اطبع هذه الصفحة


من أكاذيب المنجمين والعرافين ودجلهم

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم
 

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالغيب مما أستأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه, فمن أدعي علم الغيب فقد خرج عن ملة الإسلام, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: دعوى علم الغيب كفر مخرج عن الملة, لأن الله يقول: ( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ) [النمل:65] وهذا من أقوى أنواع الحصر, لأنه بالنفي والإثبات, فإذا ادعى أحد علم الغيب فقد كذب القرآن.

فلا يعلم ما سيحصل في المستقبل إلا الله جل جلاله, قال سبحانه وتعالى: (
 إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري رحمه الله : ( مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله, لا يعلم أحد ما يكون في غد, ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام, ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً, وما تدري نفس بأي أرض تموت, وما يدري أحد متى يجيء المطر)   

وممن يدعون علم الغيب: المنجمين, والكهان والعرافين, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العراف اسم للكاهن والمنجم والرّمال ونحوهم.

فيجب عدم الذهاب إليهم, أو تصديقهم فيما يقولون, ومن فعل ذلك فقد جنى على نفسه جناية عظيمة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أتى عرافاً, أو كاهناً فصدقه بما يقول, فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) [أخرجه البزار, وصححه العلامة الألباني برقم (5939) في صحيح الجامع] قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان.

ويقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله: فقد شاع بين كثير من الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم, لمعرفة المستقبل....ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور: أن يتوب إلى الله ويستغفره, وأن يعتمد على الله وحده, ويتوكل عليه, في كل الأمور, مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة, وأن يدع هذه الأمور الجاهلية, ويبتعد عنها, ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم, طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, وحفاظاً على دينه وعقيدته, وحذراً من غضب الله عليه, وابتعاداً عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عليها خسر الدنيا والآخرة, نسأل الله العافية من ذلك, ونعوذ به سبحانه من كل ما يخالف شرعه أو يوقع في غضبه.

فإن قال قائل أنهم قد يصدقون أحياناً فالجواب على ذلك في سنة الرسول علية الصلاة والسلام فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس عن الكهان. فقال: ( ليس بشيء ) فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحياناً بشيء فيكون حقاّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تلك الكلمة من الحق يحفظها من الجني فيقرها في أذن وليه, فيخلطون معها مائة كذبة ) [متفق عليه] قال الحافظ ابن حجر: قال الخطابي رحمهما الله: بين صلى الله عليه وسلم أن إصابة الكاهن أحياناً, إنما هي لأن الجني يلقى إليه الكلمة التي يسمعها استراقاً من الملائكة فيزيد عليها أكاذيب يقيسها على ما سمع, فربما أصاب نادراً وخطؤه الغالب.

وقد اعترفوا هم بذلك, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهكذا المنجمون حتى أني خاطبتهم بدمشق, وحضر عندي رؤساؤهم, وبينت فساد صناعتهم بالأدلة العقلية التي يعرفون صحتها, فقال لي رئيس منهم: والله إنا نكذب مائة كذبة حتى نصدّق في كلمة.  

وما أكثر دجلهم وكذبهم, وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في كتابه الجيد النافع: "البداية والنهاية " من ذلك أشياء, منها:


كذبهم أن على رضي الله عنه لا يظفر إلا إذا سار في وقت لا يسير في غيره:


لما عزم علي ومن معه من الجيش على البداءة بالخوارج, نادى مناديه في الناس بالرحيل فعبر الجسر, فصلى ركعتين عنده,...ثم على شاطئ الفرات, فلقيه هنالك منجم فأشار عليه بوقت من النهار يسير فيه, ولا يسير في غيره, فإنه يخشى عليه, فخالفه علي فسار على خلاف ما قال, فأظفره الله, وقال علي: إنما أردت أن أبين للناس خطأه, وخشيت أن يقول الجاهل: إنما ظفر لكونه وافقه.  


كذبهم أن الخليفة الواثق ( ت 232هـ) سيعيش طويلاُ:


جمع الواثق أصحاب النجوم في زمانه, حين اشتدت علته, وإنما اشتدت علته بعد قتله أحمد بن نصر الخزاعي,....فلما جمعهم, أمرهم أن ينظروا في مولده, وما تقتضيه صناعة النجوم كم تدوم أيام دولته, فاجتمع عنده من رؤوسهم جماعة,...فنظروا في مولده, وما تقتضيه الحال عندهم, فأجمعوا على أنه يعيش في الخلافة دهراً طويلاً, وقدروا له خمسين سنة, مستقبله من يوم نظروا,...فلم يعش بعد قولهم وتقديرهم إلا عشرة أيام حتى هلك.


كذبهم في غرق الأقاليم من كثرة الأمطار والسيول سنة (284هـ)


ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائتين (284هـ) وفيها وعد المنجمون الناس أن أكثر الأقاليم ستغرق في زمن الشتاء من كثرة الأمطار والسيول وزيادة الأنهار, وأجمعوا على هذا الأمر, فأخذ الناس كهوفاً في الجبال خوفاً من ذلك, فأكذب الله تعالى المنجمين في قولهم, فلم يكن عام أقل مطراً منه, وقلت العيون جداً, وقحط الناس في كل بقعة, حتى استسقى الناس ببغداد وغيرها من البلاد مراراً كثيرة.


تخرص منجم المعز الفاطمي ( ت 365هـ)


كان المعز قبحه الله فيه شهامة وقوة وحزم وشدة عزم, وله سياسة, ولكنه كان مع ذلك منجماً يعتمد على حركات النجوم, قال له منجمه: إن عليك قطعاً_أي: خوفاً- في هذه السنة, فتوار عن وجه الأرض حتى تنقضي هذه المدة, فعمل له سرداباً, ودخل ذلك السرداب فتواري فيه سنة, ثم خرج بعد سنة, وجلس في مقام الملك, وحكم على عادته أياماً, ولم تطل مدته بل عاجله القضاء المحتوم, ونال رزقه المقسوم, فكانت وفاته سنة خمس وستين وثلاثمائة(365هـ)


كذبهم أن خراب العالم  سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة (582هـ)


أجمع المنجمون على خراب العالم في شعبان, لأن الكواكب الستة تجتمع فيه في الميزان, فيكون طوفان الريح في سائر البلدان, وذكر أن ناساً من الجهلة تأهبوا لذلك بحفر مغارات في الجبال وأسراب في الأرض خوفاً من ذلك, فلما كانت الليلة التي أشاروا إليها وأجمعوا عليها, لم ير ليلة مثل سكونها وركودها وهدوئها, وقد نظم الشعراء في تكذيب المنجمين في هذه الواقعة أشعاراً كثيرة.

والروم حذروا الخليفة المعتصم من غزو عمورية, وراسلوه أنهم يجدون في كتبهم أن مدينتهم لا تفتح إلا في وقت إدراك التين والعنب, وبيننا وبين ذلك شهور يمنعك من المقام بها البرد والثلج, فأبى أن ينصرف, وفتحها وأبطل ما قالوا, فأنشأ الشاعر أبو تمام قصيدة يمدحه فيها, ويبين كذب المنجمين, فقال:

السيف أصدق أنباء من الكتب      في حده الحد بين الجد واللعــب

والكهان والعرافين والمنجمين, وإن كانوا موجدين في كل عصر, لكن شرهم كان لا يصل إلى لمن ذهب إليهم, أما في عصرنا فمع وجود وسائل التقنية والاتصال أصبحوا يصلون بكفرهم وشرهم إلى الناس بكل سهولة, فالحذر الحذر منهم.     

وختاماً فمع نهاية كل عام ميلادي يخرج بعض هؤلاء على بعض القنوات الفضائية يتخرصون فيها بما سيكون في العام القادم
, فطوبى لمن أضمّ أذنيه عن سماع إفكهم ودجلهم, وخصوصاً أننا نعيش مع جائحة كورونا التي أصابت البعض بالحزن والخوف والذعر فربما زادوا من يستمع إليهم, حزناً وخوفاً وذعراً, فهم أعوان الشيطان, والشيطان من طرقه إدخال الخوف والحزن على المسلم, قال الله عز وجل: (
 إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:175] وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) [المجادلة:10]

نسأل الله لجميع المسلمين لفقه في الدين, والثبات عليه, كما نسأله سبحانه أن يعيذنا جميعاً من مضلات الفتن.

 

كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

فهد الشويرخ