اطبع هذه الصفحة


نعم هو الشيخ

عبدالملك القاسم

 
بسم الله الرحمن الرحيم


كلمة (الشيخ) إلى عهد قريب كانت تطلق على قاضي البلد، أو تتصرف إلى ذلك العالم الذي يرجع إليه الناس في الفتوى وتبيين الحكم الشرعي! وإن أطلقت على كبار السن فهي محمدة ومنقبة لقائلها.

وقد صدر أمر سام بمنح خريج كلية الشريعة هذا اللقب، وكان ذلك في بداية عهدها. واليوم لكثرة الخريجين وتمايز المشارب والمظاهر في هذه الدراسة تغيرت الأحوال!

وإلى عهد قريب أيضاً كان العلماء الربانيون يتدافعون اسم الشيخ ولا يرضون به خاصة إذا كان في مكان مدح أو ثناء! كانوا أقرب إلى الإخبات والسكينة بين يدي الله عزَّ وجلّ!

ومن الأمثلة الحية إن المسجد الذي يؤمُه العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله- وقف قديم منذ وقت الشيخ عبد الرحمن بن حسن –رحمه الله- صاحب فتح المجيد، فذكر للشيخ محمد بن إبراهيم أن البعض قد اعتدى على هذا الوقف، فطلب ورقة الوقف والتي كتب الشيخ عبد الرحمن بن حسن، فلما قرئت عليه وكان فيها: "وقف على مسجد دخنة الكبير" قال الشيخ محمد –رحمه الله- الله أكبر، لم يقل وقف على مسجد الشيخ، لأنه هو الشيخ المقصود". وقد ألقى بعض المقدمين لقباً للشيخ عبد العزيز – رحمه الله- فقال: أتمنى أن يكون لك وهو شيخ الإسلام عبد العزيز، فرد –رحمه الله- : " يكفينا عبد العزيز بن عبد الله والحمد لله.. الله المستعان نعم الله المستعان.. الله يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى.. الله يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى".

واذكر أن الجد –رحمه الله- ما كان يقبل أن يقال له الشيخ ويرده على من يناديه بذلك: وقد ذكر لي الشيخ زيد بن فياض –رحمه الله- أن رجلاً (وسماه) أتى للجد ولم يكن يعرفه من قبل فقال: أريد الشيخ فقال الجد –رحمه الله-: تعشَّ عندنا ونم وغداً أدلك على الشيخ: فلما أصبح الرجل وصلى التفت إليه وقال بالغت في إكرامي وأريد الشيخ: قال المشايخ في الرياض. ولا أذكر أن الوالد –رحمه الله- رضي بهذا أو أقره على نسفه، بل يقول كثيراً محمد بن قاسم. مجردة هكذا. واليوم يكتب أحدهم إليك رسالة: من الشيخ فلان.. ويسمي نفسه، وبعضهم إذا طُلب في الهاتف يجيبك من في المنزل: الشيخ غير موجود!

وسمعت أحدهم يوماً وهو يرسل أمراً مع كاتب: قولوا له هذه من الشيخ فلان، وذكر اسمه! أما كثرة التشكي والمتحدث يسهب في الدعوة وأنهم لا يقدرون المشايخ ولا طلبة العلم.. فالأمر متواتر والله المستعان.

وقد ذكر الإمام ابن القيم عن شيخه كلاماً نفيساً قال: ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، من ذلك أمراً لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيراً: مالي شيء ولا مني شيء ولا في شيء، وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:

أنا المكدى وابن المكدى
وهكذا كان أبي وجدي

وكان إذا أثني عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعد إسلاماً جيداً! واستمع إلى هذه المعاتبة اللطيفة من الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله- فقد استئذن في إلقاء قصيدة أمامه فقال: الشيخ: نعم تفضل فقال الشاعر:

يا أمتي إن هذا الليل يعقبه فجر
وأنواره في الأرض تنتشر
والخير مرتقب والفتح منتظر
والحق رغم جهود الشر منتصر
وبصحوة بارك الباري مسيرتها
نقية ما بها شوب ولا كدر..
ما دام فيها ابن صالح شيخ صحوتنا
بمثله يرتجى التأيد الظفر..

فقال الشيخ محمد: أن لا أوافق على هذا البيت، لأني لا أريد أن يُربط الحق بالأشخاص، كل شخص سيذهب فإذا ربطنا الحق بالأشخاص معناه أن الإنسان إذا مات قد ييأس الناس فأقول إ ن كان تبدل البيت فتقول ما دام فينا كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. ويواصل الطالب الأبيات.

فيرد عليه الشيخ: يا شيخ: لا تجيبها أبداً لا .. أبداً. الطالب: ابن العثيمين فقيهنا. فقال الشيخ: لا .. لا ما عندك غير هذا لا أوافق ما عندك غير هذا.. عطنا شيئاً غيره. وهنا التمس الحضور من الشيخ أن يدع الطالب يواصل!

فيرد الشيخ قائلاً: أبداً ما لها داعي يا رجال. أن أنصحكم من الآن لا تربطوا الحق بالرجال.. الرجال يضلون حتى أن ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة" الرجال إذا جعلت الحق مربوطاً بهم يمكن إنسان يغتر بنفسه ونعوذ بالله من ذلك ويسلك طرقاً غير صحيحة ولذلك أنا أنصحكم الآن ألا تجعلوا الحق مقيداً بالرجال.

أولاً: نسأل الله أن يثبتنا وإياكم من الزلل والفتنة وتعوذ بالله من ذلك.

ثانياً: أن بني آدم بشر ربما يغتر إذا رأي الناس يبجلونه ويكرمونه ويلتفون حوله، ربما يغتر وظن أنه معصوم ويدعي لنفسه العصمة وأن كل شيء يفعله هو حق وكل طريق يسلكه فهو مشروع ويحصل بذلك الهلاك، ولهذا امتدح رجل رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "ويحك قطعت عنق صاحبك أو ظهر صاحبك".

وأنا أشكر الأخ مقدماً وإن ولم أسمع ما يقوله في على ما يبديه من السرور نحوي وأسال الله أن يجعلني عند حسن ظنه وأكثر.

أما الأئمة الكبار فحسبك هذه الكلمات. قال يحيى بن معين: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، صحبناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الصلاح والخير. وكان –رحمه الله- يقول: نحن قوم مساكين.

رحم الله ضعفنا وطهر قلوبنا وأقوالنا وأعمالنا.


عبدالملك بن محمد القاسم

الدعوة – العدد 1941 – 17 ربيع الأول 1425هـ - 6 مايو 2004م

 

عبدالملك القاسم
  • الكتب والرسائل
  • المقالات
  • الصفحة الرئيسية