اطبع هذه الصفحة


ابني الأصغر

علي بن عبدالعزيز الراجحي


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابني الأصغريبلغ من العمر 7 أعوام كثير الحلف بالله كذباً خاصة عندما يأخذ أي مبلغ من المالفمثلاً عندما أقول له خذ ريال يأخذ ثلاث ريالات وعندما أكتشف كذبه يحلف أنه لن يعودوبعد فترة يعود. وهو شديد العناد والغير وخاصة من ابن أخيه الأكبر عندما يعلب مع جدهويقوم بضربه. ويكره الذهاب للمدرسة ويبكي بشكل شبه يومي عند الذهاب للمدرسة ولايسكت إلا عندما نعده بمبلغ من المال . ولا أومن بمبدأ الضرب لتربية الأطفال أرجوأفادنا مؤجرين كل خير بإذن الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أم جهاد السعودية - الغربية


الجواب :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أشكر الأخت أم جهاد على هذا الاهتمام بهذا الابن الله أسال أن يكون باراً بوالديه وأن يجعله قرة عين لهما .
الطفل بهذه المرحلة التي لها من الخصائص العمرية ما هي مختلف عن جميع المراحل العمرية . فالمرحلة العمرية التي يمر بها هذا الابن تشكل قاعة لحياته المستقبلية من حيث غرس الفضائل الإسلامية الفاضلة وتعويده عليها حتى تصقل سلوكياته وتصبح جزء من شخصيته المتميز .
ومن تلك الفضائل التي جاء بها هذا الدين الصدق وجعله صفه من صفات المؤمنين كما قال الله تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) .(سورة التوبة آية 119) وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ".(رواه البخاري ومسلم).

وهذه المشكلة التي تسأل الأخت عنها من المشكلات التي يتصف بعض الأطفال وهي مكونة من جانبين :

الجانب الأول :
الكذب وليس كذب المجرد وإنما كذب متراكما من كذب ومن أخذ مال لم يسمح بأخذه ومن الحلف على الكذب ، وعلاج هذا الجانب يكون بالوسائل المعينة على التخلص من الكذب فمن ذلك :
1ـ الاستعانة بالله تعالى ، ودعاؤه أن يخلصه من هذا الداء الخطير .
2ـ استشعاره سوء خاتمة الكذب بأن يكتب عند الله في صحائف الكذابين .
3ـ تنبيه بمراقبة الله ، ومراقبة الملائكة ، وأنها تكتب عليه كل شيء .
4ـ معرفته أن الكذب قد يؤدي به إلى ألا تقبل منه جميع أقواله في المستقبل .
5ـ تصوره أن النجاة الحقيقية في الصدق ، سواء في الدنيا أو في الآخرة ، وإن ظهر له بادئ الأمر أن النجاة في الكذب .
6ـ أن يتجنب ما يدعوه إلى الكذب ، من ذلك فعل القبيح الذي يدعوه للاعتذار كاذباً ، وكثرة المواعيد التي تدعوه للإخلاف ، ومجاراة الأصدقاء الكاذبين .
7ـ شراء القصص التي تشجعه على فضيلة الصدق والتحلي بها وكذلك التي تنفره من الكذب وخطورته .
8ـ سرد القصص والحكايات بالأساليب المختلفة المباشرة والغير المباشرة أثناء اجتماع العائلة واستخراج الفوائد منها .
9ـ كذلك يكون العلاج بصلاح البيئة المحيطة بالطفل ، فعندما ينشأ الطفل في بيئة يسلك فيها الجميع مسلك الصدق، فلن يكذب خاصة مع تهيئة الأجواء النفسية المريحة له في الأسرة . كذلك إذا اعترف الطفل بذنبه فيجب ألا يعاقب؛ لأن من اعترف بذنبه يجب أن يكافأ على هذا الاعتراف؛ ليتشجَّع على قول الصدق مرة أخرى، طبعًا مع التوجيه الرقيق كي لا يعود للخطأ، والاعتراف بالخطأ فضيلة كما يقال؛ ولذلك يجب أن تمنح طفلك ثقته بنفسه كي يكون قادرة على قول الصدق، وذلك عن طريق التشجيع بالمكافأة سواء معنوية أو مادية في كل مرة لا يكذب بها،

الجانب الثاني :

ما وصفه به هذا الطفل بأنه شديد العناد والغيرة مع غيره ، والطفل بهذه المرحلة العمرية من صفاته حب التملك والأخذ من غيره .
وضرب ابن أخيه وكراهية الذهاب إلى المدرسة والبكاء عند ذلك إلا بأخذ شيء من المال هذه المشكلة أخرى وعلاجها يتمثل بما يلي :
1ـ تعزيز العلاقة الحميمة بين هذا الطفل وغيره من الأطفال من تشجيعه بشراء هدايا لهم في المناسبات الاجتماعية المختلفة ، ويمكن فعل العكس من خلال تقديم هدايا للغير وجعلهم يقدمونها لطفلك .
2ـ تقصي أسباب هذا الجانب من المشكلة ، ما الأسباب الداعية له في ارتكاب هذه السلوكيات ، هل يشعر بالنقص ، أم يشعر بفقدان الحنان ، هل يسمع أحداً ويشاهد من يرتكب هذه التصرفات ؟
3ـ معرفة أسباب العناد والغير عند الأطفال فمن ذلك ما يلي :
أ ـ خوف الطفل أن يفقد بين أهله بعض امتيازاته كالمحبة والعطف، وكونه شخصًا مرغوبًا به، ويحدث هذا غالبًا عند مقدم مولود جديد يتصور أنه يزاحمه في هذه المحبة والعطف.
ب - المقارنة السيئة بين الأطفال، كأن يوصف أحدهما بالجمال، والآخر بالبشاعة مثلاً.
ج - الاهتمام بطفل دون الآخر، كولد يُحمل ويُداعب ويُعطى، وآخر يُزجر ويُهمل ويُحرم.
د - حب الطفل للحركة والنشاط، بينما يقوم الأهل بكبته في حياة مغلقة ليس فيها تجديد، ولا أي نوع من النشاط.
س - عدم إشباع رغبة الطفل الفضولية في اكتشاف ما هو مجهول بالنسبة له.
ع - تقليد أحد الأبوين في تصرفاته؛ لأن ردود أفعال الطفل مستقاة تمامًا من تصرفات المحيطين به.

*علاج هذه الأسباب يكون كما يلي:

1 - إشعار الطفل بالمحبة، وهذا ما كان يفعله رسولنا -عليه الصلاة والسلام- ويأمر أصحابه به، ويرقب تنفيذهم له وإليك هذا الحديث النبوي: كان النبي عليه الصلاة والسلام يخطب فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويتعثران، فنزل عليه الصلاة والسلام فحملهما، ووضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله عز وجل "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَة".. نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويتعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما". (رواه الترمذي والنسائي وأبي داود)
2 - تحقيق العدل بين الأطفال، وقد روى أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي عليه الصلاة والسلام فجاء ابن له فقبَّله وأجلسه على فخذه، وجاءت ابنة له فأجلسها بين يديه، فقال عليه الصلاة والسلام للرجل: "ألا سويت بينهما؟"، فالعدل مطلوب حتى بالقبلة.
3 – إفساح المجال للطفل للعب، والحركة، ومشاركته في لعبه.
4 - اختلاط الطفل بالأطفال من سنه؛ ليمارس طفولته، ويشعر بأنه مهم وله أصدقاء.
5 - الخروج بالطفل إلى المتنزهات والحدائق؛ ليرى الناس، ويشم الهواء الطلق ، وغير ذلك.
6 - توجيه النقد للفعل وليس للشخصية، كأن نقول إذا ضرب أخته: هذا خطأ، ولا نقول له: أنت شرير؛ لأنه سيأخذ هذه الصفات كأنها منه، وبذلك يكون انطباعات خاطئة عن نفسه قد تؤدي به إلى كره نفسه، وبالتالي إلى عدم قدرته على حب الآخرين.
7 - إشعاره بقيمته وذاته ودعمه بالمكافآت، سواء كانت مادية بسيطة أو معنوية .
8 - أهم شيء أن نتذكر أننا قدوة لأولادنا، وأن أفعالهم انعكاسات لأفعالنا، فهلا كنا قدوة حسنة لهم بدل أن نلقي باللوم عليهم! وهلا عودناهم أن نبرَّهم ونعطف عليهم وهم أطفال؛ كي يبرونا ويحسنوا إلينا ونحن شيوخ .
ومسك الختام عليك بالعلاج الرباني وهو الدعاء لهذا الابن بالصلاح والهداية والتوفيق وأن يجعله قرة عين لهذا العائلة المباركة .
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته


30/3/1430هـ

 

علي الراجحي
  • مقالات دعوية
  • رسائل وبحوث
  • علم الفرائض
  • علم أصول الفقه
  • سلسلة الفوائد
  • الاستشارات التربوية
  • مختارات متنوعة
  • الصفحة الرئيسية