اطبع هذه الصفحة


الدولة المدنية صورة للصراع بين النظرية الغربية والمُحْكَمات الإسلامية‏

محمد بن شاكر الشريف

 
‏(2-2)‏

عناصر الدولة المدنية:‏
لكن لو كان لنا أن نتجاوز ما تقدم كله وندخل في التفاصيل بعيدا عن الوقوف عند حد ‏التعريفات، فما عناصر الدولة المدنية؟ وما علاقة ذلك بالإسلام؟
يدور الحديث عن عناصر الدولة المدنية حول عدة محاور تقول: "فطبيعتها تتلخص في وجود ‏دستور يعبر عن قيم ومعتقدات وأعراف المواطنين في الدولة، وفي الفصل بين السلطات الثلاث الآنفة ‏الذكر ، وفي اكتساب الحقوق على أساس المواطنة، وعدم التمييز بين المواطنين لا بسبب المذهب أو ‏الطائفة أو الثقافة أو العرف، وفي كفالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، واحترام التعددية والتنوع"‏

من خلال ما هو مطروح من المداخلات والمساجلات يتبين أن هناك عدة عناصر منها:‏

وجود دستور مكتوب: والدستور هو أعلى وثيقة قانونية في الدولة وهو المرجعية النهائية لجميع ‏القوانين والأنظمة، فكل ما خالفه من أفعال أو تصرفات فهي موصوفة بالبطلان المطلق، وكل قانون أو ‏تنظيم يسن مخالفا للدستور، هو باطل ولا تترتب عليه النتائج التي تغياها القانون أو التنظيم، وكل ما ‏خالف الدستور فيجب نقضه وإلغاؤه
‏ وقد يختلف الناس في شأن تدوين دستور، وهل هناك حاجة إلى ذلك لتحديد الحدود ‏والالتزامات والحقوق والواجبات بين مختلف فئات المجتمع، وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أم ‏يُكتفى بما هو موجود في النصوص الشرعية؛ وبما هو موجود في القضايا الإجماعية، والمعلوم من الدين ‏بالضرورة؛ لوضوحه في الدلالة على ما يراد منه.‏
‏ والخلاف في ذلك سائغ وهو خلاف في الفقهيات وليس في العقائد، يحكم عليه بالصواب أو ‏الخطأ، ولا يحكم عليه بالحق أو الباطل، أو بالإيمان أو الكفر، ولا يمكن أن يُمنع الخلاف في ذلك بين ‏الناس إلا في ظل القهر والاستبداد، وليس هذا هو جوهر القضية، وإنما جوهر القضية ما الأساس الذي ‏يدون عليه الدستور إذا قيل بتدوينه؟ هل هو الكتاب والسنة وما دلا عليه بوجوه الدلالات المعتبرة، وفق ‏القواعد الشرعية المنضبطة، أو الأساس هو العقل والمصلحة، والخبرة والتجارب، ولا شك أن الخلاف ‏في هذا غير سائغ، وهو خلاف عقدي يحكم عليه بالحق أو الباطل أو بالإيمان أو الكفر، وليس خلافا ‏فقهيا يحكم عليه بالصواب أو الخطأ. ‏
إمكانية تداول السلطة: المراد بالسلطة في هذا الكلام الحكومة، بما لها من حقوق وما عليها من ‏واجبات وتبعات، وهي بلا شك في كل الأنظمة سواء الإسلامية وغير الإسلامية لها شروط ‏ومواصفات، ينبغي تحقيقها والتحلي بها، والمشكلة لا تكمن في تداول السلطة، فقد قال عمر رضي الله ‏تعالى عنه الخليفة الثاني: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ ‏يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ..ثم قال عندما قدم المدينة: مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ ‏وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا"‏ ، فعمر رضي الله تعالى عنه يبين أن البيعة أي تولية السلطة لا تكون إلا ‏بمشورة المسلمين، ويحذر الناس ممن يبايع من غير مشورة، ويبين أن هذا غصب لأمور الناس، ثم يبين أن ‏من فعل ذلك فلا ينبغي مبايعته هو أو الذي بايعه، وقد قال ذلك في المدينة النبوية في خطبة الجمعة أمام ‏الصحابة كلهم بمن فيهم من الفقهاء والعلماء، فلم يعترضه أو ينكر عليه أحد، فدل ذلك على أن هذا هو ‏المعروف لديهم.‏
‏ وعندنا من الواقع العملي أن السلطة تولاها بعد رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ أبو بكر وهو من بني تيم ثم تولاها ‏عمر وهو من بني عدي ثم تولاها عثمان وهو من بني العاص ثم تولاها علي وهو من بني هاشم رضي الله ‏تعالى عن الجميع، فالسلطة انتقلت وتداولها المسلمون وفق الشروط والمواصفات التي دلت عليها ‏الأحكام الشرعية، ولم يحتكرها أحد ويقصرها على نفسه، لكن ليس من معنى تداول السلطة أن يُحدد ‏وقت معين لولي الأمر يفقد بها صلاحيته لولاية الأمر حتى يجدد اختياره من جديد. ‏

والمشكلة الجوهرية مع أنصار الدولة المدنية في هذه المسألة تكمن في الشروط والمواصفات التي ‏ينبغي توافرها فيمن يُولى الأمر، وليس في تداولها، فهل من شروط الحاكم عندهم أن يكون مسلما، أم ‏يجوز أن يكون كافرا شقيا ما دام أنه يتمتع بصفة المواطنة؟ وهل يشترط عندهم أن يكون صالحا تقيا أم ‏يجوز أن يكون فاسقا عصيا لرب العالمين ؟ وهل يشترط عندهم أن يكون رجلا أم يجوز أن تكون امرأة؟ ‏
لكن أهمية الحديث عن تداول السلطة عند كثيرين تنبع من أن السلطة في عرفهم صارت مغنما من ‏المغانم وليست مغرما، لذلك يطالبون بنصيبهم من هذا المغنم، ورضي الله تبارك وتعالى عن عمر عندما ‏رفض أن يعهد بالأمر من بعده لمن يهمه أمره، وقال: لا أتحملها حيا وميتا، والتداول لا يمثل قيمة ‏جوهرية في الفقه السياسي الإسلامي، وإنما القيمة تكمن في قدرة ولي الأمر على القيام بمهامه على الوجه ‏الأحسن، فإذا كان ولي الأمر قائما بما يجب عليه، محققا للمقصود من نصبه من غير إخلال أو تقاعس عن ‏القيام بمهامه وواجباته، فليس هناك معنى معقول لإخراجه عن السلطة بزعم تداولها، وفي الجهة المقابلة ‏فإنه متى تقاعس ولي الأمر عن القيام بواجباته، ولم يكن نصبه محققا للغرض المقصود منه فإن الشريعة لا ‏تأمر بالإبقاء عليه واستمراره في منصبه، بل يوعظ وينصح ويوجه فإن استقام وإلا فالعزل طريقه ‏
الاعتراف بالآخر: ما المراد بالاعتراف به؟ الاعتراف بوجوده، أم الاعتراف بحقوقه التي كفلتها له ‏الشريعة، أم الاعتراف بواجباته التي أناطتها به الشريعة، أم الاعتراف بأنه على دين يخالف دين الإسلام، ‏أم الاعتراف بأن له الحق في أن يدعو بين المسلمين إلى دينه، وأنه يحق له إقناعهم بالتحول إليه.‏

ونقول: الاعتراف بالموجود لا حاجة له، فنفس وجوده دليل عليه وهذا من البدهيات لا يحتاج إلى ‏اعتراف، وأما الاعتراف بحقوقه وواجباته وفق الشريعة فلم يعارض في ذلك أحد ممن يؤخذ عنه العلم، ‏ولا ينبغي أن يعارض في ذلك أحد، وأما الاعتراف بأنه على غير دين الإسلام فهذا من أساسيات ‏الإسلام، فكل من لم يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو على غير دين الإسلام، ما بقي إلا ‏شيء واحد وهو أن يكون الاعتراف بالآخر يعني الاعتراف بحقه في أن يدعو المسلمين إلى دينه، أو أن ‏يُمكنوا من بناء أماكن لعبادتهم‏ ‏ في أمصار المسلمين التي لم يكونوا بها من قبل، بل مصَّرها المسلمون، ‏لكن نحن نسألكم هل هناك أدلة تدل على ذلك؟ وإذا لم تكن هناك أدلة تدل على ذلك، بل كانت الأدلة ‏تدل على عكسه، كانت المطالبة به على أساس أنه من مواصفات الدولة المدنية، قدحا في تلك الدولة لأنها ‏تقوم على مخالفة الشرع. ‏

قبول الديمقراطية: وقد تقدم الحديث عنها في مقال سابق فلا مسوغ للإعادة ‏ ‏: ، لكنا نقول لقد ‏أثبتت حوادث الأيام أن الديمقراطية في تلك الدول التي تزعم ريادتها في هذا المجال مجرد شعار أجوف، ‏فلقد شنت أمريكا الدولة الديمقراطية ومعها بريطانيا الدولة الديمقراطية أيضا، وبالتحالف مع عدة ‏دول ديمقراطية أيضا، حربا ظالمة على العراق بزعم وجود أسلحة دمار شامل في تلك البلد، ثم تبين بعد ‏ذلك أن هذه الأخبار كانت ملفقة حتى إن وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول اعترف بذلك، ‏فماذا كانت النتيجة هل اعترفت أمريكا وبريطانيا وذيولهم بالخطأ، وندموا على ما فعلوا وقدموا ‏تعويضات لهذا الشعب، الذي قتل منه بسبب هذه الحرب الهمجية أكثر من مائتي ألف مواطن.‏
لقد اعترضت طوائف كثيرة من شعوبهم على تلك الحرب غير الأخلاقية فما أصغوا إليهم، ثم أين ‏سيادة القانون التي يدعونها، وهم قد خالفوا القانون الدولي الذي يلزمون به الدول الأخرى، وذلك ‏بالتدخل في شئون دولة مستقلة من غير تفويض من (المجتمع الدولي)! بذلك، والأغرب من ذلك أن ‏الأمم المتحدة نفسها قامت على أساس غير ديمقراطي، حيث هناك خمسة دول كل دولة منهم تملك ‏تعطيل أي قانون أو مشروع حتى لو وافقت عليه دول العالم كلها، فأين الديمقراطية في ذلك؟، أم إنها ‏احتكار للقرار الدولي، فلو وضع صوت دولة من هذه الدول في كفة وبقية العالم في كفة لرجحت كفة ‏هذه الدولة، فما أشد هذا الظلم وأقساه على النفوس الأبية، وكم ذقنا من مرارته كثيرا، فها هم اليهود ‏يعتدون على إخواننا الفلسطينيين ويقتلون منهم في سيناريو شبه يومي، فلو قدر أن ضمير العالم صحا لهذا ‏الظلم الشنيع، وأخذ قرارا بالإدانة مجرد قرار لا يترتب عليه شيء في الواقع، وجدنا أمريكا تعترض عليه، ‏بما لها من هذا الحق غير (الديمقراطي) فيصبح كأنه لا شيء. ‏
الحفاظ على حقوق الإنسان: الناس لهم حقوق كثيرة كفلتها لهم الشريعة ينبغي أن يمكنوا منها، ‏ولا يجوز لأحد أن يحول بينهم وبين حقوقهم التي منحها الله لهم، ولا يفعل ذلك إلا جبار عنيد، ‏فالحقوق ممنوحة من الله تعالى لم تمنحها الطبيعة ولم يمنحها الحاكم، وفي هذا أعظم صيانة لهذه الحقوق، ‏ومن هذه الحقوق أن الكافر لا يكره على الدخول في دين الإسلام، بل يعرض عليه الإسلام فإن قبله ‏ونطق الشهادتين دخل في الإسلام، وإن أبي وأصر على البقاء على دينه فلا يكره ولا يجبر على تغييره، وكل ‏ما يطلب منه في هذه الحالة أن يفي بعقد الذمة الذي بينه وبين الدولة المسلمة ولا ينقضه، وهذا أمر مقرر، ‏وكل ذلك لا خلاف عليه بيننا وبين من يقبل به سواء كان من أدعياء الدولة المدنية أم من غيرها.‏

‏ لكن هل من الحقوق أنه يجوز للمسلم أن يغير دينه إلى اليهودية أو النصرانية أو إلى لا دين؟ هذا ‏محل خلاف بيننا وبين دعاة الدولة المدنية، هم يرون ذلك حقا له، وأنه لا حد في الردة، وأن المرتد هو ‏الشخص الخارج على النظام فهذا الذي يجب قتله، ومن غير كبير خوض في التفاصيل فإن كل مسألة من ‏تلك المسائل قد يستغرق الكلام فيها حيزا كبيرا، فنقول: أنتم لستم أول المسلمين، ولا أنتم صحبتم ‏رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ وفقهتم عنه، كما أن الإسلام لم يكن معطلا قبلكم حتى جئتم أنتم تطبقونه، فخبرونا مَن مِن ‏أهل العلم الذين يرجع إلى أقوالهم عند الخلاف، قال بهذا القول، فإذا لم تستطيعوا-ولن تستطيعوا- أن ‏تثبتوا أن أحدا من أهل العلم بدين الله تعالى قد سبقكم بما تقولون، فقد أحدثتم في دين الله تعالى، وقد ‏قال رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ : "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"‏ ‏ وهو حديث متفق عليه أخرجه ‏الإمامان البخاري ومسلم وغيرهما من أهل الحديث وفي رواية: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ ‏رَدٌّ". ‏

على أن هناك حادثتين تتعلقان بهذا الموضوع يحسن بنا إيرادهما تبين أن الكلام على حقوق الإنسان ‏والدندنة حوله ليس في حقيقته أكثر من تمكين فئات الأقلية من التحكم في الأكثرية، تحت ضغط الدول ‏المدنية الكبيرة وتأثيرها على متخذي القرارات في الدول الضعيفة، فقد حدث أن امرأة نصرانية في مصر ‏اهتدت إلى أن الإسلام هو دين الحق فأسلمت، لكن الذين يتكلمون عن حقوق المواطنة هاجوا وماجوا ‏ومن ورائهم ضغط الدول المدنية الكبيرة حتى سَلَّمت الدولة المصرية المرأة المسلمة إلى الكنيسة لتعتقلها ‏داخل الدير، وقد يضغطون عليها هناك تحت ظروف الاعتقال فيردونها إلى الكفر مرة أخرى، فجعلت ‏منها دولة داخل الدولة، ولم نسمع أي نكير من أي دولة مدنية كبيرة أو صغيرة على هذا الاعتداء الصارخ ‏على حقوق الإنسان، ولو قارنت هذا بما حدث من رجل أفغاني ارتد عن دين الإسلام حينما قدم ‏للمحاكمة، كيف قام العالم النصراني كله يدافع عن حقه في اختيار الدين الذي يريده، وأن محاكمته على ‏اختياره هو اعتداء على حقوق الإنسان، وضغطوا على حكومة ذلك البلد حتى خرج في أقل من ثمانية ‏وأربعين ساعة من أمام المحكمة التي يحاكم بها، ليسافر معززا مكرما لاجئا إلى بلد نصراني ‏

السماح بالحريات: الحرية مطلب تحرص عليه النفوس الأبية التي تأنف أن تكون ذليلة أو تابعة ‏لبشر مثلها، ولا ينبغي أن يحجر على الإنسان ويمنع من حريته التي كفلتها له الشريعة، لقد كان ‏الاختلاف المذهبي أحد أبرز مظاهر حرية الرأي عند المسلمين، فرغم أنه خلاف في فهم الدين والعمل، ‏فإنه لا جبر ولا إكراه على القبول برأي لا يرضاه الإنسان، ولكل إنسان الحق في الاحتفاظ برأيه والعمل ‏به ما دام رأيه لا يصادم النصوص الشرعية ولا يخالف القواعد المرعية، ويحق للمسلم التمسك برأيه ولو ‏كان في مواجهة رأي الخليفة، وهناك نماذج وأمثلة كثيرة حدثت في تاريخ المسلمين.‏

‏ فالخلاف في الرأي والتصورات ظاهرة إنسانية لا يمكن نفيها ولا القضاء عليها، والخلاف ليس ‏مقصورا على المسلمين فكل أصحاب المذاهب الأخرى يختلفون، ولكن بفارق مهم جدا وهو أن ‏المسلمين لهم مرجع يرجعون إليه جميعا، يكون لهم ضابطا يعصمهم من تحول الخلاف في الرأي إلى افتراق ‏وتشتت بين أفراد الأمة وانقسامها إلى طوائف وشيع وأحزاب، بعكس المذاهب الأخرى فليس لهم ‏مرجع يرجعون إليه غير ما تهديهم إليه عقولهم وغير ما يظنون منفعته وفائدته، وهذا من شأنه أن يجعل ‏الإنسان متقلبا لا يستقر على رأي أمدا طويلا، ضرورة قصور علم الإنسان وجهله، فما كان حقا وصوابا ‏عندهم اليوم قد يرونه غدا خطأ وضلالا‏ ، لكن هل من حرية الرأي أن يعيب المسلم أو غير المسلم الدين ‏ويقدح في الشريعة؟ فالمسلم مطالب بأن يعظم شعائر الله وأن يعظم حرمات الله فمخالفة ذلك ليس من ‏حرية الرأي، بل من الخروج على الدين الذي ينبغي أن يحاسب عليه من فعله، وهل من الممكن تحت زعم ‏عدم التضييق على الإبداع والمبدعين أن يترك لهم الحبل على الغارب فيعيثون في أخلاق الأمة وعقيدتها ‏وشعائرها فسادا؟، وأما غير المسلم فلا يطالب بذلك مثل المسلم، فإن عدم إسلامه يعني طعنه في دين ‏الإسلام، لكن لا يقبل منه إظهار ذلك بين المسلمين، والإعلان به، أو الدعوة إليه. ‏

وهكذا لو ذهبنا نعدد كثيرا من تلك الأمور التي يعدونها من عناصر الدولة المدنية، فقد لا نجد ‏اختلافا عند الكلام المجمل، ولكن المحك الحقيقي عند ذكر التفصيلات حيث يظهر الاختلاف، فمثلا ‏مَنْ من الناس لا يريد العدل ولا يطالب به؟، لكن ما هو العدل ؟ هذا يختلف باختلاف كل أمة، فما يكون ‏عدلا عندك قد يكون ظلما عند الآخرين، فأمريكا اليوم مثلا ترى من العدل والحق أن يقوم اليهود ‏بضرب الفلسطينيين في غزة بالطائرات والمدافع من أجل فك أسر الجندي اليهودي المأسور، بينما ترى أن ‏محاولة الفلسطينيين فك أسراهم من الظلم الذي ينبغي أن يعاقبوا عليه. ‏

وبكلام مجمل: نقول لدعاة الدولة المدنية والمبشرين بها‏
- هل ما تذكرونه عن الدولة المدنية من حيث معناها وعناصرها، دل عليه ديننا وشريعتنا بأي نوع ‏من الدلالات المعتبرة عند أهل العلم؟ فإن قلتم: نعم دل على ذلك، قلنا: أين هي النصوص التي تتحدث ‏عن ذلك وما وجه دلالتها؟، وإن قلتم: لم تدل على ذلك النصوص وإنما دلت على خلافه، قلنا: لا حاجة ‏لنا فيما يخالف شرعنا، وإن قلتم: إن النصوص لم تدل على اعتباره كما أنها لم تدل على إلغائه، فاجتهدنا ‏نحن في ذلك من باب المصالح المرسلة، قلنا: لستم أنتم من أهل الاجتهاد، فليست لكم أية دراسات ‏مقدرة في الشريعة، وكل علم له رجاله المتخصصون فيه، وهذه بدهية من بدهيات العلوم، ومن تكلم في ‏غير فنه أتى بالأعاجيب، وإن قلتم: نحن لا يعنينا الاتفاق أو الاختلاف مع الأحكام الشرعية، والذي ‏يهمنا هو ما نرى فيه المصلحة، قلنا: إذن فقد خلعتم بذلك ربقة الإسلام من أعناقكم ‏
‏-أنتم في ظاهركم تقرون وتعترفون أن الله تعالى هو خالق هذا الكون العجيب بسماواته العظامن ‏وأراضيه الشاسعة، وخالق الحياة كلها، والذي أحكم هذا الكون إحكاما يحار فيه أولو الألباب، مقرين ‏بعلم الله تعالى وحكمته وعظمته، أفتستكثرون على الله تعالى أن ينزل على عباده ما يهديهم في شئون ‏حياتهم، أم تظنون أن الله تعالى خلق الخلق ورزقهم من المال والبنون، ثم تركهم يديرون حياتهم بغير بغير ‏هداية منه ورشاد، ألم يقل الله تعالى منكرا على من يريد أن يستقل ويضع بنفسه ما يحكم به مجتمعه ‏‏[أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] {المائدة:50} ‏
- ما الذي يدعوكم للمطالبة بالدولة المدنية، وما الذي يحملكم على التضحية بدين الأمة، وما ‏المكاسب التي ترونها في التمسك بالدولة المدنية، وهي ليست في الدين، وهل هناك ما يدعو إلى استخدام ‏هذا الاسم المشتمل على قضايا مقبولة، وقضايا تتعارض مع الدين، ولماذا العدول عن اسم الدولة ‏الإسلامية أو الشرعية أو الدينية، ما الذي تنقمونه من هذه التسمية، هل تشتمل على قضايا غير مقبولة؟، ‏إن كانت هناك ممارسات غير مقبولة وقعت من بعض المسلمين أو حكامهم، فهل هي مقبولة إسلاميا؟ ‏بمعنى آخر: هل هي من نواتج التمسك بالإسلام أو من نواتج البعد عنه والخروج عليه؟، وإذا كانت من ‏نواتج البعد عنه والخروج عليه فلماذا تلصقونها به، وتحملونه ما هو منه بريء ‏
- هناك من يحاول أن يبين أن الدولة المدنية هي دولة المؤسسات، وأنها لا تعارض الدين ولا تعاديه... إذا ‏قلتم هذا فلماذا تأبون وصفها بدولة إسلامية أو شرعية أو شرعية أو دينية، ولماذا التركيز على أنها دولة ‏مدنية، وهل كانت الدولة التي أقامها رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ دولة مدنية أو دولة إسلامية، وكذلك الدولة التي ‏أقامها خلفاؤه من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وهلم جرا
- هناك من يقول نريد دولة مدنية بمرجعية إسلامية، إن هذا القيد في حد ذاته يمثل اتهاما حقيقيا ‏للدولة المدنية من قبل دعاتها، فإن هذا الكلام يبين أن المرجعية الدينية ليست من صفات الدولة المدنية ‏ولا من خصائصها وأركانها، وإلا لما احتاج هذا المتكلم إلى إضافة ذلك القيد.‏
- والدولة المدنية لم تمنع السلطة من تفسير القانون حسب ما تهوى، واعتبر ذلك بما حدث من ‏احتجاز أمريكا الدولة المدنية الكبرى لأكثر من أربعمائة مسلم في معتقل بخليج جوانتنامو مخالفة بذلك ‏القانون الأمريكي والقانون الدولي واتفاقيات الأسري بجنيف، بل وصل الأمر أكثر من ذلك حيث ‏التنصت على مكالمات الأمريكيين أنفسهم بدون سند قانوني وكل ما قدمته الإدارة من تفسير في ذلك أن ‏الوضع خطير وأنه لا يمكن محاربة الإرهاب إلا بتلك الطريقة وهذه دعاوى لا يعجز أحد عن تقديمها ‏فماذا فعلت الدولة المدنية إزاء ذلك؟

وأخيرا: إن المشكلة الحقيقية التي تحياها مجتمعاتنا لا تحل بمجرد إقرار لفظ أو نفيه، فهناك كثير من ‏الدول العربية التي تقول عن نفسها إنها دولة مدنية ولم يخرجها ذلك عن حالة التخلف التي هي سمة ‏لكثير من مثل هذه المجتمعات، إن المشكلة الحقيقية تكمن في انفصال العمل عن القول، وأن كثيرا من ‏النخب الحاكمة تتعامل مع الحكم وكأنه تركة من حقها أن تفعل به ما تشاء، في ظل غياب رقابة شعبية ‏ورسمية حقيقية قادرة على الفعل، ولو ولت النخب الحاكمة وجهها شطر شرع الله تعالى لأفلحت ‏وأنجحت، ولقادت مجتمعاتها من حالات التخلف الراهنة في أغلب الميادين، إلى مدارج العلا، ائتوني ‏على مدار التاريخ الإسلامي كله في البلاد التي حكمها الإسلام، بدولة تمسكت بالإسلام حقا، ثم لم تكن ‏متقدمة على نظرائها في أغلب المجالات. ‏

شبهات والجواب عنها:‏

من الشبهات التي يعترض بها البعض أن القول بإسلامية الدولة يعني عدم إمكانية سؤال الحاكم ‏أو محاسبته: فيقولون كون الدولة إسلامية أو شرعية أو دينية يمنع من نقد الحكام عند وقوعهم في الخطأ، ‏ويجعلهم في مكانة عالية لا يقدر أحد على حسابهم، إذ كل ما يقولونه فهو تعبير عن الإرادة الإلهية، ونحن ‏نقول لهم: أنتم تتحدثون عن دين غير دين الإسلام، وإلا فأتوا لنا بآية أو حديث يدل على هذا الزعم، أو ‏يمكن أن يستفاد منه هذا الزعم، ثم هذا تاريخ المسلمين مَنْ مِن الحكام ادعى هذه المنزلة؟، ومَنْ مِن أهل ‏العلم قال بشيء مثل ذلك؟، وأمامكم سير الخلفاء حيث كانت رعيتهم تنصحهم وتنتقد عليهم ما يرونه ‏خطأ من تصرفاتهم، والأمثلة كثيرة وهي معلومة لكثير من الناس ومعلومة لكم أيضا، بل حتى في أشد ‏المواقف حُلكة كان الناس يراجعون ولاة أمورهم أو يعترضون عليهم، فهذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه ‏عندما أراد قتال مانعي الزكاة، بعد وفاة الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ عارضه عمر، وقال: كيف تقاتل الناس ..الحديث ، ‏فلم يمنعه أبو بكر من ذلك، ولم يقل له-كقول البطالين-نحن في زمن حرب، ولا صوت يعلو على ‏صوت المعركة، بل بَيَّن له بالدليل صواب موقفه، حتى اقتنع عمر رضي الله عنهما بذلك، وهذا عبد الله بن ‏عمر يختلف مع خالد بن الوليد رضي الله عن الجميع وهو أميره في غزاة غزاها معه، ويمتنع من تنفيذ ما ‏أمر به، لمخالفة خالد باجتهاده للسنة الصحيحة، فلما بلغ رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ الأمر لم يعنف عبد الله على عدم ‏طاعته لخالد، بل قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين ، ولو قدر أن هناك أحدا من الولاة منع ‏من ذلك لعد عند الناس ظالما مما يعني أن الثقافة الشعبية لا تقبل مثل هذا الادعاء.‏

ومن الشبهات أن الدولة الإسلامية أو الشرعية أو الدينية يترتب عليها ظلم المخالفين في الدين: ‏وهذا مجرد ادعاء عار عن الدليل كما أن التاريخ والسيرة العملية التي درج عليها المسلمون في تعاملهم مع ‏المقيمين بينهم من أهل الديانات المغايرة لدين الإسلام، تدحض ذلك، أما إذا كانت هناك حالات فردية ‏يقع فيها بعض الناس في ذلك، فلا يسلم من ذلك أحد سواء في معاملته مع هو من أهل دينه أو مع من ‏يختلف معه، وإنما الشأن أن يكون النظام العام هو الذي يشرع ذلك أو يقبله.‏

ومن الشبهات: أن يقال أن الدولة الإسلامية أو الدينية تحمل المخالفين على تغيير دينهم: وهذا ‏أيضا ادعاء لا يعضده نصوص شرعية أو واقع تاريخي، والغريب أن هؤلاء الذين أهمهم هذا الأمر، لم ‏يهمهم أمر الأمة كلها، فهم من اجل ألا يحمل المخالفون على تغيير دينهم بزعمهم، يطالبون الأمة بأن ‏تتخلى عن التمسك بدينها في السياسة والاقتصاد والقضاء والمعاملات،والرجوع في ذلك كله إلى عقول ‏الناس وخبرتهم، وهذا من أغرب أنواع الظلم إذ بزعم العدل مع المقيمين من غير المسلمين في بلاد ‏المسلمين، يُظلم المسلمون أنفسهم في بلادهم، وهل هناك ظلم أشد من أن يُحمل المسلمون على ترك ‏الكثير من أمور دينهم ‏

ومن الشبهات: أن يقال إن تعبير الدولة الدينية قد أسيء استخدامه في العصور المظلمة من تاريخ ‏الغرب مع كنيسته، ولا نريد استخدام لفظ مُحمَّل بمثل هذه الدلالات، حتى لا نحمل أوزار أمور لسنا ‏المسئولين عنها، ويقال إن ما يذكر هنا ليس راجعا إلى اللفظ نفسه إنما راجع إلى سوء استغلاله، ولو ترك ‏استعمال لفظ صحيح لا يحتمل أمورا خاطئة من أجل أن هناك من استعمله بطريقة خاطئة لم يكد يسلم لنا ‏شيء، وهذا بعكس ما إذا كان الخطأ راجعا لاحتمال اللفظ نفسه أو لصلاحيته للدلالة على أكثر من معنى ‏بعضها صواب وبعضها خطأ، فهذا الذي يمكن أن يقال فيه ذلك، على أنكم إذ أنكرتم هذا فقد وقعتم ‏فيما تفرون منه، إذ إن لفظ الدولة المدنية لم يسلم من هذا الذي تذكرون، فإن أغلب حديث الناس عن ‏الدولة المدنية أنها الدولة العلمانية، وبالتالي لا يصلح الانتقال إليه حتى لو قلتم لا نريد منه هذا المعنى، ‏ولماذا لم تقولوا بالدولة الدينية وتقولون لا نريد منها المعنى الذي استقر في أذهان الغرب، أليس هذا أولى؟ ‏أو تبحثوا عن مصطلح آخر يحقق ما تأملونه من خير من غير أن يكون حاملا لتلك الدلالات الفاسدة، ‏فقد كان بإمكانكم أن تختاروا مثلا مصطلح الدولة الإسلامية، أو مصطلح الدولة الشرعية أو الدولة ‏الراشدة، أو الصالحة، أو أي مصطلح لا يحمل البذور الفاسدة. ‏

ومن الشبهات: أن حقوق المواطنة لا يمكن الحفاظ عليها إلا في ظل دولة لا تتخذ من الدين ‏مرجعية لها، أي أن الدولة ينبغي أن تكون علمانية لا دينية وهي الدولة المدنية، أما المواطنة بمعنى ‏الاعتراف لكل قاطن للدولة الإسلامية سواء كان من المسلمين أو كان من غيرهم بأنه مواطن فهذا لا ‏ينازع فيه أحد، وكل واحد من مواطني الدولة الإسلامية له حقوق وعليه واجبات فكل إنسان له حق في ‏العيش الكريم، وله حرمة سكنه وماله وعرضه، وله حق التكسب سواء عن طريق التجارة أو الصناعة ‏أو الزراعة، وله الحق في أن يلقى معاملة عادلة لا ظلم فيها، وله حق التنقل والسكن في أي مكان يشاء، ‏وله الحق في سرية مراسلاته، وله الحق في أن يبقى على دينه ولا يكره على تغييره، وله الحق في العبادة، وله ‏الحق في أن يتناول ما يبيحه له دينه وإن كان محرما في شريعة الإسلام، وهذه الحقوق التي يعطاها المواطن ‏غير المسلم في الدولة الإسلامية لا يعطاها كثير من المسلمين الصادقين في بلادهم التي يزعم قادتها أن ‏دولتهم دولة مدنية، لكن هناك بعض الأمور التي يختلف فيها غير المسلم عن المسلم وهذا أمر لا غرابة ‏فيه، ما دام إن هذا الاختلاف مقرر بالشرع الذي يؤمن به المسلمون، لكن الذي لا يمكن قبوله أن تختلف ‏بعض أحكامهم انطلاقا من الهوى لا من الشرع، ومن أراد أن لا تختلف بعض أحكامهم المقرر اختلافها ‏بالشرع، فهو شهادة منه على أن الالتزام بالدولة المدنية معناه مخالفة الشرع والخروج على أوامره.‏

وعندنا من النصوص الشرعية ما يحفظ حق هؤلاء بل يصير إيصال الحقوق لهم وعدم الانتقاص ‏منها من الدين الذي ينبغي اتباعه، قال رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ المبلغ عن ربه وحيه وأمره فيمن قتل ذميا بغير جرم: ‏‏"مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"‏ ‏ و عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ‏رضي الله تعالى عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ :الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَمَا ‏زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ"‏ ، وقد قال المسلمون لعمر رضي الله تعالى عنه: " أَوْصِنَا يَا أَمِيرَ ‏الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ"‏ ، وهذا عمر بعدما طعن وفي هذه الشدة ‏وذلك الموقف العصيب لكن هذا لم يحل بينه وبين الوصاة بأهل الذمة، فقال أوصي الخليفة من بعدي: ".. ‏وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ ‏ صلى الله عليه وسلم ‏ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ ‏طَاقَتِهِمْ"‏ ‏ ومر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل : شيخ كبير ضرير البصر ، ‏فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي ، قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال ‏‏: أسأل الجزية والحاجة والسن ، قال : فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل ثم ‏أرسل إلى خازن بيت المال فقال : انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ‏‏( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب ، ‏ووضع عنه الجزية وعن ضربائه"‏ ، وفي عقد الذمة الذي عقده خالد لنصارى الحيرة: "وجعلت لهم أيما ‏شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات ، أو كان غنيا فافتقر ، وصار أهل دينه يتصدقون عليه ‏، طرحت جزيته ، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله" ‏

ومن الشبهات أيضا حيادية الدولة: حيث يرون أن الدولة المدنية دولة حيادية تجاه جميع الأديان في ‏المجتمع، بينما الدولة الإسلامية لا تتمتع بهذا الحياد، "إن مفهوم الدولة المدنية هو باختصار يعني حيادية ‏الدولة التام تجاه الأديان، وهو ينهل أساساً من مفهوم حرية العقيدة الذي جاء به الإسلام أولاً"‏ ،. ‏‏"علمانية الدولة ببساطة شديدة هي أن تقف الدولة موقف الحياد من العقائد والمذاهب التي تدين بها ‏مكونات شعبها، بمعنى ألا تكون في قراراتها وسياساتها وخططها وتعييناتها – بما في ذلك مناهجها ‏التعليمية وسياساتها الإعلامية والثقافية - منطلقة من مذهب أو عقيدة أو مرجعية دينية معينة، وإن ‏كانت عقيدة ومرجعية الأغلبية، لما في ذلك من تهميش لعقائد الآخرين وتمييز ضدهم وإخلال بمبادئ ‏المساواة والعدالة والمواطنة، ومن هنا حرصت البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة وأقامت ‏الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة"‏ ‏ والحيادية تجاه الأديان تعني ‏عدم ميل الدولة تجاه دين معين، وأنها تتعامل مع الجميع على قدم المساواة، فلا تمدح دينا أو تدعو إليه، ‏ولا تذم دينا أو تهاجمه،وهذه الحيادية التي يتكلمون عنها غير موجودة في واقع الأمر في الحقيقية في أي بلد ‏من البلدان، وعندنا فرنسا التي تعد على رأس الدول المدنية كيف منعت النساء المسلمات في فرنسا من ‏ارتداء الحجاب، وهذه دولة الدنمارك وهي دولة مدنية كيف سخر رساموها من خير البرية ‏ صلى الله عليه وسلم ، ثم هي ‏من منظور آخر تناقض الإسلام مناقضة تامة، حيث سوت بينه وبين الأديان المحرفة كالنصرانية ‏واليهودية وغيرها، ومن أغرب الغرائب أن يعمد هؤلاء الكتاب إلى المطالبة بتهميش عقيدة الأغلبية ‏حرصا على عدم تهميش عقيدة الآخرين، أي عقل منكوس هذا الذي يقرر مثل هذا الكلام، ثم هذه ‏الحيادية المزعومة ليست حيادية لأنها فقط أقصت الدين، وانحازت إلى العقل والخبرة والتجارب، ‏والإسلام وإن كان لا ينكر دور العقل الذي هو مناط التكليف وكذلك دور الخيرة والتجارب لكن ذلك ‏لا يمكن أن يكون عوضا عن الإسلام نفسه، أو يعارض به، وأما أن الإسلام لا يكره أحدا على الدخول ‏فيه فهذا حق، لكن هذا لا يعني أبدا حيادية الدولة الإسلامية تجاه الإسلام، فإن من أهم واجبات ولي ‏الأمر المسلم التي نص عليها أهل العلم باتفاق هي إقامة دين الله تعالى وتحكيم الشريعة، وسياسة الدنيا ‏بالدين .

 

محمد الشريف
  • مقالات في الشريعة
  • السياسة الشرعية
  • كتب وبحوث
  • قضايا عامة
  • الصفحة الرئيسية