اطبع هذه الصفحة


رقائق منتقاة من مصنفات العلامة ابن عثيمين رحمه الله

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...أما بعد : فالقلوب تقسو إذا غفلت عن ذكر الله عز وجل, ووقعت في الذنوب والمعاصي, وجالست أهل الشرَّ والفساد, ولذا فهي بحاجة ماسة لرقائق تلينها,والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله, له كلام في الرقائق في عددٍ من مصنفاته, انتقيتُ ما يسّر الله لي منه, أسأل الله الكريم أن ينفع به, ويبارك فيه. 

كلما كثر المال كثُرت الفتن

قال الشيخ رحمه الله: حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ فقال : ( سبحان الله ) تعجُّباً من هذين الأمرين : ما أنزل من الخزائن, وما أنزل من الفتن, والخزائن خزائن الدنيا التي تفتح على المسلمين, والفتن ما يحصل بمعية هذه الخزائن من الفتن, لأنه كلما كثر المال كثرت الفتن, لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله ما الفقر أخشى عليكم, وإنما أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم )

وقال رحمه الله: الغالب أن من كثر ماله قلَّ عمله, لأن دنياه تُلهيه, وكثير من الناس نجدهم كانوا في الأول على حال الاستقامة والثبات والأعمال الصالحة الكثيرة, فلما كثرت أموالهم أغرتهم, وصدوا كثيراً ورُبما كانوا لا يحبون هذا, لكن رغماً عنهم تُكرههم الدنيا أن ينصاعوا لها, ولو أنهم كانوا مُقلين لكان أطيب لهم في الغالب.

وقال رحمه الله: الزمان يتغير ويتغير إلى ما هو أشر...نرى اختلافاً كثيراً بين سنين مضت وسنين الوقت الحاضر.

حدثني من أثق به أن هذا المسجد مسجد الجامع كان لا يؤذن لصلاة الفجر إلا وقد تم الصف الأول, يأتي الناس إلى المسجد يتهجدون, أين المتهجدون اليوم إلا ما شاء الله ؟ قليل!! تغيرت الأحوال.

 حذر المؤمن من نعيم الدنيا أن تكون طيباته قد عجلت له

قال الشيخ رحمه الله: على المرء أن يحذر من هذا النعيم العظيم الذي نتمتع به في هذه البلاد, وليعلم بأن من سبقنا من سلف هذه الأمة...كانوا حين فُتحت عليهم الدنيا يحذرون منها هذا الحذر, وهذا عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه كان صائماً, والصائم يشتهي الطعام إذا أفطر, لكنه لما قُدِّم له طعامه تذكر إخوانه ممن سلف...ثم جعل رضي الله عنه يبكي, فترك الطعام وهو يشتهيه, وهكذا ينبغي للمؤمن أن يعتبر ويتعظ بما يجري في وقته وقبل وقته, وأن يخشى من بسط الدنيا وفتحها أن تكون طيِّباته عُجِّلت له, فإن الدنيا لو كانت هي المقصودة, وهي السعادة, لكان أحق الناس بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وقد كان النبي علية الصلاة والسلام يمضي عليه الشهران والثلاثة ما يُوقد في بيته نار, وإنما طعامه الماء والتمر, وما شبع ثلاث ليالٍ تباعاً من خبز البر.

خطورة الرفاهية والترف

قال الشيخ رحمه الله: نحن عشنا حياة الرفاهية وعشنا ما قبلها...وجدنا أن العيشة الأولى خير من هذه بكثير, هذه فيها أشياء مريحة للبدن من أشياء مُبردة, وماء بارد, وظل بارد, وسيارات فخمة, وغير ذلك, وفيما سبق ليس الأمر هكذا, لكن راحة القلب والطمأنينة وتعلُّق القلب بالله عز وجل أكثر بكثير مما هو عليه الآن.

وقال رحمه الله: الناس كلما ازدادوا في الرفاهية, وكلما انفتحوا على الناس انفتحت عليهم الشرور, إن الرفاهية هي التي تدمر الإنسان, لأن الإنسان إذا نظر إلى الرفاهية وتنعيم جسده غفل عن تنعيم قلبه, وصار أكبر همه أن ينعم هذا الجسد الذي مآله الديدان والنتن.

وقال رحمه الله: الحذر من لعبِ أعداء المسلمين بالمسلمين حيث يغزونهم بوسائل...ليلهوهم عما خلقوا له من عبادة الله وعما ينبغي أن يكونوا عليه من العزة والكرامة فإن هذه الوسائل..هي في الحقيقة حبّ مسموم للدجاج..تغتر به تجده حباً منتفخاً ليناً فتفرح به..وتبتلعه بسرعة ولكنه يقطع أمعاءها

وقال رحمه الله: الناس يذهبون إلى كل مكان, ليرفهوا عن أنفسهم, ليزيلوا عنها الألم والتعب, لكن لا يزيل ذلك حقاً إلا الإيمان, فالإيمان الحقيقي هو الذي يؤدي إلى الطمأنينة, فالنفس المطمئنة هي المؤمنة, مؤمنة في الدنيا, آمنة من عذاب الله يوم القيامة.

وقال رحمه الله: المسلمين..مع الأسف الشديد...أكثرهم في غفلة وفي ترف ينظرون ما يترف به أبدانهم وإن أتلفوا أديانهم.

وقال رحمه الله: قول الله تعالى: ] حتى إذا أخذنا مُترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون { [المؤمنون: 64] وتأمل هذا مع قوله تعالى: ] وإذا أردنا أن نُهلك قرية أمرنا مُترفيها ففسقوا فيها  { [الإسراء:16] يتبين لك أن للتَّرف عواقب وخيمةً, وأن غالب الانحراف إنما يأتي من التَّرف, وأن الذي ينبغي للإنسان أن يتباعد عن التَّرف ما أمكنه, ولستُ أقولُ: لا تتمتعوا بنعم الله, بل تمتعوا بها, لكن لا تجعلوها أكبر همَّكم, بحيث يجعل الإنسان نفسه كالمخلوق لهذا الأمر, كما هي حال كثير من الناس اليوم, فإن الناس اليوم عندما يتحدثون تجده يتحدث عن المال وكثرته, وعن الترف والإرفاه والترفيه, والمنتزهات, والألعاب التي أقل ما فيها أن تُلهي الناس عمَّا هو أنفع منها, وربما تُليهم عن الأمور الواجبة, وما أشبه ذلك, لكن لا تجد إلا النادر من يتحدث بنعمة الإسلام...والقلب إذا انشغل باللهو فسد وصُدَّ عن الله عز وجل, وعن الإقبال عليه, وصُدَّ عن ذكر الله عز وجل.

أشدُّ العقوبات: العقوبات الدينية, ولا ينتبه لها إلا من وفقه الله 

قال الشيخ رحمه الله : العقوبة أنواع كثيرة: منها ما يتعلق بالدين, وهي أشدها, لأن العقوبات الحسية قد يتنبه لها الإنسان, أما هذه فلا ينتبه لها إلا من وفقه الله, وذلك كما لو خفت المعصية في نظر العاصي, فهذه عقوبة دينية تجعله يستهين بها, وكذلك التهاون بترك واجب, وعدم الغيرة على حرمات الله, عدم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, كل ذلك مصائب, ودليله قوله تعالى : } فإن تولوا فاعلم أنما يريدُ اللهُ أن يُصيبهُم ببعض ذنوبهم { [سورة المائدة:49]

وقال رحمه الله: يقول عز وجل: } وما أصابكم من مصيبة { يشمل المصائب الدينية والمصائب الدنيوية, وأعظمهما المصائب الدينية, فإنها أعظمُ من المصائب الدنيوية, فإذا قُدِّر أن أحداً أُصيب بانتكاسة – والعياذ بالله – فهو أشدُّ من أن يهلك أهله وماله, فإن المصائب الدينية أعظم بكثير من المصائب الدنيوية, إذ إن المصائب الدُّنيوية تزولُ وتنسى..إما المصائب الدينية–والعياذ بالله – فخسارة في الدنيا والآخرة...

ومصائب الدين, كالمعاصي, والبدع, وكراهة الحق, وكراهة أهل الحق, وما أشبه هذا, فمثلاً : الإنسان إذا أصابه فتور في الطاعة, أو إعراض عن الطاعة لا شك أنها مصيبة, لكنها لا يُقرُّ عليها, يجب عليه أن يهرب منها كما يهرب من المصائب الحسية.

حديث كلما قرأه الإنسان خاف على نفسه

قال الشيخ رحمه الله: الخوارج قوم أشداء في القتال, أشداء في الأعمال, صبّارون عليها, حتى أن أحدهم ليُصلي الصلاة يحقر الصحابة صلاتهم عند صلاته, وقراءتهم عند قراءته, ولكن وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن القرآن لا يتجاوز حناجرهم, وهذا الحديث كلما قرأه الإنسان على نفسه, يخشى أن يكون علمه وقراءته على لسانه فقط, والمسألة خطيرة, فربما تجد هذا الرجل عنده غيره وقوة في الحق, وصوم وصلاة, وصدقة, ولكن لا يصل إلى القلب, لأنه ليس عنده الإيمان الذي يُصلح به نفسه أولاً, وهو يريد من الناس أن يصلحوا, وأما نفسه فقد أهملها, ولهذا تجد الخوارج استباحوا دماء الصحابة واستحلوها.

من أُعجب بعمله خُذل

قال عز وجل: ) ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تُغن عنكم شيئاً و ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين [[التوبة:25] قال الشيخ رحمه الله: كان الصحابة يوم حنين كثيرين...وقالوا : لن نُغلب اليوم من قلة فأعجبوا بكثرتهم, والله جل وعلا حكيم, أراد أن يريهم إن إعجاب الإنسان بنفسه يُوكل به إلى نفسه, فيذلُّ...ولا شك أن من نعمة الله عز وجل على العبد إذا أُعجب بشيء من عمله أن يُخذل, وذلك من أجل أن يكون في ذلك تربية له, فيعرف قدر نفسه, ويعرف قدر نعمة الله عليه, ولولا مثل هذه الأمور لكان الإنسان يعتزُّ بنفسه, ولا ينظر إلى نعمة الله, ولكن إذا أُصيب بمثل هذه المصائب عند إعجابه بنفسه فإنه يعرف قدر نفسه, ويعرف قدر نعمة الله عليه فيما مضى, ولهذا كان هذا الذي جرى للصحابة رضي الله عنهم نعمة من الله عز وجل, وتربية منه لهم. 

 من آثار الذنوب والمعاصي

قال الشيخ رحمه الله: للذنوب آثاراً على القلوب, فإن المعاصي تكون نقطة سوداء في القلب فإن تاب الإنسان انصقل قلبه وعاد إلى بياضه,وإلا توسعت هذه النقطة السوداء, وأصبح القلب مظلماً- والعياذ بالله- بل يُختمُ عليه حتى لا يصل إلى الخير...فللذنوب آثار عظيمة على القلب تُوجب أن يكون مُنقبضاً, وإذا تلذذ بعض الشيء في هذه المعصية فإنه يعقُبُ ذلك حسرة عظيمة في القلب وضيق. 

وقال رحمه الله: الإنسان المؤمن يحصل له من المعصية أثر سيئ في نفسه, حتى أن بعض الناس يضيق صدره, ولا يدري ما السبب, لكن سببه معصية خفيت عليه.

وقال رحمه الله: الذي يُوجب ضِيق الصدر, وتشتُّت الفكر, هو المعاصي.

وقال رحمه الله: الذنوب تحول بين الإنسان وبين رؤية الحق

وقال الشيخ رحمه الله: فإن قال قائل: ما سبب هذه الأكنة التي تحجب الحق عن القلب ؟ فالجواب: أن سببها المعاصي, كما قال الله تبارك وتعالى: ] إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ~كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون { [المطففين:13-14] فالمعاصي تحول بين الإنسان وبين الفقه في دين الله.

 عدم تغير جسم الميت بعد الموت يدلُّ على صلاح صاحبه

قال الشيخ رحمه الله في [تفر:76] :لو قال قائل : هل فناء الجسم أو بقاؤه دليل على الصلاح ؟ فالظاهر أن بقاءه يدل على الصلاح لأنه ما يبقى إلا كرامة لأن الأصل أن الأجسام تأكلها الأرض إلا الأنبياء فإنهم لا تأكلهم الأرض وفناؤه لا يدل على أن الإنسان ليس من أهل الخير لكن بقاء الجسم قد يقع كرامة لبعض أهل الخير.

 

من غرور الشيطان للإنسان

قال الشيخ رحمه الله: الشيطانُ يغُرُّ الإنسان بالله سبحانه وتعالى, فمثلاً: يقول له: لو أنك على باطل لعاقبك الله تعالى, أو يقول له: إن رحمة الله واسعة والله غفور رحيم, أو يُمنِّيه بالتوبة يقول: صحيح هذه معصية, والإنسان معرض نفسه للعقوبة, لكن التوبة أمامك, فالآن تمتع بهذه المعصية وبعدئذ تتوب.

ومن ذلك ما يُمنيه بعض الناس بأن يقول: لا تُصلِّ حتى تبلغ أربعين سنةً, وهذا موجود عند بعض الناس...يقولون: إن أهلهم يقولون: ما تجب عليكم الصلاة إلا بعد بلوغ أربعين سنة, ولهذا يسألون دائماً عن الصلاة الماضية: هل يقضونها أم لا ؟ وهذا من غرور الشيطان.

ومن غرور الشيطان أيضاً أنه يقول في الشيء الذي يعتقد الإنسان أنه معصية: هذه مسألة خلافية, وما دام فيها خلاف تجشَّمها, مع أنه يعتقد أنها معصية.

وكذلك من غروره أنه يقول في الشيء الذي يعتقد الإنسان أنه واجب, يقول له: هذه المسألة خلافية...فهو يعتقد أن الصلاة في المساجد جماعة واجبة, وأنه لا يجوز لإنسان أن يترك الجماعة, ولا يجوز أن يصليها جماعةً في بيته, لكن إذا صار له شُغل يختار: المسألة خلافية.

ومن غرور الشيطان أيضاً أن يُفتي للناس بشيء ويُفتي لنفسه بشيءٍ آخر, فيُرخص لها ويُسهل لها, ولغيره يُشدد, فمثل هذه المسائل كلِّها من خداع الشيطان, والواجب أن يكون الإنسان على دين واحد: على دين الله تعالى لنفسه ولغيره وفي جميع أحواله. 

الموفق من اعتبر بالمصائب للماضي والمستقبل, أما من مات قلبه فلا يهتم بها

قال الشيخ رحمه الله: من نعمة الله على العبد : أن يجعل له في المصائب عبراً, لأن كثيراً من الناس تمرُّ به المصائب, لكن لا يعتبر بها, والمُوفق هو الذي إذا مرَّت به المصائب اعتبر بها للماضي وللمستقبل.

فيعتبر بها للماضي فيقول : ما أُصبت بهذه المصيبة إلا بسبب ذنوب ارتكبتها, لقوله تعالى : ] وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم [ [الشورى:30] وحينئذ يُفكر في نفسه : ما هو الذنب الذي حصل ؟ ما هي الأمور التي لا أزال مُطالباً بها ولم أفعلها ؟ وما هي الذنوب التي ارتكبتها من المحارم ؟ فيُوجب ذلك له توبةً.

ويعتبر بها في المستقبل, فتكون تربيةً له, فإذا أُصيب بشيء من الأشياء ففي المستقبل يتجنب هذا الشيء, لأنه يعرف أنه سيصاب بمصيبة من أجله, فالمصائب التي تُصيب الإنسان هي مواعظ للمعتبرين, أمَّا من ماتت قلوبهم فلا يهتمون بها.

الدنيا ما فيها من صفوٍ لا بدَّ من كدرٍ, فلا تؤثر على الحياة الآخرة

قال الشيخ رحمه الله: الدنيا ليست خيراً وليست أبقى, فمتاعها قليل, وما جاء فيها من صفوٍ, فإنه يُكدر, قال الشاعر الحكيم :

فيوم علينا  ويـوم لنا         ويوم نُساءُ ويوم نُسرُّ

فلا تكاد تمرُّ عليك عشرةُ أيام صافية بدون كدر, بل لا بدَّ من كدرٍ, إمَّا في نفسك, أو أهلك, أو بلدك... ثم مع ذلك لا يدري الإنسانُ في أيِّ ساعة يدعوه الداعي في أيِّ لحظةٍ, فكم من إنسان سقطت منهُ اللقمة من يده ومات, وسقط منه فنجان الشاي ومات, فمن السفه أن نُؤثر الحياة على الحياة الآخرة, ولهذا قال تعالى : ] والآخرةُ خير وأبقى [

 

الاتعاظ بمصارع الدنيا

قال الشيخ رحمه الله: من العجب أن مصارع الدنيا التي وعظت بها بنيها كثيرة, ولكن عن مصارعها عموا, ولنأخذ أمثلة من هذا:

ما أكثر ما نرى من الأغنياء يعودون فقراء, فبينما يتكفف الناس إليهم أيديهم,  صاروا يتكففون الناس, فمثل هؤلاء, الموت خير لهم من الحياة, لأنهم ذاقوا الذل بعد العز,وكم من إنسان قوي العضلات, في عنفوان شبابه, ونضارة وجه, أُصيب بحادث أهزله بعد السمن, واغبر وجهُه بعد النضارة, وصار من رآه يرق له, ويحزن عليه, وكم من إنسان بنى وأمّل وذهب خياله إلى زمن بعيد ولكنه لم يسكن ما بنى.

وكم من إنسان غرس, وحرث, يؤمل أن يستمتع بثمرات ما غرس, وما زرع, ولكن يحال بينه وبينه, وخذ من هذه الأمثلة الكثيرة.

وكم من أناس نحن عَلِمناهم في عصرنا وسمعنا عنهم فيما سبقنا كانوا كثرة مجتمعين, أخ مع أخيه مع أبنائهم مع بناتهم مع أهليهم مجتمعين في بيت, أو في بيوت متقاربة, وعلى أحسن ما يكون من الأنس والفرح والسرور, فإذا بهم يتفرقون بموت أو مصائب أو فقر أو عدو أو غير ذلك, أليس هذا واقعاً ؟ بلى واقعاً وكثيراً, فلماذا لا نتعظ؟! يجب علينا أن نتعظ بما تعظ به الدنيا بنيها ولكن كيف نتعظ؟!

ليس الاتعاظ معناه أن نبكى إذا ذكرنا هذه الأحوال, بل الاتعاظ أن نتخذ منها عبرة, وأن هذه الدنيا ليست دار مقر وليست دار نعيم مقيم, وأن الآخرة هي دار المقر وهي دار النعيم المقيم, فنأخذ من هذه الدنيا ما نجعله سلماً للآخرة, كأنما تقدم الثمن لسلعة منتظرة, وحينئذ تربح الدنيا والآخرة, ولا أحد ألذ وأعم عيشاً وأطيب قلباً وأهدأ بالاً مثل المؤمن العامل للصالحات ] من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أُنثى وهو مُؤمن فلنحييناه حياة طيبة [ فيجب أن نلاحظ هذا الأمر بدقة..

أدركنا من إذا قيل له " اتق الله " ارتعد وخاف

قال الشيخ رحمه الله: التقوى فسرت بعدة تفاسير وأحسنها أن يقال: إن التقوى اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

وقد كان بعض السلف إذا قيل له: اتق الله, ارتعد وربما سقط من مخافة الله عز وجل, وأدركنا من الناس من هذه حاله, أي: أنك إذا قلت له: اتقِ الله, اضطرب واحمر وجهه وخشع, والآن بالعكس, إذا قلت له: اتق الله, قال: ماذا فعلت؟ مع أنه منتهك لحرمات الله عز وجل, فالواجب على العبد تقوى الله عز وجل امتثالاً لأمره تعالى.

عقوبة الله إذا وقعت لا ينفع فيها محاولة 

قال الشيخ رحمه الله عن بني إسرائيل: ابتلوا في طعامهم بأربعة أنواع من العقوبات:

الأولى : الطوفان للبذر, وهو الماء يُفسد الزرع قبل أن يخرج ويُغرقه.

الثانية : الجراد للزرع النابت, أُرسل عليه الجراد.

الثالثة : القمل الذي هو السوس, أُرسل على المُدَّخر.

الرابعة : الدم لِمَا أُكل, لأن الطعام يتحول في البدن إلى دم يتغذى به الجسم, فإذا ابتلوا بالنزيف ضاعت فائدة الطعام.

وهذا ابتلاء بالتدرج في الطعام, أما الشراب فابتلوا به في الضفادع, إذا جاؤوا يشربون وإذا الإناء ممتلئ ضفادع والعياذ بالله وليست واحدة يُبعدها بل ربما تكون صغيرات جداً لا يستطيع أن يتخلص منها, وعقوبة الله لا ينفع فيها محاولة, كما في قصة الرجل لمَّا قال الله عز وجل : ] فمن يأتيكم بماءٍ معين [ [الملك:30] قال : تأتي به المعاول, فأصبح وقد غار ما عينه, فلا ينفع فيه المعول, نسأل الله السلامة.

 

زيارة القبور يحصل بها الاتعاظ وتذكر الآخرة

قال الشيخ رحمه الله: بعض الناس يذهب إلى المقابر, ويضطجع في القبر, يقول: إني أفعل ذلك من باب الموعظة

نقول: هذا ليس بسديد, والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: اضطجعوا في القبور, فإنها تُذكِّر الآخرة, بل قال: ( زُوروا القُبُور ) فزيارة القبور يحصل بها من الاتِّعاظ وتذكُّر الآخرة ما لا يحصل بهذا, فهذا لا ينبغي فعله, والإنسان إذا كان لا يتعظ إلا إذا اضطجع في القبر فهذا معناه أن قلبه أقسى من الحجر.

قال رحمه الله: كان بعض الناس فيما سبق يحفرون قبوراً لهم, ومن الناس من أحدثوا في هذه بدعة وصار كل يخرج يوم إلى هذا القبر الذي حفر ويضطجعُ فيه, ويزعمُ أنَّ هذا موعظة وتذكير, ولا شك أن هذا بدعة.

سماع بعض المحتضرين عند موته

قال الشيخ رحمه الله: قد سمع بعضُ المحتضرين وهو يحتضر عند الموت يقول: روح ريحان وجنة نعيم, مما يدلُّ على أنه بُشِّر بذلك, أسألُ الله أن يجعلني وإياكم منهم.

من كانت هذه هي حاله في قبره: فهذه حال أحسن من الدنيا بألف مرة

قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ( أبدله داراً خيراً من داره ) الدار الذي سينتقل إليها أول ما ينتقل من الدنيا هي القبر, لكن هل يمكن أن تكون خيراً من داره ؟

الجواب : نعم, ولولا ذلك ما دعا الرسول بها, إذ إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدعو بأمر محال, والقبر يكون خيراً من الدنيا إذا فُسح للإنسان مدّ بصره, وقيل له : نم صالحاً, وفُتح له باب إلى الجنة, أتاه من روحها ونعيمها, وفرش له من الجنة, فمن كانت هذه حاله فوالله إنها أحسن من الدنيا بألف مرة, بل ولا ينسب.

حسن الظن بالله

قال الشيخ رحمه الله: حسن الظن بالله إذا عمل الإنسان عملاً صالحاً يحسن الظن بربه أنه سيقبل منه, إذا دعا الله عز وجل يحسن الظن بالله أنه سيقبل منه دعاءه ويستجيب له, إذا أذنب ذنباً ثم تاب إلى الله ورجع من ذلك الذنب يحسن الظن بالله أنه سيقبل توبته, إذا أجرى الله تعالى في هذا الكون مصائب يحسن الظن بالله, وأنه جل وعلا إنما أحدث هذه المصائب لحكم عظيمة بالغة, يحسن الظن بالله في كل ما يقدره الله عز وجل في هذا الكون, وفي كل ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم  بأنه خير ومصلحة للخلق, وإن كان بعض الناس لا يدرك هذه المصلحة, ولا يدرك تلك الحكمة مما شرع, ولكن علينا جميعاً التسليم بقضاء الله تعالى شرعاً وقدراً, وأن نحسن به الظن لأنه سبحانه وتعالى أهل الثناء والمجد. 

 كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها

* تفسير سورة آل عمران

* تفسير سورة المائدة

* تفسير سورة الأنعام

* تفسير سورة الفرقان

* تفسير سورة الشعراء

* تفسير سورة لقمان

* تفسير سورة سبأ

* تفسير سورة فاطر

* تفسير سورة غافر

* تفسير جزء عمَّ

* التعليق على صحيح البخاري

* فتح ذي الجلال والإكرام شرح بلوغ المرام

* التعليق على المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم

* شرح رياض الصالحين

* القول المفيد شرح كتاب التوحيد

* شرح اقتضاء الصراط المستقيم    

* التعليق على ميمية ابن القيم

* دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين   

* فتاوى نور على الدرب

 

كتبه / فهد  بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ


 

فهد الشويرخ