اطبع هذه الصفحة


البصمات اليهودية في الحملة الفرنسية

طارق حسن السقا

 
من الصفات الملازمة للشخصية اليهودية عبر التاريخ صفة استغلال الأحداث وتوظيفها لمصلحتهم التوظيف الأمثل . فالثابت تاريخيا أن اليهود حاولوا استغلال حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798م وتوظيفها لمصلحتهم . لتحقيق عدد من المكاسب التي تخدم المصالح اليهودية وتفت في عضد امتنا الإسلامية . وبذلوا في ذلك الغالي والنفيس. ولكن كيف – ولماذا - حاول اليهود استغلال هذا حدث الحملة الفرنسية على مصر والشام ؟

معلوم أن الرغبة الفرنسية في احتلال مصر العربية كان هدفا قديما , يلمع في الذاكرة للفرنسية من حين لآخر, ويتجدد من ان لا خر , حتى سنحت الظروف بهذا الاحتلال . ولقد تعددت أهداف الحملة الفرنسية وتنوعت. فكا ن من ضمن أهدافها : الثأر من العار الذي لحقهم في معركة المنصورة سنة (648هـ = 1250م) والذي اسر فيها كبيرهم - التاسع عشر - لويس , وكذلك الانتقام لفشل الحملة الصليبية الخامسة سنة ((618هـ= 1221م) ) علي يد الملك الكامل . كذلك كان من أهدافها الرغبة الفرنسية في عقاب المماليك الذين ساهموا في كسر الغرور الفرنسي من قبل ، وأيضا البحث عن طريق تجاري آخر بعد استيلاء الإنجليز على طريق رأس الرجاء الصالح وتضييقهم على السفن الفرنسية في الإبحار فيه، لذلك تولدت رغبة فرنسية في مواجهة النفوذ البريطاني ، المتزايد ، بهدف التشويش على طرق التجارة البريطانية , وبالقضاء على مراكزهم التجارية في البحر الحمر, ومن الأهداف أيضا رغبة فرنسا في العمل على شق قناة برزخ السويس . كما وكان من بين الأهداف التي وضعها الفرنسيون من حملتهم على مصر والشام رغبتهم أن تكون مصر قاعدة إستراتيجية ونواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق .

كل هذه الأهداف – وغيرها - كانت تجول في عقلية نابليون, الخارج لتوه من حرب ضروس مع ايطاليا منتصرا متوجا , يملأه الصلف والغرور . إلا أن الواقع يومها كان يقول إن العين الفرنسية بصيرة واليد قصيرة . فغزو مصر هدف كبير , ومكلف وسيكلف نابليون الكثير والكثير. إضافة إلى أن الحكومة الفرنسية تمر بضائقة مالية خانقة بسبب الحروب العديدة المتتالية التي خاضتها فرنسا في الفترة السابقة . وبالتالي برزت أمام أحلام نابليون بإنفاذ حملته على مصر جبال من الصعاب , وتلال من العقبات .

رصدت الرأس اليهودية هذا الواقع . ورصدت – أيضا - الرغبة الفرنسية الجامحة في إنفاذ الحملة العسكرية علي مصر بشتى الطرق . وفي الوقت نفسه رصدت كم الصعاب التي تواجه نابليون وحكومته . ولكنها سرعان ما تدخلت , وسرعان ما بدأ مسلسل استغلال الحدث , وبدأت الرأس اليهودية في التقرب من نابليون . وسرعان ما زللت له كل الصعاب التي واجهته , وحلت له العديد من المشاكل. وسرعان ما تحولت جبال الصعاب إلى سهول معبدة ومفروشة بالورود . فلقد قام المليونير اليهودي روتشيلد بتمويل حملة نابليون على مصر . وصدرت الأوامر لصناع السفن اليهود في ميناء جنوه في إيطاليا ببناء قطع الأسطول الذي سيحتاجه نابليون في مهمته . (بالفعل رافق هذا الأسطول نابليون في حملته على مصر ).

ولكن ما هي أهداف تمويل اليهود لحملة نابليون على مصر ؟
وما هو حجم المغانم التي توقعوها من وراء هذه الصفقة.؟

كان الهدف من كل هذا هو إقناع نابليون بونابرت بمساعدة اليهود في تكوين وطن قومي لهم في فلسطين . و" سارع روتشيلد . . . . إلى إقناع نابليون لتوطين اليهود في فلسطين إن هو نجح في توطيد أركان سيطرته على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط . ولقد استحسن نابليون هذه الفكرة . (1 ) ويذكر الدكتور أمين عبد محمود: "أن الوعد الفرنسي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كان مقابل تقديم الممولين اليهود قروضًا مالية للحكومة الفرنسية التي كانت تمر آنذاك بضائقة مالية خانقة، والمساهمة في تمويل الحملة الفرنسية المتجهة صوب الشرق بقيادة بونابرت (2 ) ويؤكد على هذا البعد أيلي ليفي أبو عسل ( 3) بقوله " كانت فكرة إعادة اليهود إلى فلسطين في طليعة المرامي والمشاريع الاجتماعية السامية التي كانت تجول في مخيلة نابليون الوقادة ويطمع في تحقيقها حيال المسألة الشرقية عندما شرع في تجهيز حملته لغزو مصر والشام . " (4)

ويذكر المؤرخون أنه "وقبل تحرك الحملة من فرنسا إلى مصر ، تلقى بول باراباس ، عضو حكومة الإدارة في باريس من صديقه توماس كوريت ، الرأسمالي اليهودي الايرلندي، رسالة ينصحه فيها بالاستفادة من اليهود الذين وصفهم بأنهم : يقدمون لكم عنصرا يمكن الاعتماد عليه في الشرق .وضع الاقتراح أمام نابليون الذي التقى عدد من الشخصيات اليهودية التي ، دعته إلى إقامة وطن يهودي بالاتفاق مع فرنسا ، في إقليم الوجه البحري من مصر ، مع حفظ منطقة واسعة المدى ليمتد خطها من مدينة عكا إلى البحر الميت ومنه إلى البحر الأحمر". ( 5)

ولكن شاء ت إرادة الله أن تزري رياح أحلام روتشيلد وبني قومه . نعم . جاءت الرياح المصرية بما لم تشتهيه السفن الفرنسية- أو قل السفن اليهودية .فلقد تم تدمير الأسطول الفرنسي كله على الشواطئ المصرية . ولم يستسلم الشعب المصري لحظة واحدة , ولم تهنأ القوات الفرنسية في مصر بوجودها لحظة . وقام المصريون بقتل العديد من القوات الفرنسية , وذكرت إحصائية فرنسية حديثة أن قوات نابليون التي جاءت إلى مصر وفلسطين بلغت خسائرها 13 ألف قتيل سقطوا في المعارك . وهناك إحصائية أخرى تقدر خسائر الجيش الفرنسي بلغت 28 ألف جندي أي أكثر من نصف قواته , وأن عدد القتلى الفرنسيين أمام أسوار عكا وحدها بلغت 5000 قتيل(6 ).

صحيح أن القوات الفرنسية ارتكبت العديد من الجرائم البشعة في حق الشعب المصري والفلسطيني .صحيح أنهم تعاملوا مع المصريين بقسوة وهمجية اعتدوا على القرى . نهبوا المنازل – حتى المواشي التي كانت تقابلهم في الطرقات – كما ذكر الجبرتي : -( 7) - أشعلوا النيران في الغيطان . أرهقوا الشعب المصري البائس بالضرائب الباهظة . أخرجوا أصحاب المنازل من منازلهم . واستولوا عليها . وعاثوا بالأزهر وضربوه بالقنابل . دخلوه بخيولهم وربطوها بقبلته . وداسوا المصاحف بأقدامهم . و ذبحوا أكثر من 2500 من المصريين – كما قال نابليون بونابرت في تقرير رسمي أرسله إلى فرنسا .وصحيح أنهمهم الذين ذبحوا المسجونين المصريين وألقوا بجثثهم في قاع النيل ليلا . حتى النساء المصريات لم يسلمن من الذبح والسلخ على يد الجزار الفرنسي . إلا أن هذا لم يضعف من شأن المقاومة المصرية والمقاومين .
ولما دمر الأسطول الفرنسي - وبدلا من أن يجر نابليون أذيال الخيبة مع بقايا جنوده ويتوجه إلى فرنسا - , سار ببقايا جيشه عبر صحراء سيناء إلى فلسطين مضمرا في نفسه أن ينشئ الدولة اليهودية بها , استجابة لطلب المحافل الباريسية الصليبية الصهيونية (8)هذا من ناحية . ومن ناحية أخري فإن (فرنسا) لا تتمنى أكثر من أن ترى الطريق إلى (الهند) و(الصين)، وقد سكنها شعب على أهبة الاستعداد لأن يتبعها حتى الموت – من أجل مصالحها - ,ولا يوجد أصلح من الشعب اليهودي لهذا الغرض كما ذكر بالحرف الواحد المفكر اليهودي "موسى هس"

وفي الرابع من أبريل سنة 1799 م خطب نابليون خطبة الشهيرة في صهيوني يافا , وحيفا , والقدس الذين انتظروه مع غيرهم من اليهود القادمين من رومانيا قال فيها : -
أيا ورثة فلسطين الشرعيين .
الأمة العظيمة تناديكم .
لتستردوا ما سلب منكم بالغزو .
أسرعوا .
لقد حانت اللحظة المطالبة باسترداد حقوقكم المدينة .
وكيانكم السياسي كأمة إلى الأبد . "
والثابت تاريخيا أن هذه الخطبة التي ألقاها نابليون لم تكن موجه إلى يهودي فلسطين فقط , ولكنها كانت نداء إلى يهود العالم . فلم يوزع هذا النداء في فلسطين وحدها . وإنما جرى توزيعه في الوقت نفسه في فرنسا , وإيطاليا , والإمارات الألمانية وحتى في أسبانيا . الأمر الذي يشير إلى أن القضية كانت أكبر وأوسع من مواجهة نابليون حينما استعصت عليه أسوار القدس كما قال هيكل ومما يؤكد هذا الكلام أنه وأثناء حصار عكا ، نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية بيانا من نابليون يدعو فيه اليهود إلى مؤازرة فرنسا ، وانتهاز فرصة وجوده في فلسطين لتحقيق آمالهم في التمركز ما بين عكا والإسكندرية .
كانت خطبة نابليون هذه حافلة بالكلمات التي تستجيش عواطف اليهود- وتشحذ همهم , وتحفزهم وتحمسهم بل وتدعوهم للالتحاق بجيشه من أجل دخول القدس ضمن الحملة الفرنسية نحو الشرق. وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين , ويذكر المؤرخون أن نابليون بونابرت لم يكتب هذه الخطبة بنفسه , ولكن مستشاريه من زعماء الصهيونية العالمية هم الذين أعدوها له ليقوم بتوقيعها قبل أن تذاع 0000 (9)
ولكي تكتمل أمامنا زوايا الصورة , يطيب لي أن نتعرف على موقف يهود مصر من حملة نابليون. فالثابت تاريخيا أن يهود مصر ساندوا الحملة الفرنسية بكل قوة, وقاموا بوظيفة العين والأذن لها , وقدموا ما في وسعهم لإضعاف الجبهة الداخلية في مصر آنذاك . ولم يكتفوا بذلك بل ساروا مع الحملة الفرنسية إلى فلسطين ليروا وليشاهدوا نابليون بونابرت وهو ينفذ تعاليم آلهة إسرائيل القاضية بإبادة المسلمين , وإنشاء وطن اليهود القومي في فلسطين . ولكن ما قلنا أتت الرياح بما لا تشتهي السفن .

دفع اليهود الفاتورة .فاتورة الحملة الفرنسية على مصر . تلك الحمل التي بلغ قوامها 38 ألف جندي . وفشل نابليون بالوفاء بالوعود التي قطعها على نفسه لزعماء اليهود في فرنسا باحتلال فلسطين وإقامة وطنا قوميا لليهود فيها . وهنا ظهرت أخلاق اللصوص حينما يختلفون . غضب اليهود على نابليون فحاولوا اغتياله, إلا أن محاولتهم الأولى باءت بالفشل , فأتبعوها بمحاولة ثانية قام بها رجل يهودي اسمه
" سناب " . كان قد قرر اغتياله في مدينة " شونيرون " , وفشلت المحاولة فعزروها بمحاولات . يقول " شيريب سبيريد وفيتش " إن الجرائم الإرهابية العلنية والسرية انتقاما من نابليون بونابرت بعد أن انقلبوا عليه لا حصر لها . " وأضاف كان انتقام زعماء اليهود من نابليون رهيبا لأنه فشل في تنفيذ الوعد الذي قطعه على نفسه لهم باحتلال فلسطين وتسليمها إليهم ليتخذوا منها وطنا قوميا لليهود . ""(10)

إن كل هذه الحقائق تلفت نظر الأجيال إلى أحد ابرز خصال الشخصية اليهودية عبر التاريخ وهي فن استغلال الأحداث . ولطالما حقق اليهود من جراء هذه الخصلة العديد من المكاسب الأهداف التي كثيرا ما قوت موقفهم واضعف امتنا . ولكن التاريخ يعلمنا أن اليهود لا ينجحون أبدا في تسجيل أهدافهم إلا عندما يكون المرمى خاليا من أهل التقوى وأهل الصلاح من جند الله المخلصين . فبالرغم الإنفاق الطائل , والتخطيط الدقيق والكيد الخفي, والاستنفار العام و استغلال بريق اسم نابليون احد المع القادة العسكريين في التاريخ الحديث إلا أن المقاومة الشعبية المؤمنة بربها , الملتفة حول قيادتها , القوية بعقيدتها , الأبية بعزتها وكرامتها المحبة لأوطانها هي التي أفسدت كل هذه الخطط وكل هذا الجبروت . لتبقى المقاومة الشعبية الواعية هي الرهان المؤمل عليه قديما وحديثا,. وتظل هي أهم بعد استراتيجي يجب أن تهتم بها الشعوب, وكل الغيورين على مستقبل هذه الأمة .

طارق حسن السقا
alsaqa22@hotmail.com

----------------------------
1- مكائد يهودية – سليمان ناجي
2-في كتابه "مشاريع الاستيطان اليهودي منذ قيام الثورة الفرنسية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى"
3- مفكر ومؤرخ يهودي كان يعيش في مصر
4- في كتابه: يقظة العالم اليهودي ص99
5- موقع المركز الفلسطيني للإعلام
6- الحملة الفرنسية تنوير أم تزوير –د ليلى عنان
7-المصدر السابق
8- الماسونية في المنطقة 245- أبو إسلام احمد عبد الله
9- المؤامرة الصهيونية على مصر بالوثائق – جميل عارف
8- راجع كتاب ( حكومة العالم الخفية ) شيريب سبيريد وفيتش
 

طارق السقا
  • الفرد المسلم
  • الأسرة المسلمة
  • المجتمع المسلم
  • الحكومة المسلمة
  • أستاذية العالم
  • أعداء الأمة
  • الصفحة الرئيسية