اطبع هذه الصفحة


خائف مشفق

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الحليم العليم, العفو القدير, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أما بعد: فمن شعب الإيمان أن يجبَّ المؤمن لإخوانه ما يحبُّ لنفسه من الخير, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) [متفق عليه]

وهذه المحبة تقتضي منه أمور, منها: أن يكون لإخوانه ناصح خائف. فالمؤمن ينصح لإخوانه, فالدين النصيحة, فعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة ) قلنا: لمن ؟ قال: ( لله ولكتابه, ولرسوله, ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [أخرجه الإمام مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: هذا حديث عظيم الشأن, وعليه مدار الإسلام.

ومن النصيحة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة لعامة المسلمين, قال الإمام الخطابي رحمه الله: وأما نصيحة عامة المسلمين...فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم,...وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص.

والمؤمن يخاف على إخوانه كما يخاف على نفسه, فمن لم يخف لم يسلم, قال رسول الله علية الصلاة والسلام: ( قال الله عز وجل: " وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين إذا خافني في الدنيا أمَّنته يوم القيامة وإذا أمنني في الدنيا أخفتُهُ يوم القيامة) [أخرجه ابن حبان في صحيحه] فمن خاف في الدنيا أمن في الآخرة, ومن يخوف الناس حتى يأمنوا, خير ممن يأمَّنهم ثم يلقوا الخوف, قال الحسن رحمه الله: يا عبدالله, إنه من يخوفك حتى تلقى الأمن, خير ممن أمنك, حتى تلقى المخافة. [ أخرجه الإمام أحمد في الزهد]

فالمؤمن الصادق يخاف على إخوانه, وينصح لهم, قال الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه: أيها الناس: إني لكم ناصح, إني عليكم مشفق, صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور, وصوموا الدنيا لحر يوم النشور, وتصدقوا مخافة يوم عسير, يا أيها الناس: إني لكم ناصح, إني عليكم مشفق. [ أخرجه الإمام أحمد في الزهد]

وقال الله عز وجل عن مؤمن آل فرعون: ﴿ 
ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد [غافر:32-33]  قال العلامة السعدي رحمه الله: ولما خوفهم العقوبات الدنيوية, خوفهم العقوبات الأخروية, فقال: ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾ أي: يوم القيامة,...فخوفهم رضي الله عنه, هذا اليوم المهول.

فلابد أن يخاف المسلم من العذاب, فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الغيم خاف على أمته من العذاب, ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله, الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر, وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية فقال: ( يا عائشة, ما يُؤمنِّي أن يكون فيه عذاب, عُذِّب قوم بالريح, وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض مُمطرنا.)  

إننا في زمان نرى فيه الآيات العظام, التي تتزلزل لها الجبال, يرسلها جبار السموات والأرض تخويفاً وإنذاراً للعباد, قال تعالى ﴿ 
وما نرسل بالآيات إلا تخويفا﴾ [الإسراء:59] فلنخف من هذه الآيات التي ابهرت العقول, والتي تنوعت وتعددت والتي تظهر قوة الله القدير المقتدر, فمن زلازل مزلزلة كانت للجبال مقلقلة، ومن خسوف وكسوف متتالية، ومن رياح عاصفة، ومن صواعق مدمرة، ومن براكين مهلكة، ومن فيضانات مغرقة، ومن أوبئة قاتلة  تدل على قدرة الله, القادر, المقتدر,

قال سبحانه وتعالى: ﴿ 
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [الأنعام: 65]،

فالله جلت قدرته قادر على إرسال العذاب على العباد من فوقهم، ومن تحتهم, فلنكن على حذر, وعلى وجل, مما يحدث في العالم من أحداث, وآيات. ولا يكن حالنا مثل حال من قال الله عز وجل فيهم: ﴿ 
ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا﴾ [الإسراء:60] فالقلوب إذا قست صار هذا حالها.

لقد ذكر أهل العلم كابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية, وغيره من المؤرخين آيات حدثت في أزمانهم, كان الناس فيها يتوبون إلى الله, وينكسرون ويذلون إلى الله, ويبتهلون إليه, ويتصدقون وينفقون, ويتضرعون, فالله جلت قدرته يأخذ الناس بالبأساء ليتضرعوا إليه, قال سبحانه وتعالى: ﴿ 
فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ﴾ [الأنعام:42]  

فالحذر الحذر قبل أن تنزل بنا عقوبات أشد, قال الله عز وجل: ﴿ 
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النساء: 133]؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "أي: هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه؛ كما قال: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]؛ قال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره، وقال: ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 19] أي: وما هو ممتنع عليه".

اللهم ارحم ضعفنا, واجبر كسرنا, واهدِ ضالنا, وأيقظنا من غفلتنا, واحفظنا من كل بلاء ووباء.


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

فهد الشويرخ