صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قطاف العنب

د.محمد السيد

 
بعد فقد الزوجة الرائعة الحنون...وفقد العم الرحيم..وهجرة الأصحاب الى أفريقيا.
عمَّ الحزن المكان.بل والعالم بأسره
لذلك سُمِّيَ عامه ذاك بعام الحزن..
وفي ساعة حالكة منه خرج رسولنا صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الطائف وكأن المكان قد ضاقت به الأنفاس فكل الذكريات مؤلمة.
وصل إلى الطائف ومعه زيد ليقابل ثلاثة إخوه
لذعت ألسنتهم في هذا الوقت الحزين بأبشع كلمات الأذى النفسي لرسولنا .
* أماوجد الله غيرك يرسله!!!
* أقطع ثياب الكعبه إذا كان الله قد أرسلك
* أما أنا لا أكلمك أبداً .
مشهد من الإيذاء النفسي لا تطيقه حتى جبال الطائف.
و يليه مشهد آخر ....
كل الصبيان والعبيد والسفهاء يصطفون صفين لا للإكرام وإنما للأذى الجسدي وبالحجارة حتى تنزل الدماء الغالية من أحب إنسان إلى الله وهو يسرع ليبتعد عن الحجارة وعمره "خمسين سنه "
مؤلمٌ تصور المشهد!! .
وصل إلى حائط هناك وارتمى عليه ليلتقط أنفاسه ويمسح تلك الدماء عن قدميه.
وهنا يأتي وقت البوح والتأمل والتأكد من صحة المشروع لترتفع من ذلك المكان أعظم حروف الدعاء دون التشكي بتفاصيل الأذى.
"اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس!!!
يا أرحم الراحمين إن لم يكن بك غضب على فلا أبالي!!!"
وبعدها تاتي الفرحة وجبر الخاطر ونتيجة المواقف والأذى و أنه ليس غضب وإنما حب يصنع على منصته المجد..
وهنا يُقبِلُ شاب واسمه عداس ويحمل معه قطاف من عنب
ويقدمه للمتكئ صلى الله عليه وسلم فيأخذه مباشرة ويقول بسم الله ويتبلل فمه الشريف بتلك الحبات من قطاف العنب.
ياألله هنيئا لك ياعداس
فلربما كان هذا القطاف هو اول طعام لرسولنا منذو كذا وكذا
ولربما برودة وحلاوة قطاف العنب أنست رسولنا جروح قدميه !!
ياليتني أنا عدّاس أو ليتني العنب.. لا أخفيكم لقد أحببت العنب وكلما لمسته أذكر كيف بلل ظمأ رسولنا عند ذلك الحائط .
وبعد الارتواء يقول لعداس من أنت !
فيخبره أنه من العراق من نينوى .
ليتعجب عداس من أن رسولنا يعرفها فهى مدينة يونس ابن مته ..الذي نُهي رسولنا في بداية بعثته أن يكون "مثله" كصاحب الحوت فيستعجل في مهمته
فأتاه عداس ليذكره بيونس وبالصبر .
ثم ينكب عداس على رسولنا يقبله ويعلن له الحب الذي يُظهر لرسولنا أن رحلتك هذه ليست لأهل الطائف وحدهم بل ولرجل من نينوى يحبك ، وتفرح به ، وبقطاف عنبه.

ثم يأتي موعد الفرحة الثانية
صوت القران يخرج من فم أغلى الخلق على الله فيصرف الله الجن إليه يستمعونه بكل إنصات ويسرعون به إلى قومهم دعاة للإسلام .
(قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرانا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)
يالله أي نوال هذا النوال !!! وأي تطييب لخاطر الحبيب في مشروع حياته ؟؟؟وعالم جديد من الجن يؤمن به وقد كانت الرحله لغيرهم !
يبدو أن عام الحزن يعيش الان آخر لحظاته لتهزمه هذه الأفراح .
وهنا يأتي مشهد المعيه وكأن كل الموازين تتغير في مكانها وزمانها وقوتها كيف لا وهذا جبريل في سماء المكان ومعه ملك الجبال ليقول لصاحب المشروع المكلوم
(إن الله قد سمع قول قومك لك!!!!)
يالله كل الأنفاس كل المحن كل الخطوات كل الهموم كل الزفرات كنت معك يامحمد .
..وأجْمِل بالفرحه عندما تكون بعد محنة وما أجمل الفرحه عندما تكون بعد دمعه.
"هذا ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم"
يالله ساعه من ساعات العالم قد تتحرك فيها الجمادات لتاخذ حق رسولنا ممن أحزنوه فتنطبق عليهم الجبال فلا يبقى شاتم في الطائف ولا شامت في مكة.
ليتني أرى وجه رسولي في هذه اللحظة !!
أشعر أن فرحه العظيم كان بمعية الله له وأن ماحدث له لم يكن شيئاً مذكورا (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي) فهو حب واصطفاء
عندها رحلت كل الأحزان والذكريات
فالله أعظم من كل شي.
(أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله )
كل العفو (فهو يمتلك أعظم قوة) وكل المستقبل (الرحمة بالخلق سعادة المطمئنين)
وهنا يعود صلى الله عليه وسلم إلى مكة
يعود بغير الوجه والقلب الذي ذهب بهما يعود بشعور من تحركت له كل المخلوقات في الأرض والسماء لتدافع عنه
وهو لايعلم أن فرحته الخااااصة والعظمى تنتظره "أيضا " لتخبره أن ماحدث كان "حباً "
وأن الله المُحب يريد من حبيبه محمد صلى عليه وسلم أن يعيش عالماً لن يفوز به غيره إنه موعد مع المعية لكنها هذه المرة من نوع آخر .
إنها حياة السماء في رحلة الإسراء والمعراج رحلة القرب والحب والتزود والتشريف والمكانة
تبدأ رحلته لسماء من القدس ليجد الانباء في انتظاره ليقدموه لمحراب صلاتهم وكأنه محراب الهيمنه للاسلام والقران على الدين كله وان القدس لامتك واول قبلتك وشعار فرحتك للقاء ربك
(ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى)
مكانة لا تُصنع إلا بصدق المسير الذي لايضعفه الواقع الحزين .
لقد رأى الجنة وأنهارها وأعنابها ولربما تذكر عداسا وقطاف عنبه وبداية فرحته..ليعود بعد صبره ومعه صلاة تيسر أمره وتشرح صدره وتُنهي أحزانه .ويعود ليرى العالم من الاعلى بكل قاراته ورماله وبحاره ينتظر رسالته الخالده
يعود وامته هي اكثر الامم في الجنة
يعود باعظم فرحة
فعند كل محنة تأكد أن قطاف العنب ينضج لك ولبداية أفراحك .
 

كتبه
د محمد السيد
٢٢/رمضان/١٤٣٩


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.محمد السيدة
  • مقالات
  • كتب
  • سلاسل تربوية
  • الصفحة الرئيسية