اطبع هذه الصفحة


خُطْبَةُ الْحَذَرُ مِنَ التَّشَاؤُمِ بِصَفَرَ ([1])

 

محمد بن ابراهيم بن سعود السبر

  

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَدَّرَ اﻷمُورَ وَقَضَاهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، أَظَهَر الْأَدِلَّة عَلَى وَحْدَانِيَّته وَجلَّاهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَيْرُ الْبَرِّيَّةِ وَأَزْكَاهَا الْمَبْعُوثُ إِلَى جَمِيعِ الْبَشَرِيَّةِ أَدْنَاهَا وَأقْصَاهَا، صَلَّى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلِهِ وَصحْبِهِ، وَأتباعِهِ، وَسلّمَ تسليمَاً.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -مَعَاشِرَ المُؤمنينَ-، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ؛ لقدْ جَاءَ اﻹسْلامُ بِنُورِهِ الوَضَاءِ؛ فَأَبْطَلَ مَسَائِلَ الْجَاهِلِيَّةِ وَمُعْتَقَدَاتِهَا الْبَاطِلَةِ وَأَوْهَامِهَا الزَّائِفَةِ؛ وَمِنْ ذَلِكُمُ التَّشَاؤُمُ وَالتَّطَيُّرُ، فَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِّيَّ الله عَنْهُ-، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ». فَنَفَى ﷺ مَا كَانَ يَعْتَقِد أهْل الْجَاهِلِيَّة مِنَ أَنَّ الشَّيْء يُعَدِّي بِنَفْسه دُونَ تَقْدير الله تَعَالَى، وَنَفَى مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ التَّشَاؤُمِ بِالْأَيَّام وَالشُّهورِ وَالطُّيُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور، وَأَنَّ صَفَرَ شَهْرُ حُلُولِ الْمَكَارِهِ؛ فَلَا يَتَزَوَّجُون فِيهُ؛ وَلَا يَمْضُون تِجَارَةً أَوْ سَفَراً.

وَمَنْ رَكَّن إِلَى الطِّيَرَةِ وَالتَّشَاؤُمِ فِي أُمُورهِ فَقَدْ فَتَحَ عَلَى نَفْسِهِ بَابَاً عَظِيماً مِنْ الشَّرّ تَدْخُلُ مِنْهُ الْوَسَاوِسُ وَالْأَوْهَامُ؛ فَيَضْعُفُ قَلْبُهُ وَيَخَافُ مِنْ كَلّ شَيْء وَيَتَعَلَّقُ بِالْمَخْلُوقِينَ دُونَ اللهِ تَعَالَى فَتَنْقَلِبُ حَيَاتهُ هَمّاً وَغَمّاً وَحُزْناً وَنَكَداً.

وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللهِ تَعَالَى لَا رَادَ لَمَّا أَعْطَى وَلَا مُعطِيَ لَمَّا مَنَعَ، سَأَلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحُكْمِ -رَضِّيَّ الله عَنْهُ- النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: وَمِنَّا أُنَاسٌ يَتَطَيَّرُونَ فَقَالَ: «ذَاكَ شَيْء يَجِدهُ أحَدكُمْ فِي نَفْسه فَلَا يَصُدَّنّكُمْ». أيْ عَمَّا أَرَدْتُم وَقَصَدْتُم مِنْ الْأَعْمَالِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ إِذَا عَزَّمَ عَلَى أَمْرٍ وَأَرَادهُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ التَّشَاؤُمُ بِسَبَبٍ مَسْمُوعٍ يَسْمَعهُ أَوْ مَعْلُومٍ يُدْرِكهُ أَوْ مَرِّئِي يُشَاهِدُهُ أَلَا يَرْجِعَ عَمَّا عَزَمَ عَلَيْهُ بَلْ يَمْضِي مُتَوَكِّلَا مُسْتَعِينَاً بِاللهِ تَعَالَى.

وَقَدْ حَثّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى كُل مَا هَوَ سَبَب لِلْفَلَاَحِ وَالنُّجَّاحِِ؛ فَقَالَ:« لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَة وَيُعْجِبنِي الْفَأْل». قِيلَ وَمَا الْفَأْل؟ قَالَ:« الْكَلِمَة الطَّيِّبَة»، فَإِذَا اِسْتَبْشَرَ الْمُؤْمِنُ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَزَادَتهُ نَشَاطَاً عَلَى الْخَيْرِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٍ.

فَلَيَتَّقْ اللهَ مَنْ اِسْتَجَابَ لِلظُّنونِ الْكَاذِبَةِ وَالْأَوْهَامِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يُلْقِيهَا الشَّيْطَانُ، وَلََيَمْضِ فِي عَمَلهِ، وَلََيَقُل: اللَّهُمَّ لَا خِيرَ إِلَّا خَيْركَ وَلَا طِيرَ إِلَّا طَيْركَ وَلَا إلَهَ غَيْركَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِكَ.

وَاِعْلَمُوا أَنَّ الطِّيَرَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْغَيْبِ، ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

الَّلهُمَّ اِمْلَأ قَلُوبنَا ثِقَةً بِكَ وَتُوكِلَا عَلَيْكَ وَطُمَأْنِينَةً بِذِكْركَ يَا ذَا الْجَلَاَلِ وَاﻹكْرَامِ.

أقوُلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلكُم وَلسَائرِ المُسلِمينَ مِنْ كُلِ ذنبٍ وخطيئةٍ، فَاستغفِرُوهُ، إنَّهُ هَوَ الغفورُ الرَحِيمُ.

 

الخُطبةُ الثَّانية

 

الحَمْدُ للَّهِ وَكَفَى، وَسَلامٌ عَلى عِبَادِهِ الذينَ اصْطَفى، وَبَعدُ؛ فَاتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التقوَى، وَعَلِّقُوا قَلُوبَكُمُ بِهِ وَاُدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ورَغَّبَاً وَرَهَّبَاً، وَحَقِّقُوا إيمَانكُمْ بِصِدْقِ الْاِعْتِمَادِ عَلَى اللهِ وَحْدَهُ فِي جَلْبِ كُلِّ خَيْرٍ وَدَفْعِ كُلِّ ضَرٍّ،﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ.

 

ثُمَّ اعلَموا -رَحِمَكُم اللهُ- أنَّ اللهَ أمرَكُم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقالَ فِي مُحكَمِ تنزيلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.

الَّلهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ الَّلهُمَّ عن خُلفائِهِ الراشِدينَ، الذينَ قضَوا بالحقِّ وبِهِ كانُوا يَعدِلُون: أبِي بكرٍ، وَعُمرَ، وَعُثمانَ، وَعليٍّ، وَعَنْ سَائرِ الصَحَابةِ أجمعينَ، وَعنَّا مَعهُم بجُودِكَ وَكرَمِك يَا أكرَمَ الأكرَمِينَ.

 

الَّلهُمَّ أعِزَّ الإسْلامَ وَالمُسلِمينَ، وَاجْعلْ هَذَا البلدَ آمنًا مُطمَئنًّا وَسَائرَ بِلادِ المُسْلِمينَ.

 

الَّلهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الحَرَمينِ الشَرِيفَينِ، وَولِيَ عَهدِهِ لمَا تُحبُ وترْضَى، يَا ذَا الجَلالِ والإكْرامِ.

 


 

([1]) للشيخ محمد السبر https://t.me/alsaberm

 

 
  • خطب دعوية
  • مقالات دعوية
  • تحقيقات وحوارات صحفية
  • الصفحة الرئيسية