اطبع هذه الصفحة


عودة المدارس آداب وتوجيهات  

محمد بن ابراهيم بن سعود السبر

  

الحمد لله؛ الرحيم الرحمن، خلق الإنسان، علَّمه البيان، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، رفع منزلة أهل العلم والإيمان﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه ربه معلمًا وهاديًا وبشيراً، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا مزيدًا، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى  ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾.

ويتجدد مشهد من الخير جديد، عندما يتجه آلاف الطلاب والطالبات إلى المدارسِ والمعاهدِ والجامعاتِ، في بداية تسرُ الناظرَين؛ عندما يسري العلم في الأمةِ، ويتضعضعُ الجهل أمامَ إشراقةِ الفكرِ، في طريقٍ نهايته العزِ والرفعةِ، وعاقبته نجاح الدنيا وفوز الآخرة: " ومن سلكَ طريقاً يلتمسُ فيه علماً سهلَ اللهُ له به طريقاً إلى الجنةِ " رواه مسلم.

إن مهمة التربية والتعليم ليست مقتصرةً على المدرسة وحدها بل للوالدين فيها النصيب الأكبر، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.

وهذه الآية الكريمة أصل في تعليم الأهل والذرية، قال علي رضي الله عنه عن هذه الآية: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ﴾. "علموهم وأدبوهم"، رواه الحاكم وصححه، وعن الضحاك ومقاتل رحمهما الله قالا: "حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه". (ابن كثير 8/167).

والوالدان مربيان مؤثران؛ قال النبي ﷺ: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ". وقال ﷺ: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر".

وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه

وما دان الفتى بحجى *** ولكن يعوده التدين أقربوه

ومن أنفق المال في تعليم أهله وأبنائه فهو مأجورٌ إذا احتسب؛ قال ﷺ: " إذا أنفق الرجل على أهله نفقةً يحتسبها فهي له صدقة" متفق عليه.

إنه من الخطأ أن يهتم بعض الآباء والأمهات بجانب النفقة وتوفير الملبس والمأكل دونما عناية بالجانب الأهم وهو غذاء القلب والروح

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته *** أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على النفس فاستكمل فضائلها *** فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

والجميع مطالبون بتربية النشء كما كانت تربية الجيل الأول؛ فعن سعد بن أبى وقّاص أنه قال:" كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله ﷺ كما نعلمهم السورة من القرآن".

معشر الآباء والأمهات: اغرسوا في قلوب أبنائكم حب العلم والعلماء، علموهم الأدب قبل أن يجلسوا في مجالس العلم والطلب، فهذه أم الإمام القبس مالك بن أنس رحمة الله عليه وعليها، لما أرد أن يطلب العلم ألبسته أحسن الثياب ثم أدنته إليها، ومسحت على رأسه، وقالت: يا بنيّ أذهب إلى مجالس ربيعة، وأجلس في مجلسه، وخذ من أدبه ووقاره وحشمته قبل أن تأخذ من علمه.

معشر المدرسين والمدرسات: مهنتكم من أعز المهن، وقد قيل كاد المعلم أن يكون رسولاً، فهي وظيفة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فجملوا هذه المهنة بالإخلاص والجد وأداء الأمانة، وتحقيق العدل فلا يُفضل أحد على أحد، واتبعوا القول بالعمل

يا أيها الرجل المعلم غيره***هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضـ***ـنى كيما يصح به وأنت سقيم

ونراك تصلح بالرشاد عقولنا *** أبداً وأنت من الرشاد عديم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها***فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

معاشر الطلبة والطالبات: ها قد عدتم إلى مقاعد الدراسة، والعود أحمد إن شاء الله، فجددوا النية وأخلصوها لله تعالى، واستحضروا تقوى الله، واعلموا أن الأدب مفتاح العلم، والاحترامُ أساسُ الطلب

لا تحسبنَّ العلمَ ينفعُ وحدَه*** ما لم يتوج ربُه بخلاقِ

يقول الإمام الشافعي رحمه الله: كنت أصفح الورقة بين يدي شيخي مالك صفحاً رقيقاً لئلا يسمع وقعها، ويقول الربيع: والله ما اجترأت أن اشرب الماء والشافعيُ ينظرُ إليَّ هيبةً له.

جدوا واجتهدوا، فمن لم يتحمل ذلَ التعلمِ ساعةً، بقي في ذل الجهل أبداً، ومن لم تكن له بداية مُحْرِقة لم تكن له نهاية مشْرِقة.

وتذكر أخي الطالب أن معلمك ﷺ قال:" المرء على دين خليله"، و:" المرء مع من أحب"، و: " لا تصاحب الا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ". ألا ففر من المجذوم فرارك الأسد!

إذا ما صاحبت القوم فاصحب خيارهم***ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

نسأل الله العلمَ النافعَ والعملَ الصالح، اللهم علمنا ما ينفعنا وزدنا علماً وعملاً يارب العالمين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقولُ قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتفقهوا في دينكم، واقتدوا بالمعلم الأول ﷺ في تعليمه، وتربيته، وفي أخلاقه؛ وحريٌّ بالمعلمين والمربين، اقتفاء أثره والاهتداء بهديه؛ ففيه الخير كل الخير.

وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيِّكم محمد رسول الله، فقد أمرَكم بذلك ربُّكم فقال في محكم تنزيله، وهو الصادق في قيله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك، محمد الرسول المصطفى، والنبي المجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة، وأصحاب الشجرة، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفِّق وليَّ أمرنا ونائبه لما تحب وترضى، اللهم أعذنا من الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفِّسْ كروبنا، وعافِ مبتلانا، واشفِ مرضانا، وارحم موتانا.

﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.​

 

 
  • خطب دعوية
  • مقالات دعوية
  • تحقيقات وحوارات صحفية
  • الصفحة الرئيسية