اطبع هذه الصفحة


نعمة الماء وخطر الآبار المكشوفة

محمد بن ابراهيم بن سعود السبر

 

الحمد لله، الملك العلام، ذي الجلال والإكرام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك أحل الحلال وحرم الحرام، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ونبيه المرتضى ورسوله الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إِن هو إلا وحي إلا يوحى.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

عباد الله، إن نعم الله تعالى على عباده لا تُحصى ولا تستقصى، قال سبحانه:﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ﴾ ، ﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُۥ ظَٰهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ﴾، فعطاؤه ممدود، وفضله محمود، يهبه لمن يشاء ليذكره، ويحمده ويشكره، ومن عرف النعمة شكر، ومن أنكرها خاب وخسر.

وقد امتن المنان على عباده بنعمة الماء الذي هو نواة وجود الكائنات ومصدر إمداد البشرية بالبقاء، ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۢ بِقَدَرٍۢ فَأَسْكَنَّٰهُ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ﴾. وهذه النعم قد لا يبالي الناس بها لإلفهم لها واعتيادهم عليها، إن وجدت وجدت الحياة، وإن فقدت فلا تغني عنه كنوز الكون لو حضرت بين يدي فاقده: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾. فالماء الغور الذي يذهب في الأرض ويغيب فيها فلا ينتفع منه، ﴿أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا﴾. ﴿فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾. والماء المعين الدافق الجاري يسيل فوق الأرض تراه الأعين وتناله الأيدي والدِلاء، وإذا قل الماء ونقص فهو المغيض، الذي نزل في الأرض وغاب فيها، كما قال تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ﴾.  

وأقدر الله القدير عباده على حفر الأرض لجلب المياه العذبة، وتوفرت الآلات الحديثة التي تحفر أعماق الأرض وتستخرج بها المياه، ولكنها قد تتعرض للإهمال غالباً من المقاولين والأفراد فلا يُحكم ردمها ولا تحصينها وغدت الآبار الارتوازية المكشوفة خطراً على الناس خاصة الأطفال لأنهم لا يدركون خطورتها وقد وقعت حوادث سقوط مروعة مما سبب مآسي وجروحاً لا تندمل.

ومن القواعد الشرعية، أنه لا ضرر ولا ضرار، وأن الضرر يزال، قال ﷺ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ» متفق عليه، بل حتى الإضرار بالبهائم والحيوانات لا يجوز، فقد صح عنه أنه قال ﷺ «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ». وكلما عظم الضرر عظم الإثم، فترك البرك والخزانات والمسابح وأعمال البناء بلا تسوير وإحاطة، مما يلحق به الضرر في الانفس، وهو جرم خطير، وسلوك مشين، يترتب عليه كفارة القتل الخطأ، أو تكلفة رفع الضرر، أو تعويض المتضرر، وغيرها مما قد يوجبه القضاء الشرعي.

فاتقوا الله عباد الله ولا تلحقوا الأذى بالآخرين فإن ربكم يقول: ﴿وَالَّذِينَ يُؤذُونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكتَسَبُوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهتَانًا وَإِثمًا مُبِينًا﴾، وتعاونوا على ابلاغ الجهات المعنية للتعامل مع الآبار المكشوفة وغيرها عملا بقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهديِ والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله عباد الله، ثمّ اعلموا أن الله جل وعلا أمرنا بأمر عظيم تزكو به حياتنا، وتسعد به أنفسنا، وتطمئن به قلوبنا، ألا وهو الإكثار من الصلاةِ والسلام على النبيِّ المختار. اللهم صل وسلم على نبينا ورسولنا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية العشرة وأصحاب الشجرة وعن سائر الصحابة أجمعين. 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأصلح ولاة أمرهم يا حي ياقيوم، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لكل خير، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبتنا على دينك وتب علينا، ربنا اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واصلح ذرياتنا، واغفر لوالدينا وأرحمهم، وارحم موتانا، واشف مرضانا، وفرج همومنا، واقض ديوننا برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

 

 
  • خطب دعوية
  • مقالات دعوية
  • تحقيقات وحوارات صحفية
  • الصفحة الرئيسية