صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الخيرية مظاهر ومجالات  

محمد بن ابراهيم بن سعود السبر

 
 

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، نحمده على نعمائه وعلى حسن بلائه، وصلى الله على خير عباده وخاتم أنبيائه وخلص أصفيائه، وعلى صحبه واتباعه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

عباد الله: يقول الله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

الخير اسم جامع لكل ما ينتفع به الإنسان، وهو بيد الله مالك الملك: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ)، وكل خير حصل من جهة العباد فلولا أنه تعالى أقدرهم عليه، وهداهم إليه لما تمكنوا منه.

وفعل الخيرات مهمة الأنبياء والمرسلين: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). والمُسارعةُ في الخيرات من علامات الصالِحين: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ). وكان من دعاء النبي ﷺ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ). فهو دعاء الله تعالى بالتوفيق والتسديد والإعانة على فعل الخير واجتناب المنكر. وهذا "يقتضي أن فعل الخيرات وترك المنكرات: إنما هو بفضل الله وتوفيقه وعصمته ". المنتقى للباجي 1/361

وفعل الخير قيمة تُؤدِّي إلى صلاح الأفراد والمُجتمعات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

وخيرية الأمة في وسطيتها واعتدالها، قال تعالى: (وكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). والوسط هاهنا: الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبا ودارا، أي: خيرها. (تفسير ابن كثير).

وأمة الإسلام أمة الخيرية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، فالأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المُنكَر سبب الخيرية وصِمام أمن المجتمعات الذي لو طُوِيَ بِساطُه، وأُهمِل علمُه وعملُه، لفشَت الضلالةُ، وشاعَت الجهالةُ، وخُرِّبَت البلادُ، وهلَكَ العباد، والإيمان سبب رئيس للخيرية والفلاح قال تعالى: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).

والخيرية تُلازِمُ المؤمنَ في كلِّ أحوالِه كلما كمُل إيمانُه، قال ﷺ: " عجَبًا لأمر المؤمن إن أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمُؤمن، إن أصابَتْه سرَّاءُ شكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضرَّاءُ صبَرَ فكان خيرًا له ". والخير كل الخير في تعلُّم القرآن وتعليمه، قال ﷺ: " خيرُكم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمه". وهذا حاد يدفعُ المُسلم إلى تعلُّم القرآن وتدبره، وحث أولاده على حفظه؛ فالخيرُ كل الخير فيه، وليسعَدوا في الدنيا والآخرة.

والخيريَّة بالفقه في الدين، وطلب العلم الشرعي، قال ﷺ: " من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدين ".

وتعظيمُ حُرُمات الله سبب الخير والبركة: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ). وحُرُماتُ الله هي حقوقُه، والقيامُ بحقِّ الرسولِ ﷺ، والقيام بحق عباده.

والخيريَّة في صدق النية واللسان ونظافةُ القلب، (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)، وهذا يتطلَّبُ مُجاهدةً قويَّةً لتنظيفه من الهوى والغل والحسد، (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا).

ومن خيريَّة الولاة والأُمراء محبَّة الرعية لهم والدعاء لهم، قال ﷺ: "خيارُ أئمَّتكم الذين تُحبُّونَهم ويُحبُّونَكم، ويُصلُّون عليكم وتُصلُّون عليهم".

ومن الخيريَّة التحلِّي بحُسن الخُلُق، قال عبد الله بن عمرو:" لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ ﷺ فَاحِشًا ولَا مُتَفَحِّشًا، وإنَّه كانَ يقولُ: إنَّ خِيَارَكُمْ أحَاسِنُكُمْ أخْلَاقًا ". رواه البخاري.

والخيريَّةُ للمُؤمن القويِّ، قال ﷺ " المُؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المُؤمن الضعيفِ، وفي كلٍّ خير"، والقوة المحمودة هي قوة الإيمان، والعلم، وقوة النفس والإرادة، ويضاف إليها قوة البدن إذا كانت معينة لصاحبها على ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والطاعات.

ومن الخيريَّة أداء الحقوق وقضاء الديون؛ قال ﷺ:"إن خيارَكم أحسنُكم قضاءً" رواه البخاري.

من أماراتِ الخيريَّة في الرجُلِ حُسن عِشرتِه لأهلِه وأسرته؛ فعن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: قال رسولُ الله ﷺ: " خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي ".

ومن أمارات الخيريَّة في المرأة المسلمة التعفُّف، قال تعالى:(وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ)، رِداءُ العفَّة طُهرٌ ونقاءٌ، والخير في حسن التبعل للزوج، وتربية الأبناء، والبعد عن التبرُّج والسفور.

والحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، وأنزل الله على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم؛ قال تعالى:" يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ".  

والمؤمن يطول عمره ويحسن عمله، وفي الحديث:" خيرُكُم مَن طالَ عُمرُهُ، وحسُنَ عملُهُ ".

والتوبة الصادقة خير، والرجوع عن الخطأ خير، والله عرض على المنافقين التوبة من الكفر والنفاق فقال‏:‏ (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ). لأن التوبة، أصل لسعادة الدنيا والآخرة‏.‏

ومن الخيريَّة مُرابطةُ جنودنا الأبطال على الثُّغور والحدود، يحمون الدين والأرض ويذودون عن العِرض، ويقطعون دابِر المُعتدِين، ويضربون أوكار الإرهاب والخيانة، قال ﷺ:" رِباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضِعُ سوط أحدِكم من الجنَّة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوحةُ يروحُها العبدُ في سبيل الله أو الغَدوةُ خيرٌ من الدنيا وما عليها ". رواه البخاري. وقال ﷺ:" رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيرٌ مِنْ صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وَإنْ ماتَ فيهِ جَرَى عَلَيْهِ عمَلُهُ الَّذي كَانَ يَعْمَلُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزقُهُ، وأمِنَ الفَتَّانَ" رواهُ مسلمٌ.

اللهم انصُر جنودنا المُرابِطين، وثبِّت أقدامَهم، وسدِّد رميَهم، وكُن لهم مُؤيِّدًا وظهيرًا يا قويُّ يا عزيزُ.  

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى. واعلموا عباد الله أن المؤمن الحق لا يحتقِرُ من الخير شيئًا مهما دقَّ أو قلَّ :(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ). بل إنه يسعى جاهداً للدلالة على فُرص الخير ومجالاته وإشاعته في المجتمع، قال ﷺ: " من دلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجرِ فاعلِه ".

ومن الفُرصِ العظيمةِ لتنميَةِ الخير في النفوس وإشاعته في المجتمع اغتنام مواسم الفضل في العمل الصالح كالعشر من ذي الحجة، ويوم عرفة، وعاشوراء، ويوم الجمعة، وغيرها؛ فكلها مواسم خير تُعيدُ للقلوبِ صفاءَها بعد كدَر الدنيا، وللنفوسِ جمالَها بعد شواغِل الحياة، وللضمائِر نقاءَها بعد لوثَات الفتن.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه إلى كل خير، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا وموتى المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
محمد السبر
  • خطب دعوية
  • مقالات دعوية
  • تحقيقات وحوارات صحفية
  • الصفحة الرئيسية