآثم يظهر في بعض الناس الذين يتقدمون إلى الجمعيات الخيرية فيسألون المساعدة وعندهم ما يغنيهم.

قد يقول قائل: تكاليف المعيشة قد زادت ولا يلام من اضطر إلى التسول؟
أقول: نحن ننادي الضمير الحي في المسلم؛ لأننا نخاف عليه العقوبة في الدنيا والآخرة طالما أن لديه ما يغنيه، وواجبنا تجاه المتسولين يتلخص في عدة أمور:

أولا:
يجب أن لا نسيء الظن في كل متسول، وندعي أنه كاذب، فقد يكون صادقا في دعواه ووقعت عليه مصيبة اضطرته إلى السؤال.

ثانيا:
أن لا ننهر أي سائل امتثالا لأمر الله عز وجل حيث قال: } وأما السائل فلا تنهر{، فإما أن تعطيه أو تتركه، ويمكن أن تبحث في أمره لترى صدقه من كذبه.

ثالثا:
لو أعطيت السائل مالا وتبين كذبه؛ فلك أجرك كاملا إن شاء الله.

رابعا:
أن تتحرى في صدقتك وزكاتك ولا تعطها كل سائل؛ لكثرة المتسولين الكاذبين، وكما يقال: (الكاذب خرَّب على الصادق).

إننا إذ نحارب ظاهرة التسول شفقة بنا على هؤلاء المتسولين من العقوبة في الدنيا والآخرة، فعقوبتهم في الدنيا كما أسلفنا هو ملازمة الفقر لهم وعدم البركة في رزقهم.
فلنُحذّر هؤلاء من هذا الأمر؛ لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” مَنْ فَتْحَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ مِنْ غَيْرِ فَاقَةٍ نَزَلَتْ بِهِ، أَوْ عِيَالٍ لَا يُطِيقُهُمْ، فَتْحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَاقَةٍ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ” رواه البيهقي.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


كتب للمؤلف :
(1) كيف تطيل عمرك الإنتاجي ؟
(2) كيف ترفع درجتك في الجنة ؟
(3) كيف تحظى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؟
(4) كيف تنجو من كرب الصراط ؟
(5) أمنيات الموتى .
(6) كيف تملك قصورا في الجنة ؟
(7) أعمال ثوابها كقيام الليل .
(8) كيف تثقل ميزانك ؟
(9) كيف تفتح أبواب السماء ؟
(10) كيف تجعل الخلق يدعون لك ؟
(11) كيف تنجو من عذاب القبر؟
(12) ذنوب قولية وفعلية تكفرها الصدقة.
(13) أعمال أكثر منها النبي صلى الله عليه وسلم .
(14) كيف تسابق إلى الخيرات؟

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.محمد النعيم
  • مقالات
  • المؤلفات
  • الصفحة الرئيسية