صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العزلة للحافظ أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.....أما بعد: فالأصل أن المسلم يخالط الناس ولا يعتزلهم, والعزلة تكون عند الحاجة والضرورة, قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: " الخلطة أفضل للمسلم إذا اقتضت المصلحة ذلك, أما العزلة فعند الحاجة والضرورة, وإلا الذي يخالط الناس ويأمرهم وينهاهم فهو خير له."

وعليه فيحتاج المسلم للقراءة في هذا الموضوع ليكون على بينة من أمره, والإمام الخطابي رحمه الله له كتاب: " العزلة ", ذكر بعض الأمور المتعلقة بالعزلة والخلطة, وقد يسر الله الكريم فاخترت بعضاً مما ذكره في كتابه أسأل الله أن ينفع بذلك الجميع


الأخذ بحظ من العزلة:

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خذوا بحظكم من العزلة.   


المقصود بالعزلة:

نريد بالعزلة ترك فضول الصحبة, ونبذ الزيادة منها, وحط العلاوة التي لا حاجة إليك بها, فإن من جرى في صحبة الناس والاستكثار من معرفتهم على ما يدعو إليه شغف النفوس, وإلف العادات وترك الاقتصاد فيها والاقتصار على الذي تدعوه الحاجة إليه. كان جديراً ألا يحمد غبه, وأن تستوخم عاقبته, وكان سبيله في ذلك سبيل من يتناول الطعام في غير أوان جوعه, ويأخذ منه فوق قدر حاجته, فإن ذلك لا يلبث أن يقع في أمراض مدنفة, وأسقام متلفة, وليس من علم كمن جهل, ولا من جرب وامتحن كمن ماد وخاطر.
ولينظر المرء لدينه ويحسن الارتياد لنفسه نسأل الله السلامة من شر هذا الزمان وأهله


العزلة عند الفتن:

العزلة عند الفتنة سنة الأنبياء, وعصمة الأولياء, وسيرة الحكماء والأولياء, فلا أعلم لمن عابها عذراً, لا سيما في هذا الزمان القليل خيره, البكيء دره, وبالله نستعيذ من شره وريبه.


حفظ الجوارح والعزلة:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: نعم صومعة الرجل بيته, يكف سمعه, وبصره, ودينه, وعرضه.


عزلة الأبدان:

وأما عزلة الأبدان ومفارقة الجماعة التي هي العوام, فإن من حكمها أن تكون تابعة للحاجة وجارية مع المصلحة, وذلك أن عظم الفائدة في اجتماع الناس في المدن وتجاورهم في الأمصار, إنما هو أن يتضافروا فيتعاونوا على المصالح ويتآزروا فيها, إذ كانت مصالحهم لا تكمل إلا به, ومعايشهم لا تزكو إلا به. فعلى الإنسان أن يتأمل حال نفسه فينظر في أية طبقة يقع منهم, وفي أية جنبة ينحاز من جملتهم ؟ فإن كانت أحواله تقتضيه المقام بين ظهراني العامة لما يلزمه من إصلاح المهنة التي لا غنية له عنها, ولا يجد بداً من الاستعانة بهم فيها, ولا وجه لمفارقتهم في الدار, ومباعدتهم في السكن والجوار, فإنه إذا فعل ذلك تضرر بوحدته, وأضر بمن وراءه من أهله وأسرته.
وإن كانت نفسه مستقلة, وحاله في ذاته متماسكة, فالاختيار له هذا الزمان اعتزال الناس, ومفارقة عوامهم, فإن السلامة في مجانبتهم, والراحة في التباعد عنهم.   
ولسنا نريد رحمك الله بهذه العزلة التي نختارها مفارقة الناس في الجماعات والجمعات, وترك حقوقهم في العبادات, وإفشاء السلام, ورد التحيات, وما جرى مجراها من وظائف الحقوق الواجبة لهم وصنائع السنن والعادات المستحسنة فيما بينهم.


ترك الناس:

قال الفيض بن عياض رحمه الله: كفى بالله محباً, وبالقرآن مؤنساً, وبالموت واعظاً, اتخذ الله صاحبا, وذر الناس جانباً. وقال أبو الربيع: قلت لداود الطائي: أوصني. قال: صم عن الدنيا, واجعل فطرك الآخرة, وفرّ من الناس فرارك من الأسد.
** قال وهيب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت, والعاشرة في عزلة الناس.


مناقب العزلة وفوائدها

**
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: في العزلة راحة من خليط السوء.
قال إسماعيل بن محمد: سمعت ابن إبراهيم يقول: " لو لم يكن في العزلة أكثر من أنك لا تجد أعواناً على الغيبة لكفى.
صدق أبو محمد رحمه الله, فإنه ما من أحد جالس الناس في الزمان وعاشرهم إلا قلت سلامته من الغيبة.


**
في العزلة السلامة من المأثم في المنكر يراه الإنسان فلا يغيره, والأمان من غوائل أهله ومن عاديتهم إذا غيره, فقد أبى أكثر هذا الزمان قبول النصائح, ونصبوا العداوة لمن دعاهم إلى هدى, أو نهاهم عن ردى. فلو لم يكن في الوحدة والتباعد منهم إلا السلامة من إثم المداهنة وخطر المكافحة لكان في ذلك الربح الرابح والغنيمة الباردة.
قال الفضيل بن عياض: من خالط الناس لم يسلم من أحد اثنين, أما أن يخوض معهم إذا خاضوا في الباطل, أو يسكت إن رأى منكراً فيأثم, وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوعيد وسوى في العقوبة بين من أتى المنكر, وبين من رآه فلا يغيره ولا يأباه.


**
لو لم يربح الإنسان في العزلة والتخلي عن الناس, وعن مساويهم والانقطاع عن محاورتهم إلا ما يكفاه من فضل مؤنة التحرز منهم, وما يستفيده من الأمان أن يرفعوا عليه قولاً يسمعونه يتكلم به في حال غفلة واسترسال أو يتأولوا عليه كلاماً لا يبلغ عقولهم كنهه فيوجهوه إلى غير جهته وينحلوه غير صفته, لكان فيه كفاية وعصمة واقية.

**
لو لم يكن في العزلة إلا السلامة من صحبة العامة, والراحة من تعب مجالستهم, ومصابرة أخلاقهم, وما يستفيده الإنسان بمفارقتهم, ويكفاه من مؤونة تقويمهم, ويأمنه من غوائلهم في صدقهم عن أنفسهم, وامحاض النصيحة لهم, فإن الحق كما قيل مغضبة, وبعض النصح للعداوة مكسبة, لكان في ذلك راحة مريحة, وقد قل من يعرف, وأقل من ينصف.  

**
من مناقب العزلة: أنها خالعة عنك ربقة ذل الآمال, وقاطعة رق الأطماع, ومعيدة عز اليأس من الناس, فإن من صحبهم وكان فيهم ومعهم, لم يكد يخلو من أن يحدث نفسه بنوع من الطمع فيهم, إما في مال, أو جاه, والطمع فقر حاضر, وذل صاعر.

**
ومن مناقب العزلة: السلامة من آفات النظر إلى زينة الدنيا وزهرتها, والاستحسان لما ذمه الله تعالى من زخرفتها, وعابه من زبرج غرورها, وفيها منع النفس من التطلع إليها والاستشراف لها, ومن محاكاة أهلها ومنافستهم عليها, قال الله تعالى: ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ) [طه:131] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انظروا إلى من هو دونكم, ولا تنظروا إلى من هو فوقكم, فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة عليكم )
قال عون بن عبدالله: كنت أجالس الأغنياء فلا أزال مغموماً, كنت أرى ثوباً أحسن من ثوبي, ودابة أفره من دابتي, فجالست الفقراء فاسترحت.


**
قال إسماعيل  سمعت ابن إبراهيم يقول: " لو لم يكن في العزلة إلا السلامة من آفة الرياء, والتصنع للناس, وما يدفع إليه الإنسان إذا كان فيهم من استعمال المداهنة معهم وخداع المواربة في رضاهم لكان في ذلك ما يرغب في العزلة ويحرك إليها
فمن أحب السلامة من هذه الخلة فليقل من مخالطة الناس, وليحذر مداخلتهم والتوسط في أمورهم, فإنه إذا مني بذلك وابتلي بشيء منه لم يسلم أن يلقى هذا بوجه وصاحبه بوجه.


لزوم القصد في حالتي العزلة والخلطة:

الإغراق في كل شيء مذموم, وخير الأمور أوسطها, والحسنة بين السيئتين.
عن ابن عائشة قال: ما أمر الله تعالى عباده بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: فإما إلى غلو, وإما إلى تقصير, فبأيهما ظفر قنع.
والطريقة المثلى في هذا الباب أن لا تمتنع من حق يلزمك للناس وإن لم يطالبوك به, وأن لا تنهمك لهم في باطل لا يجب عليك, وإن دعوك إليه, فإن من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه, ومن انحل في الباطل جمد عن الحق, فكن مع الناس في الخير, وكن بمعزل عنهم في الشر.
قال أكثم بن صيفي: الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة, ومعرفتهم مكسبة لقرين السوء, فكن للناس بين المنقبض والمقارب, فإن خير الأمور أوسطها.
وقال محمد بن الحنفية: ليس بالحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بداً, حتى يجعل الله له فرجاً, أو قال مخرجاً.


التحذير من قرناء السوء:

** وعظ المخزومي ابنه فقال: إياك وإخوان السوء, فإنهم يخونون من رافقهم, وقربهم أعدى من الجرب, ورفضهم من استكمال الأدب, والمرء يعرف بقرينه.

** الإخوان اثنان, فمحافظ عليك عند البلاء, وصديق لك في الرخاء, فاحفظ صديق البلية, وتجنب صديق العافية, فإنهم أعدى الأعداء.

** مخالطة الأنذال والسفلة تحط الهيبة, وتضع المنزلة, وتكل اللسان, وتزري للإنسان

** عن شريك بن عبدالله كان يقال: لا تسافر مع جبان فإنه يفر من أبيه وأمه, ولا تسافر مع أحمق فإنه يخذلك أحوج ما تكون إليه, ولا تسافر مع فاسق فإنه يبيعك بأكلة وشربه. ** معاشرة الأشرار تورث سوء الظن بالأبرار.

** لا يقول رجل في رجل خيراً لا يعلمه منه إلا أن يوشك أن يقول شراً يعلمه منه.

** لا يصطحب اثنان على غير طاعة الله عز وجل, إلا يوشك أن يفترقا على غير طاعة الله.** من ودك لأمر ولى مع انقضائه.


طرفه:

قال أبو السعدى الحارثي: أتيت عوانة بعد ما كف بصره, فسلمت عليه, ثم قلت: إن الله سبحانه وتعالى و تعالى لم يسلب عبداً شيئاً إلا عوضه مكانه شيئاً هو خير منه, فما الذي عوضك من بصرك ؟ قال: الطويل العريض يا بغيض. فقلت: ما هو؟ قال: أن لا أراك, ولا يقع بصري عليك.


الناس فيهم شبه بالبهائم في الطباع:

قال سفيان بن عيينة: ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من شبه البهائم, فمنهم من يهتصر اهتصار الأسد, ومنهم من يعدو عدو الذئب, ومنهم من ينبح نباح الكلب, ومنهم من يتطوس كفعل الطاووس, ومنهم من يشبه الخنازير التي لو ألقي لها الطعام الطيب عافته, فإذا قام الرجل عن رجيعه ولغت فيه, فكذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ إلا واحدة منها, وإن أخطأ رجل عن نفسه, أو حكى خطأ غيره ترواه وحفظه.


تفاوت الناس في الطباع والأخلاق:

عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من قبضة قبضها من جميع الأرض, فجاء بنو آدم على قدر الأرض, منهم الأحمر. والأسود والأبيض, والسهل والحزن, وبين ذلك الخبيث والطيب) بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القول أن الناس أصناف وطبقات, وأنهم تفاوت في الطباع والأخلاق, فمنهم: الخير الفاضل الذي ينتفع بصحبته, ومنهم: الرديء الناقص الذي يتضرر بقربه, وعشيرته, كما أن الأرض مختلفة الأجزاء, والتراب, فمنها العذاة الطيبة, التي يطيب نباتها ويزكو ريعها, ومنها: السباخ الخبيثة, التي يضيع بزرها ويبيد زرعها وما بين ذلك على حسب ما يوجد منها, ويشاهد عياناً


رضا الناس غاية لا تدرك:

قال بعضهم: " إن من الناس من يولع بالخلاف أبداً, حتى أنه يرى أن أفضل الأمور أن لا يوافق أحداً ولا يجامعه على رأي ولا يواتيه على محبة, ومن كان في هذا عادته فإنه لا يبصر الحق ولا ينصره, ولا يعتقد ديناً ومذهباً, إنما يتعصب لرأيه وينتقم لنفسه ويسعى في مرضاتها, حتى إنك لو رمت أن ترضاه, وتوخيت أن توافقه الرأي الذي يدعوك إليه تعمد لخلافك فيه, ولم يرض به, حتى ينتقل إلى نقيض قوله الأول, فإن عدت في ذلك إلى موافقته عاد فيه إلى خلافك."

فمن كان بهذه الحال فعليك بمباعدته والنفار عن قربه, فإن رضاه غاية لا تدرك, ومدى شأوه لا يلحق. قال الزجاج: كنا عند المبرد فوقف عليه رجل فقال: أسألك عن مسألة من النحو ؟ قال: لا, فقال: أخطأت. فقال: يا هذا كيف أكون مخطئاً أو مصيباً ولم أجبك عن المسألة بعد. فأقبل عليه أصحابه يعنفونه, فقال لهم: خلوا عنه, ولا تعرضوا له أنا أخبركم بقصته هذا رجل يحب الخلاف, وقد خرج من بيته وقصدني على أن يخالفني في كل شيء أقوله, ويخطئني فيه, فسبق لسانه بما كان في ضميره.


فوائد مختصرة متنوعة:

** كل عاص مستوحش, وكل مطيع مستأنس.

فإن كنت قد أوحشتك الذنوب          فدعها إذا شئت واستأنــــــس

** لا تكن ضحاكاً من غير عجب, و لا مشاء إلى غير أرب.

**
عن الناشئ قال: الاستكثار من الإخوان وسيلة الهجران.
يريد أنهم إذا كثروا كثرت حقوقهم فلم يسعهم برّك, فإذا تأخرت عنهم حقوقهم استبطؤوك فهجروك وعادوك.

** لا تشر على معجب برأيه فإنه لا يقبل.

** إذا تقاربت القلوب لم يضر تباعد الأجسام.

** البساط لا يضيق على متحابين, والدنيا لا تتسع للمتباغضين.

** من اشتعل بما لا يعنيه, ومن لم يستغن بما يكفيه, فليس في الدنيا شيء يغنيه.

** أذكر أخاك إذا توارى عنك بما تحب أن يذكرك به إذا تواريت عنه.

** عداوة الحليم أقل ضرراً عليك من مودة الجاهل.

** في العزلة السلامة من صحبة الثقيل ومؤنة النظر إليه فإن ذلك هو العمى الأصغر

** العزلة...معينة لمن أراد نظراً في علم, أو إثارة الدفين رأي, أو استنباطاً لحكمة.

** قال عمر بن عبدالعزيز لمحمد بن كعب القرظي: أي خصال الرجال أوضع له ؟ قال: كثرة كلامه, وإفشاؤه سره, والثقة بكل أحد.

** قال أحمد بن حنبل: الغوغاء أهل البدع.

** إذ صحت المودة سقط التكلف.

** الواجب على العاقل أن لا يغتر بكلام العوام وثنائهم, وأن لا يثق بعهودهم وإخائهم, فإنهم يقبلون مع الطمع, ويدبرون مع الغنى, ويطيرون مع كل ناعق.

** قال لقمان لابنه: يا بني, لا تكن حلواً فتبلع, ولا مراً فتلفظ.

** قال أبو حنيفة رحمه الله: من طلب الرياسة بالعلم قبل أوانه لم يزل في ذل ما بقي.

** لو صلحت منا الضمائر وصفت السرائر, لوقعت النصيحة موقعها.

** على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه, ممسكاً للسانه, مقبلاً على شأنه.

** الله يصلحنا ويصلح أئمتنا, فإن فسادهم بذنوبنا

 


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية