صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







من أقوال السلف في الصدقة

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فطوبى لمن جاهد نفسه, فتصدق عليها قبل أن يتصدق على غيره, فالإنسان عندما يتصدق غلى غيره فإنه في الحقيقة يتصدق على نفسه, بدفع الشر والبلاء عنها. ذكر الحافظ الذهبي في كتابه " تاريخ الإسلام" أن رجلاً قال لعبدالله بن المبارك: قُرحة خرجت في ركبتي مذ سبع سنين, وقد عالجتها بأنواع العلاج, وسألت الأطباء, فلم أنتفع به, قال: اذهب واحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء, فإني أرجو أن ينبع هناك عيناً ويمسك عنك الدم, ففعل الرجل, وبرأ.

لقد كان سلف هذه الأمة نماذجَ حية في الصدقة والانفاق في سبيل الله, ولهم في ذلك مواقف كثيرة, سطرتها كتب السير والتراجم والتاريخ,  فقد جاء سائل إلى الربيع بن خيثم رحمه الله يسأل, فخرج إليه في ليلة باردة, فنزع برنساً له فكساه إياه, ثم تلا هذه الآية: ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ  [آل عمران:92]

وسعيد بن عامر, رحمه الله, من الزهاد العباد, بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه, أنه أصابته جراحة شديدة, فأرسل إليه بألف دينار, فتصدق بها جميعاً, وقال لزوجته: أعطيناها لمن يتجر لنا فيها.

وعلي بن محمد بن علي بن هذيل, رحمه الله, المقرئ, الزاهد, أحد الأعلام, كان كثير الصدقة, يتصدق على الأرامل واليتامى, فقالت له زوجته: إنك لتسعى بهذا في فقر أولادك, فقال لها: لا والله, بل أنا شيخ طماع أسعى في غناهم ومن عجيب صنعهم أنهم كانوا يفرحون بالسائل, فقد كان علي بن الحسين, رحمه الله, إذا أتاه السائل رحب به, وقال: مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة.

للسلف أقوال في الصدقة, جمعت بفضل الله وكرمه بعضاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفعني والجميع بها.

الصدقة لا تقتصر على الصدقة بالمال:

** قال معاذ رضي الله عنه في العلم: تعلمه لمن لا يعلمه صدقة.

** قال أبو الدرداء رضي الله عنه :ما تصدق رجل بصدقة أفضل من موعظة يعظ بها جماعة فيتفرقون و قد نفعهم الله بها.

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الصدقة بغير المال...ما فيه تعدية الإحسان إلى الخلق, فيكون صدقة عليهم, وربما كان أفضل من الصدقة من المال, وهذا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فإنه دعاء إلى طاعة الله, وكف عن معاصيه, وذلك خير من النفع بالمال, وكذلك تعليم العلم النافع, وإقراءُ القرآن, وإزالة الأذى عن الطريق, والسعي في جلب النفع للناس, ودفع الأذى عنهم, وكذلك الدعاء للمسلمين, والاستغفار لهم

من أنواع الصدقة القاصرة على نفس العامل بها: أنواع الذكر, والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, وتلاوة القرآن. ومنها أيضاً: محاسبة النفس على ما سلف من أعمالها, والندم, والتوبة من الذنوب السالفة, والحزن عليها, واحتقار النفس والازدراء عليها, والبكاء من خشية الله, والتفكر في ملكوت السموات والأرض, وفي أمور الآخرة, ونحو ذلك مما يزيد الإيمان في القلب, وينشأ عنه كثير من أعمال القلوب: كالخشية, والمحبة, والرجاء, والتوكل, وغير ذلك.

** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: الصدقة في الشريعة ليست الصدقة بالمال والصدقة بالمال نوع من أنواع الصدقة فالصدقة هي: إيصال الخير والنفع للغير.

ــــــــــــــــــ

فائدة: ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله, في كتابه " طريق الهجرتين وباب السعادتين" مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم, فذكر أن الطبقة السابعة هم: أهل الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس بأموالهم على اختلاف حاجاتهم ومصالحهم, من تفريج كرباتهم, ودفع ضروراتهم, وكفايتهم في مهماتهم.

وقال: فهذه الطبقات الأربعة من طبقات الأمة هم أهل الإحسان والنفع المتعدي, وهم: العلماء, وأئمة العدل, وأهل الجهاد, وأهل الصدقة وبذل الأموال في مرضاة الله, فهؤلاء ملوك الآخرة, وصحائف حسناتهم متزايدة, تمتلئ فيها الحسنات وهو في بطون الأرض, ما دامت آثارهم في الدنيا, فيا لها من نعمة ما أجلها, وكرامة ما أعظمها! يختص الله بها من يشاء من عباده.

المبادرة بالصدقة والحذر من التسويف بالصدقة والإنفاق:

** قال الإمام النووي: الحث على المبادرة بالصدقة, واغتنام إمكانها قبل تعذرها.

** قال ابن حجر: قال ابن المنير: التحذير من التسويف بالإنفاق استبعاداً لحلول الأجل واشتغالاً بطول الأمل.

ما نقصت صدقة من مال:

قال الإمام النووي رحمه الله: قوله علية الصلاة والسلام (( ما نقصت صدقة من مال)) ذكروا فيه وجهين, أحدهما: معناه أنه يبارك فيه, ويدفع عنه المضرات, فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية, وهذا مدرك بالحس والعادة. والثاني: أنه وإن نقصت صورته كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه, وزيادة إلى أضعاف كثيرة.

لا تنتظر فضل المال حتى تتصدق:

قال أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما, يا بناتي, تصدقن ولا تنتظرن الفضل, فإنكن إن انتظرتن الفضل لن تجدنه, وإن تصدقن لم تجدن فقده.

ــــــــــــــــــــ

الصدقة بالقليل:

** قال الإمام النووي رحمه الله: فيه الحث على الصدقة, وأنه لا يمتنع منها لقلتها, وأن قليلها سبب للنجاة من النار.

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: القليل لا يمنع التصدق به لحقارته, بل ينبغي للمتصدق أن يتصدق بما تيسَّر له, قلَّ, أو كثر.

التنوع في جهات الخير عند الصدقة بحسب المصلحة:

قال الإمام النووي رحمه الله: الحث على الصدقة في وجوه الخير, وأنه لا يقتصر على نوع من وجوه البر, بل ينفق في كل وجه من وجوه الخير يحضر....وأن ينوعها في وجوه الخير بحسب المصلحة.

الصدقة برهان على الإيمان:

** قال الإمام النووي رحمه الله: الصدقة حجة على إيمان فاعلها, فإن المنافق يمتنع منها, لكونه لا يعتقدها, فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه, والله أعلم.

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الصدقة برهان على صحة الإيمان, وسبب هذا: أن المال تحبه النفوس, وتبخل به, فإذا سمحت بإخراجه لله, دلَّ على صحة إيمانها بالله, ووعده ووعيده.

في الصدقة تخلق بأخلاق الكرماء:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الصدقة دفع حاجة الفقراء والتخلق

 بأخلاق الفضلاء الكرماء.

صدقة الحياة أفضل من صدقة المرض, وبعد الموت:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: التصدق في الحياة, وفي الصحة, أفضل منه بعد الموت, وفي المرض

ـــــــــــــــ

الصدقة على الأقارب:

قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الصدقة على الأقارب من أفضل أعمال البر.

الصدقة مع انشراح الصدر وثبات القلب:

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ينبغي للعبد أن لا...ينفق إلا وهو منشرح الصدر, ثابت القلب, يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده, ولا يتشبه بالمنافقين.

الصدقة تشرح الصدر:

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: المتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه, وانفسح بها صدره,...فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح, وقوي فرحه, وعظم سروره, ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها.

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الجواد إذا همَّ بالصدقة انفسح لها صدره, وطابت نفسه, فتوسعت في الإنفاق, والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه, فضاق صدره, وانقبضت يداه.

** قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإنسان إذا بذل الشيء, ولا سيما المال يجد في نفسه انشراحاً وهذا شيء مجرب ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس.

وقال رحمه الله: الصدقة...من أسباب انشراح الصدر, وجرب تجد.

ستر الله عز وجل للمنفق والمتصدق:

قال الحافظ ابن حجر: قال المهلب: الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة, بخلاف البخيل فإنه يفضحه.

ـــــــــــــــ

الصدقة فيها خير وأجر وثواب من الله:

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الإنفاق في طرق الإحسان. خير وأجر وثواب عند الله ولهذا قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً الآية, فإن الله يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله وإن الله ينيلهم الخيرات ويدفع عنهم الأحزان والمخاوف والكريهات

الصدقة تدفع الشر والبلاء والعذاب:

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء, ولو كانت من فاجر أو ظالم, بل من كافر, فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء, وهذا أمر معلوم عند الناس.

وقال رحمه الله: في الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها إلا الله, فمنها: تقي مصارع السوء, وتدفع البلاء حتى أنها لتدفع عن الظالم.

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الصدقة من دوافع العذاب لأنه أمرهن بالصدقة [أي الرسول] ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك.

** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الصدقات يجتمع فيها الأمران: حصول الخير, وهو: كثرة الحسنات والثواب والأجر, ودفع الشر والبلاء الدنيوي والأخروي, بتكفير السيئات.

الصدقة غذاء للقلب:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإنفاق في سبيل الله غذاء للقلب والروح.

الصدقة قد تكفر الذنوب بين المخلوقين:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الصدقة...قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين.

ــــــــــــــ

الصدقة تكفر المعاصي والسيئات:

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الصدقة تمحو كثيراً من الذنوب التي تدخل النار...واليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار.

** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: المعاصي يكفرها الله بما يفعله الإنسان من الطاعات ومن أعظمها الصدقات

من فوائد الصدقة:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: في الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها إلا الله, فمنها: أنها...تطفئ الخطيئة, وتحفظ المال, وتجلب الرزق, وتفرح القلب, وتوجب الثقة بالله, وحسن الظن به, وترغم الشيطان, وتزكى النفس وتنميها, وتُحببُ العبد إلى الله وإلى خلقه, وتستُر عليه كل عيب, وتزيد في العمر, وتستجلب أدعية الناس ومحبتهم, وتدفع عن صاحبها عذاب القبر, وتكون عليه ظلاً يوم القيامة, وتشفع له عند الله, وتهون عليه شدائد الدنيا والآخرة, وتدعوه إلى سائر أعمال البر فلا تستعصي عليه.

الصدقة عند التوبة:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: استحباب الصدقة عند التوبة.

الصدقة تكفيراً للخطيئة:

** قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (( من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق ) قال العلماء: أمر بالصدقة تكفيراً لخطيئته في كلامه بهذه المعصية

** قال لقمان لابنه: إذا أخطأت خطيئة فأعطِ الصدقة.

الصدقة شكراً للنعم, أو اندفاع الكرب:

قال الإمام النووي رحمه الله: يستحب لمن حصلت له نعمة ظاهرة, أو اندفعت عنه كربة ظاهرة أن يتصدق بشيء صالح من ماله شكراً لله تعالى على إحسانه.

ـــــــــــــــــــــ

ثبوت الثواب في الصدقة, وإن كان الآخذ فاسقاً, وغنياً:

قال الإمام النووي رحمه الله: حديث المتصدق على سارق, وزانية, وغني, فيه ثبوت الثواب في الصدقة, وإن كان الآخذ فاسقاً, وغنياً,...هذا في صدقة التطوع, وأما الزكاة فلا يجزى دفعها إلى غنى.

الصدقة بالتمر:

قال الإمام النووي رحمه الله: فيه استحباب الصدقة بالتمر عند جداده.

الإسرار في صدقة التطوع أفضل:

** قال الإمام النووي رحمه الله: صدقة التطوع السّر فيها أفضل لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء.

** قال عبدالعزيز بن أبي رواد: كان يقال ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان المرض, وكتمان الصدقة, وكتمان المصيبة.

** قال الإمام الغزالي: الإخفاء فيه معان:

الأول: أنه أبقى للستر على الآخذ, فإن أخذه ظاهراً, هتك لستر المروءة, وكشف عن الحاجة, وخروج عن هيئة التعفف والتصون المحبوب, الذي يحسب الجاهل أهله أغنياء من التعفف.

الثاني: أنه أسلم لقلوب الناس وألسنتهم, فإنهم ربما يحسدون, أو ينكرون عليه أخذه, ويظنون أنه آخذ مع الاستغناء, أو ينسبونه إلى أخذ زيادة, والحسد وسوء الظن والغيبة من كبائر الذنوب, وصيانتهم عن هذه الجرائم أولى.

الثالث: إعانة المعطي على إسرار العمل, فإن فضل السر على الجهر في الإعطاء أكثر, والإعانة على إتمام المعروف معروف.

الرابع: أن في إظهاره الأخذ ذلاً وامتهاناً, وليس للمؤمن أن يذل نفسه.  

ـــــــــــــ

غبطة المنفقين والمتصدقين:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قول النبي صلى الله عليه وسم: (( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها الناس, ورجل آتاه الله مالاً وسلطه على هلكته في الحق )) يعني أنه لا ينبغي لأحد أن يغبط أحداً على نعمه ويتمنى مثلها إلا أحد هذين, وذلك لما فيهما من النفع العام والإحسان المتعدي إلى الخلق: فهذا ينفعهم بعلمه, وهذا ينفعهم بماله.  

القرض الحسن:

قال الله تعالى: ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ  

** قال الإمام ابن القيم رحمه الله: سمى ذلك الإنفاق قرضاً حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل, لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد, طوعت له نفسه بذله, وسهل عليه إخراجه, فإن علم أن المستقرض ملي وفي محسن كان أبلغ في طيب قلبه وسماحة نفسه, فإن علم أن المستقرض يتجر له بما أقرضه, وينميه له, ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله, كان بالقرض أسمح وأسمح, فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض, وأن ذلك الأجر حظ عظيم وعطاء كريم, فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان, وذلك من ضعف إيمانه, ولهذا كانت الصدقة برهاناً لصاحبها.

** قال الإمام القرطبي رحمه الله: القرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية, طيب النفس, يبتغى به وجه الله دون الرياء والسمعة, وأن يكون من الحلال.

ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ  [البقرة: 267]

وأن يخفى صدقته لقوله تعالى:﴿وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ [البقرة:271]

ــــــــــــــ

وأن يكون من أحب أمواله, لقوله تعالى: ﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]

وأن يتصدق في حال يأمل الحياة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة, فقال: ( أن تعطيه وأنت صحيح شحيح, تأمل العيش, ولا تهمل, حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا, ولفلان كذا )

وأن يكون كثيراً, لقوله عليه الصلاة والسلام (أفضل الرقاب أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها.....وأن يستحقر كثير ما يعطي, لأن الدنيا كلها قليلة.

وألا يمُنّ, لقوله تعالى: ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ [البقرة:264]

فائدة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: المن نوعان:

أحدهما: منّ بقلبه من غير أن يصرح به بلسانه, وهذا وإن لم يبطل الصدقة فهو يمنعه شهود منة الله عليه في إعطائه المال وحرمان غيره. وتوفيقه للبذل ومنع غيره منه, فلله المنَّة عليه من كل وجه, فكيف يشهد قلبُه منَّةً لغيره ؟

النوع الثاني: أن يمن بلسانه, فيعتد على من أحسن إليه بإحسانه, ويُريه أنه اصطنعه وأنه أوجب عليه حقاً, وطوقه منَّةً في عنقه, ويقول: أما أعطيتك كذا وكذا ؟

وحظر الله سبحانه على عباده المن بالصنيعة, واختص به صفة لنفسه, لأن منَّ العباد تكدير وتعيير, ومنَّ الله سبحانه إفضال وتذكير.

الامتنان استعباد وكسر وإذلال لمن تمُنّ عليه, ولا تصلح العبودية والذلّ إلا لله, وأيضاً: فالمنة أن يشهد المعطى أنه هو رب الفضل والإنعام وأنه ولي النعمة ومسديها, وليس ذلك في الحقيقة إلا الله...وأيضاً فإن المعطي قد تولى الله ثوابه, وردَّ عليه أضعاف ما أعطى فبقى عوض ما أعطى عند الله, فأيّ حقًّ بقي له قِبَلَ الأخذ ؟ فإذا امتنَّ عليه فقد ظلمه ظلماً بيناً.

ـــــــــــــت

فائدة: قال القرطبي: المن غالباً يقع من البخيل والمعجب, فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها, والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه منعم بماله...وموجب ذلك الجهل ونسيان نعمة الله فيما أنعم عليه.

مضاعفة الله جل جلاله للمنفق في سبيله:

قال تعالى: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261]

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قوله تعالي: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ قيل: المعنى والله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء, لا لكل منفق, بل يختص برحمته من يشاء, وذلك لتفاوت أحوال الإنفاق في نفسه, وفي صفات المنفقين وأحواله, وفي شدة الحاجة وعظم النفع وحسن الموقع, وقيل: والله يضاعف لمن يشاء فوق ذلك, فلا يقتصر به على السبعمائة, بل يجاوز في المضاعفة هذا المقدار إلى أضعاف كثيرة.

آفات تعترض المنفق والمتصدق:

قال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة:265]

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: المنفق تعترضه عند إنفاقه آفتان إن نجا منهما كان مثلُه ما ذكر في هذه الآية.

إحداهما: طلبه بنفقته محمدةً أو ثناءً أو غرضاً من أغراضه الدنيوية, وهذا حال أكثر المنفقين.

والآفة الثانية: ضعف نفسه بالبذل وتقاعسها وترددها: هل تفعل أم لا ؟

ـــــــــــــــــ

فالآفة الأولى تزول بابتغاء مرضاة الله, والآفة الثانية تزول بالتثبيت, فإن تثبيت النفس تشجيعها وتقويتها والإقدام بها على البذل, وهذا هو صدقها. وطلب مرضاة الله إرادة وجهه وحده وهذا إخلاصها.

هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع:

* كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده.

* وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه لله تعالى, ولا يستقله.

* وكان لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه, قليلاً كان أو كثيراً.

* وكان أجود الناس بالخير,...عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر.

* وكان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شيءٍ إليه, وكان سروره وفرحهُ بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه.

* وكان إذا عرض له مُحتاج, آثره على نفسه, تارةً بطعامه, وتار ةً بلباسه.

* وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه, وبحاله, وبقوله, فيُخرجُ ما عنده, ويأمُرُ بالصدقة, ويحضُّ عليها, ويدعو إليها بحاله وقوله, فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء, وكل من خالطه وصحبه ورأى هديه لا يملك نفسه من السماحة والندى. 

* وكان صلى الله عليه وسلم أشرح الناس صدراً, وأطيبهم نفساً, وأنعمهم قلباً, فإن للصدقة وفِعل المعروف تأثيراً عجيباً في شرح الصدر

اللهم وفقنا إلى الاقتداء برسولك عليه الصلاة والسلام في جميع أمورنا, ومن ذلك الانفاق في سبيلك.

 

ـــــــــــــــ

وأختم بقصة ذكرها العلامة محمد بن صالح العثيمين, عن فضل الصدقة,  قال رحمه الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال (كُلُّ امرئٍ في ظلَّ صدقته حتى يفصل بين الناس) قوله (في ظل صدقته) يحتمل أن يكون المراد بالظل. أن الله تعالى يحميه من أجل الصدقة ويحتمل أن يكون ظلاً حقيقياً والاحتمال الثاني أولى لأن الحقيقة هي الأصل والصدقة قد تكون ظلاً فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل المعاني أعياناً والأعيان معاني فهو سبحانه قادر على هذا وهذا فهذه الصدقة وإن كنت عملاً مضى وانقضى وهي فعل من أفعال المتصدق لكن المتصدق به شيء محسوس فقد يؤتى به يوم القيامة بصفة شيء محسوس بل قد ثبت عن النبي عليه السلام أن سورتي البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان, والغياية السحابة الملتفة إذا كانت قريبة من الأرض أو غمامتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما فهذا القرآن كلام الله وهو فعل القارئ ومع ذلك يجعل الثواب كأنه فرقان من طير صواف فهذه الصدقة يجعلها الله سبحانه وتعالى شيئاً محسوساً يظلُّ صاحبه وحدثني رجل إنه كان بخيلاً ولا يأذن لامرأته أن تتصدق بشيء من ماله. فرأى في المنام كأنه في يوم القيامة وكأن الشمس قريبة من الناس والناس يموج بعضهم في بعض، وهم في حرٍّ شديد ومشقة فجاء شيء مثل الكساء فظلل عليه لكن فيه ثلاثة خروق تدخل منه الشمس يقول فرأى شيئاً يشبه التمرات جاءت وسدت هذه الخروق فانتبه وهو متأثر من الرؤيا فقصُّها على زوجته قالت الذي رأيته حق جاءني فقير وأعطيته ثوباً وجاء بعده فقير فأعطيته ثلاث تمرات سبحان الله الثوب الكساء والتمرات هي التي جاءت ورقعت الشقوق الثلاثة التي في الثوب وهذا الحديث يشهد لصحتها وفيه دليل على فضيلة الصدقة.

 


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية