اطبع هذه الصفحة


من أقوال السلف في الحسد

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن الأمراض الخطيرة التي تنخر في قلب الأنسان: مرض الحسد, وهو داء قديم, لا يخلص منه كما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلا قليل من الناس.

ومن ابتلي به فهو يؤذى نفسه قبل أن يؤذي غيره, فحياته هم وغم ونكد وتعب, ومن سلم منه عاش سعيداً مسروراً, نسأل الله أن يحفظنا وجميع إخواننا المسلمين منه.

للسلف أقوال في الحسد, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, نسأل الله أن ينفع بها الجميع.  

** قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لا تُعادوا نعم الله, قيل: ومن يعادي نعم الله ؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.

** قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ما أكثر عبد ذكر الموت, إلا قلّ فرحه, وقل حسده.

** قال معاوية رضي الله عنه: كل الناس أقدر على رضاه, إلا حاسد نعمة, فإنه لا يرضيه إلا زوالها.

** قال الحسن:

& ابن آدم لم تحسد أخاك ؟ فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه, فلم تحسد من أكرمه الله ؟ وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار.؟

& ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد, حزن لازم, وعبرة لا تنفذ.

** قال ابن قتيبة: الحاسد طويل الحسرات.

** قال الأصمعي: رأيت أعرابياً قد أتت له مائة وعشرون سنة, فقلت له: ما أطول عمرك ! فقال: تركت الحسد فبقيت.

** قال الشافعي الحسد إنما يكون من لؤم العنصر...والحاسد كويل الحسرات...عادم الدرجات.

** قال الإمام ابن حبان:

& الواجب على العاقل مجانبة الحسد على الأحوال كلها.

& الحاسد لا تهدأ رُوحه، ولا يستريح بدنه,  إلا عند رؤية زوال النعمة عن أخيه.

& الحسد من أخلاق اللئام وتركه من أفعال الكرام،

& لكل حريق مطفئ، ونار الحسد لا تطفأ.

& العاقل إذا خطر بباله ضرب من الحسد لأخيه أبلغ المجهود في كتمانه، وترك إبداء ما خطر بباله.

& بئس الشعار للمرء الحسد؛ لأنه يورث الكمد ويورث الحزن، وهو داء لا شفاء له

** قال الإمام الماوردي:

& ظاهر الحسد أقبح من باطنه, وباطنه أضرّ من ظاهره, لأنه في الظاهر شدة الأسى على الخير أن يكون للناس الأفاضل, وهذا قبيح في الظاهر...وباطنه أنه مغم للنفس, كدود للجسد غير جالب لنفع, ولا دافع لضرر, ولا مؤثر في عدو.

& المنافسة غيرُ الحسد, فلا بأس أن يتنافس الأكفاء في فضائلهم, وربما غلط قوم فظنوا أن المنافسة في الخير هي الحسد, وليس الأمر كما ظنوا, لأن المنافسة طلبُ التشبه بالأفاضل من غير إدخال ضرر على الفاضل, والحسد مصروف إلى الضرر, لأن غايته أن يعدم الفاضل فضله, فهذا هو الفرق بين المنافسة والحسد.

ــــــــــــــــــــ

** قال الإمام الغزالي:

& الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب. ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل. والعلم النافع لمرض الحسد أن تعرف تحقيقاً أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين, وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين, بل ينتفع به فيهما, ومهما عرفت هذا عن بصيرة, ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت الحسد لا محالة

& الحسد...كونه ضرراً عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى, وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده, وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته, فاستنكرت ذلك واستبشعته وهذا جناية على الدين وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلاً من المؤمنين وتركت نصيحته وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى, وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا, وزوال النعم, وهذه خبائث في القلب, تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب.

& الحسد....كونه ضرراً عليك في الدنيا فهم أنك تتألم بحسدك في الدنيا, أو تتعذب به, ولا تزال في كمد, وغم, إذ أعداؤك لا يخليهم الله تعالى عن نعم يفيضها عليهم, فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها, وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم, فتبقى مغموماً, محروماً, متشعب القلب, ضيق الصدر, قد نزل بك ما يشتهيه الأعداء لك, وتشتهيه لأعدائك, فقد كنت تريد المحنة لعدوك, فتنجزت في الحال محنتك, وغمك نقداً.  ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسدك. ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلاً أن تحذر من الحسد, لما فيه من ألم القلب مع عدم النفع, فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة؟ فما أعجب من العاقل كيف يتعرض لسخط الله من غير نفع يناله بل مع ضرر يحتمله.

ــــــــــــــ

& الحسد....لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح, لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك, بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة فلا بد أن يدوم ,إلى أجل غير معلوم, قدره الله سبحانه, فلا حيلة في دفعه, بل كل شيء عنده بمقدار, ولكل أجل كتاب.

& لا عذاب أشد مما أنت فيه من ألم الحسد, وغاية أماني أعدائك أن يكونوا في نعمة, وأن تكون في غمّ وحسرة بسببهم, وقد فعلت بنفسك ما هو مرادهم.

ولذلك لا يشتهي عدوك موتك, بل يشتهي أن تطول حياتك, ولكن في عذاب الحسد لتنظر إلى نعمة الله عليه, فينقطع قلبك حسداً.

** قال الإمام أبو والوفاء ابن عقيل: في الحسد اثنتان: كمد يثلم القلب, وكدر يحدث في العيش, يكاد الباغي أن يكون بمعزل من حفظ الله سبحانه وتعالى.

** قال الإمام ابن الجوزي:

& يشفيك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك.

& قال بعض الحكماء: كل أحد يمكن أن ترضيه إلا الحاسد, فإنه لا يرضيه إلا زوال نعمتك.

& الحاسد, حزن لازم, وعقل هائم, وحسرة لا تنقضي.

** قال الإمام القرطبي:

& الحسد أول ذنب عُصي به الله في السماء, وأول ذنب عُصي به الأرض, فأما في السماء فحسدُ إبليس لآدم, وأما في الأرض فحسدُ قابيل لهابيل.

& الحسد مذموم, وصاحبه مغموم, وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

& مرض من أمراض النفس, وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا قليل من الناس.

ــــــــــــــ

& ما خلا جسد من حسد, لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه.

& من وجد في نفسه حسداً لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر

** قال العلامة ابن القيم:

& أربعة تجلب البغضاء والمقت: الكبر, والحسد, والكذب, والنميمة.

& أصل الحسد هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها, فالحاسد عدوُّ النعم, وهذا الشرُّ هو من نفس الحاسد وطبعها, ليس هو شيئاً اكتسبه من غيرها, بل هو من خُبثها وشرها

& تأمل تقيده سبحانه شر الحاسد بقوله: ) إذا حسد [ لأن الرجل قد يكون عنده حسد ولكن يخفيه ولا يترتب عليه أذى بوجهٍ ما, لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده, بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك, ولا يعامل أخاه إلا بما يُحبُّ الله, فهذا لا يكاد يخلو منه أحد, إلا من عصمه الله.

& الحسدُ خلُقُ نفس ذميمةٍ وضيعةٍ ساقطةٍ, ليس فيها حرص على الخير, فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها, وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم

& الحسود عدو النعمة, متمن زوالها عن المحسود, كما زالت عنه هو, والمنافسُ سابقُ النعمة, متمنِّ تمامها عليه وعلى من ينافسه.

** قال الإمام محمد بن عبدالوهاب:

& المحسود يرفعه الله على الحاسد

& الظالم الحاسد يذله الله.

& الحاسد إذا أخفى الحسد, ولم يعامل أخاه إلا بما يحبه الله, لم يضره.

ــــــــــــــــــ

** قال العلامة العثيمين:

& قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن التفسير الصحيح للحَسَد ليس أن يتمنَّى الإنسان زوال نعمة الله على غيره، ولكن التفسير الصحيح للحَسَد، هو أن يكره الإنسان ما أنزل اللهُ على غيره من الخير، سواء تمنَّى زواله أو لم يتمَنَّ، وهذا التفسير لشيخ الإسلام هو الأقرب.

& الحَسَدُ مضارُّه كثيرةٌ:

منها: أنه اعتراض على قضاء الله وقَدَره، وعدم رضا بما قدَّره الله عز وجل؛ لأن الحاسد يكره هذه النِّعْمة التي أنعم الله بها على المحسود.

ومنها: أن الحاسد يبقى دائمًا في قَلَقٍ وفي حُرْقة وفي نكَدٍ؛ لأن نِعَمَ الله على العباد لا تُحصى، فإذا كان كلما رأى نعمة على غيره حَسَدَه، وكرِه أن تكون هذه النِّعْمة، فلا بد أن يبقى في قَلَقٍ دائمٍ، وهذا هو شأن الحاسد، والعياذ بالله.

ومنها: أن الحاسد فيه شَبَهٌ من اليهود الذين يَحسُدون الناس على ما آتاهم الله من فضله

ومنها: أن الحاسد-في الغالب- يبغي على المحسود، فيحاول أن يكتمَ نِعْمة الله على هذا المحسود أو أن يُزيل نِعْمةَ الله على هذا المحسود فيجمع بين الحَسَد وبين العدوان

ومنها: أن الحاسد يحتقر نعمة الله عليه؛ لأنه يرى أن المحسودَ أكملُ منه وأفضلُ، فيَزْدَري نعمة الله عليه، ولا يشكُره سبحانه وتعالى عليها.

ومنها: أن الحَسَد يدلُّ على دناءة الحاسد، وأنه شخصٌ لا يحبُّ الخيرَ للغير، بل هو سافل، لا ينظر إلَّا إلى الدنيا، ولو نظر إلى الآخرة لأعرَض عن هذا.

 

ـــــــــــــــ

& أرشد الله تعالى إلى دواء نافع للحَسَد؛ فقال: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ [النساء: 32]، وقال بعدها: ﴿ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 32]، وهذا هو الدواء، فإذا أنعم الله تعالى على أخيك نِعْمةً، فلا تكره هذه النِّعْمة لأخيك، ولا تتمنَّ زوالها؛ ولكن قل: اللهمَّ إني أسألُك من فضلك، ويجوز أن تقول: اللهم أعطني أكثرَ ممَّا أعطيتَ فلانًا، تسأل الله تعالى أكثرَ مما أعطى فلانًا، فهذا مِن الدواء.

& ما كثُر الأمرُ في الناس في الآونة الأخيرة من السَّحَرة والحُسَّاد، وما أشبه ذلك، إلَّا بسبب غفلتهم عن الله، وضَعف توكُّلهم على الله عز وجل، وقلة استعمالهم للأوراد الشرعية التي بها يتحصَّنُون، وإلَّا فنحن نعلم أن الأوراد الشرعية حِصْن منيعٌ أشدُّ من سدِّ يأجوج ومأجوج، لكن - مع الأسف - فإن كثيرًا من الناس لا يعرفُ عن هذه الأوراد شيئًا، ومَنْ عرَف فقد يغفل كثيرًا، ومن قرأها فقلبُه غيرُ حاضرٍ، وكل هذا نقصٌ، ولو أن الناس استعملوا الأوراد على ما جاءت بها الشريعة، لسلِموا من شرورٍ كثيرةٍ.


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ