اطبع هذه الصفحة


فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (10) من سورة سبأ إلى سورة الأحقاف 

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 
 بسم الله الرحمن الرحيم
    

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فهذا الجزء العاشر من فوائد مختارة من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله من سورة سبأ إلى سورة الأحقاف, أسأل الله أن ينفع بها.

●  الجن لا يعلمون الغيب:

يذكر تعالى كيفية موت سليمان عليه السلام, وكيف عمى الله موته على الجان المسخرين له في الأعمال الشاقة, فإنه مكث متوكئاً على عصاه وهي منسأته, كما قال ابن عباس رضي الله عنهما, ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد, مدة طويلة, نحواً من سنة, فلما أكلتها دابة الأرض, وهي الأرضة, ضعفت, وسقط إلى الأرض, وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة, وتبينت الجن والإنس أيضاً أن الجن لا يعلمون الغيب, كما كانوا يتوهمون, ويوهمون الناس بذلك.

●  جزاء المعصية:

عن ابن خيره, وكان من أصحاب علي رضي الله عنه, قال: جزاء المعصية: الوهن في العبادة, والضيق في المعيشة, والتعسر في اللذة, قيل: وما التعسر في اللذة ؟ قال: لا يصادف لذة حلال إلا جاءه من ينغصه إياها.

●  المرائي ينكشف أمره:

ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه, وفلتات لسانه, وما أسرّ أحد سريرة إلا كساها الله تعالى رداءها إن خير فخير, وإن شراً فشر, فالمرائي لا يروج أمره, ويستمر إلا على غبي, أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم, بل ينكشف لهم عن قريب, وعالم الغيب لا تخفى عليه خافيه.  

●  معاداة الشيطان:

لا يفتننكم الشيطان ويصرفنكم عن اتباع رسل الله, وتصديق كلماته, فإنه غرار كذاب أفاك....هو مبارز لكم بالعداوة فعادوه أنتم أشد العداوة, وخالفوه وكذبوه, فيما يغركم به...إنما يقصد أن يضلكم, حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير. فهذا العدو المبين نسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان, وأن يرزقنا اتباع كتابه, والاقتفاء بطريق رسوله, إنه على ما يشاء قدير, وبالإجابة قدير.

●  الظالم لنفسه, والمقتصد, والسابق بالخيرات:

قال تعالى: ﴿ فمنهم ظالم لنفسه﴾[فاطر:32] وهو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات. ﴿ ومنهم مقتصد ﴾ وهو المؤدي للواجبات, التارك للمحرمات, وقد يترك بعض المستحبات, ويفعل بعض المكروهات, ﴿ ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله﴾ وهو الفاعل للواجبات والمستحبات, التارك للمحرمات والمكروهات, وبعض المستحبات....قال ابن عباس رضي الله عنهما: السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب, والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله, والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم.

●  نعمة الله على عبادة بتسخير الأنعام لهم:

& يذكر تعالى ما أنعم به على خلقه من هذه الأنعام, التي سخرها لهم ﴿ فهم لها مالكون﴾ [يس:71] قال قتادة: مطيقون, أي جلهم يقهرونها, وهي ذليلة لهم, لا تمتنع منهم, بل لو جاء صغير إلى بغير لأناخه, ولو شاء لأقامه, وساقه, وذاك ذليل منقاد معه, وكذا لو كان القطار مائة بعير, أو أكثر, لسار الجميع بسيّر الصغير

 

ـــــــــــــ

●  خشية الله حق خشيته:

الله...إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به, لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال, المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتمّ, والعلم به أكمل, وكانت الخشية له أعظم وأكثر.

●  العلم:

& عن ابن مسعود رضي الله عنه, أنه قال:

_ ليس العلم عن كثرة الحديث, ولكن العلم عن كثرة الخشية.

_ من علم شيئاً فليقل به, ومن لم يعلم فليق الله أعلم, فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم الله أعلم.

& عن مالك قال: إن العلم ليس بكثرة الرواية, وإنما العلم نور يجعله الله في القلب.

●  أهلك الله جل وعلا قوم لوط, وجعل محلتهم بحيرة منتنة قبيحة المنظر:

يخبر تعالى عن عبده ورسوله لوط عليه السلام, أنه بعثه إلى قومه فكذبوه, فنجاه الله من بين أظهرهم هو وأهله, إلا امرأته فإنها هلكت مع من هلك من قومها, فإن الله تعالى أهلكهم بأنواع العقوبات, وجعل محلتهم من الأرض بحيرة منتنة, قبيحة المنظر والطعم والريح, وجعلها بسبيل مقيم, يمرّ بها المسافرون ليلاً ونهاراً.  

●  فوائد القرع:

اليقطين هو القرع,...وذكر بعضهم في القرع فوائد, منها: سرعة نباته, وتظليل ورقه لكبره, ونعومته, وأنه لا يقربه الذباب, وجودة تغذية ثمره, وأنه يؤكل نيئاً ومطبوخاً بلبه وقشره أيضاً, وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبُّ الدباء, ويتبعه من حواشي الصفحة.

ــــــــــــــــ

●  التوبة:

الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها, ورجع عنها, وإن كانت مهما كانت, وإن كثرت, وكانت مثل زبد البحر....لا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت, فإن باب الرحمة والتوبة واسع.

●  علم الله جل وعلا المحيط بجميع الأشياء:

يخبر عز وجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها, صغيرها وكبيرها, دقيقها ولطيفها, ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء, ويتقوه حق تقواه, ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه, فإنه عز وجل يعلم العين الخائنة, وإن أبدت أمانة, ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر.

●  من دفع الحق بالباطل طبع الله على قلبه:

الذين يدفعون الحق بالباطل, ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى, فإن الله عز وجل يمقت على ذلك أشدّ المقت,...والمؤمنون يبغضون من تكون هذه صفته, فإن من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه, فلا يعرف بعد ذلك معروفاً, ولا ينكر منكراً.

●  بشار الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار:

تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار: نحن كنا أولياؤكم, أي قرناءكم في الحياة الدنيا, نسددكم ونوفقكم, ونحفظكم بأمر الله, وكذلك نكون معكم في الآخرة, نؤنس منكم الوحشة في القبور, وعند النفخة في الصور, ونؤمنكم يوم البعث والنشور, ونجاوز بكم الصراط المستقيم, ونوصلكم جنات النعيم.

 

ــــــــــــ

●  الإحسان لمن أساء:

& من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه, كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه" ...وإذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك, ومحبتك, والحنو عليك, حتى يصير كأنه ولي حميم, أي قريب إليك, من الشفقة عليك, والإحسان إليك....وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك, فإنه يشق على النفوس.

& قال الفضيل بن عياض: إذا أتاك الرجل يشكو إليك رجلاً, فقل يا أخي اعف عنه, فإن العفو أقرب للتقوى, فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو ولكن انتصر, كما أمرني الله عز وجل, فقل له: إن كنت تحسن تنتصر, وإلا فأرجع, إلى باب العفو, فإنه باب واسع, فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله. وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل, وصاحب الانتصار يقلب الأمور.  

& لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء ولكن تألفهم واصفح عنهم.

●  آيات في كتاب الله:

قال ابن مسعود رضي الله عنه:

إن أعظم آية في كتاب الله: ﴿ الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ [البقرة:255]

وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان  ﴾[النحل:90]

وإن أكثر آية في القرآن فرحاً: ﴿ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله﴾ [الزمر:53]  وإن أشدّ آية في كتاب الله تفويضاً: ﴿ ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ [الطلاق:2_3]  

ـــــــــــــــ  

●  أقلّ مدة الحمل ستة أشهر:

قوله تعالى: ﴿ وحمله وفصاله ثلاثون شهراً﴾ [الأحقاف:15]قد استدل علي رضي الله عنه, بهذه الآية مع التي في لقمان: ﴿ وفصاله في عامين﴾ وقوله تبارك وتعالى:  ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ﴾ على أن أقلّ مدة الحمل: ستة أشهر, وهو استنباط قوي صحيح. ووافقه عليه عثمان, وجماعة من الصحابة.  

●  منوعات:

& قوله تعالى: ﴿ وقليل من عبادي الشكور﴾ [سبأ:13] إخبار عن الواقع.

& قوله تعالى: ﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون﴾ [الشورى:39] أي فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم, واعتدى عليهم, ليسوا بالعاجزين, ولا الأذلين, بل يقدرون على الانتقام ممن بغي عليهم, وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا.   

& قوله تعالى: ﴿ وعندهم قاصرات الطرف عين﴾ [الصافات:48] أي: عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن.  

& قوله تعالى: ﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ﴾ [غافر:60]  هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه, أنه ندب عباده إلى دعائه, وتكفل لهم بالإجابة.

& قوم عاد...لما رأوا العذاب مستقبلهم اعتقدوا أنه عارض ممطر ففرحوا واستبشروا به, وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر قال الله تعالى: ﴿ بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم﴾ أي هو العذاب الذي قلتم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.

& يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم وآمراً له بالتأسي بمن قبله من الرسل, ومخبره بأنه ما بعث نبياً في قرية إلا كذبه مترفوها, واتبعه ضعفاؤهم.

ــــــــــــ

& قوله تعالى: ﴿ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً ﴾ [فاطر:8] يعني كالكفار والفجار, يعملون أعمالاً سيئة, وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً, أفمن كان هكذا, قد أضله الله, ألك فيه حيلة, لا حيلة لك فيه.  

& قال الضحاك: كل شيء في القرآن ﴿  فاطر السماوات والأرض ﴾ فهو خالق السماوات والأرض.

& يقول مطرف بن عبدالله الشخير: أنصح عباد الله للمؤمنين: الملائكة, ثم تلا هذه الآية: ﴿ ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ﴾ الآية [غافر:8] وأغشّ عباده للمؤمنين: الشياطين.

& قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوم التلاق, اسم من أسماء يوم القيامة, حذر الله منه عباده.

& زكاة المال إنما سميت زكاة لأنها تطهره من الحرام, وتكون سبباً لزيادته وبركته, وكثرة نفعه, وتوفيقاً إلى استعماله في الطاعات.

& سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه, أن الله ينصر عباده المؤمنين في الدنيا, ويقرّ أعينهم ممن آذاهم.

& يوم الآزفة, اسم من أسماء يوم القيامة, وسميت بذلك لاقترابها.   

& من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليزم طاعة الله تعالى, فإنه يحصل له مقصوده, لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة, وله العزة جميعاً.

& القطمير: هو اللفافة التي تكون على نواة التمر.

& إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهى الخائفون من ربهم الفاعلون ما أمرهم به.

ــــــــــــــ

& قال ابن عباس رضي الله عنهما: في الخمر أربع خصال: السكر, القيء, البول, الصداع, فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال.  

& الإنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين, ثم يشرع بعد هذا في النقص والهرم.

& قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحاً, لا تلقاه غاشاً.

& النسلان: المشي السريع.

& الكلام العريض: ما طال لفظه, وقل معناه, والوجيز عكسه, وهو ما قلّ ودلّ.

& سميت مكة أم القرى لأنها أشرف من سائر البلاد.

& قال قتادة: خير العيش ما لا يليهك, ولا يطغيك.

& قال الضحاك: أي مصيبة أعظم من نسيان القرآن.

& مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به, فإنما هو متاع الحياة الدنيا, وهي دار دنيئة فانية زائلة, لا محالة, وثواب الله تعالى خير من الدنيا, وهو باق سرمدي, فلا تقدموا الفاني على الباقي.  

& المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ أن تكون طفلة, وإذا خاصمت فلا عبارة لها بل هي عاجزة عيية.

& كل صداقة وصخابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة, إلا ما كان لله عز وجل فإنه دائم بدوامه.

& الرياح...منها ما هو للمطر, ومنها ما هو للقاح, ومنها ما هو غذاء للأرواح, ومنها ما هو عقيم لا ينتج.

& لا أضلً ممن يدعو من دون الله أصناماً, ويطلب منها ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة, وهي غافلة عما يقول لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش, لأنها جماد حجارة صم

ــــــــــــــ

& الأحمق في اللغة: ضعيف العقل.   

& تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, عن كثير من طيبات المآكل والمشارب, وتنزهاً عنها, وقال: إني أخاف أن أكون كالذين قال الله فيهم: القرآن ﴿أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ﴾ [الأحقاف:20]    


كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ