اطبع هذه الصفحة


مختارات من كتاب الزهد للإمام أبي داود السجستاني

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ...أما بعد: فحب الدنيا أصل كل داء, يُصيب الأمم والعباد, فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها!)  فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ ؟ فقال صلى اله عليه وسلم: ( بل أنتم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم, وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) فقال قائل: يا رسول الله, وما الوهن ؟ قال: ( حب الدنيا وكراهية الموت ) [أخرجه أبو داود, وصححه العلامة الألباني]

وحب الدنيا يجعل الناس يتنافسون فيها فيؤدي ذلك إلى هلاكهم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما الفقر أخشى عليكم, ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم, فتنافسوها كما تنافسوها, فتهلككم كما أهلكتهم.) [متفق عليه]

والعلاج لحب الدنيا والتنافس فيها, يكون بالزهد فيها, ولهذا ألف أئمة الإسلام مصنفات في الزهد, منهم: الإمام ابن المبارك, والإمام وكيع بن الجراح, والإمام أحمد بن حنبل, رحمه الله تعالى عليهم جميعاً, ومنهم الإمام أبي داود السجستاني, رحمه الله, صاحب كتاب السنن, وهو أحد الكتب الستة في السنة.

وكتابه الزهد فيه مواعظ وفوائد, يسر الله الكريم لي فاخترت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع الجميع بها.

مواعظ ورقائق:
**
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: اسمعوا من أخ ناصح, إنكم تجمعون ما لا تأكلون, وتأملون ما لا تدركون, وتبنون ما لا تسكنون, فإن من كان قبلكم جمعوا كثيراً, وأملوا بعيداً, وبنوا شديداً, فأصبح جمعهم بوراً, وأصبح أملهم غروراً, وأصبحت دورهم قبوراً.  

وكان رضي الله عنه إذا رأى جنازة, قال: اغدي فإنا رائحون, وروحي فإنا غادون, موعظة بليغة, وغفلة سريعة, كفى بالموت واعظاً, يذهب الأول فالأول, ويبقى الآخر لا حِلمَ له.


**
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: يا بني...ابك خطيئتك.

**
جاء رجل إلى أم الدرداء رضي الله عنها, فقال: إن بي داء من أعظم الداء, فهل عندك له دواء ؟ قالت: وما ذاك ؟ قال: إني أجد قسوة في القلب, فقالت: أعظم الداء داؤك. عدِ المرضى, واتبع الجنائز, واطلع في القبور, لعل الله أن يلين قلبك. ففعل الرجل, فكأنه أحس من نفسه رقة, فجاء إلى أم الدرداء يشكر لها.

**
قال أبو هريرة رضي الله عنه: إذا مات الميت قالت الملائكة: ما قدم ؟ ويقول الناس: ما ترك ؟  
وقال: إياكم ومحقرات الأعمال, فإنها تتراكم أمثال الجبال, وتحصى أعمالكم.


**
قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: الناس ثلاثة منازل: فمنهم من له, ولا عليه, ومنهم من عليه ولا له, ومنهم من له ولا عليه. يغتنم الرجل ظلمة الليل وغفلة الناس فيصلي, فذلك له ولا عليه, ويغتنم الرجل ظلمة الليل وغفلة الناس فيقوم فيسعى في معاصي الله, فهذا عليه ولا له, وينام الرجل حتى يصبح, فهذا لا له ولا عليه

** قالت عائشة رضي الله عنها: من أسخط الناس برضى الله, كفاه الله عز وجل الناس, ومن أسخط الله برضى الناس, وطلّه الله إلى الناس.
و
قالت رضي الله عنها: أنك إن اتقيت الله كفاك الناس, وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً, فاتق الله.

**
قال علي رضي الله عنه: إنما أخشى عليكم اتباع الهوى, وطول الأمل, فإن اتباع الهوى يصُدّ عن الحق ويذكر الدنيا, وطول الأمل ينسي الآخرة.

البكاء:

**
قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ابكوا, فإن لم تبكوا فتباكوا.
**
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لو تعلمون من العلم لبكيتم حتى تنفذ دموعكم.
**
عن يزيد بن ميسرة, قال: البكاء من سبعة أشياء: من: الفرح, والحزن, والجزع, والرياء, والوجع, والشكر, والبكاء من خشية الله, فذاك الذي تطفئ الدمعة منه مثل أمثال البحور من النار.
**
قيل لابن عباس: أتبكى السماء والأرض على أحد ؟
قال: نعم, إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء ينزل منه رزقه, ويصعد منه عمله, فإذا مات المؤمن افتقده بابه فبكى عليه, وبكت عليه مغادنه من الأرض, وأثاره الحسنة التي كان يذكر الله, وإن آل فرعون لم تكن لهم أعمال حسنة ولا آثار حسنة في الأرض.


إخفاء الأعمال الصالحة:

عن الزبير قال: من استطاع أن تكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل.

الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة:
**
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أنتم أطول صلاة, وأكثر جهاداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم كانوا أعظم أجراً منكم.
قالوا: لِمَ يا أبا عبدالرحمن ؟
قال: إنهم كانوا أزهد في الدنيا, وأرغب في الآخرة.

**
عن أبي واقد الليثي, قال: تابعنا الأعمال, فلم نجد شيئاً أبلغ في طلب الآخرة من الزهد في الدنيا.

العناية بأعمال القلوب:

قال بكر بن عبدالله: إن أبا بكر لم يفضل الناس بأنه كان أكثرهم صلاة وصوماً, إنما فضلهم بشيء كان في قلبه.


الصلاة:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: المصلى يقرع بابه, ومن يدم قرع باب الملك يوشك أن يفتح له.
وقال: لا تنفع الصلاة إلا من أطاعها.


الدعاء:

عن مالك بن دينار قال: بلغنا أن بني إسرائيل خرجوا يدعون, فقيل لهم: يا بني إسرائيل تدعونه بألسنتكم وقلوبكم بعيدة ؟! باطل ما ترهبون.


الجزاء من جنس العمل:

قال السيباني: في الكتب, كما تدين تدان, إن الكأس الذي تسقي به تشرب وزيادة, فإن البادئ لا بد أن يزاد.

اللسان يورد المهالك:

عن زيد بن أسلم, عن أبيه, قال: رأيت أبا بكر الصديق رحمه الله آخذ بطرف لسانه, فقال: هذا أوردني الموارد.


سجن اللسان:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: والذي لا إله غيره ما على الأرض شيء أحوج من طول سجن من لسان.

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: يا بني...اخزن لسانك.

تطهير اللسان:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أحق ما طهر المسلم لسانه.


قلة الكلام وطول السكوت:

كان عمار بن ياسر رضي الله عنه, قليل الكلام, طويل السكوت, وكان عامة كلامه: عائذ بالرحمن من فتنة, عائذ بالرحمن من فتنة.  


عدم الكلام فيما لا يعني:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تكلم فيما لا يعينك, فإنه فضل ولا آمن عليك فيه الوزر


شر المال:

قال خالد بن معدان: شر أموالكم: ما لا تراه ولا يراك, وحسابه عليك, ونفعه لغيرك


العالم الذي لا يعمل بعلمه:

قال جندب البجلي رضي الله عنه: إن مثل الذي يعلم الناس ولا يعمل بعلمه, كمثل السراج يضيء للناس, ويحرق نفسه.

الإكثار من ذكر الله عز وجل:
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: من ضنّ منكم بالمال أن ينفقه, وخاف العدو أن يجاهده, وخاف الليل أن يكابده, فليكثر من قول: لا إله إلا الله, وسبحان الله, والحمد لله, والله أكبر.


لكل زارع ما زرع:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: من زرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة, ومن زرع شراً يوشك أن يحصد ندامة, ولكل زارع ما زرع.


مخالطة الناس:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: خالط الناس, وزايلهم وصاحبهم بما يشتهون, ودينك لا تثلمنه.


من يخالف قوله فعله:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: من خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه.


من ترك شيئاً لله:

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ما ترك عبد شيئاً لا يتركه إلا لله, إلا أتاه الله بما هو خير منه من حيث لا يحتسب.


حب الشيء يُعمي عن عيوبه:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: حُبك الشيء يُعمي ويُصم.


تتبع ما عند الناس يطيل الأحزان:

عن أبي الدرداء رضي الله عنه, قال: من يتبع نفسه ما يرى في الناس, يطول حزنه, ولا يشفي غيظه.


قلة الفهم في حصر النعم في الأكل والشرب:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: من لم يرَ لله عليه نعمة إلا في الأكل والشرب, فقد قلّ فهمه, وحضر عذابه.


ما يُفسد الناس:

عن أبي الدرداء رضي الله عنه, قال: لولا ثلاث لصلح الناس, لولا هوى متبع, وشح مطاع, وإعجاب كل ذي رأى برأيه.


معصية الله وذم الناس:

قالت عائشة رضي الله عنها: من يعمل بشيءٍ من معصية الله, يعود حامده له من الناس ذاماً.


الأمر بالخير ولو لم يفعله الإنسان:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني لآمركم بالأمر, وما أفعله, ولكني أرجو فيه الخير.


القناعة:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: اعلم أن قليلاً يكفيك, خير من كثير يلهيك.


الخير:

قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: الخير ليس بكثرة المال والولد, ولكن الخير أن يعظم حِلمُك, وأن ينفعك عملك.


الإنفاق في سبيل الله:

**
قال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما ليقسم في المجلس والواحد ثلاثين ألف درهم, ثم يأتي عليه الشهر ما يأكل مُزعة لحم.
**
كانت عائشة رضي الله عنها, تقسم في اليوم سبعين ألفاً, وإنها لترقع درعها.

البعد عن الظهور والشهرة:
عن شيخ من الأنصار يقال له عراك أنه كان يقول: اللهم إني أسألك ذاكراً خاملاً لي ولولدي من بعدي, لا ينقصنا ذلك مما عندك شيئاً.


كِل الظالم إلى ظلمه:

سمع مسلم بن يسار رجلاً يدعو على رجل, فقال: كِل الظالم إلى ظلمه, فإنه أسرع إليه من دعائك عليه, إلا أن يتداركه بعمل, وقمن أن لا يفعل.


كل عبد له أربع أعين:

قال خالد بن معدان: ما من عبد إلا وله أربع أعين, عينان في وجهه يبصر بهما أمر دنياه, وعينان في قلبه يبصر بهما ما وعد الله بالغيب, فإذا أراد الله بعبده خيراً فتح عينيه اللتين في قلبه, فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب, وهما غيب, فأبصر الغيب بالغيب, وإذا أراد الله سوى ذلك ترك القلب على ما فيه, وقرأ: ( أم على قلوب أقفالها ) [محمد:24]


وصية عظيمة:

قال سعيد الخير لابنه: أظهر اليأس فإنه الغنى, وإياك وطلب ما عند الناس فإنه الفقر الحاضر, وإياك وما تعتذر منه, وأسبغ الوضوء, وصلِّ صلاة مودع لا تصلى صلاة غيرها, وإن استطعت أن تكون خيراً منك أمس, وغداً خيراً منك اليوم فافعل.


الحذر من التقليد:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ائتوا الأمر من تدبر, ولا يكون أحدكم إمعة. قالوا: وما الإمعة ؟
قال: الذي يجري بكل ريح.


ستر الله على عبده المذنب:

عن أنس بن مالك قال: أُتي عمر بشاب قد سرق, فقال: والله ما سرقت قبلها قط, فقال عمر: كذبت والله, ما كان الله لِيُسلِم عبداً عند أول ذنب.


التواضع:

** قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وليتكم ولست بخيركم. قال سفيان: بلغنا عن الحسن أنه قال: بلى, والله إنه لخيرهم, ولكن المؤمن يهضم نفسه.
** عن عبيدالله بن عدي بن الخيار قال: سمعت عمر على المنبر يقول: إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته, وقال انتعش نعشك الله, فهو في نفسه صغير_ أو فقير_ وفي أنفُس الناس كبير.
**
قالت عائشة رضي الله عنها: إنكم تغفلون أفضل العبادة التواضع.

الكِبر:

عن عبيدالله بن عدي بن الخيار قال: سمعت عمر على المنبر يقول: إن العبد إذا تكبر وعدا طوره, وضعه الله إلى الأرض, وقال اخسأ خساك الله, فهو في نفسه كبير, وفي أعين النفس صغير.


إيقاظ الأهل لقيام الليل:

عن زيد بن أسلم, عن أبيه أنه قال: كان عمر يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي, حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله للصلاة.


الحياء:

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عليك بالعلانية, وإياك السر, وكل شيء يستحيا منه.

أمور لا خير فيها:
قال علي رضي الله عنه: ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه, ولا خير في فقه ليس فيه تفهم, ولا خير قي قراءة ليس فيها تدبر.


محبة الله عز وجل لمن أعطاه الإيمان:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إن الله يعطى المال من يحب, ومن لا يحب, ولا يعطى الإيمان إلا من يحب.


الجلوس في البيت:

عن طلحة بن عبيد الله قال: أقلُّ لعيب المرء أن يكثر الجلوس في بيته.
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: يا بني, ليسعك بيتك.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: نعم صومعة الرجل المسلم بيته, يكف فيه بصره, وسمعه, وفرجه, وإياكم ومجالس الأسواق.


معاتبة الإخوان:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: معاتبة الأخ أهون من فقده.


الرضا بقضاء الله وقدره:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لأن أعضّ على جمرة حتى تبرد أحب إلي من أقول لشيءٍ قد قضاه الله ليته لم يكن.


الورع:
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: اجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس.

الغنى:
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: من لم يجعل الله غناه في قلبه لم تنفعه الدنيا.

العلم:

قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: بحسب المرء من العلم أن يخشى الله.


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ