اطبع هذه الصفحة


المؤسسة الدينية في العالم الإسلامي

طارق حسن السقا

 
نشرت جريدة الحياة اللندنية الصادرة يوم الخامس من أكتوبر 2003 م مقالا للدكتور مصطفى الفقي بعنوان "الصمت الإسلامي.... مخاوف المستقبل". والدكتور الفقي من المفكرين المحترمين في العالم العربي. وفي هذا المقال أبدى قلقه من تزايد عمليات خطف الرهائن ونحر المحتجزين في العراق مما يشوه صورة الإسلام ومستقبل علاقته مع الأديان الأخرى. وانتقد الكاتب الصمت على ما يحدث في العراق. وانتقد المؤسسة الدينية الإسلامية وقال إنها لم تقم بدورها المطلوب، بل ظلت محدودة التأثير. محلية المواقف وقال كم هي ضعيفة التأثير متهالكة البنيان يقودها موظفون أكثر منهم علماء دين لم يتخذوا من المواقف الدينية والقومية ما يبرئ ساحة المسلمين منها، كما وقفت حدود إدانتهم عند التصريحات العابرة والبيانات المكررة . إلى غير ذلك مما ذكر الكاتب .

ونحن مع الدكتور الفقي في بعض ما قال . إلا أن الأنصاف يدعونا إلى تقرير عدة حقائق عن المؤسسة الدينية في عالمنا الإسلامي : أذكرها علها تساهم في إكمال زوايا صورة تلك المؤسسة في عالمنا الإسلامي : -

أولا :- إن المؤسسة الدينية في كل بلدان العالم الإسلامي وبلا استثناء ما هو غير ديكور قيم في بلاط الحكام . وأن الدور الأكبر لهذه المؤسسة هو دور تجميلي أكثر من شيء آخر . وظهور رجال الدين إما في المحافل الرسمية وأمام عدسات الكاميرات ، ما هو إلا أحد الخلفيات التي تحرص المؤسسة السياسية عليها لتظهر الصورة أمام الجماهير أكثر صدقا . والحقيقة هي غير ذلك .

ثانيا :- إن المؤسسة الدينية في كل بلدان العالم الإسلامي مؤسسة قاصر . لا سلطان لها ولا حرية لها وليس لها أن تدلي حتى بدلوها حتى في أخص ما يلزمها إلا بعد ورود الضوء الأخضر وهذه هي الحقيقة وإن تشدق البعض بغير ذلك .

ثالثا :- إنه لمن الظلم البين تحميل المؤسسة الدينية في عالمنا الإسلامي اليوم و في ظل هذا الواقع المتردي الذي تحياه تلك المؤسسة المفترى عليها ما لا طاقة لها به . فأنا لها وهي المقيدة، المسلسلة و المحصورة في هذا النطاق ألتجميلي الضيق أن تسأل عن هذا الواقع المتردي؟!!!! .

رابعا :- إن واجب كل غيور في عالمنا الإسلامي أن يعمل على فك قيود المؤسسة الدينية . وأن يدعو لجعلها مؤسسة حقيقية . مؤسسة علماء وأتقياء وليس محترفي نفاق ورياء . مؤسسة تكون لها من الصلاحيات ما يجعلها تعالج، وتعدل، وتغير، وتبدع في واقعتا العربي المترهل . مؤسسة قوية تعمل على إعادة تشكيل العقل العربي المسلم وفق سماحة المنهاج السليم . مؤسسة تكون لها اليد الطولي في الحوار والنقاش والإصلاح والتغيير نحو الأسمى والأفضل . مؤسسة تكون لها من الصلاحيات ما يجعلها تحظى باحترام وتقدير الجميع . مؤسسة قوية تتكاتف جهودها مع بقية مؤسسات المجتمع من أجل إعادة بث الروح في البدن العربي المتهالك .

خامسا :- إن الواقع البئيس الذي وصلت إليه الأمة لن يبرأ إلا بوجود مؤسسات دينية قوية . فلو كانت عندنا مؤسسات دينية قوية محترمة لما تطرف المتطرفون ، ولما كفر المكفرون ، ولما قتل القاتلون ، ولما فرط المفرطون في الأمة ، ولما مات الانتماء من عند الشباب ، ولما وقعت الأمة في حبال أفكار الغرب، وثقافة الغرب، وفكر الغرب، وفلك الغرب . لو كانت عندنا مؤسسة دينية قوية لما تجبر الحكام . ولما فرطوا ، وخانوا. لأنهم كانوا سيجدوا من يردهم إلى الله ردا جميلا . لو كانت عندنا مؤسسات دينية قوية لما استباح الكلاب لحمنا وأرضنا ومقدساتنا . لأنهم يعلمون أن هناك في الأمة علماء أتقياء تلتف الأمة حولهم . وعند الضرورة سيتحول هؤلاء إلى دروع بشرية تحمل أكفانها على اكفها إما النصر وإما الشهادة .

سادسا :- إن وجود المؤسسات الدينية القوية في بلادنا فيه مصلحة للشرق قبل الغرب ، وللحكام قبل المحكومين . ولذلك فمن الأبعاد الإستراتيجية التي يجب أن يحرص عليها الجميع هو أن نعمل على وجود تلك المؤسسات الدينية القوية في مجتمعاتنا . لأن هذه المؤسسات الدينية القوية ستخلق حالة من الاستقرار والتوازن عند أفراد المجتمع . فالدين قوة محركة هائلة في حياة الشعوب . إن لم توظف تلك القوة بقدر وبفهم ووعي فقد تؤتي بنتائج لا طاقة لأحد بها . وهذا هو الواقع فلقد عجزت أمريكا والغرب والشرق والعالم مجتمعين على مواجهة سلطان الدين حينما سيطر على البعض بغير فهم وبدون وعي . وهنا يبرز أهمية وجود المؤسسات الدينية ألحقه في بلاد المسلمين .

سابعا : - أن العالم الذي يقبل أن يعمل في المؤسسة الدينية بوضعها الحالي . ويرضى لنفسه أن يوضع في" برواز" . أو أن يوضع في " مزهرية " صغيرة فوق ثلاجة كبيرة داخل "مطبخ"واسع أو يقبل أن يكون" تحفة"قيمة في ركن من أركان "غرفة" في قصر من قصور الحكام . يسئ لنفسه ولتاريخه بل ولتاريخ العلماء أجمعين . وهذا ما يجب أن تتضافر الجهود لتغيره من واقع بلاد المسلمين .
 

طارق السقا
  • الفرد المسلم
  • الأسرة المسلمة
  • المجتمع المسلم
  • الحكومة المسلمة
  • أستاذية العالم
  • أعداء الأمة
  • الصفحة الرئيسية