اطبع هذه الصفحة


زوجي مشغول بالخير وبعيد عن أسريه

علي بن عبدالعزيز الراجحي


بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تزوجت وأنا ابلغ من العمر 22 من رجل مستقيم وإمام مسجد ...كنت في شدة إقبالي على الله ولم اثقل على أحد بتكاليف زواجي فكان بسيطا للغاية وتركت الوظيفة بعد أن أصبحت قاب قوسين أو أدنى بل كانت أكيدة ومع ذلك تركتها لقناعتي بأن بيتي وأبنائي هم أهم من أي شي بدأت حياتي بالتضحية والإيثار ..ولكن تفاجأت بزوج أناني لا يفكر إلا في نفسه ..أخذ من عمري وصحتي وحياتي وهو يعيش حياته ولا يهتم لأحد تركت دار التحفيظ وتركت الزيارات والتجمعات لا وقت عندي فأنا اصبحت أم لأربعة أكبرهم في سن المراهقة وأصغرهم لم يتجاوز العامين ..طوال اليوم ولا يرون أباهم ولا يسأل عنهم ...مشغول 24 ساعة ..من الصباح يخرج لصلاة الفجر ويرجع الساعة السادسة والنصف ينادي عليهم ببوري السيارة فيخرجون ويعود في الظهر لينام ويخرج بعد صلاة العصر ثم لا نراه إلا الساعة العاشرة بعد أن يكون الأبناء نائمين تعبت من المسؤولية وحدي فأنا من تدرس وتربي وتسمع وتحل مشاكلهم وعليه أعباء المنزل من طبخ وكنس وتنظيف أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد أنني لم ارى زوجي يوماً يعلم أولاده الصلاة أو أذكار أو عبادة أو أدب من الأداب وكل همه الحلقات والإشراف عليها... تعبت يا شيخ وأصبح الحمل فوق طاقتي كرهت زوجي وكرهت الحياة معه أصبحت متعبة نفسياً وكثيرة الإنفعال والعصبية فلم يقتصر الأمر على الإهمال العاطفي الحسي والمعنوي وإهمال رعاية الأبناء بل جمع مع ذلك فضاضة وقسوة وسوء خلق في التعامل معنا...فهو صامت غاضب طوال تواجده في البيت ...سكت وتحملت طوال 13 سنة لأنني لا أريد أن أفارق أولادي وحتى لا افسح المجال لبعض أقاربي بسب الدين والمستقيمين من خلال شخصية زوجي ..فتكتمت على حياتي وأسراري حتى عن أقرب الأقربين مني..تعبت وأصاب جسمي الإعياء وتساقط شعري من حالتي النفسية..أفتقد الحنان والحب ...أفتقد الجليس والأنيس..أفتقد الإبتسامة والضحك... حياتي عبارة عن بكاء وصراخ ومسؤولية وواجبات وحمل تنوء به الجبال ..فكيف بأنثى ضعيفة تفتقد الرحمة والأمان.. زوجي ظالم وأدعو عليه الليل بالنهار بأن ينتقم الله منه ويفضح حقيقته على رؤوس الأشهاد تقدم لي قبله الكثير من غير المستقيمين ورفضتهم و الآن أرى زوجاتهم بقمة السعادة سألت وأهتميت بالدين ونسيت أمر الخلق ...والآن فقط أدركت معنى حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما قال ..(من ترضون دينه وخلقه ...) مالحل ياشيخ ..أنا أكرهه كره لا يتصوره بشر بعد أن أحببته بكل مشاعري أخشى أن أخسر بسببه الدنيا والأخرة فبدلاً من أن يكون عوناً لي وهذا ما طلبته من زواجي أن يكون سبباً في ضياع أخرتي فقد اصبحت زوجة سيئة كارهة لزوجها تدعو عليه بالليل والنهار ... أولادي يعيشون المشاكل باستمرار..فأنا ان تكلمت أقام الدنيا ولم يقعدها وزعم أنني أنا المخطئة والمفروض اسكت وارضى ولا مع السلامة هو مستغني لماذا تضيع المعاني الجميلة في الحياة ... لماذا توجد قلوب بهذه القسوة .. كيف تعمى عين حافظ القرآن عن الحق وعن الرفق وعن الإحسان ...لماذا ينسى المعروف والجميل والتضحية حفظت بيته عن المحرمات ..وربيت أبنائي على الأخلاق والدين ... هل الطلاق هو الحل ... من المسؤول من الضحية ..ومن الجاني ... أعتذر يا شيخ فقد ضاقت عليه الدنيا ...وبلغ مني الحزن مبلغه وكتمت حتى ما عدت أستطيع الكتمان ..وصبرت حتى ضجر الصبر مني وأعلم أنه لا يملك الحل والتفريج إلا الله ...ولكن قد أجد من يرشدني أو يساعدني أرجوك يا شيخ ناصر رد على رسالتي على الإيميل ..وأعلم أن لديك من المشاغل والمسائل ما تعد مسألتي معه تافهه ولكن أريد أن ترشدني وتساعدني فأنا منذ كنت بالصف الأول متوسط أحرص على سماع محاضراتك وجمع أشرطتك وأشعر أنك ممن بصره الله وأنار عقله ولا أزكي على الله أحد والله يحفظكم ويرعاكم ابنتكم والسلام عليكم ورحمة الله .
 

الجواب :
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته :
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك المبارك استشارات موقع المسلم فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بالموقع في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يصلح لك زوجك وأن يغفر له وأن يتوب عليه .
فمن نعم الله جل وعلا أن من عليك بنعمة الزواج الذي تتمنه كثير من النساء والذي يستقرئ الواقع يجد مصادقاً لذلك ، والدنيا مليئة بالأفراح والأتراح وفيها من النعم وفيها من المصائب .
لا يخفى على أختي السائلة أن الزواج نعمة يمن الله سبحانه وتعالى على ما يشاء من عباده . وقد من الله جل وعلا عليك بزوج صالح ملتزم وهو إمام مسجد و محافظ على تلك الشعيرة العظيمة وهي الصلاة ومما يشرف على حلقات القرآن الكريم . وهذا المميزات في هذا الزوج صفات ومميزات يبحث عنها الكثير لبناتهم .
والشخص الملتزم كغيره يتعرض للضعف والتقصير والفتور في طريقه في هذه الحياة الدنيا وهي من صفات البشر .
أختي الفاضلة :
أن مشكلتك تنحصر فما يلي :
1ـ زوجك يتصف ببعض الصفات الغير إيجابية ومن ذلك سوء الخلق ومنها الأنانية .
2ـ إهمال الزوج للمسؤوليات التي عليه .
3ـ تحملك لمسؤولية البنت والأولاد .
4ـ دعوتك عليه .
5ـ الانفصال بين التدين والسلوك الممارس من قبل الزوج .

وأتباع الخطوات التالية يمكن أن تحل هذه المشكلة البسيطة والسهلة :

1ـ خدمة هذا الزوج بفرح وسرور وتفنن في التخلق بالأخلاق الجميلة والآداب الرفيعة .
2ـ جعل الزوج يعيش راحة نفسية معك فمن ذلك ما كانت تفعله أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مع زوجها النبي صلى الله عليه وسلم وقد استطاعت بهذا الفعل أن تكسب قلب الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أجد حتى أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته " وفي لفظ : ( طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين بأطيب ما أجد ) .
فهذا درساً عمليًا في حسن تبعل الزوجة لزوجها فهي التي تباشر بنفسها من غير أنفة ولا استعلاء، ولا ترفع ولا كبرياء لتطيب زوجها لتشعره بالمحبة والحنان ، والحب و الوئام ، فعملها مؤشر قوي على وجود المحبة ، فهي تترك أعمالها، وتدع أشغالها ، وتقوم من فراشها ، لتتفرغ لزوجها الذي يريد الخروج لمقابلة الناس ؛ فلا تدعه يخرج حتى تقوم هي بتطيبه بيديها وتضع الطيب على لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ومفارق رأسه ؛ ليكون زوجها في أبهى حلة ، وأجمل زينة ، وأعطر رائحة ، ولم يتوقف الأمر عند الطيب فحسب ، بل تختار أطيب ما عندها .. فهي تجتهد في خدمة زوجها .لتبرهن له مدى حبها له . وفرحها بخدمته وقضاء حاجته .
3ـ تهيئه الزوج عند الخروج والانصراف مصحوبا بالطيب والإبتسامة والدعاء له بالسلامة عاملاً مع عوامل تماسك الأسرة وسعادتها وقلة الخلاف وتفرقها، وذهاب الرتابة الزوجية .
4ـ استقباله حال دخوله المنزل من خلال لبس أجمل الثياب ، وتقبّله وسؤال عن حاله وظروفه اليومية ، أحضر له كأساً من الماء ، أحرص على ألا يشم مني إلا رائحة طيبة .
5ـ لا أرى أبداً ترك هذا الزوج بأي شكل من الأشكال ولا التهرب منه بل التقرب منه .
6ـ عدم التمانع عنه عندما يطلب أمر من الأمور العامة أو الخاصة .
7ـ الثناء على الزوج أمام الغير سواء أهله أو غيرهم .
8ـ عدم التضيق منه وكثر اللوم والعتاب عليه أثناء الجلوس معه حتى لا يضطر للخروج .
9ـ أن الزوج لو أدرك طبيعة دوره التربوي في الأسرة وعظم المسؤلية الملقاة على عاتقه أمام الله عز وجل لما فرط فيها، لما ورد في النصوص التالية من الحث والإحسان إلى الأولاد وأداء الأمانة إليهم، محذرة من إهمالهم والتقصير في حقوقهم كما قال سبحانه وتعالى :(إِنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانَات إلى أهلها) سورة النساء آية 58.
وقال تعالى :(يا أيُها الَذِين آمنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) سورة التحريم آية 6.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) متفق عليه .
وفي حديث ابن عمر في الصحيحين: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ).
10ـ حاولي أن تسندي بعض المسؤليات التربوية لزوجك واتفقي معه على أنها من واجباته مثال : أخذ الأولاد الذكور لحضور الصلوات المفروضة في المسجد
11ـ حضور بعض مجالس العلم معه لسماعه والإستفادة والإقتداء به.
12ـ مصاحبة لبعض أعماله التي تكسب أولاده خبرة ووعي وثقافة.. إلى غير ذلك.
13ـ اجعليه مشاركاً لك في بعض أعباء المنزل كقضاء لوازم المنزل من مأكولات وملابس معك، أو متابعة ومذاكرة لبعض أولاده معك.
14ـ الطلب منه المشاركة لكم في جلسة أسبوعية على الأقل لمعرفة أحوال أولادك ثم إلقاء بعض التوجيهات منه لهم.. إلى غير ذلك .
15ـ أن تذكري زوجك ببعض النصوص الوارد في حسن الخلق بالأسلوب المناسب والعبارة الجميلة مثل قال علي رضي الله عنه : ( حسن الخلق في ثلاث خصال : اجتناب المحارم وطلب الحلال والتوسعة على العيال ) .
وقال عبدالله بن المبارك : (هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى) .
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : (حسن الخلق ألا تغضب ولا تحقد) .
ويقول الإمام ابن عيينة : ( والبشاشة مصيدة المودة ، والبر شيء هين : وجه طليق وكلام لين )
فقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في حسن الخلق بان بين بأن صاحب الخلق الحسن من أحب الناس إليه يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا , فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا ) حسنّه الترمذي ، كما أخبر بأنه أكثر ما يدخل الجنة عندما سئل عن أكثر شيء يدخل الجنة فقال عليه الصلاة والسلام : ( فأكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق ) صححه الترمذي وقال غريب.
فعلى المسلم أن يدرس سيرته في كل جوانب حياته ليعلم كيف كان تأدبه مع ربه ومع الناس ومع أهله وأصحابه وغير المسلمين
ومن حسن الخلق معاشرة الزوجة بالإكرام والاحترام،وبشاشة الوجه وطيب الكلام، قال : صلى الله عليه و سلم :( خيركم خيركم لأهله؛ وأنا خيركم لأهلي ).
ولحسن الخلق فوائد منها:
1- حسن الخلق من أفضل ما يقرب العبد إلى الله تعالى.
2- إذا أحسن العبد خلقه مع الناس أحبه الله والناس .
3- حسن الخلق يألف الناس ويألفه الناس.
4- حسن الخلق سبب في رفع الدرجات وعلو الهمم.
5- يدرك المرء بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
6- حسن الخلق من أكثر ما يدخل الناس الجنة.

16ـ أين دور أهله : والدية وإخوانه لابد من أدخلهم في الحل .
17ـ الجلسات الهادئة بين الزوجين، وجعل وقت للحوار والحديث، يتخلله بعض المرح والضحك، بعيدًا عن المشاكل، وهذا له أثر كبير في الأُلفة والمحبة بين الزوجين
18ـ ما مدى علاقتك بأهل زوجك سواءً والديه أو أخوته ؟ أن تعزيز تقوية العلاقة بينك وبين أهل زوجك يساعد في جانب من مشكلتك من حيث تشجع الزوج على الذهاب إلى أهله ودعوتهم إلى المنزل ، وأيضاً أدخلهما في حل المشكلة .
19ـ لا أرأى الطلاق حل لهذه المشكلة .
ولا تنسي أختي من الدعاء الصادق في أوقات الإجابة أن يصلح هذا الزوج وان يجعله قرة عين لكم ، والله أسال أن يهدي هذا الزوج وأن يصلحه وأن يعود إلى رشده.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.

26/5/1430هـ

 

علي الراجحي
  • مقالات دعوية
  • رسائل وبحوث
  • علم الفرائض
  • علم أصول الفقه
  • سلسلة الفوائد
  • الاستشارات التربوية
  • مختارات متنوعة
  • الصفحة الرئيسية