اطبع هذه الصفحة


الحوار الإسلامي ... بين الدواعي والمعوقات

تحقيق أعده
محمد بن شاكر الشريف
خباب بن مروان الحمد

 
 في عالمنا المعاصر ولأسباب كثيرة تهتم العديد من الدوائر بالحديث عن الحاجة إلى الحوار الإسلامي النصراني؛ أملا في التقريب بين الرسالتين، تمهيدا لتوحيد الأتباع في دين واحد يجمع بين الإسلام والنصرانية، وتجند لذلك هيئات ومؤسسات وتنفق في سبيل ذلك الكثير من الأموال، لإعداد البحوث والدراسات بحثا عما يدعونه من القواسم المشتركة تحت مسمى الإيمان بوجود إله خالق في مواجهة من ينكرون وجود الله، وذلك من خلال فعاليات كثيرة من المؤتمرات والندوات والبيانات المشتركة، ورغم ما يبذل من جهود ضخمة لإنجاح هذه المؤتمرات والندوات إلا أنها خائبة وخاسرة، لأنه لا يمكن حدوث تقارب حقيقي إلا إذا دخل الكفار في دين الله تعالى، وأما الخطوات التي يخطوها كلا الطرفين للالتقاء في منتصف الطريق كما يزعمون فإنها تبعد المسلم عن دينه حتى يكاد يخرج منه ولا تدخل الكافر في دين الإسلام، والذي ينبغي أن تتجه إليه الهمة والجهد الحقيقي هو التقريب والتوفيق بين العاملين لدعوة الإسلام، لأن المسلمين في حاجة حقيقية لمثل هذا الجهد في واقعنا المعاصر، نظرا لما تتعرض له أمتنا الإسلامية من هجمة صليبية شرسة، ثم هو جهد يبذل وينتج عنه ثمرة حقيقية، لأن عوامل نجاحها موجودة في الإسلام نفسه الذي يعمل له الدعاة، من هنا فكرت مجلة البيان في البحث في الحوار الإسلامي الإسلامي بين أطراف إسلامية تعمل لهذا الدين، تجمعها أطر عامة وكليات ثابتة، وإن حدث نوع من الاختلاف فيما دون ذلك، بغية إحداث تجانس أو تقارب فكري ومنهجي بين الجميع، ينتج عنه عمل يصب في صالح دعوة الإسلام، وقد تحصل لدينا العديد من المحاور والأسئلة التي تخدم هذا الحوار، والتي تدور حول جدوى البحث عن التقارب في ظل النصوص التي يفيد ظاهرها قدرية الاختلاف، وأهمية التقارب الفكري والمنهجي ومدى مساهمته في إحداث التجانس والتعاون والتكامل بين الحركات الإسلامية، وما القواسم المشتركة التي يعمل من خلالها التقارب الفكري، وما خطة العمل الناجحة التي يسير عليها التقارب بين الحركات الإسلامية، والضوابط التي ينبغي مراعاتها في ذلك، كما تطرقت المحاور إلى المعوقات سواء منها الداخلية النابعة من ذاتنا وبيئة العمل، أو الخارجية القادمة إلينا التي تقف في سبيل الحوار والتقارب، فجمعنا العديد من هذه الأسئلة وتوجهنا بها إلى جمهرة كبيرة من العلماء والدعاة في مختلف الأقطار الإسلامية فكان هذا التحقيق :

شارك في هذا التحقيق من أهل العلم والدعاة (بحسب الترتيب الهجائي) الشيخ أحمد فريد من مصر، الشيخ تيسير عمران من فلسطين، الشيخ حامد البيتاوي من فلسطين، الأستاذ حسن يوسف من فلسطين، الأستاذ جمال سلطان من مصر، الدكتور خالد الخالدي من فلسطين، الأستاذ خالد حسن من الجزائر ، الشيخ رفاعي سرور من مصر، الدكتور سفر الحوالي من السعودية، الشيخ سليمان أبو نارو من السودان، الدكتور صلاح الخالدي من الأردن، الشيخ عبد الله الغنيمان من السعودية، الدكتور عبد الله وكيل الشيخ من السعودية، الدكتور عبد الرزاق مقري من الجزائر، الدكتور عثمان جمعة ضميرية من سوريا، الدكتور عمر الأشقر من الأردن، الدكتور كسال عبد السلام من الجزائر ، الشيخ كمال الخطيب من فلسطين، الشيخ محمد حسان من مصر، الدكتور محمد العبدة من سوريا، الدكتور منير محمد الغضبان من سوريا، الدكتور همام سعيد من الأردن

جدوى البحث عن التقارب
البيان:
هناك من ظواهر النصوص ما يدل على قدرية الاختلاف فهل البحث عن التقارب يعد نوعا من الجري وراء ما لا يمكن إدراكه أو الحصول عليه، أم أن هذه النصوص لها تفسيرات بحيث تلتئم مع النصوص التي تحض على الاعتصام بحبل الله جميعا وعدم التفرق في الدين، بمعنى آخر نريد ضبط العلاقة بين النص القدري والنص التشريعي.

المشاركون:
يقرر الشيخ الدكتور سفر الحوالي أن دفع القدر بالقدر من عقيدة أهل السنة والجماعة، والذي أخبرنا بالافتراق أمرنا بدفعه بالاجتماع وأرشد إلى أسبابه ووسائله، والفكرة نفسها يقررها الدكتور محمد العبدة فيقول : يجب أن توضح التفرقة بين القدر الكوني والقدر الشرعي فإذا كان التفرق واقعا فعلا كما جاء في الأحاديث فإننا مأمورون شرعا بالابتعاد عن التفرق ومأمورون بالتعاون على الخير، كما قال عمر رضي الله تعالى عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، والفكرة نفسها أيضا يدندن حولها الشيخ كمال الخطيب فيذكر أن علينا أن ندفع قدر الاختلاف بقدر الوحدة والتجمع والالتقاء والتقارب تماما مثلما ندفع قدر الداء بقدر الدواء، ويقول الدكتور همام سعيد :إذا كان الخلاف سنة من سنن الله تعالى في خلقه فإن الاتفاق والاتحاد والعمل على إزالة الخلاف وأسبابه فريضة لقوله تعالى:"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، ويتطرق الشيخ أحمد فريد إلى قضية مهمة وهو أن القدر الكائن لا يحتج به على ترك المشروع المطلوب، فالواجب على ذلك السعي وراء التعاون وجمع الكلمة على الحق ولا يجوز ترك ما جاء به الأمر احتجاجا بالقدر وتسليما بالأمر الواقع، وبنحو مما تقدم يقرر الأستاذ خالد حسن أن التدافع سنة الله تعالى في الكون وعلينا أن ندفع قدر الاختلاف بقدر التقارب ولا تعارض بين الأمر الكوني والأمر الشرعي لأن الله تعالى لم يتعبدنا بما لا نطيق، ويرى الدكتور عثمان جمعة ضميرية أن الخلاف إذا كان في جوانب تدخل تحت الإرادة وإذا كان فيما لا ينبغي أن يكون فيه خلاف واختلاف فإن هذا ينبغي الدعوة إلى إزالته ورفع أسبابه ليعود الأمر إلى الاتفاق، وكذلك يري الدكتور عبد الرزاق مقري أن الاختلاف ظاهرة بشرية أي أنها حتمية لا فكاك منها، لكن التفرق مع ذلك مذموم، ما يعني العمل على دفعه، ويرى الدكتور صلاح الخالدي أن الخلاف قدري فلم يخلق الله الناس على نموذج واحد وإنما خلقهم متفاوتين، وكل إنسان نموذج خاص في عقله وفكره، و أن هذا الاختلاف إنما لضرورة تحقيق الخلافة في الأرض-وليس للتنازع والشقاق- فلا تعمر الأرض إلا بالتدافع والتزاحم بين هذه النماذج، لكن هذا التنوع والتدافع لا بد أن ينتج عنه الاختلاف بين الناس، فالاختلاف قدري لا بد أن يقع وهذه سنه الله التي لا تتخلف، ومع تأكيده على قدرية الاختلاف لكنه أيضا يؤكد على أن القرآن دعا المسلمين في آيات كثيرة إلى الاتفاق والتعاون ونهاهم عن التنازع والتفرق فالله الذي جعل الاختلاف قدريا بين المسلمين "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" هو نفسه الذي أمرهم بالاعتصام بحبله ودعاهم إلى التعاون والتنسيق "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، ويذهب الشيخ تيسير عمران إلى أنه لا يصح التذرع بقدرية الاختلاف لأن التذرع بالقدر شأن من لا يريد العمل، ويذكر أن النصوص تدعو إلى الوحدة وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأن المسلمين مكلفون دفع الاختلاف والفرقة والأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى ذلك، ويرى الشيخ سليمان أبو نارو أن السعي والبحث عن التقارب والاجتماع فريضة شرعية قد نص عليها الكتاب والسنة وتواترت في إجماع الأمة وقد توعد الله أهل التفرق بما توعد به أهل الكبائر، فلا وجه أن يكون الدعوة إلى التقارب دعوة إلى ما يستحيل وقوعه، فنحن مأمورون بأن ندفع قدره الكوني بقدره الشرعي جهد الطاقة والوسع، وقد بين أهل العلم أن النصوص الواردة في كل من الإرادة الكونية والإرادة الشرعية مجتمعة ومتسقة وأن الإرادة الكونية لا تعني سوى المشيئة المطلقة القائمة على العلم السابق وهي واقعه لا محالة، كما أن الإرادة الشرعية تعني ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الإيمان والعمل الصالح وبيان ما يبغضه وينهى عنه من الكفر والعصيان، ويذهب الشيخ عبد الله الغنيمان إلى أن الله تعالى خلق بني آدم متفاوتين في الأفكار والأفهام والاتجاهات والميول وكل ذلك من دواعي الاختلاف قال تعالى:"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" فهو يقرر بذلك قدرية الاختلاف، لكنه يبين أن أهل السعادة هم أهل الائتلاف فهم غير مختلفين، وأما أهل الشقاوة فهم أهل الفرقة والاختلاف، ثم يقرر أن الخلاف على ذلك قسمين :اختلاف على الرسل وما جاءوا به فهو المهلك لأهله، واختلاف من أجل تفاوت العلم والفهم، وهذا لا حرج فيه إذا لم يتخذ سبيلا للبغي والعدوان وجعل مسوغا للفرقة والمعاداة، وبهذا يثبت أن التقارب والتآلف أمر ممكن وقريب بل هو مأمور به وواجب ولا يمكن أن نؤمر ونكلف بالممتنع ولكن الوصول إليه يحتاج إلى جهد وعمل باستطاعة المسلم إدراكه وتحصيله، ويذكر الدكتور منير محمد الغضبان أن قدرية الاختلاف ليست بالنسبة للمؤمنين إنما بالنسبة للبشر بشكل عام "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" والاختلاف بين المؤمنين في الخط والمنهج هو خلل في التربية وليس قدرا مفروضا عليهم، والأصل أن يفيء المؤمنون عامة والدعاة خاصة إلى كلمة سواء، وإلى نحو من ذلك يذهب الأستاذ جمال سلطان حيث يذكر أن الخلاف ليس قدريا وإنما هو اجتهاد بشري تحكمه خبرات الواقع وزوايا النظر إلى الأحداث وأولويات التصور عند كل طرف، فهذه التي تسبب الخلاف بين تيارات العمل الإسلامي، ويرى الدكتور عمر الأشقر أن الخلاف الذي يذكره القرآن أنواع الأول :خلاف في أصل الدين كالخلاف مع اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين والبهائيين وأضرابهم، والنوع الثاني :الخلاف القائم بين الفرق الإسلامية كالخوارج والمعتزلة والشيعة الذين أصلوا أصولا تجمعوا عليها خالفوا بها أهل السنة والجماعة، والنوع الثالث :الاختلاف في الأحكام وهو الخلاف المذهبي، والخلاف القائم اليوم بين الحركات الإسلامية ليس واحدا من هذه الثلاثة بل هو اختلاف رأي واختلاف منهج، ويمكن أن يكون من نوع الخلاف المقبول، ومن الممكن لهذا النوع أن يتراجع أو يزول لو تواصلت قيادات العمل الإسلامي فيما بينها وجلسوا للحوار متآخين متحابين، ، وأما الشيخ رفاعي سرور فيرى أن الاختلاف ظاهرة فكرية، ولكن له حقيقية قدرية وهي أن الاختلاف عذاب، وأن العذاب يرفع بموجبات الرحمة، فتصبح موجبات الرحمة سببا لمعالجة الاختلاف، قال تعالى :" ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك" ومن موجبات الرحمة الدعاء وذكر الله وقراءة القرآن ومدارسة العلم فهذا كله من أسباب رفع البلاء، وهذه ليست مسألة رقائق ولكنها حقيقة منهجية صحيحة مهمة جدا.

أهمية التقارب الفكري والمنهجي ودور الحوار في تفعيل ذلك:
البيان :
يتبين مما تفضل به الأخوة المشاركون أن الاختلاف بين الحركات الإسلامية-سواء قيل بقدريته أو عدمها-ليس مسوغا للتفرق والتشرذم، لأننا مأمورون باتباع الشرع الذي أمر بالجماعة ونهى عن التفرق، وهذا يعني إمكانية الاتفاق والالتقاء على كلمة سواء، وهو ما يجعلنا نبحث في توحد أو اتحاد هذه الحركات، لكن قد يكون اجتماع الحركات كلها في جماعة واحدة هدفا بعيد المنال في ظل ظروف الدعوة المعاصرة لأسباب كثيرة منها الداخلي ومنها الخارجي، لكن هذا لا يعني التقاعس عن محاولة الوصول إلى ذلك، ولا ينفي أيضا أهمية السعي لإحداث التقارب الفكري والمنهجي الذي يعد أحد أهم السبل التي تعين على الوحدة أو الاتحاد،

المشاركون:
يقرر الدكتور عمر الأشقر أن الحوار مهم جدا لتحقيق التقارب والتجانس بين تلك الحركات ويضع لتحقيق ذلك قيدا مهما بقوله :إذا أحسنوا العرض والحوار والاستدلال والبيان، فبذلك تصقل الملكات وتوضح المشكلات ونتقدم خطوة إلى الأمام، ويؤكد الدكتور منير محمد الغضبان أننا لا نطمح إلى وحدة بين الحركات الإسلامية لكن يجب أن نطمح إلى اتحاد بينها، وطريقه هو البحث عن التقارب من خلال الحوار ثم التنسيق ثم الاتحاد، فالاتحاد يتميز عن الوحدة بأن فيه محافظة على الكيان الخارجي لأي تنظيم إسلامي، مع تنازله عن بعض خصوصياته للمصلحة الإسلامية العليا، ويؤكد أن هذا لن يتم بدون الحوار بين هذه الحركات، ويذكر الدكتور عثمان جمعة ضميرية أن الاتفاق الكامل والتقارب الفكري ووحدة الأمة والعاملين في الدعوة كل هذا مما تحسن الدعوة إليه وبذل الجهد في سبيله، فالنية لا بد أن تتجه أولا إلى تلك الوحدة وذلك الاتفاق، لكن الوحدة أو الاتحاد لا تعني أن يكون الجميع نسخة واحدة، وإنما يكفي اتفاقهم على قاسم مشترك أعظم يلتقون عليه فيكونوا أمة واحدة في الغاية والهدف وفي الفكر والشعور، وفي السمات المميزة لهم، وذلك يمكن الوصول إليه بتوحيد منهج التلقي حتى يعصمهم من التفرق والشتات بما ينشئ من تصورات ثابتة وبما يضع لهم من موازين وقيم لا تتأثر بزمان معين أو مكان محدد، ويبين الدكتور وكيل الشيخ أن الحوار مهم لأن الإنسان مهما بلغ من العلم فهو في حاجة إلى أن يستنير برأي غيره، ويعدد فوائد الحوار بأنه مهم في اكتشاف الحق كما أنه مهم في اكتشاف فهم المخالف بما يعين على توجيهه أو تصحيحه، وهو مهم لإزالة أو تقليل كثير من صور البغي والعدوان بين المتخالفين، وهو مهم لرسم سياسة التعاون بين الهيئات والمؤسسات الإسلامية إذ به تتضح المناهج والقدرات ومجالات العمل فيتم التنسيق المثمر، ثم هو في النهاية صورة من صور النصيحة التي يجب أن يبذلها المسلمون لبعضهم، أما الدكتور همام سعيد فيوضح القضايا المهمة التي من شأنها أن تسهم بشكل فعال في إنجاح الحوار وهي الاعتراف بأن الخلاف سنة من سنن الله في خلقه،والاعتراف بأن العمل على الاتفاق فريضة من فرائض الدين لتحقيق مفهوم الأمة الواحدة، والرجوع إلى الأصول وعدم الجدل في الفروع، والانطلاق من نقاط الاتفاق لا نقاط الاختلاف، والانطلاق من المقاصد لا من الوسائل، ويلخص الشيخ كمال الخطيب أهمية الحوار بقوله من أجل اختصار المسافة بين صواب المصيب وخطأ المخطئ فليس من سبيل إلى ذلك إلا الحوار وتقليص نقاط التباين، مع تصحيح القصد بابتغاء وجه الله تعالى، ويرى الأستاذ جمال سلطان أن الحوار مطلب شرعي وهو المنوط به فهم كل من المتحاورين منطلقات الآخرين ومسوغات مواقفهم، وعندما يغيب الحوار تتحول الأمور إلى الهواجس والظنون والشكوك والتصدعات وهذا هو الخطر، فالحوار يزيل هذه الهواجس والظنون، لكن في المقابل لا ينبغي أن يتصور أحد أن الحوار لابد أن يتمخض عن وحدة في الصف الإسلامي، أو عن اتفاق كامل شامل بينهم، فالمطلوب من الحوار أن يتمخض عنه الالتقاء في مناهج العمل، وإن لم يتمخض عنه ذلك، فلن يخلو الحوار من الخير.

ويذكر الشيخ أحمد فريد بأن الواجب على أهل العلم النصح للأمة والسعي إلى الاجتماع ونبذ الفرقة لأن الاجتماع سبيل النصر بينما الفرقة سبيل الفشل وذهاب القوة "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"ففي التقارب روح المودة وعود المخالف إلى الحق، ولا شك أن الحوار والنصح من أسباب الوصول إلى ذلك، ويقدم الدكتور كسال عبد السلام نظرته للحوار من أنه السبيل لتوسيع المدارك فيذكر أن مجال التقارب يكون أكبر كلَّما احتلت السعة في الفكر ثم في المنهج في مختلف التنظيمات مساحة أكبر وحيزاً أوسع يفضي إلى زوال العقبات والفواصل، وليس ثمَّة مجال إلى توسيع المدارك غير الحوار الفكري الصحيح ، وقالبه السليم الموصول بخلق السعة في القلوب والنفوس حتى تصل المعاني إلى المدارك لتُفْحص ، فيتقبل الطرفان منها ما يقوى ويرفضا ما يضْعُف، دون شعور بنقص ولا عقد، وتحررا من الالتزام بمنطق الغالب والمغلوب، ويشير الدكتور كسال إلى قضية مهمة وهو أن الرغبة في الوحدة أو التقارب لا ينبغي أن تكون بابا ينفذ منه من يريد الإخلال بالانسجام السلوكي في المجتمع الإسلامي ليكون الجري وراء الوحدة المظهرية هو أهم ما يُحرَص عليه، بينما يترك المضمون الذي هو الأساس في صلابة البناء العام، وينظر الأستاذ خالد حسن إلى أهمية الحوار وضرورته من خلال أمرين :الأول اشتراك الجميع في توجه الأمر إليهم بطلب الحق والصواب والعمل به وهذا لا يتم على النحو المأمول إلا بالحوار، والثاني أنه ليس بمقدور المتصدر للرأي وصناعة القرار-مهما علا قدره-أن يوفق للصواب منفردا في كل حين وآن، وهذا ينطبق على المجوعة أو الجماعة أو التنظيم كما ينطبق على الفرد، لأن الجماعات والتنظيمات يغلب عليها التطابق والتماثل فيصير حوارها حوارا داخليا لا مشاركة فيه للغير، ما يدل على أهمية الحوار وضرورته في إشراك الغير في الرأي والنظر طلبا للحق ووصولا إلى الصواب، ويرى الدكتور عبد الرزاق مقري أن التقارب الفكري والمنهجي هو سبيل الوحدة والتعاون بين الحركات الإسلامية، وان هذا التقارب ممكن أن يأتي من خلال الحوار الدائم، ويقترح لتحقيق ذلك أن يتم الاتفاق على منهج عام في تحليل الأحداث، وترتيب العلاقات بينهم والعلاقات مع غيرهم، وما الذي يجب تقديمه وما الذي يجب تأخيره؟، وما المفاسد التي يجب أن تدرأ أولا؟، وما المصالح التي تمنح الأولوية في السعي لتحقيقها؟، وما المساحات التي يجب التقارب فيها؟، وما القضايا التي لا بأس أن يختلفوا فيها؟، وهو مع ذلك يؤكد أن الاتفاق الكامل غير ممكن ، فالاختلاف الفكري موجود داخل الجماعات، والحركات الواحدة، كما أن الاندماج أمر بعيد المنال، ويذكر أنه سعى في بداية الثمانينات لعدة سنوات مع عدد من الدعاة الأفاضل بهدف تحقيق الاتفاق الكامل والاندماج لكنه أدرك بالتجربة أن الهدف غير واقعي ولا بد من الاهتمام بالقواسم المشتركة، وأما الشيخ سليمان أبو نارو فمع أنه مقر بأن السعي والبحث عن التقارب والاجتماع فريضة شرعية، إلا أنه يريد أن يكون الهدف الأعلى والغاية القصوى الاجتماع والتوحيد وليس التقارب، ويعلل لذلك بقوله لأن جهد الإنسان قد لا يبلغ غايته فإذا جعلنا الغاية التقارب فأخشى أن تكون النتيجة البقاء على التفرقة، وإن العجز في الطموح يحكي شيئا من الضعف في الهمة والعزيمة في الأمر، إن الأمثل في أمرنا هذا الوحدة والاجتماع وليس التقارب، ولكن ضرورات الواقع المؤلم هي التي فرضت علينا الحديث عن التقارب، ويرى الدكتور محمد العبدة أن الحديث عن الوحدة والاتحاد وإن كان مطلوبا لكنه في الظروف الحالية التي تمر بها الحركة الإسلامية كلام مثالي والأولى من ذلك إذا أردنا أن نكون واقعيين أن يكون الكلام عن الحوار والتشاور والتقارب، ويضع القواعد التي يراها للإفادة من الحوار ومساعي التقارب فمن ذلك العودة إلى تفعيل دور العلماء في قيادة الأمة وتفعيل دور المؤسسات الثقافية والعلمية وإشاعة الحديث عن المصلحة العامة مصلحة الإسلام والمسلمين وتطهير القلوب من الحزبية والحسد وحب الرئاسة، وقريب من ذلك ما يذكره الشيخ تيسير عمران أن محاولة جمع الحركات الإسلامية في بوتقة فكرية واحدة ومنهج عمل واحد طمع في غير مطمع، لكن المأمول أن تجتمع هذه الحركات في إطار من التنسيق والتكامل والحوار،فإذا قام الحوار في جو من الاحترام المتبادل والنقاش العلمي والبحث عن الحق دون اتباع الهوى أو تعصب للرأي فإنه سيثمر بإذن الله تعالى،وعلى الدرب نفسه يقول الشيخ محمد حسان القول بدمج وتوحيد هذه الجماعات أو الحركات على منهج واحد طمع في غير مطمع وأمل تحول دونه حوائل وموانع شتى، وهنا لا بد من الحوار كخطوة عملية على طريق التقارب، وينظر الدكتور صلاح الخالدي إلى الموضوع من زاوية أخرى فيذكر قول الله تعالى :"قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله .."الآية ويقول تدعو الآية أهل الكتاب إلى الالتقاء بالمسلمين والحوار معهم والانطلاق في ذلك من أسس ثلاثة عبادة الله وحده والإيمان به إلها وربا، وعدم الشرك به، وعدم اتخاذ غيره إلها وربا، فإن أعرضوا عن ذلك ثبت المسلمون على الحق، ويعطف على ذلك بقوله إذا كانت الآية تفتح باب الحوار بين المسلمين والكافرين فإن الالتقاء والحوار بين المسلمين أولى وإمكانية نجاحه أكبر، وكل ما حول الجماعات الإسلامية يوجب عليهم ذلك اللقاء والحوار، وينظر الشيخ حسن يوسف إلى أهمية التقارب بين الحركات من زاوية تحديات الواقع التي تجابه المسلمين فهو يذكر أن العاملين في دائرة العمل الإسلامي كلهم مستهدفون بقيادة أمريكا في حربها للإسلام تحت مسمى الحرب على الإرهاب، وليس أمام العاملين إلا أن يتكاتف الجميع كي يقفوا أمام هذه الهجمة الشرسة التي تسعى لسحق العمل الإسلامي، وإلا بقوا أشتاتا متفرقين حيث يسهل ضربهم وفي ذلك خسارة كبيرة للمشروع الإسلامي.

القواسم المشتركة:
البيان: يكاد أن يكون هناك إجماع بين المشاركين على أهمية التقارب الفكري والمنهجي بين الحركات الإسلامية وعلى ضرورة إدارة الحوار بينها من أجل تعميق هذا التقارب وإزالة ما يعطله أو يعوقه، ولا شك أن من عوامل نجاح مثل تلك الحوارات أن تكون هناك قواسم مشتركة بين المتحاورين تصلح منطلقا للحوارات، منها ينطلقون وإليها يفيئون، فهل توجد مثل هذه القواسم التي تجمع بين الحركات الإسلامية؟.

المشاركون:
ينظر الشيخ حسن يوسف إلى أن القواسم المشتركة هي القضايا التي تتفق فيها الحركات الإسلامية لذلك يقرر أن القواسم المشتركة التي يمكن أن تأتلف حولها الحركات الإسلامية بحيث تكون طريقا للحوار البناء الذي يساهم في عملية التقارب المنهجي والفكري كثيرة جدا في حين أن أوجه الخلاف ضيقة جدا، ومن القواسم الكبرى المشتركة أن ربنا وإلهنا واحد، ورسولنا واحد وكتابنا واحد وهمنا واحد وعدونا واحد ومشروعنا مشروع واحد، وعلى المنهج نفسه يقول الدكتور صلاح الخالدي إنَّنا نعتقد جازمين أنَّ صور ومظاهر الاتفاق بين العاملين للإسلام كثيرة، وأنَّ القواسم المشتركة بينهم عديدة، وأنَّ مظاهر الاختلاف قليلة، ويعدد القواسم المشتركة بين الحركات الإسلامية فيذكر منها القرآن والسنة هما أساس منهج الدعوة والعمل والحركة، والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم في الدعوة والحركة والعمل والجهاد، وأن المرجع عند الاختلاف هو القرآن والسنة، وأن الرجال تعرف بالحق ووزن أفكارهم وأقوالهم بميزان الحق، وأن الهدف مشترك والعدو مشترك، وعن تلك القواسم يقول الدكتور عمر الأشقر الإسلام يجمعهم، وأصوله توحدهم، قبلتهم واحدة، وكتابهم واحد، يعتمدون على الكتاب والسنة فيما يأخذون ويدعون، ثم يبين أنه لا ينبغي التوقف عند ذلك بل ينبغي أن يتقدموا خطوة إلى الأمام لتعميق أصول التلقي عند أهل السنة والجماعة وأصول الفقه للكتاب والسنة والأصول التي يقوم عليها العمل وأصول التآخي بين المسلمين والأصول الضابطة في التعامل بين الحركات، ويعدد الدكتور عبد الله وكيل الشيخ أهم القواسم المشتركة التي يمكن أن يتحقق بها التقارب فيذكر منها الاتفاق على أصول الدين الكلية في مجالات الدين المتعددة ؛ و الاتفاق على الأدلة المتفق عليها بين أهل الاستنباط والفقه والاتفاق على التحاكم إلى أدلة الشرع حين الخلاف واعتبارها هي الفيصل في حل النزاع، واعتبار لغة العرب هي الأصل في فهم نصوص الشرع ، وعدم الخروج على مدلولاتها لفهم الأدلة، ومن ثمَّ الحذر من الوقوع في التأويلات التي لا تقرها لغة الشريعة، ومراعاة مصلحة الأمة والاجتهاد في تحقيقها والاعتزاز بدين الإسلام، والإيمان بأنَّه المنهج الصالح المصلح للحياة وقصر الاستمداد عليه، مع الاطلاع على ما عند الناس من تجارب في شؤون الحياة مما يفيد في تطبيق النصوص الشرعية وتوسيع دائرة الأخذ بها، ولا يخرج الدكتور همام سعيد في نظرته للقواسم عن ما تقدم حيث يقرر أن القواسم المشتركة بين الإسلاميين أكثر من نقاط الاختلاف ومن هذه القواسم التي يشترك فيها الجميع أن الله تعالى ربنا، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسوله إلى العالمين، وأن الإسلام حق وأن الدعوة إلى الله واجبة، وأن صلاحية الإسلام للعالم أجمع وللزمان كله، وأن الحكم بما أنزل الله تعالى فريضة محكمة من فرائض الدين، وأن الإمامة الكبرى فريضة من فرائض الدين، وأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، وأن الكفر والشرك فتنة عظمى لا خلاص منها إلا بقوة المسلمين وجهاد أعدائهم، ولا يخرج أيضا الدكتور خالد الخالدي في تعداده للقواسم عما تقدم غير أنه يؤكد على قاسم مشترك وهو كون الحركات الإسلامية تواجه عدوا مشتركا من الأنظمة العلمانية والقومية الفاسدة تستهدفهم جميعا وأن سجونهم لا تفرق بين أتباع هذه الحركات على تعدد انتماءاتهم، وكذلك العدو الخارجي هو قاسم مشترك حيث الصليبيين والشيوعيين واليهود يستهدفون الجميع ومن ثم ينبغي أن يكون هذا باعثا على الوحدة، ويؤكد على مسألة مهمة وهي أن الجماعات المطلوب تقاربها هي الجماعات ذات التقارب الكبير في العقيدة والمقتنعة أن تطبيق الإسلام في شئون الحياة كافة يؤدي إلى حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فهؤلاء هم المقصدون بموضوع التقارب وليس الجماعات الأخرى الخارجة، أما الأستاذ خالد حسن فإنه ينظر إلى القواسم المشتركة نظرة أخرى حيث يراها القضايا التي ينبغي أن تعتني بها الحركات الإسلامية وتوليها اهتمامها فيقول القاسم المشترك الأبرز هو المستقبل وكذا التحديات المشتركة والعمل على إقرار الحريات المشروعة وتحقيق الاستقلال الثاني استقلال الإرادة والقرار وقضايا التنمية ومواجهة الاجتياح الإمبريالي الظالم والاستفادة من الغارة على المجتمع الإسلامي وعلى المنهج نفسه يرى الدكتور عبد الرزاق مقري أن من أهم القواسم الاتفاق العام على أولويات العمل الإسلامي والصبر على الاختلاف، والاهتمام بوحدة الأمة الإسلامية، والابتعاد عن الفتن التي أصبحت تتغذى منها التيارات المعادية للمشروع الإسلامي وثوابت وقيم المسلمين، والتعاون والعمل المشترك من أجل قضية فلسطين، وكذلك المشاريع والمؤسسات الإعلامية والتربوية والاقتصادية والاجتماعية التي تسع الناس جميعا، ومن المنطلق نفسه يرى الدكتور عبد السلام كسال أن أهم القواسم التي يجب التزامها :أنه ينبغي اعتبار أن الوعاء الذي تصب فيه الجهود واحد انطلاقا من وحدة الهدف، وأن نجاح الغير نجاح للجميع لأن فيه تحقيقا للكفاية وإزالة لحرج الذي لم يؤد بعد بفعل القصور، كما أن إخفاقه زيادة في العبء ، كما ينبغي التجرد من الأنانية لأن الفرد مهما عظمت قدرته إلا أنها تبقى محدودة ، وكذلك الابتعاد عن حب الزعامة لأنها تعمي البصيرة عن إمكانات الآخرين ويكون من أسوأ نتائجها دفن طاقات لو أخرجت من تحت التراب لأثمرت بذرتها نتاجا كبيرا، إضافة إلى خفض الجناح ومعالجة مواطن الضعف في الآخر بدلا من إقصائه، وينظر الدكتور عثمان جمعة ضميرية إلى القواسم المشتركة أنها تشمل القضايا المتفق عليها أصلا بين الحركات والتي من أهمها المنهجية التي توحد أمة التوحيد وهي العقيدة وأصولها وما يتصل بها، والاتفاق على المصادر التي نستقي منها، كما أنها تشمل القضايا التي ينبغي أن يتفق عليها العاملون والتي من أهمها النظر إلى طبيعة عمل الدعاة وتوزيع مهامهم ومسئولياتهم والجهد الذي يقومون به فإن الساحة تتسع لجميع العاملين وما يعجز عنه بعضنا قد لا يُعْجِز الآخرين وعندئذ تنصب الجهود كلها لتحقيق هدف منشود وغاية واحدة، وينحو الأستاذ جمال سلطان هذا المنحى فيذكر أن القاسم الأعظم تحقيق المرجعية الشرعية بحيث يكون الحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن القواسم أيضا إعادة روح النهضة والسبق والاستعلاء العلمي في مجالات العلوم والشئون التي تخلف فيها العالم الإسلامي، وأيضا إعادة العدل والحرية والحق والكرامة، كذلك تحقيق استقلالية العالم الإسلامي دولا وشعوبا في المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجوانب الثقافية والعلمية، ويكاد ينفرد الشيخ رفاعي سرور بعدم قناعته بفكرة البحث عن قواسم مشتركة حيث يقول هذه فكرة غير صحيحة بالمرة لأن المسألة ليست توافيق وتباديل، ويقدم رؤيته بأنه من خلال تصور الحركة الإسلامية أحدد العلاقة بين الاتجاهات الفكرية، يعني ممكن أكون أنا مثلا اتجاه كذا، وأتعامل معك كاتجاه كذا، تعاملا صحيحا محققا النتائج المطلوبة، وذلك يوصلنا للغاية، من خلال إطار سياسي.

خطة العمل من أجل التقارب:
البيان: تبين مما تقدم أنه يوجد تصورين عن القواسم المشتركة أحدها أنها القضايا التي تتفق عليها معظم الحركات سواء في التصور النظري أو في التصرف العملي، والثاني أنها القضايا المهمة التي ينبغي أن يحدث بشأنها اتفاق بين الحركات، فالأولى تمثل الواقع الكائن بينما الثانية تمثل الواقع المأمول، وأيا ما كان الأمر، فإنه لا يوجد مسوغ شرعي لأحد في التباعد والتجافي وعدم الائتلاف مع إخوانه الباقين، ورغم العواطف المشحونة بأمل النجاح ، فإن العواطف وحدها لا تغني عن وجود خطة واضحة يسار عليها لتحقيق المراد، إذ التقارب والحوار عمل، والعمل لكي ينجح ويحقق المراد منه لا بد له من خطة واضحة قابلة للتحقيق، وفق الإمكانات المتاحة، فما الخطة أو المنهج المناسب للسير عليه.

المشاركون:
يقول الشيخ محمد حسان هذا سؤال عملي في غاية الأهمية والمنهج له ثلاثة جوانب لا تتجزأ ولا ينفصل منها جانب عن الآخر جانب إيماني وجانب علمي وجانب عملي، ففي الجانب الإيماني تكون الخطوة العملية الأولى تصحيح العقيدة والمنهج حتى لا ننحرف عن الإسلام وسيلة ونحن نتجه إليه غاية، وفي الجانب العلمي ينبغي التأصيل العلمي لقضية الخلاف وذلك بمراعاة عدة أصول الأصل الأول معرفة أنواع الخلاف والأصل الثاني معرفة أسباب الخلاف والأصل الثالث تحقيق أدب الخلاف، وأما الجانب العملي فيكون من خلال عدة أمور منها التقاء القادة والموجهين والعلماء المسئولين في الحركات للتدارس والنقاش، التعاون في بعض الأنشطة التربوية والدعوية ، تكوين مجلس للشورى لفض النزاعات والخصومات والتقريب بين الأخوة والمتنازعين، منع كل جماعة لأبنائها من تناول مسائل الخلاف إلا لمن كان أهلا لذلك حتى لا تتسع هوة التفرق والتنازع، أما الأستاذ جمال سلطان فيرى أنه لا يوجد شيء نهائي في الأمر ولكن يوجد تأملات واجتهادات من واقع الخبرة ومن واقع ما تم من خلافات وجدل بين فصائل العمل الإسلامي ولكن هناك مفاتيح للحوار وأهمها إحسان الظن بين المسلمين، ويذكر الدكتور صلاح الخالدي بعض القواعد التي تعين على التقارب فيذكر منها وجوب شعور قادة الحركات الإسلامية بأهمية الحوار والتقارب وضرورته، جعله خطة استراتيجية للحركات الإسلامية تلتقي عليه كل فصائلها وأساليبها وأدبياتها وليس هبة عاجلة أو حماسة فاترة، تداعي مفكري الحركات الإسلامية إليه وتفكيرهم في استمراره وإنجاحه وتربية أفراد الحركات عليه، استمرار الحديث عن التقارب والتعاون والحوار في مختلف وسائل الإعلام لدى الحركات وعقد المنتديات وإعداد الأبحاث حوله، الوقوف أمام دعوات تعميق الفرقة بين الحركات الإسلامية والرد على أصحابها وتحذير الاتباع من الاستجابة لهم، ويتحدث الدكتور منير محمد الغضبان عن منهج السعي للتقارب بين العاملين للإسلام والدعاة إليه في عدة نقاط :الأولى القناعة بأنه لا يجوز شرعا تفرق العاملين للإسلام، وإن كان هذا لا ينفي مراعاة خصوصية العمل لاختلاف البيئة والقطر الذي تعمل فيه الحركة الإسلامية، بل إن التوازن في تفهم خصوصية إقليمية كل عمل إسلامي وتفهم وجوب العمل على التنسيق هو أهم عناصر منهج حوار التقارب، النقطة الثانية عدم احتكار العمل والحق والهدى عند فريق واحد بحيث ينظر إلى ما سواه على أنه ضلال أو انحراف والنقطة الثالثة فصل المبادئ عن الأشخاص، ويعلق الدكتور عثمان جمعة ضميرية على طلب الخطة بقوله نعم هذا حق لا مرية فيه فإن التخطيط للأمر في غاية الأهمية ثم يضيف أن هذه الخطة لا يستقل برسمها فرد واحد أو مجموعة أفراد عاديين بل ينبغي أن تتجه لها جهود العلماء والدعاة والمفكرين وذلك كي تكون الخطة ناجحة قويمة، وعلى المنهج نفسه يقول الشيخ أحمد فريد تحديد خطة كاملة وشاملة للوصول لهذا الهدف يحتاج إلى حوار ومشاورة، ثم يذكر بعض المفاتيح في هذا الأمر فيشير إلى ضرورة الإخلاص ونبذ العصبية المقيتة وعدم تغليب المصالح الشخصية، كما يشير إلى أن ولاء هذه الحركات ينبغي أن يكون لإمام واحد متبع على كل حال وهو الرسول الأعظم محمد بن عبد الله  صلى الله عليه وسلم  وجماعة واحدة هي جماعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كما يشير أيضا إلى عدم الغلو في مشايخ الدعوة كما يفعل متعصبة المقلدة الذين يقدمون كلام علمائهم على النصوص الشرعية، ثم يذكر بعض الخطوات العملية في ذلك فمنها :حث الدعاة على التواصل والتناصح في المناسبات، عمل ندوات يشترك فيها أكثر من داعية من عدة حركات على أن يكون موضوعها من الموضوعات التي لا تختلف فيها هذه الحركات وذلك بقصد الإيناس وكسر الحواجز، عمل دورات مكثفة للتقارب وتوحيد الفكر، عمل مؤتمر سنوي يدعى إليه وجهاء من الجماعات، عمل لجنة للتقارب بين أهل السنة وأهل السنة، فهذا أولى من البحث عن التقارب في خارج هذه الدائرة، إصدار نشرات أو مجلات متخصصة لهذا الغرض يكتب فيها كتاب من سائر الجماعات بقصد ترسيخ التقارب، الاتفاق على ميثاق العمل الدعوي الذي يشمل أدب الخلاف والإنصاف في التعامل مع الأفراد والجماعات، وأما الأستاذ خالد حسن فيرى أن مشاريعنا لا يمكنها أن تحقق أثرها المرجو ما لم نرسخ مفهوم القيادة الجماعية والذي يعني أن القيادة مؤسسة وتخصصات وتقاسم أدوار عن طريق المنهجية في الأداء القيادي الجماعي والذي يظهره دليل القيادة العملي، وعلى ذلك فإن الخطوة الأولى في خطة العمل هي فك الحصار عن العقل الذي فرضه الافتتان بالمشيخة ووصاية التنظيم، والخطة أو المخرج إنما يصطنع بعد ذلك اصطناعا وينضج بالمعاناة وإعمال العقل وإخضاب الرأي والمشاركة في الصواب، أما الانتظار حتى تصل إلينا الخطط الجاهزة المفصلة التي تأتي من القائد الفذ أو القائد الملهم أو رجل الملحمة فإن هذا قد ولى عهده وانقضى ، ويشير الدكتور عمر الأشقر إلى نقطة مهمة وهي أن مجال عمل الجماعات غير متداخل، فكثير من الأعمال غير متضاربة أو متعارضة وإنما هي متنوعة، لكن الجهد الأكبر في الحوار ينبغي أن يبذل من أجل بلورة الأهداف المشتركة التي ينبغي التعاون فيها، ويقول :حبذا لو تشكل مجلس إسلامي أعلى تجتمع فيه قيادة الجماعات الإسلامية للتحاور والتشاور والتقارب فيما بينها، لتجاوز سوء الفهم القائم هنا وهناك ، وللتخلص من الخلاف المفتعل والمتوهم ، ولبلورة الأصول الجامعة للعمل الإسلامي ، ولتخفيف غلواء المتشددين في النزاع ، فإن لم نستطع بلوغ القمة في التوحد فلا أقل أن نكون أقرب إلى القمة بخطوة، ويرى الدكتور خالد الخالدي أن الخطة يمكن أن تتكون من :تشكيل لجنة أو هيئة مختصة مقتنعة بأهمية التقارب بهدف العمل على تحقيقه بين الإسلاميين، تتكون من العلماء والعاملين والدعاة الجادين الذين يحظون باحترام الجميع، ويراعى في هؤلاء الأعضاء أن تتنوع انتماءاتهم حسب تنوع الحركات الإسلامية، تنظيم مؤتمر سنوي يدعى إليه مندوب أو أكثر عن كل حركة، وينبغي لهذه اللجنة أن تبتعد عن تلقي الدعم من جهات رسمية وأن تكون نفقاتها من المتبرعين الذين يحرصون على التقارب، وأن تقوم بإقناع الإسلاميين بضرورة التقارب من خلال طرق متعددة كالمؤتمرات واستكتاب كتاب معروفين في مجال التقريب بين الحركات ونشر مقالاتهم وكتاباتهم، وأما الدكتور همام سعيد فيرى أن الخطة ينبغي أن تكون من مرحلتين الأولى الحوار والاتفاق بين الحركات ذات الأصل الواحد لحسم الجدل بينها والاتفاق على قواسم تصلح لحوار الآخرين، والثانية الحوار بين الأطراف التي تحسن الظن ببعضها حتى يؤدي الحوار إلى نتائج سليمة، وأما الأطراف التي تسيء الظن ببعضها فهذه تحتاج أولا إلى التعارف عن قرب في بعض المشاريع العلمية أو الاجتماعية لإزالة الشكوك وتحسين المناخ، ويقدم الدكتور كسال عبد السلام رؤيته بقوله :الهدف إذا لم يوجد له من يفكر فيه ثم يسعى له لن يجد له إلى النور طريقا، وينبغي على الدعاة أن تعي هذه الحقيقة وتسعى إلى تحقيقها وذلك باتباع جملة من الوسائل، ثم يذكر من هذه الوسائل :المبادرة، معرفة طبيعة الأطراف حتى يكون البناء بدل الهدم والجمع بدل التشتيت، التحرك باتجاه الأطراف المختلفة بطرح الفكرة والاستماع بغية الإثراء، جمع الأطراف المختلفة حول طاولة للحوار الثنائي أو المتعدد الأطراف، الانتهاء إلى جمع الأطراف جميعا في ندوة تؤسس للعمل المشترك توضع له أسس وأهداف ومراحل ووسائل، ويضع الدكتور عبد الرزاق مقري شروطا على الخطة بأن تأخذ بعين الاعتبار دراسة معطيات البيئة الداخلية من حيث القوة أو الضعف سواء بالنسبة للأمة أو الحركات الإسلامية، وكذلك معطيات البيئة الخارجية وما يميزها من تهديدات، على أن تتضمن هذه الرؤية أهدافا كبرى يسعى الجميع لتحقيقها، والتي يمكن تحديدها في ستة أمور: الفكرة الإسلامية من حيث خدمتها بالتعليم والدراسات والبحوث، القيادات والرموز من حيث الإعداد والتأهيل، التنظيم من حيث الابتعاد عن الارتجال والفوضى والاهتمام بالعمل المنظم مع ضرورة تطوير الأنماط التنظيمية القديمة، الجمهور من حيث الارتباط به وحل مشاكله وتربيته بواسطة العلم المنهجي، المؤسسات الحكومية من حيث إنهاء القطيعة الموجودة بين الحركات الإسلامية والمؤسسات الحكومية التي هي ملك الشعوب وليس الأنظمة.

ضوابط التقارب والتعاون:
البيان: جرى الحديث عن خطة أو منهج العمل الذي ينبغي اتباعه في سبيل إحداث التقارب بين الحركات الإسلامية المتعددة، لكن مع ذلك وبرغم النوايا الحسنة قد تبقى بعض القضايا العالقة التي لا تجتمع عليها الكلمة، وهذا يتطلب أن نحدد سقفا لتلك القضايا حتى نتفادى أمرين خطيرين :أولا تمييع القضايا جريا وراء البحث عن التقارب، ثانيا التضييق على إمكانية التقارب بزعم الثبات على المواقف، وهذا يقودنا إلى الحديث عن الضوابط التي ينبغي مراعاتها أثناء العمل على التقارب بين الحركات الإسلامية.

المشاركون:
يقول الأستاذ خالد حسن هذه المسألة لا يمكن حسمها نظريا وإنما تنضج وتتحدد نسبيا من خلال التواصل والاحتكاك والتفاعل، ويقول الدكتور كسال عبد السلام ما يجمع من أمور الدين أكثر بكثير مما يمكن أن يُختلف فيه ومن هذا الباب يمكن تحديد سقف هذه القضايا فيما يلي :بالنسبة للأهداف يمكن إجمالها في هدفين كبيرين :الارتقاء بالمجتمع إلى المستوى المنشود، وإيجاد البدائل الريادية من الرجال والبرامج، وبالنسبة للمبادئ يمكن جمعها في مسألتين :اعتماد الثابت من الدين، فتح مجال الاجتهاد في خصوصية البيئات والظروف بما لا يستلزم قراءة موحدة للقضايا الاجتهادية وبالنسبة للوسائل فبالإضافة للوسائل المشروعة كلها جعل التعاون بين التنظيمات والحركات من أهم الوسائل لترتيب البيت الإسلامي واعتماد القدرات الفكرية والبشرية والمادية لتحقيق الهدف المنشود، وبالنسبة للاستثناءات مراعاة الخصوصيات الموضوعية لكل طرف حفاظا على تصفية الأجواء ولبناء إطار من الثقة يقوي هذه الرابطة، أما الدكتور عبد الرزاق مقري فيرى أن أهم ضابط هو الأخوة وحسن الظن وأمن الدعوة الإسلامية وسلامة واستقرار الأمة الإسلامية والثبات على ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق المقاصد والقواعد الشرعية، ويشير الشيخ أحمد فريد إلى أهمية العامل الوجداني في تجاوز القضايا العالقة فيرى أنه بعد بذل الجهد في نشر معاني الأخوة والألفة وحرص كل جماعة على التقارب مع الأخرى ومحبة الخير لها فقد تزول هذه الاختلافات أو يظهر سبيل لحلها خاصة مع الإخلاص والدعاء والرجاء، ويري الشيخ كمال الخطيب أن السقف الذي يحدد التقارب والتعاون هو عدم الاختلاف في العقائد والأحكام والشرائع ، أما الاختلاف في وسائل العمل والتركيز على جانب دون جانب آخر فلا ينبغي أن يحول دون إمكانية العمل المشترك والتقارب والتعاون، ويركز الشيخ سليمان أبو نارو على أن السقف الذي لا يضر بعده تفاوت في وجهات النظر هو الاجتماع على منهج الحق منهج أهل السنة والجماعة، والذي لا سبيل إلى تجاوزه، وحينها لا يضر الخلاف في شيء من التفاصيل خاصة مع إعمال حسن الظن، ودوام التناصح، وانتهاج أحسن القول، مع الابتعاد عن أساليب الوصاية والحرص على تبعية البعض للبعض الآخر، ويذكر الدكتور همام سعيد أهم ضوابط التقارب والتعاون :التسليم بأننا لا يمكن أن نتفق على جميع نقاط الاختلاف، تكثيف برامج العمل في الجوانب المتفق عليها، طلب الهدى من الله تعالى، الالتزام بالآداب الشرعية في اجتناب الغيبة، والظن، والتجسس، ويربط الدكتور سفر الحوالي السقف بالقضية التي يجري فيها التباحث فيقول إن الثوابت والقطعيات تظل بدون تنازل ويظل هدف الاجتماع هو الذي يحدد الأولوية فإذا كان الاجتماع لمقاومة العدو فالمراعى هنا هو إحداث النكاية وتقديم ما يقوي الشوكة ويحقق النصر ونجتنب ما قد يشق الصف ويثير التنازع المفضي إلى الفشل وذهاب الريح كما ذكر الله تعالى، أما إذا كان الاجتماع لغرض الإصلاح الاجتماعي مثلا فيكون الاهتمام بثوابت الفضيلة والقيم وتجنب ما قد يفضي إلى الفساد والرذيلة، ويعدد الدكتور منير محمد الغضبان ضوابط التقارب فيذكر منها:التنازل عن الاعتداد بالذات وفهم الآخر وحسن الظن به والانطلاق من القاعدة الفقهية العظيمة التي تقول موقفي صواب يحتمل الخطأ وموقف أخي خطأ يحتما الصواب، وكذلك قاعدة نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه وذلك في داخل الصف الإسلامي، واعتبار العاملين للإسلام جميعا مدرسة تكاملية لا تنابذية، وينظر الأستاذ جمال سلطان إلى السقف الذي لا ينبغي تجاوزه على أنه الثوابت الشرعية والتي سماها الأولون المعلوم من الدين بالضرورة ويستدرك على ذلك بقوله لكن لا ينبغي أن نوسع هذه الدائرة لأنها تمثل خطرا وتوسيعها ضد مصلحتنا ولن يكون مفيدا فالمعلوم من الدين بالضرورة والثوابت العقدية هي ثوابت العمل الإسلامي أما ما بعد ذلك من اجتهادات فكرية وعقلية ومنهجية فما دام أنها لم تصطدم بقواعد شرعية واضحة فلا بأس في ذلك.

منهج السلف الصالح ودوره في الحوار والتقارب الفكري والمنهجي
البيان: سلفنا الصالح لهم مكانة عالية مرموقة وهم قمة سامقة في فهم الدين والعمل به، وما يمر بمجتمعات المسلمين اليوم من حيث الاختلاف والتنازع، قد مر بسلفنا الصالح شيء منه، إلا أنهم حرصوا على الوحدة والجماعة وحققوا ذلك، مما يجعل منهجهم في ذلك حريا بالاتباع

المشاركون:
يقول الدكتور عثمان جمعة ضميرية منهج السلف علماء الأمة رحمهم الله تعالى تطبيق عملي لفهم صحيح سليم، فهم رغم ما قد يقع بينهم من خلاف في مسائل الفقه أو أمور الفروع ولأسباب كثيرة متعددة رغم هذا فإنهم كانوا يلتقون ويتحاورون ويتناقشون ويرد أحدهم على الأخر رأيه، دون عداوة أو بغضاء أو تشهير أو تهمة، وبنحو مما تقدم ينظر الشيخ أحمد فريد، وينظر الأستاذ خالد حسن إلى أهمية الممارسة السلفية التي تخلى عنها من جاء بعدهم فيقول يمكن القول إن أكثر المتحمسين للإصلاح وتحديات النهضة لم يلتفت إلى أهمية وحيوية المفهوم الجماعي للصواب الذي كان حاضرا بقوة في الممارسة التراثية (السلفية) في أوساط العلماء والنظار، إنه لا مناص من إحياء هذه الطريقة وإشاعة المفهوم الجماعي للصواب، ويرى الدكتور عبد السلام كسال أن المنهج الفكري السليم في الإسلام يقوم على قواعد ثابتة أساسها الفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة المطهرة بحيث يتوافق مع ما كان عليه الصحابة الكرام دون ابتداع بالزيادة أو النقصان، ولكن بلا جمود يحول دون الاجتهاد في استيعاب الجديد من مسائل العصر، ويؤكد أن هذا المنهج برصيده الثري الحكم الفصل في حل كل خلاف وفي دفع كل عملية للتقريب، ويقول الدكتور عبد الرزاق مقري :سلفنا الصالح هم قدوتنا من حيث المعايير الأخلاقية والتربوية والمقاصد الشرعية، وأصول فهم الشريعة الإسلامية، وتجربتهم منهج نسير عليه، غير أن هذا المنهج نفسه هو الذي رسم لنا سبل التجديد والاجتهاد لنعيش زمانا غير الزمان الذي عاش فيه سلفنا، يثْبُت فيه الثابت ويتغير المتغير، ويشير الدكتور سفر الحوالي إلى مسألة مهمة قد تخفي على كثيرين وهي أن مذهب السلف ليس مذهبا فقهيا معينا ولا التزاما شكليا بل هو منهاج الاتباع المطلق لرسول الله  صلى الله عليه وسلم  والحرص على أن تكون الأمة على ما كان عليه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وأصحابه وقد ظهرت في القرون المفضلة نماذج تدل على رحابة هذا المنهج فقد كان منهم الفقيه والمفسر والمحدث واللغوي وأئمة التعبد والسلوك والجهاد وهذا المنهج أعظم خصائصه قيامه على الحقائق لا على الدعاوى والأسماء ويركز الشيخ كمال الخطيب على أن آخر هذه الأمة لن يصلحها إلا ما أصلح أولها، ومن هنا فإن أي حوار أو تقارب يتم عبر إدارة الظهر أو العقوق لسلفنا الصالح ومنهجهم الفقهي مصيره إلى الإخفاق، لذلك لا يمكن الحوار مع هذه الاتجاهات التي يظهر عقوقها لمنهج السلف بقصد التقارب الفكري معها، بل إنه يجب رفض هذا من أساسه، لأنه ليس فقط عقوق لمنهج السلف وإنما هدم أسس وتقويض أركان ذلك المنهج، هذا في الوقت الذي لا يمكن قبول حصر المنهج السلفي على اتساعه من اتجاهات أخرى في قالب واحد ولون واحد وآلية تفكير واحدة، ويرى الدكتور همام سعيد كما يرى إخوانه من أهل العلم أن منهج السلف هو حجر الأساس لأي تقارب ولكنه يضيف بأنه يلزم الوقوف على منهج السلف في مختلف المسائل وأن يسعنا ما وسع السلف من الاختلاف، ويقول الشيخ سليمان أبو نارو مكانة سلفنا الصالح في فهم الدين والعمل به والدعوة إليه ليست علية فحسب ، بل لا سبيل لفهم الإسلام إلاَّ عن طريقهم إذ هم القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية من المعصوم  صلى الله عليه وسلم  وهم الفرقة الناجية المستمسكة بما كان عليه النبي  صلى الله عليه وسلم  مما يجعل منهجهم هو الأبصر والأقوى حجة

معوقات التقارب والتعاون:
البيان : رغم ما تبين من الحديث عن التقارب وأهميته وقناعة الكثيرين بضرورة السعي لتحقيقه وبذل الجهد في سبيل ذلك وعدم اليأس والصبر على صعوبة الطريق، إضافة إلى الحماس الذي يبديه الكثيرون لهذه المسألة إلا أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهي السفن، فهناك الكثير من المعوقات التي تقف في سبيل تحقيق دعوة التقارب وهي في حاجة إلى إماطة اللثام عنها مع اقتراح آليات للتغلب عليها أو الحد من تأثيرها

المشاركون:
يرى الدكتور كسال عبد السلام أن المعوقات التي تعترض عملية التقارب تصنف إلى معوقات فكرية ونفسية وبيئية، أما المعوقات الفكرية فهي تختص بطريقة التلقي والتعلم من خلال المدارس أكثر من اختصاصها بالفوارق في القدرات الفكرية، تلك المدارس التي توجه إلى التعصب نحو فكر، أو قراءة تلغي غيرها، وكذلك التعلم الذاتي بغياب المعلم الذي قد ينتج عنه توجه يكون إلى الخطأ أقرب منه إلى الصواب، ولذلك فإن مراجعة سياسة التعليم والتلقين تظل مسألة أساسية وخطوة لا بد منها في طريق التقريب والوحدة، وأما المعوقات النفسية فإنها تعود إلى الأنانية الفردية والجماعية وحب السيادة والسلطة والزعامة والغرور، وهذه يمكن معالجتها عن طريق تبديل الأجواء النفسية والاحتكاك والتحرك والانتقال لاستيعاب الجديد والخروج من الفضاءات الاجتماعية والتعليمية الضيقة إلى فضاءات أوسع، وأما المعوقات البيئية فكالاختلافات الجغرافية والاختلافات التنظيمية والاختلافات الذاتية كاختلاف القدرة والاستطاعة البدنية والفكرية والتي لا يمكن أن يوجد في ظلها اتفاق في مسار تختلف فيه الهموم والقضايا وهذه يمكن معالجتها باعتماد أكبر قدر من الاستثناءات والاقتصار في مجال توحيد القراءة على الأساسي من الثوابت في أمور العقيدة والدين والحياة، ويرى الدكتور عبد الرزاق مقري أن من أهم العوائق الاختلافات الفكرية التي لا تعالج إلا بالعلم أولا ثم بالتجربة ثانيا ثم بإرادة الحوار والاطلاع على تجارب الآخرين، ومن العوائق الأساسية اتباع الهوى وإرادة المحافظة على المصالح كالزعامة والمنافع المادية والمعنوية الفردية والجماعية، ومن العوائق أيضا قلة المهارة في إنجاز المشاريع المشتركة، ويرى الأستاذ خالد حسن أن التقارب ما عاد هما يشغل حيزا كبيرا في العقول ولا في الخطاب ولا في الحراك، وصار الكل يتطلع إلى الهيمنة وتوسيع الرقعة وفرض الوصاية مما شكل عائقا في حصول التقارب، ويعدد الدكتور عمر الأشقر المعوقات فيذكر منها تعميق الخلاف وتأصيله بهدف أن تتميز جماعته ويكون فيها رئيسا أو قائدا، وطبع اتباع هذه الجماعات أنفسهم بطابع الأفضلية التي تؤول بهم إلى العصبية حتى لا يروا على الحق غيرهم، الفهوم القاصرة والتصورات الخاطئة التي قرت في العقول وظن أصحابها أنها من الحق الأصيل، تصور بعض المسلمين أن هذه الجماعات العاملة للإسلام فرق مبتدعة مثل الخوارج والشيعة، ولا يخرج الدكتور محمد العبدة فيما ذكره عما تقدم إيراده من المعوقات الداخلية، وكذلك الشيخ منير محمد الغضبان، ويوسع الدكتور عثمان جمعة ضميرية مجال العوائق فلم تعد هي عنده العوائق الداخلية فقط بل قد انضم إليها عوائق من خارج الحدود، ففي المجال الداخلي يرصد العجلة وعدم التأني والصبر، وكذلك حظوظ النفس والتأثر بالهوى والريبة والشك في الآخرين ، وأما الخارجية فيرصد منها الكيد الذي يبذل لتكريس فرقة المسلمين، وبذر بذور الفتنة وزرعها والعمل على تمزيق وحدة الأمة ووحدة العاملين، وللتغلب على ذلك يدعو إلى بذل جهد أكبر بعد الاعتماد على الله تعالى وصدق النية وسلامة الطريق والوعي الكامل بما يجري، ويتخذ الشيخ أحمد فريد المنحى نفسه حيث يرى أن المعوقات بعضها من داخل الصف المسلم وبعضها يأتي من خارج الصف المسلم، ويرصد في المعوقات الداخلية اعتناء بعض الحركات ببعض الشرائع في مقابل إهمال أو نسيان شرائع أخرى مما يهيج العداوة والبغضاء بينهم لاعتقاد كل حركة بتقصير الحركة الأخرى وهو مصداق لقوله تعالى :"فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة" ويمكن معالجة هذا عن طريق إعادة الصياغة واهتمام كل الجماعات بالإسلام كله، وكذلك اغترار بعض الجماعات بعددها وقوتها، وأيضا حب الظهور ، واحتكار بعض الجماعات لاسم السلفية ونظرتهم إلى بقية الجماعات على أنهم فرق نارية، وأما المعوقات الخارجية فتربص العلمانيين والمنافقين بالجماعات الإسلامية والتشهير بهم وإغراء الحكومات وتهييج الأنظمة عليهم، ويبين الشيخ كمال الخطيب أن ضغوطات الأنظمة الحاكمة والجهات الرسمية تجعل عددا من المدارس والحركات الإسلامية تفضل العمل المستقل بديلا عن التقارب مع بقية الفصائل بل إنها تسعى لدفع هذه التهمة عن نفسها، ثم إن هناك من الجماعات من يخشى من خطر الاحتواء من الآخرين أو التأثر بهم، فيفضل الاستقلال على التقارب والالتقاء مع الآخرين، وهذا كله من المعوقات التي تقف حجر عثرة في طريق التقارب، وللدكتور خالد الخالدي إسهام مطول في ذلك فيذكر من المعوقات الداخلية التنافس وحب الظهور، قلة الوعي عند الكثيرين من أبناء الحركات الإسلامية،الخلافات الشخصية بين قادة الجماعات الإسلامية، تركيز بعض الجماعات على جوانب وإهمالها لجوانب أخرى، قلة الاهتمام بالجوانب السياسية المتعلقة بهموم المسلمين، وأما المعوقات الخارجية فيذكر منها خوف بعض الجماعات من اتهامها بالإرهاب أدى إلى ابتعادها عن قضايا الأمة الجوهرية، تلقي بعض الجماعات الدعم المادي من دول وحكومات يهمها إبعاد هذه الجماعات المرتبطة بها عن العمل السياسي والجهادي، قيام العدو بزرع العملاء بين الجماعات الإسلامية، ثم يعقب على ذلك بالخطوات المقترحة لمواجهة تلك العقبات فيذكر منها توحيد الخطاب الإعلامي الذي يستهدف أبناء الجماعات الإسلامية، التحذير المستمر من عواقب التباعد وأثر ذلك على ضعف الأمة، إبراز أسباب الهجمة على المسلمين وأن ذلك بسبب تمسكهم بعقيدتهم وإقامة حكم الله في الأرض، نشر وترويج المبادئ والمقالات والكتب والمحاضرات التي تدعو إلى التقارب وتحض عليه، توضيح مخاطر الحزبية وتربية الشباب المسلم على أن يكون ولاؤهم للإسلام قبل أن يكون للجماعة أو التنظيم، التذكير المستمر بخطورة وحرمة الغيبة، الاستشهاد بالتاريخ لبيان أن الوحدة كانت من عوامل الانتصار في المعارك الكبرى ، التذكير بواقع الأمة السيئ وأنه نتاج التباعد والفرقة، ولا يخرج كلام كل من الدكتور همام سعيد والشيخ تيسير عمران فيما ذكراه عما تقدم إيراده من المعوقات الداخلية والخارجية وكيفية معالجتها، أما الأستاذ جمال سلطان فيضيف مسألة في غاية الأهمية والخطورة في المعوقات الخارجية حيث يبين ما تقوم به القوى الدولية الكارهة للإسلام من محاولة صناعة فكر إسلامي أو منهج إسلامي مستأنس أو مدجن بحيث ينفصل عن واقع الأمة وأصول الدين ويتماشى مع القوى الدولية التي تكيد للإسلام وأهله، ويضيف الشيخ حامد البتاوي في المعوقات الخارجية عدم سماح كثير من الأنظمة لأبناء الحركات الإسلامية بالالتقاء وتنظيم مؤتمراتهم من أجل التقارب

تنوع البيئات وتعدد الثقافات والخصوصيات المحلية وأثر على ذلك دعوة التقارب:
البيان: الحركة الإسلامية ليست محصورة في شارع أو حي أو مدينة أو دولة بل تمتد على طول العالم الإسلامي وعرضه ما يعني تباين البيئات واختلافها وتعدد الثقافات والخصوصيات، وهذه لها دور كبير في تربية الناس وتنشئتهم، وهو ما يلقي بظلاله وآثاره على دعوة التقارب، ويصبح من الأمور المهمة أن نعزل أو نقلل من أثر ذلك على خطة العمل للتقارب الفكري والمنهجي والحوار الإسلامي .
المشاركون:
يقر الشيخ عبد الله الغنيمان بأثر البيئة ويقول بإمكانية تقليل أثرها بأمرين أحدهما عقلي وذلك ببيان أن ما يسعى إليه الإنسان للتخلص من البؤس والفقر والضيق والشدة كما أن الظفر بهناء العيش وسعادة البال لا يوجد إلا في طاعة الله وطاعة رسوله، والأمر الثاني شرعي وهو طاعة أوامر الله ورسوله التي تدعو إلى الاعتصام بحبل الله تعالى وتنهى عن التفرق والاختلاف، كقوله تعالى :"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"، ويرى الدكتور كسال عبد السلام أن تقليل أو عزل المؤثرات البيئية لا يتم عبر إهمال البيئة والثقافة بل باعتبارهما ولكن بترتيب القضايا وتثبيت الثابت منها، وأما ما اختصت به بيئة دون أخرى مع عدم مخالفته للثابت في شرع الله تعالى فلا مجال للخوض فيه، ولا مشاحة في قبوله، وأما ما لم يثبت فهو محل تصحيح ، كما يمكن قبول الطرف الآخر بهيئته التي هو عليها شريطة ألا يضيق على الآخرين واسعا، ويذكر الدكتور عبد الرزاق مقري أن التطور الهائل في تدفق المعلومات والاتصال أوجد فرصة كبيرة وسهولة في التواصل مما يقلل من تأثير البيئة والثقافة المحلية، ويوافق الدكتور عثمان جمعة ضميرية على أثر البيئة والثقافة المحلية ولعزل تأثيرها على التقارب أو تقليله يذكر أنه لا بد من صبر ومصابرة ومتابعة وتجرد، وكذلك معرفة طبائع من نحاورهم، ولا بد أن يشعر الجميع بصدق النية وحسن التوجه فإن هذا من أسباب القناعة والتعاون والاتفاق، ويرى الشيخ أحمد فريد أن تقليل تأثير البيئات والثقافات يكون بنشر الوعي والفكر السليم والاتفاق على أصول لا يتعداها الجميع في العمل بالكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة، وعدم إحداث ما يخالف ما كان عليه الصحابة، ومع تفهم الدكتور محمد العبدة لأثر البيئة والثقافة لكنه ينبه على قضية خطيرة وهي الخوف من صبغ الإسلام بالصبغات المحلية فيصبح لدينا إسلام مغربي وإسلام مشرقي وإسلام مصري وإسلام خليجي والإسلام هو ما نزل على قلب محمد  صلى الله عليه وسلم  فينبغي على الدعاة ألا يسمحوا للتقاليد والعادات أن تؤثر على صفاء العقيدة، وخصوصيات بعض البلدان لا تعني أن لا نتفاهم ونتفهم ما عند الآخرين، ويوافق الشيخ تيسير عمران على أثر البيئة والثقافة الواضح على عقليات أبناء الحركة الإسلامية لذلك يرى أن الحكمة تقتضي أن نحترم خصوصية كل بيئة قدر الإمكان ما لم تتعارض مع قطعيات الدين التي يتفق عليها الجميع، وينبغي في بداية الحورات أن نُحَيِّد بعض القضايا ولو مؤقتا إلى أن تصلب الأرضيات المشتركة، ويرى الدكتور منير محمد الغضبان أننا في قضية أثر البيئة معذورون من جهة وملومون من جهة أخرى، أما العذر فلتراكم تباعد البيئات خلال القرون ولزوال الخلافة الإسلامية ولاحتلال الأقطار الإسلامية وما أوجد فيها من ثقافات تغريبية، وهذا يدفعنا إلى الاعتراف بخصوصية البيئات والثقافات المحلية، لكننا ملومون اليوم بعد تحول العالم إلى قرية كونية تجعل عملية الخلافات هذه مذللة من خلال الاتصالات، وينظر الأستاذ جمال سلطان إلى أن اختلاف البيئات يؤثر في أولويات العمل واختياراته، فبعض الأمور التي تكون ملحة في بلاد الخليج العربي قد لا تكون ملحة في تونس والجزائر وهكذا، لكنه يؤكد على قضية مهمة وهي أنه لا ينبغي أن نتعنت في البحث عن إذابة هذه الاختلافات في اعتبار الأولويات لأنها فرز طبيعي لا بد من احترامه، والعمل وفق معطياته.

ألفاظ جذابة فما حقيقتها وما دورها في الحوار والتقارب:
البيان: في الأيام القريبة المنصرمة بدأ يكثر تداول بعض الألفاظ وما زال، فكثر الحديث عن الآخر وعن الاعتراف به وتجاوز أحادية الفكرة، والتسامح الفكري والثقافي، وضرورة الانفتاح على ثقافات وأفكار وقناعات الآخرين إلى نهاية تلك المنظومة فهل تمثل هذه المنظومة عاملا من عوامل التقارب، أم أنها تعد معوقا من معوقات التقارب لكنها صيغت بلفظ جذاب؟ والشيء نفسه يقال عن لفظ التجديد الذي تحول إلى مصطلح يستبطن العديد من المصطلحات الأخرى كالعقلانية والتعددية والنسبية ذات المعاني والمضامين غير المحددة

المشاركون:
فيما يتعلق بالآخر
يقول الدكتور عبد الرزاق مقري لقد سلمنا في بداية هذا التحقيق أن الاختلاف حتمية بشرية، فلنعش هذه الظاهرة في ظل تقوى الله ، ونسيرها ضمن القواعد الشرعية التي تبدأ بالتسليم بأن المؤمنين مهما اختلفوا فهم إخوة في الله، ومهما اختلفوا فلا بد لهم أن يتعاونوا على البر والتقوى، ويرى الدكتور كسال عبد السلام أن معرفة الخصوم من خلال نوافذ غير التي كان العاملون يحصرون أنفسهم فيها جعل الكثيرين يعيدون النظر لتبني فكر متوازن لا يجعل الناس جميعا في كفة واحدة، ويكشف الدكتور عثمان جمعة ضميرية اللثام عن هذه الدعوات ويقول إن التباس المفاهيم والمصطلحات أو وضعها في غير موضعها من أهم عوامل الافتراق وبعض هذه المصطلحات يمكن حملها على محمل صحيح وفيها ما هو خاطئ وغير صحيح فمثلا يصبح التسامح سببا للتفلت من الأحكام والتنازل عن الثوابت، والتسامح الفكري والثقافي دعوة للردة أحيانا وقبول الكفر والدعوة للانفتاح طريقا لضياع الشخصية المستقلة وعلى كل فلم يكن الهدف فيما يبدو من تلك المصطلحات هو الدعوة إلى اللقاء والتعاون وإنما الالتفاف على بعض المفاهيم والتشويش عليها باستغلال تلك المصطلحات، ويتوجس الشيخ سليمان أبو نارو من هذه المصطلحات شرا فيقول إن أصحاب هذه الشعارات والمصطلحات لا أعلم أنهم تجمعهم منظومة فكرية واحدة فهم خليط من شتات الفكر والرأي، ولا يجمعهم إلاّ موقفهم من الإسلام على نهجه الذى جاء به محمد  صلى الله عليه وسلم  ورضيه الله ديناً قيماً لهذه الأمَّة الإسلامية، فهم يبحثون عن كل وسيلة يفرغون بها هذا الدين من مضمونه ويحرفون أحكامه وشرائعه بهذه الأساليب الماكرة بعد أن عجزوا عن مواجهته مباشرة ، فهم كاسحات ألغام يمهدون الطريق لمن هو مُعَدٌّ لإتمام المهمة، ويعقب على ذلك بقوله وبالقطع ليس لهؤلاء مدخل في تحقيق (التقارب الفكري وإثراء الحوار) إلاَّ إذا كان المقصود أنَّ الإحساس بخطر هذا الضجيج هذه الأمة وعلى حفظ دينها، سيدفع العاملين المخلصين للإسلام إلى سرعة الاجتماع والتعاون في سبيل دفع هذه الشرور المعلنة والخفية وسد الطريق أمام كل هذه الشراذم وحيلها ذات الوجوه المتعددة، وهذا ما ينبغي حصوله إن شاء الله تعالى، وينبه الدكتور سفر الحوالي في هذا الخصوص على قضية مهمة بقوله :من أهم ما يجب اجتنابه في القضايا العقدية والفكرية؛ المصطلحات المحدثة أو العامة وأحسب أن مصطلح الآخر منها فهو عام مجمل، وينبغي أن نحدد فنقول مثلاً :العدو الكافر أو الخارجي،ونقول أهل البدع أو أهل القبلة المخالفون , ثم نقول أخيراً :المخالفون في الاجتهاد والرأي وهكذا, ونحن لا نستحدث شيئاً جديداً فالأمة عرفت التفرق, وعرفت الغزو الخارجي بأنواعه, والأصول في التعامل مع ذلك مضبوطة، نعم نحن نحتاج إلى مزيد من الاجتهاد والوعي وهذا يقتضي التحديد والدقة وليس التعميم، ويرى الشيخ عبد الله الغنيمان أن استعمال هذا اللفظ في وقتنا المعاصر إنما هو خدعة من أجل استخدامه بدلا من لفظ اليهودي أو النصراني أو الكافر ويبين أن هذه انهزامية وأنه لا يستقيم إيمان عبد إلا بتكفير اليهود والنصارى وسائر ملل الكفر، ثم يعقب على ذلك بقوله والمقصود أن إهدار عقيدة الولاء والبراء ومحاولة تجميع الناس على أساس ما يزعمونه من التعايش السلمي إنما هي محاولة لإخراج المسلمين عن دينهم، ويعلق الشيخ أحمد فريد على ذلك بقوله إن كلمات الاعتراف بالآخر وحق الآخر ينبغي أن تؤخذ بجانب الاعتبار في الحوار الإسلامي الإسلامي في السعي للتقارب ولا ننصح بقبول كل هذه المصطلحات ولكن نميز بين ما يقبل منها وبين ما لا يقبل، ويفرق الشيخ كمال الخطيب بين الآخر الإسلامي الذي يرفع لواء العمل للإسلام وخدمته فهذا ينبغي السعي للتقارب والالتقاء معه حتى وإن وجدت اختلافات وتباينات معه في الفروع ما دامت الأصول متفق عليها، وبين الآخر المحارب للإسلام ودعاته وإن كان يحاول الظهور باسم الدين كالقاديانية مثلا ، وعلى المنهج نفسه يفرق الدكتور همام سعيد بين آخر الإسلامي فلا بد من إزالة الوحشة بينهم سعيا وراء التقارب وأما الآخر المخالف في العقيدة فهؤلاء أنواع فمنهم الحربي الذي لا لقاء بيننا وبينه، ومنهم غير المحارب الذي يبقى في دائرة الدعوة والحوار لإقناعه بهذا الدين، ويرى الدكتور محمد العبدة أن المسألة تعتمد على من الآخر؟ هل هو في الكفار أم في المسلمين فكل واحد من هؤلاء له حكم وطريقة وموقف في الحوار وغير الحوار، ويرى الشيخ تيسير عمران أن المنظومة الفكرية التي تتحدث عن الاعتراف بالآخر وحقه في الاختلاف يمكن أن تؤسس لحوار بين أصحاب الرؤى المختلفة وتفسح المجال لإثراء موضوعات البحث ويمكن أن تحقق شيئا من التقارب الفكري والثقافي ، ويستدرك الشيخ على هذا الإطلاق فيقول لكنها في الوقت نفسه إن تركت دون ضوابط تجعل من ثوابت الأمة حاكما عليها وموجبا لها فإنها تقود إلى التشتت والانحراف، ويقلق الأستاذ جمال سلطان من بعض المصطلحات التي لها رموز أو التي يصعب تحديد مدلولها كمصطلح الآخر والانفتاح على الآخر والحوار مع الآخر ويتساءل من الآخر وما صفته؟ ثم يقول عندما أتحدث عن الاتحاد الأوربي فهذا يختلف عن الكيان الصهيوني فهذا آخر وهذا آخر، ولكن منطق الحوار ومسوغاته ومشروعيته تختلف حتما لاعتبارات كثيرة، ويعقب على ذلك بقوله فأنا أتعامل بحساسية وحذر مع مصطلح الآخر ولكن الحوار في حد ذاته مطلب نبيل.

وفيما يتعلق بالتجديد
يتحدث الأستاذ خالد حسن عن الشروط الأساسية التي ينبغي توفرها في أي حركة تجديدية إصلاحية إسلامية حقيقية فيذكر من ذلك :أن يتحقق الإنتاج الفكري التجديدي بصفات العمل الشرعي حتى لا يحرم من التوفيق الرباني، واستعمال العلم بحيث لا يحدث انقطاع عن العمل وتُتَجاهَل قيمته الفعلية في توجيه النظر والرأي، والتوسل في النظر بمفاهيم عملية شرعية من خلال التمكن من العلم الشرعي فهما ودراية ومنهجية في التلقي والاستدلال، ويرى الدكتور كسال عبد السلام أن مصطلح التجديد من المصطلحات الخطيرة التي يجب التنبيه إليها فمعانيه هلامية ولا يمكن الوقوف على حجم أو قياس أو معنى محدد له، حيث تظهر التصورات البدعية التي ترغب في التجرد من كل أساس يقوم عليه أمر الإسلام رغبة في إسلام غير الذي جاء به محمد  صلى الله عليه وسلم  ، إن أهم ما لدى المسلم عقيدته وإيمانه وهو مطالب منذ أيام الوحي بالتجديد فيه قراءة وتدبرا وهو من المسائل الثابتة، وقد كان التجديد للتقوية والتحلية فكيف الأمر بما حكمه حكم المتغير الذي وجب التجديد أن يكون تجديدا في ماهيته وليس في مواصفاته؟ هما في الخلاصة دعوتان صادقة وكاذبة والواجب الالتزام بالأولى والإعراض عن الثانية، ويقدم الدكتور عبد الرزاق مقري نظرة تحليلية متعمقة في هذه الظاهرة حيث يقول التجديد ظاهرة تفرضها الحتمية النصية والسيرورة التاريخية، فهذه الرسالة هي آخر الرسالات ولا بد أن تجيب عن احتياجات الناس في كل فترة من فترات التاريخ، وإذا اعتبرنا أن فترة التجديد السابقة التي كانت في بدايات القرن الماضي والتي كان الهدف الأساسي منها توعية المسلمين وإخراجهم من الذهول الحضاري الذي صاحب انهيار كيانهم السياسي واستعمار أوطانهم قد استنفدت أغراضها، فإننا في بداية قرن جديد والله تعالى يرسل لهذه الأمة من يجدد لها دينها كما جاء الوعد بذلك في الحديث الشريف، وقد بدأت صحوة إسلامية في العالم بأسره وتحقق الشعور بالانتماء وتأكدت إرادة التغيير وبدأت الصحوة منذ سنوات تراوح مكانها من حيث الفكر والممارسة ولم تستطع تحويل الطموحات إلى إنجازات عملية ثابتة ومستقرة، وهذا يحتاج إلى إضافات فكرية جديدة وممارسات شرعية في مختلف المجالات وهذا هو مجال التجديد والاجتهاد وما نراه من تجارب مثيرة للجدل في بعض الأحيان في المغرب والجزائر ومصر والسودان واليمن وتركيا وماليزيا وأندونيسيا هي بدايات التجديد وسيثبت منها الأصلح ويجازي الله تعالى الجميع ، ويقول الدكتور عثمان جمعة ضميرية الأصل أن عملية الإحياء والتجديد ترتكز على أصول شرعية ولها مفهومها وضوابطها وآثارها وهي علامة على حيوية هذا الدين وأبنائه في العودة إلى أصوله وتنقيته مما علق به أثناء التطبيق العملي، وقد شاعت الدعوة إلى التجديد في هذه الأيام لكن بمفهوم يختلف عن أصل معناه وعندئذ تنقلب الدعوة إلى وسيلة لتغيير الأصول والمناهج وتصبح أداة لنبذ الأحكام أو تغييرها بحجة التجديد وما هو بتجديد ولذا وجب التفريق بين هذين المنهجين، ويغدو التجديد في هذه الحالة عائقا أمام التقارب الفكري والثقافي إذ لا يلتقي المنهجان على أمور مشتركة أو ثوابت وضوابط متفق عليها بين الطرفين وذلك بعكس التعامل مع مصطلح التجديد بضوابطه الشرعية فإن ذلك يكون مدعاة للتعاون واللقاء ، وأما الشيخ سليمان أبو نارو فيتكلم عن أصحاب منهج التجديد المعاصر كلام من خبر أصحابه واكتوى بنارهم فيقول هذا المصطلح (التجديد) بمفهومه المعاصر هو من قبيل المنظومة سالفة الذكر (الآخر)، والحديث عن التجديد تروِّج له المدرسة العصرانية والتي تربي رجالها في كنف رجال الاستشراق وأدعياء الحداثة والمعاصرة . وسعي هذه المدرسة بين الناس على هذا النمط يزيد من صعوبة التقارب والاجتماع ويجعل الحوار (حوار طرشان)كما يقولون حيث لا ثوابت ولا أرضية مشتركة بل إلغاء للثوابت وتحريف للمفاهيم وتشكيك في المسلمات، وقد كان لتساهل بعض التيارات وتعاطف بعض عناصرها مع هذا (الطابور الخامس) لاعتبارات تقديرية أعظم أسباب القوة والقبول لدى بعض الطيبين من العامة بل والخاصة، وقد تحولت أطروحات هذه المدرسة إلى الجسر الذي يتحرك فوقه اليوم الأعداء من يساريين وعلمانيين بل وجماعات تقارب الأديان وتعايشها وينبغي اعتبار هذه المدرسة في قائمة أكثر قوة الهدم في ساحتنا الإسلامية.
ويبدو الأستاذ جمال سلطان حذرا من استعمال مصطلح التجديد فيقول:يسري على مصطلح التجديد ما يسري على مصطلح الآخر فهو مصطلح ليس له أصل علمي في تراثنا العربي الإسلامي ، وبالتالي لم يخضع للضبط العلمي والمنهجي بعكس مصطلح الاجتهاد ، الذي صار له دلالة محددة وقواعد ومحددات شرعية وعلمية وموضوعية يمكن أن نتفهمها، أما مصطلح التجديد فعلى من يطلق لفظ المجدد؟ وما مواصفاته؟وما التجديد ؟ وهل هو وفق شرعية لا يخرج عنها؟ وكل هذه الأشياء تثير التساؤلات، ولذلك أنا دائماً حذر في بعض المصطلحات الجديدة وأعتقد أنَّ الغموض فيها يتيح لكل سيء نية أن يوظفها كيفما أراد دون أن يكون لها قيمة في حد ذاتها.
ويقول الدكتور محمد العبدة: قضية التجديد مطروحة في كل عصر فإنه مما يحث عليه الدين وقد بشر به الرسول  صلى الله عليه وسلم  ولكن التجديد أو أي مشروع أو مفهوم لا يمكن أن يكون دون ضوابط وأسس صالحة ، إنَّ ما يسمونه التجديد الذي شاع في هذه الأيام هو من النوع (المنفلت) من أي قيد والذي تتحكم فيه الأهواء ولكنهم يحيطونه باسم جديد وهو (التجديد) ومثل هذه الأمور لا تساعد أبداً على التقارب الفكري أو الحوار البناء.
ويوضح الدكتور عمر الأشقر معنى التجديد المشروع فيقول التجديد ليس هو لأمر مفقود يحتاج على إيجاد ولكنه أمر موجود يحتاج على إعادة تأصيل وبيان، إن التجديد يعني فقه الإسلام في ضوء الحياة الإسلامية التي كان يحياها الرسول  صلى الله عليه وسلم  وأصحابه، وليس هو باكتشاف منهج جديد لم يكن في الإسلام، إن التجديد يعني العودة إلى الإسلام في صفائه ونقائه بعيدا عن التحريف والتشديد والتطرف والمغالاة وليس بدعوة جديدة ومنهج جديد نحتاج أن يكشف عنه أصحاب العقول فيبتدع كل واحد منهجا ونصبح أمام تلال وجبال من المناهج والتصورات فنقع في الضلال،
ويبين الشيخ تيسير عمران بوضوح أن الحديث عن التجديد في الدين وأثره في التقارب الفكري لا يعني مطلقاً إعمال يد التغيير بالحذف أو الزيادة فيه، ولا يعني التنازل عن قيمه ومبادئه تحت دعوى العقلانية أو التعددية أو غيرها ، وإنما يعني كما هو ثابت بالنص الصحيح " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" إنه تجديد لفكر الأمة بالاجتهاد، وإيمانها بالتربية، وفضائلها بالعمل، ومعالم شخصيتها بالعلم والمعرفة، ولا شك أنَّ لهذا التجديد إذا ما تحقق، أثره البالغ في إنجاح الحوار الإسلامي الإسلامي .
ويؤكد الدكتور صلاح الخالدي على أهمية الضوابط في التجديد فيقول :التجديد ليس منفتحاً مطلقاً ، وإنَّما هو تجديد منضبط بضوابط، حتى لا يتحوَّل إلى تخريب وإفساد، ونحن نعيش حمَّى الدعوة إلى التجديد المطلق، وهذه الدعوة تأتينا من أعدائنا ، وقد يردها بعض المغرضين أو المخدوعين في بلاد المسلمين ، ومن أهمِّ الضوابط للتجديد:
أ- التجديد ليس في الأسس والقواعد والثوابت والمقاصد، فهذه حدَّدها الإسلام وأثبتها ، ومنع التغيير فيها والتبديل ، وعد تغييرها إحداث وتحريف مردود ، ينطبق عليه حديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، ب- التجديد يكون في الأدوات والأساليب والوسائل ، ويقوم على تحسينها وتجويدها، فالتجديد لا يكون في المضمون، ج- الاستعلاء على ضغوط الآخرين بتغيير الخطاب، والاحتكام إلى المرجعية العالمية الدولية، المتمثلة بمجلس الأمن أو قرارات الأمم المتحدة أو غير ذلك، وعدم الاستجابة لتلك الضغوط والدعوات المشبوهة، والتعامل معها على أساس قول الله ـ عزَّ وجل ـ:(وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتونك عن بعض ما أنزل الله إليك...)، ويرى الشيخ عبد الله الغنيمان أن دعوة التجديد الحداثية ينبغي أن تكون من الدوافع التي توجب على أهل الحق الاتفاق ونسيان الخلافات الجانبية أو الفروعية، وتقوية أنفسهم وتحصين شبابهم من تلك الدعوات التي يراد منها تمييع الدين وجعله مسايرا للديانات المحرفة،

من يحمل هم الحوار والتقارب الإسلامي :
البيان : كلما تجاوب المجتمع مع دعوة من الدعوات كان ذلك أنجح لها وأدعى إلى الاستفادة منها، وفي المجتمع قوى علمية فاعلة كثيرة مثل الجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية ودور النشر ووسائل الإعلام فما طبيعة الدور المرتقب من تلك القوي وكيف تكون مساهمتها فيه، وهل يمكن أن تساعد تلك المؤسسات في الحوار المطلوب أم أن ذلك سوف يظل قدر الحركات الإسلامية وحدها.

المشاركون :
يرى الشيخ سليمان أبو نارو أنَّ هذه المؤسسات، لم تقم في الأصل لخدمة الإسلام وإحيائه ولا لجمع العاملين له وتقوية صفهم، بل في غالب أمرها قامت لهدم الدين ومحاربته وتشويه صورته وتلبيس أمره وصرف الناس عنه في عقائده وقيمه ومفاهيمه والتشكيك في مسالمته وخاصة أنها أسست على أيدي الأعداء ووكلائهم وقد قيل:(إنك لا تجني من الشوك العنب)، لكنه يستثني ويقول :هذا في الأصل فإذا كانت هناك استثناءات تخرج عن هذا التعميم أو كان في الإمكان تأسيس مثل هذه المؤسسات على التقوى من أول يوم، فذلك من أعظم الواجبات اليوم، وربما يرى البعض أن هناك إمكانية لخدمة الإسلام والتوفيق بين أهله من خلالها من غير أن يمس ذلك نقاء الدين وسلامة منهجه، ويبدي الشيخ وجهة نظره في ذلك بقوله: إنَّ التجارب والوقائع في جملتها لا تدل على ذلك، ولكلٍّ فيما يحاول مذهب.
ويتفق الشيخ حامد البيتاوي مع الرأي المتقدم فيقول هذه الوسائل الجامعات ووسائل الإعلام ممكن أن تلعب دورا ولكن هي غير معنية بهذا وخصوصاً أنَّ رؤساء الجامعات لهم عقول كبيرة ومفكرة ولكن قناعاتهم في غير هذا الاتجاه، وفي رأيي أنهم إذا أرادوا ذلك يستطيعون و يكون لهم دور فاعل لامتلاكهم القدرات، وينظر الدكتور منير محمد الغضبان بواقعية لحال هذه المؤسسات فيرى أن العمل على التقارب هو قدر الحركات الإسلامية ويوضح ذلك بقوله :في رأيي أن المشكلة تشمل قوى المجتمع نفسها فكثير منها لا يخضع لتوجيهات العاملين للإسلام ويحمل اتجاهاتهم،وقلما توجد الجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات العلمية المستقلة لكنها مع ذلك تمثل الطبقة المتقدمة في الأمة وحاجتنا فيها إلى المنهج العلمي القائم على الأرقام والإحصاءات والاستبانات، ودور النشر تقذف كل يوم الآلاف من الصفحات وحيث لا تكون قائمة على المنهجية فقد تكون عبئا على عملية التقارب أكثر مما تكون عونا له، فالجامعات والكتب والمؤسسات الموجهة تفرز فكرا أحاديا يؤصل للخلاف أكثر مما يؤصل للتقارب، وتبقى المسئولية الكبرى في عملية التقارب في أعناق الواعين لأهميته وفي أعناق القيادات لهذه الحركات، إن الدعاة إلى الله تعالى حين يختلفون وينشرون خلافاتهم على الملأ إنما ينقلبون دعاة ضد الإسلام أمام الحائرين الباحثين عن الحقيقة مهما كان إخلاصهم لله تعالى، وإن اتفاقهم على ضعفهم وعجزهم خير من تفرقهم وتطرفهم فالتفرق يلتقي مع الكفر تحت راية واحدة "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم"، ويربط الدكتور عثمان جمعة ضميرية بين دور هذه المؤسسات وبين استقلاليتها فيقول : عندما تتحرر هذه المؤسسات من الضغوط الخارجية والاستغلال يمكن أن يكون لها تأثير في الدعوة إلى الحوار والتعاون بما تقدمه من دراسات وبما تجمع بين جنباتها من خبرات
ويباين الشيخ حسن يوسف الآراء المتقدمة بقوله: ما من شك أنَّ الجامعات ومؤسسات السلام الاجتماعي أو ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني لها دور كبير فهذه المؤسسات باستطاعتها أن يكون لها دور فاعل ومؤثر في تقريب وجهات النظر بين أطراف الحركات الإسلامية مع بعضها البعض خاصة إذا سلطت الأضواء على المخاطر المحدقة بالأمة وإذا ما سلطت على وجوب تلاحم المسلمين مع بعضهم البعض بجهود لا تبغي إلاَّ مرضاة الله ولأنه في التوحد خير وفيه بركة والله سبحانه حذرنا من التفرقة وقال "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين"، ويتفق الدكتور همَّام سعيد مع الشيخ حسن يوسف فيقول عن قوى المجتمع : لها دور فاعل في التقارب بأن تفتح أبوابها للجميع والتركيز على المصالح أكثر من الوسائل ، والاهتمام بالأصول أكثر من الفروع ، وإشراك الجميع في عمليات الدفع والممانعة ، و بناء المشروع الفكري الذي يلتقي على هذه الأصول والمصالح، وبنحو مما تقدم يقول الشيخ تيسير عمران أيضا، ويبين الدكتور خالد الخالدي الآليات التي يمكن من خلالها أن تؤدي تلك المؤسسات دورها فيقول : ينبغي لهذه المؤسسات أن تلعب الدور الأكبر في تحقيق أهداف التقارب، ويمكن ذلك من خلال:
1- عقد المؤتمرات التي تدعو إلى الحوار والتقارب بين المسلمين، واستدعاء الطاقات الإسلامية ونشر الأبحاث خلال هذه المؤتمرات مما يؤدي إلى خلق رأي عام تجاه قضايا التقارب، ويشجع على تكرار هذه التجارب
2- دعوة أساتذة الجامعات إلى توضيح أهمية التقارب والوحدة باستمرار، حيث يقف يومياً آلاف الطلبة المسلمين المتحزبين كل إلى جماعته وكل يدعو إلى فرقته، ويمكن استغلال تجمعاتهم وبث روح الوحدة والقوة فيهم، والتشديد على مساوئ التحزب لجماعة إسلامية دون الأخرى.
3- منع أساتذة الجامعات من مهاجمة الجماعات الإسلامية لأن هذا يباعد من التقارب ويحقق الاختلال.
4- نشر الكتب والأبحاث، واستكتاب الكتاب والمفكرين حول مواضيع التقارب والوحدة.
5- إبراز ما حل بالأمة من دمار نتيجة الاختلاف والنزاع، وأن الأوطان لن تتحرر إلا بالوحدة والتكاتف والابتعاد عن الفرقة.
6- تخصيص البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تسعى إلى التقريب، ومنع نشر كل ما يبث الفرقة بين المسلمين أو الجماعات الإسلامية.
7- التحذير من البرامج التي تبثها بعض القنوات الفضائية العربية والتي تسعى إلى إظهار سلبيات الحركات الإسلامية التي تقف بوجه الحكومات.
ويرى الأستاذ جمال سلطان أن هذه المؤسسات مختلفة في اتجاهاتها، لكن ينبغي لخيارات العمل الإسلامي أن تهتم بآليات التأثير في العصر الحديث، والاستفادة من هذه الأدوات والآليات من أجل تحقيق الإصلاح المنشود، فلا ينبغي إهمال هذه المؤسسات وخاصة المؤسسات الدينية العريقة بسبب بعض فترات الضعف التي تمر بها، بل يجب علينا أن نعمل على إصلاحها وإحياء دورها ، ويخص الشيخ أحمد فريد المؤسسات الإسلامية بهذا الدور، فيقول :أرى أن من وظيفة المؤسسات الإسلامية كالجامعات الإسلامية ومراكز البحث والمؤسسات العلمية أن تهتم بقضية الحوار فعندها وقت وجهد وباحثين، فتدرس ما يمكن قبوله من أفكار الجماعات وما لا يمكن قبوله، وتحدد من يمكن دعوته لمائدة الحوار ومن لا يمكن، إضافة إلى إعداد جداول للعمل على تقريب هذه الجماعات
وللأستاذ خالد حسن نظرة متعمقة حيث يدعو إلى إنشاء المؤسسات التي نحتاجها إنشاء فهذه هي التي يعول عليها في تحقيق المراد، ويشرح فكرته بقوله :إن صناعة الوعي تستحق التفرغ وبناء المشروعات والمؤسسات، وهناك مستوى آخر لا يقل أهمية وهو تجميع الفاعلين والمؤثرين في الأمة أو من تجاوب منهم مع أصل الفكرة والمبادرة في إطار مناهض لتوجهات الهيمنة والسيطرة والنهب، يرصد الخطط ويرسم استراتيجية المواجهة الشاملة ويقود الطاقات الجماهيرية ويوجه القوى الحية في ظل هذا التربص بالأمة ومقدراتها، هل يعقل أن أمة بطولها وعرضها ومخزونها لا تملك مؤسسة مستقلة أو منتدى حرا أو مجمعا للدراسات والاستراتيجيات يجمع أهل الخبرة والمفكرين سواء في أمريكا أو غيرها من دول الغرب لرصد خطط الهيمنة ووضع التصورات المستقبلية؟، وأمام الفتوحات الأمريكية للقارات والتحكم في مناطق الضخ يبرز مجال أوسع وأعمق في مهمة المفكرين والمصلحين والكتاب والفاعلين والقوى الحية في الأمة وهو رفع مستوى التحدي، ومواجهة استراتيجيات الهيمنة والسيطرة ليس ببث الوعي المجرد والأعزل فقط ولكن أن نؤسس لوعينا ولتصوراتنا مؤسسات ومنتديات تتابع الخطط وتكشفها وتميط اللثام عن الاستراتيجيات وترسم خطوط المواجهة الشاملة للأمة، إن أوقاتنا الراهنة لا يصح فيها تسجيل موقف والتوقيع على بيان إبراء للذمة وإعذارا إلى الله تعالى وبعدها يرجع كل منا إلى عرينه يستأنف مسيرة الوعي المجرد.
وينظر الدكتور كسَّال عبد السلام إلى أهمية التخصص وقدرة المؤسسات على القيام به فيقول :إن البناء المراد إنجازه في المجتمع يتكون من شقين:الأول:يخص الفكرة والتنظيم الذي يمثِّلها في أرض الواقع، والشق الثاني:يخص جانب الأعمال، الذي لم يعد في الوقت الحاضر بتلك البساطة التي كان عليها قديماً، وباتساع هذا المجال صار الاختصاص في كل شيء ضرورة، وهذا الذي تقوم به مؤسسات المجتمع كلها، ولقد صار كل شق يستلزم تثمين الشق الآخر له، إن التزام جانب الدعوة المجرد يعني إبقاء الإسلام على هامش الحياة، ولذلك لا بد من الالتفات إلى هذه المؤسسات، وجعلها عوامل تقوية ودفع لدعوة التمكين للدين، وهو يمدها بأسباب القوة والنجاح وهي تدعمه بوسائل التمكين، ويضيف الدكتور عبد الرزاق مقري :إن قوى المجتمع لا يسيرها الخطاب العام الذي كان له الفضل الكبير في إنشاء الوعي والصحوة فلا بد من الاهتمام بالمؤسسات المجتمعية في مختلف المجالات فهي التي تثبت ولاء الجماهير وهي التي تطور المشروع الإسلامي وهي التي تحمي الدعوة وهي التي توظف الطاقات وتؤهل القيادات وهي التي تحقق الإنجازات وتفتح سبل النجاح بإذن الله تعالى

نسأل الله أن يأخذ بيد الجميع لكل خير، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات

 

محمد الشريف
  • مقالات في الشريعة
  • السياسة الشرعية
  • كتب وبحوث
  • قضايا عامة
  • الصفحة الرئيسية